array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 193

إجراء إصلاحات أكثر عمقًا لحماية الموازنات من تقلبات أسعار الطاقة وتعزيز استدامتها

الخميس، 28 كانون1/ديسمبر 2023

شهدت دول مجلس التعاون الخليجي تحولات جذرية في السنوات الأخيرة على المستوى الاقتصادي، في ظل انخفاض أسعار الطاقة العالمية والمنافسة من منتجي النفط الصخري في أمريكا الشمالية، وبالإضافة إلى ذلك، أدت الجهود العالمية للتصدي لتغير المناخ إلى خلق حالة من الغموض وعدم اليقين بشأن الآفاق المستقبلية لجميع البلدان المصدرة للطاقة، على المدى الأبعد، بما فيها دول مجلس التعاون.

إضافة لذلك هناك بعض التطورات المعاكسة على أسواق السلع الأولية والأسواق المالية، أو كليهما مثل التقلبات في أسعار النفط العالمية، أو التأثيرات غير المباشرة للتوترات الجيوسياسية، وقد يؤثر أي تقييد مفاجئ في السيولة المالية العالمية أو اضطراب الأسواق المالية على تكلفة التمويل لمنطقة مجلس التعاون الخليجي التي لا تزال احتياجاتها التمويلية ضخمة.

ووسط هذه المستجدات اضطر واضعو السياسات الاقتصادية إلى النظر جديًا في إجراء إصلاحات هيكلية أطول أجلًا بهدف وضع المالية العامة على مسار مستدام، ولإرساء الأسس اللازمة لتنويع الإقتصادات الوطنية على الأمد الأطول، وتم ترجمة هذه التوجهات فيما عرف بالرؤى الاقتصادية لدول المجلس، التي حددت أهدافًا استراتيجية للنهوض الاقتصادي وتنويع مصادر الدخل والثروة بعيدًا عن الموارد النفطية، وهو ما انعكس إيجابًا على أداء القطاعات غير النفطية، لكن لا تزال اقتصادات المنطقة عرضة لصدمات خارجية تتطلب نظمًا اقتصادية قوية قادرة على امتصاص الصدمات وتحقيق الاستقرار والنمو المستدام.

من هنا تناقش الورقة حصاد عام 2023م، اقتصاديًا، ورصد أهم مؤشرات الأداء، وتحليل مستوى تقدم اقتصادات دول مجلس التعاون في تطبيق ركائز اقتصاد السوق الحر، ومجالات التطوير اللازمة لبناء نظام اقتصادي يحقق متطلبات التنمية المستدامة.

حصاد عام 2023 اقتصاديًا

بعد الأداء القوي للعام 2022م، بدأت إشارات تظهر ضعف النشاط الاقتصادي في النصف الأول من عام 2023م، حيث شهدت دول مجلس التعاون تباطؤاً في النشاط الاقتصادي خلال الأشهر الستة الأولى من عام 2023م، بعد النمو القوي الذي وصل إلى 7.4 % في عام 2022م، ويعود هذا التباطؤ في المقام الأول إلى اتفاق منظمة أوبك+ على خفض إنتاج النفط وإلى الظروف الاقتصادية العالمية الصعبة. وعلى الرغم من المصاعب الخارجية، فقد أظهرت الأنشطة غير النفطية مرونة ونمواً قوياً مدعوماً بالاستهلاك الخاص والاستثمارات والإنفاق الحكومي التوسعي.

تشير التقديرات إلى أن اقتصادات منطقة مجلس التعاون الخليجي ستنمو بنسبة 1% في عام 2023م، قبل أن تعاود ارتفاعها لتسجل 3.6 و3.7% في عامَي 2024 و2025م، على التوالي، وفقاً للإصدار الأخير لتقرير البنك الدولي عن آخر المستجدات الاقتصادية لمنطقة الخليج.ويُعزى تفاقم ضعف الأداء لهذا العام بشكل أساسي إلى انخفاض أنشطة قطاع النفط الذي يُتوقع أن ينكمش بنسبة 3.9%، في أعقاب تخفيضات الإنتاج المتتالية لمنظمة أوبك+، بالإضافة إلى التباطؤ الاقتصادي العالمي. ومع ذلك، سيتم تعويض التراجع في أنشطة القطاع النفطي، من خلال القطاعات غير النفطية، التي من المتوقع أن تنمو بنسبة 3.9% في عام 2023م، ونسبة 3.4% على المدى المتوