array(1) { [0]=> object(stdClass)#12963 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 193

العلاقات الصينية الخليجية نموذج للعلاقات الدولية الجديدة وتموضع النظام العالمي

الخميس، 28 كانون1/ديسمبر 2023

تزايد التعاون الصيني مع دول مجلس التعاون الخليجي خلال السنوات الأخيرة، حيث وصل تكثيف هذا التعاون إلى حالة نوعية، الأمر الذي جعله يرتقي إلى مستوى العلاقات الاستراتيجية، إذ شكّلت العلاقات الصينية الخليجية نمطًا جديدًا من العلاقات الدولية  يقوم على مبدأ التكامل، وهو ما يرسّخ في الوقت ذاته المبدأ الصيني "رابح-رابح"، ذلك المبدأ الذي ظهر بشكل واضح من خلال التعاون القائم على الرؤى المشتركة التي ظهرت بشكل عملي وواقعي بأشكال متعددة من أهمها التكامل بين مبادرة الحزام والطريق التي أُطلقت عام 2013م، رؤى دول مجلس التعاون الخليجي المرتقبة خلال السنوات القادمة. يقدّم هذا البحث تتبّعًا للتعاون الصيني مع دول مجلس التعاون الخليجي خلال السنوات الماضية وتحديدًا خلال العام الماضي، كما يُقدّم تصورًا وتطلعًا لما سينتج عن ارتقاء التعاون بين الطرفين.

الخلفية النظرية

تعددت نظريات العلاقات الدولية التي حاولت توصيف أسباب ظهور النظام العالمي الجديد. من النظريات من يرى أن السبب الذي يؤدي إلى بروز نظام جديد واندثار آخر قد يكون نتيجة للتغير العالمي الشامل في المستويات الثقافية والتكنولوجية والعلمية، وهو ما يؤدي بدوره إلى تغير في طبيعة النظام القائم. بالإضافة إلى وجود نظريات أخرى تبحث في الشكل الذي من الممكن أن يكون عليه النظام العالمي بعد وصوله إلى مرحلة التوازن وهو ما يُطلق عليه اسم نظرية "الاستدامة"، تلك النظرية التي تقول إنّ تشكّل النظام العالمي الجديد يجب أن يضمن تشكيل قوى متوازنة بما يضمن استدامة هذا النظام مدة أطول. عموما قد يكون التغير العام في مختلف المستويات هي أسباب تدفع النظام العالمي إلى إعادة التشكّل، كما أنّ سلامة التوازنات في العلاقات بين الدول التي ستتضح بشكل أكبر في الفترة القادمة هي من أهم ما يضمن استقرار حالة السلام في النظام العالمي الجديد. وهنا من المفيد الإشارة إلى أمرين، الأول: أنّه اليوم وفي ظل إعادة تموضع الدول في النظام العالمي الجديد فإنّ أكثر العلاقات وضوحًا من حيث معالمها وتطلعاتها تنشأ بين الدول الأكثر استقرارًا لا سيما من الناحية السياسية، ولعل هذا هو السبب المباشر الذي جعل العلاقات الصينية / الخليجية تبرز على الساحة الدولية كأكثر العلاقات متانة طيلة العام الماضي، وهو ما يبشّر في الوقت ذاته بتطور نوعي في تلك العلاقات مستقبلًا. وأما الأمر الثاني فهو: أنه كان للخطاب الصيني السلمي دور كبير في المرحلة الراهنة في التمهيد لعالم جديد، فمما لا شك فيه أنّ معظم الدول العربية تحتاج اليوم إلى الخطاب الصيني السلمي المتوازن وغير المتحيز، هذا الخطاب الذي ينبع من المبدأ التالي: "لا يمكن لشجرة السلام أن تنمو على أرض فقيرة، ولا يمكن أن تثمر التنمية في لهيب الحرب". ولذلك لا بدّ من بناء أساس جيد لهذا التعاون، بدءًا من الجانب الاقتصادي وصولًا إلى السياسي.

عمليًا، تملك الصين ودول الخليج العربي من التوافقات في الرؤى المشتركة ما جعل التعاون بينهما يُثمر طيلة السنوات الماضية، وقد ظهرت ثمار هذا التعاون بوضوح على مدار العام الحالي 2023م، إذا ظهر حجم التوافق في المشتركات في مبادرة الحزام والطريق ورؤى الحكومات الخليجية مثل رؤية المملكة العربية السعودية 2030، ورؤية قطر الوطنية 2030، ورؤية عمان 2020...إلخ.

وعلى الرغم من سلمية الخطاب الصيني، إلا أنّ السؤال الأكثر إلحاحًا الذي سيطرح على  الساحة الدولية هذه السنوات، كان يتعلق بالتعاون الصيني مع دول مجلس التعاون الخليجي وتحديدًا: "هل ستكون الصين بديلًا لأمريكا في منطقة الخليج؟"، وذلك على الرغم من الإيضاحات الصينية المتتالية لما تهدف إليه بكين في علاقتها مع مختلف الدول، وتحديدًا حول وجود فارق كبيير ما بين الجانبين الأمريكي والصيني في التعامل والنظرة إلى مفهوم العلاقات الدولية، إذ أنّ هدف الصين إقامة علاقات ودية مع أكثر دول العالم وصون السلام العالمي ودفع التنمية المشتركة، والعمل على إقامة مجتمع المستقبل المشترك للبشرية. إلا أن هذا السؤال لم يزل الأكثر إلحاحًا حتى اللحظة الراهنة، وقد يكون السبب الرئيسي في ذلك هو أن الحكم على النظام العالمي الجديد لم يزل غير واضح المعالم، كونه لم يأخذ الشكل النهائي، وبالتالي لم تزل الشكوك تلاحق أي تعاون صيني مع أية دولة كانت. وعلى الرغم من كل ما سبق فإن التعاون الصيني مع دول مجلس التعاون الخليجي قد شهد ازدهارًا كبيرًا العام الماضي على مختلف الأصعدة السياسة والاقتصادية والثقافية. إذ أنه ووفقًا لبعض الإحصائيات التي سيرد ذكرها لاحقًا فقد عملت الصين مع دول مجلس التعاون الخليجي من أجل تعزيز الاستثمارات وتسريع وتيرة التجارة. فيما يلي مراجعة علاقات الصين مع دول مجلس التعاون الخليجي طيلة العام الماضي، مع توقعات بما تحمله تلك العلاقات خلال العام القادم.

ما تم إنجازه من تعاون الصين مع دول مجلس التعاون الخليجي

لعلّ أكثر ما يميز التعاون الصيني / الخليجي هو أنه يُبنى في عصر جديد تتطلع فيه دول الخليج العربي إلى تنويع اقتصادها وصناعاتها، وهو ما يمكن أن تؤمّنه الصين من خلال تعاونها المشترك مع دول مجلس التعاون الخليجي، إذ أن التعاون الصيني الخليجي يفتح آفاقًا جديدة، فعلى الرغم من أهمية النفط في العلاقات الصينية الخليجية، إلا أنه لم يكن سببًا وحيدًا يدفع إلى التعاضد بين الجانبين، بعبارة أخرى إن التحديث الصيني سيجلب فرصا جديدة للتعاون بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي. فيما يلي تلخيص لأهم مرتكزات علاقات الصين مع دول مجلس التعاون الخليجي:

  • المصالحات والتهدئة السياسية: تُعدّ التنمية الاقتصادية ركيزة أساسية تحكم علاقات بكين مع الدول الأخرى، الأمر الذي يتطلّب تهدئة واستقرارًا، فلا تنمية بدون أمن. وانطلاقًا من هنا فإنّ الاتفاق السعودي / الإيراني برعاية صينية كان من أبرز الأحداث السياسية العام الماضي لا بل شكّل حدثًا مفصليًّا، إذ أسفر عن حل خلافات متعددة في المنطقة العربية وفتح ملفات في منطقة الشرق الأوسط، كانت تعتبر بمثابة مشاكل صعبة الحل، تلك الحلول فتحت آفاقًا أكثر اتساعًا لشرق أوسط ينعم بالسلام، ذلك السلام الذي يجب العمل على تحقيقه بالمزيد من التعاون.
  • اقتصاديًا: بشكل عام شهدت العلاقات الصينية / الخليجية، والصينية / السعودية بشكل خاص تقدمًا ملحوظًا خلال العقدين الماضيين. ففي عام 2008م، أقام البلدان علاقات ودية استراتيجية، وفي عام 2012م، أعلن البلدان عن مزيد من التحسّن في مستوى العلاقات. أما في عام 2019م، استثمرت الصين 177 مليار دولار في البنية التحتية بالخليج وذلك وفقًا لكتاب GCC Hydrocarbon Economies and COVID.  خلال الخمسة عشر عامًا الماضية، استثمرت الصين حوالي 101 مليار دولار في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي، وهو ما يمثل حوالي 42% من إجمالي الاستثمارات الصينية في الشرق الأوسط. ووفقًا لأحدث إحصائيات أعلنت المملكة العربية السعودية عن احتلال الصين المرتبة الأولى في صادراتها السلعية بنسبة 18.3% وبقيمة بلغت 18 مليارًا و992 مليون ريال سعودي في شهر سبتمبر 2023م، كما اعتمدت الصين ودول مجلس التعاون الخليجي خطة عمل مشتركة في الفترة الممتدة بين عامي 2023 و2027م، من شأنها تعزيز الشراكة الاستراتيجية القائمة بين الجانبين والتأكيد على دفعها نحو آفاق جديدة في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية. فمن حيث الموقع الجغرافي يعدّ الخليج العربي منطقة حيوية بالنسبة للصين لأنها تمثل المصدر الرئيسي للطاقة. بالإضافة إلى ذلك، يعد الموقع الاستراتيجي لدول مجلس التعاون الخليجي أمرًا مهما للصين من أجل المضي قدما في تنفيذ مبادرة الحزام والطريق.  كما تعد المملكة العربية السعودية أكبر مورد نفط للصين على مدار الخمسة عشر عامًا الماضية، كما أنها أكبر شريك تجاري للصين في غرب آسيا منذ ما يقرب من عقدين من الزمن. وقد يكون ما يتمتع به النفط الخليجي من مزايا والتي منها: الجودة العالية لخام النفط، سهولة النقل، وانخفاض تكاليف إنتاج النفط الخام، جعلت العلاقات الصينية الخليجية تقوم في جزء كبير منها على الطاقة، إلا أنّه ومع تصاعد وتيرة التعاون لم تبق الطاقة المجال الوحيد للتعاون الاقتصادي الصيني الخليجي، بل بدأت تزدهر مجالات أخرى، وتحديدًا في الفترة الراهنة التي بدأت فيها دول مجلس التعاون الخليجي تعتمد فعلاً مبدأ تنويع الاستثمارات، خاصة وأنّه من المعروف من الجانب الاقتصادي أنّ البلد الذي يرفض تنويع اقتصاده يلعب دورًا هامشيًا وتابعًا، وهنا تظهر أهمية خطط اقتصادات ما بعد النفط والذي يعد جزءًا رئيسيًا من رؤية المملكة العربية السعودية 2030. هذا بالإضافة إلى إمكانية تحقيق تعاون كبير في مجال اليد العاملة بما يساهم في توطين الصناعة في دول الخليج العربي.
  • ماليًا: من التطورات المالية الأكثر بروزًا في العلاقات الصينية الخليجية هو توقيع بنك الشعب الصيني (البنك المركزي) والبنك المركزي السعودي، اتفاقية ثنائية لتبادل العملات، إذ ذكر البنك المركزي الصيني في بيان عبر موقعه الإلكتروني أن القيمة الإجمالية للاتفاقية تبلغ 50 مليار يوان (ما يعادل نحو 6.98 مليار دولار أمريكي)، أو 26 مليار ريال سعودي. وأوضح البيان أن الاتفاقية سارية لمدة ثلاث سنوات ويمكن تجديدها بموافقة الطرفين. وأشار إلى أن هذا التعاون المالي سيساعد في تعزيز التعاون بين الصين والسعودية وتوسيع حجم استخدام عملتي البلدين وتعزيز التجارة وتسهيل الاستثمار على الصعيد الثنائي.

التطلعات إلى تعاون الصين مع دول مجلس التعاون الخليجي

استنادًا إلى ما ورد في الفقرة السابقة فإن الجانبين الصيني والخليجي سيواصلان العمل على تحقيق مزيد من التعاون والتآزر، من أجل تعميق نموذج التعاون "النفط والغاز +" وتشجيع الشركات من الجانبين على تنفيذ الاستثمار والتعاون بما يتماشى مع المبادئ الموجهة نحو السوق. كما سيستكشف الجانبان بشكل عملي عن فرص التعاون في البنية التحتية في مجالات مثل الموانئ والطيران والاتصالات وخطوط الأنابيب. بالإضافة إلى ذلك، سيعمل الطرفان بنشاط على تعزيز تحول الطاقة، وإطلاق العنان باستمرار لإمكانات التعاون في مجال الطاقة النظيفة مثل الطاقة الكهروضوئية وطاقة الرياح والطاقة النووية والهيدروجين والكتلة الحيوية، وكذلك في صناعة مركبات الطاقة الجديدة مثل بطاريات الطاقة وأكوام الشحن الذكية. كما سيعزّز ربط مبادرة الحزام والطريق مع استراتيجيات التنمية لدول مجلس التعاون الخليجي المزيد من التعاون مستقبلاً. وعلى الرغم من الفرص المتنوعة السابقة الذكر فإن المجال الذي يوجد فيه مجال واسع لتعزيز العلاقات الاقتصادية بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي هي التكنولوجيا، إذ تهتم الصين بشكل كبير بالاستثمار في مشاريع البنية التحتية الرقمية التي لا تنطوي على اختناقات معقدة في سلسلة التوريد أو قيود على الموارد. وتنظر دول مجلس التعاون الخليجي أيضًا إلى الاستثمار في التكنولوجيا كوسيلة للمضي قدمًا، وتبحث بنشاط عن تطوير علاقات تعاون متبادلة المنفعة قائمة على التكنولوجيا. ويمكن أن تمكّن دول مجلس التعاون الخليجي من تنويع اقتصادها وإرساء الأساس لتطوير اقتصاد المعرفة في عالم ما بعد الوباء. ووفقًا لوكيل وزارة الاستثمار السعودية فإنّه من المتوقع أن تتضاعف الاستثمارات السعودية في الصين وصولًا إلى أكثر من 20 مليار دولا خلال الفترة القادمة. وقد يكون من أهم ما سينتج عن التعاون الاقتصادي الصيني / الخليجي هو العمل على توطين الصناعات، خاصة وأن التصنيع يمثّل تغييرًا حقيقيًا في بنية أي مجتمع، ونقلة نوعية وذلك على الرغم من التحديات التي من الممكن أن تظهر، إلا أنه لا بديل عن إقامة تصنيع حقيقي من خلال توطين الصناعة ضمن حدود البلد الواحد.

دور الصين في تعاون دول الخليج العربي مع المنظمات الدولية

في الوقت الذي تفكك فيه نمط القطب الواحد، من المتوقع أن يتحول النظام العالمي الراهن إلى نظام الأقطاب المتعددة. وفي ظل هذه الخلفية، تنشأ منظمة شنغهاي للتعاون، مجموعة "بريكس" وغيرها من الآليات، التي تعمل معًا من أجل تعزيز التنمية الشاملة متعددة الأطراف، فهو رد من بلدان الجنوب والبلدان النامية على الوضع الجيوسياسي والجغرافي الاقتصادي الحالي في العالم.  وتدعو الأطراف المتعددة إلى التعاون الإقليمي بطريقة ملموسة وعملية للتصدي للتحديات المشتركة. على سبيل المثال، مواضيع ساخنة في الوقت الحاضر، مثل الرقمنة والذكاء الاصطناعي وما إلى ذلك، يمكن إنشاء آلية عبر الأقاليم لتعزيز تنميتها.

كما ذُكر في السابق للصين في علاقاتها مع الدول الأخرى هدفًا لبناء مجتمع المستقبل المشترك للبشرية جمعاء، وأرباح مشتركة لكلا الأطراف، إذ أنها وبدلًا من السعي إلى تشكيل أحلاف عسكرية، تعمل على إقامة علاقات تعاونية بين مختلف الدول. ولعلّ أهم توظيف لتلك العلاقات اليوم يبرز في ضرورة ترسيخ الأمن الاقتصادي، الأمر الذي يظهر بشكل واضح فيما يتعلق بسلاسل التوريد وتحديدًا سلاسل التوريد المتعلقة بالأمن الغذائي، إذ أنه وبعد اندلاع الصراع الروسي / الأوكراني اتضحت أهمية سلاسل التوريد، ولذلك فإن التكامل الاقتصادي الذي يؤدي إلى إنشاء عالم آمن اقتصاديا قد يكون من أهم سمات علاقة الصين مع الدول الأخرى، وبالتالي فإنّ العلاقات الصينية / الخليجية الاستراتيجية هي فرصة للدول الأخرى كي يتحقق المزيد من التكامل الاقتصادي، وهو ما يعني أنّ التوافق الصيني مع دول مجلس التعاون الخليجي هو فرصة لتمتين العلاقات مع الدول الأخرى، أو على الأقل لإضفاء طابع من التكامل الاقتصادي بين سلسلة من التكتلات الاقتصادية في العالم، فيما يلي أمثلة على أهمية توظيف العلاقات الاستراتيجية الصينية / الخليجية في حلقات تعاون أكبر:

  • آسيان: تعدّ علاقة الصين بدول جنوب شرق آسيا (دول الآسيان) هامة وشاملة على المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية. تتميز هذه العلاقة بالتعاون الوثيق والتبادل الشامل بين الجانبين. من الناحية الاقتصادية، تُعد الصين شريكًا تجاريًا رئيسيًا لدول الآسيان. تشمل التجارة بين الصين ودول الآسيان تدفقات هائلة من السلع والخدمات والاستثمارات. وتعتبر الصين سوقًا مهمًا لصادرات دول الآسيان، في حين تستورد دول الآسيان العديد من المنتجات والموارد من الصين. من الناحية السياسية، تسعى الصين ودول الآسيان إلى تعزيز التعاون والحوار بينهما. تعقد الصين ودول الآسيان اجتماعات منتظمة على مستوى القمم والوزراء والمسؤولين العليا لتعزيز التعاون ومناقشة القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك. وفي الوقت ذاته تملك دول الخليج علاقات اقتصادية متميزة بدول الآسيان، على سبيل المثال: هناك تبادل تجاري بين دول الخليج ودول الآسيان، حيث تستورد دول الخليج العديد من السلع والمنتجات من دول الآسيان مثل الأجهزة الإلكترونية والملابس والأغذية. كما يوجد تعاون في مجال الاستثمار، حيث تستثمر دول الخليج في قطاعات مختلفة في دول الآسيان مثل العقارات والبنية التحتية. وبالتالي من الممكن إقامة نوع من أنواع التكامل الاقتصادي المشترك بين دول الآسيان ودول مجلس التعاون الخليجي والصين بما يؤدي إلى تسهيل الحركة التجارية وتبادل السلع والخدمات وهو ما قد يمهّد الطريق لإقامة نماذج تنموية جديدة في العالم.
  • منظمة شنغهاي ومجموعة "بريكس": يعكس انضمام المملكة العربية السعودية إلى منظمة شنغهاي العالم الماضي الأهمية الاستراتيجية التي سيلعبها التعاون المتبادل بين الصين والمملكة في إطار منظمة شنغهاي، إذ لم يمثّل هذا الانضمام حدثًا عابرًا، لما له من تبعات سياسية تبدأ بتكريس فكرة التعدد القطبي، وتبعات اقتصادية ستظهر آثارها المستقبلية من خلال تكثيف التبادلات التجارية بين الدول المنضمة إلى شنغهاي، وبالتالي سيكون لهذا التعاون دور كبير في تسريع وتيرة التنمية أو بالأحرى الارتقاء في المسار التنموي لا سيما وأن للبلدين رؤى تنموية متعددة وتحديدًا فيما يتعلق بالشكل الذي يجب أن يكون عليه شكل التعاون بين الدول والتكتلات الاقتصادية في العالم. وأما فيما يتعلق بالتعاون الصيني مع دول مجلس التعاون الخليجي في إطار مجموعة "بريكس" فله أهمية اقتصادية كبيرة أيضًا، لا سيما أنه يشكل رابطًا قويًا للتعاملات الاقتصادية بين تلك الدول، وتحديدًا بعد انضمام المملكة العربية السعودية، إذ أنّه ووفقًا لتقرير "بلومبرغ" فإنّ انضمام السعودية إلى مجموعة "بريكس" والتي هي أكبر مصدر للنفط في العالم، إلى جانب روسيا والإمارات وإيران والبرازيل، سيجمع أكبر منتجي الطاقة مع أكبر المستهلكين في الدول الناشئة، مما يمنح التكتل نفوذاً اقتصادياً هائلاً.
  • جمهوريات آسيا الوسطى: تلعب الصين دورًا مهمًا في العلاقة بين دول مجلس التعاون الخليجي وجمهوريات آسيا الوسطى. من الناحية الاقتصادية، تُعتبر الصين شريكًا تجاريًا مهمًا لدول مجلس التعاون الخليجي وجمهوريات آسيا الوسطى على حد السواء. تستورد دول الخليج العربي العديد من المنتجات الصينية مثل البضائع الاستهلاكية والمعدات الصناعية، في حين تستورد جمهوريات آسيا الوسطى الموارد الطبيعية والنفط والغاز والمنتجات الزراعية من دول الخليج العربي. على صعيد الاستثمار، تقوم الصين بزيادة وجودها الاستثماري في منطقة الخليج وآسيا الوسطى. تستثمر في قطاعات متنوعة مثل البنية التحتية، والطاقة، والصناعة، والنقل، والتكنولوجيا. تهدف هذه الاستثمارات إلى تعزيز التجارة وتطوير البنية التحتية وتعزيز التكامل الاقتصادي في المنطقة. من الناحية السياسية، تسعى الصين لتعزيز العلاقات الثنائية مع دول الخليج العربي وجمهوريات آسيا الوسطى. كما تعقد الصين اجتماعات ومشاورات مع الدول الأعضاء في كلتا المنطقتين لتعزيز التعاون الثنائي وتبادل وجهات النظر حول القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، الأمر الذي سيظهر مستقبلًا بشكل أكثر وضوحًا.
  • إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى: على المستوى الشامل يعد التعاون الصيني الإفريقي فرصة لإعادة إنعاش منطقة من العالم كانت مهمّشة لفترة زمنية طويلة. اقتصاديًا، تشكل العلاقات الاقتصادية بين الجانبين دورًا رئيسيًا في العلاقة، إذ تعتبر الصين اليوم أكبر شريك تجاري للعديد من دول المنطقة، حيث تستورد موارد طبيعية مثل النفط والمعادن والزراعة من القارة الإفريقية. وفي المقابل، تصدر الصين سلعًا متنوعة إلى إفريقيا، بما في ذلك المنتجات الصناعية والمعدات والمنتجات الاستهلاكية. بالإضافة إلى العلاقات الاقتصادية، تتعاون الصين وإفريقيا جنوب الصحراء الكبرى في مجالات أخرى مثل البنية التحتية، حيث تشهد العديد من الدول المشاريع الضخمة الممولة من الصين في مجالات النقل والطاقة والاتصالات. كما تقدم الصين الدعم التقني للدول الإفريقية في مجالات التعليم والصحة والزراعة والتنمية المستدامة. وتهدف الصين أيضًا إلى تعزيز التبادل الثقافي والشعبي مع إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. ويتم تنظيم العديد من الفعاليات الثقافية والتعليمية والرياضية، بالإضافة إلى تقديم منح دراسية وفرص تدريب للشباب الإفريقي. من جانب آخر تعد العلاقات الخليجية / الإفريقية وتحديدًا في الجانب الاقتصادي علاقات مهمة، ولذلك قد يكون من المفيد بروز تكامل بين الجانبين الصيني والخليجي في تلك المناطق من العالم بما يؤدي إلى إظهار تيارات تنموية في تلك الدول تتغلّب على طابع التأخر والتخلف.

خاتمة

قد يكون أكثر ما يمكن تطبيقه على العلاقات الصينية / الخليجية الفكرة التي تقول إنه كلما زادت نسبة الفرص، ارتفعت نسبة المخاطر، وذلك تحديدًا في ظل الشروط السياسية السائدة في عالم اليوم، فعلى الرغم من أن العلاقات التكاملية على الصعيدين السياسي والاقتصادي التي نشأت بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي قد تكون بمثابة نموذجًا يُحتذى به لنمط جديد من العلاقات على الساحة الدولية، إلا أنه وفي الوقت ذاته فإنّ التحديات كثيرة، ولكنّ ذلك الأمر يُعدّ طبيعيًا، فطريق التنمية طويل وشاق، فكيف إن كان طريقًا تنمويًا يسير في ظل إعادة تموضع النظام العالمي.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

مقالات لنفس الكاتب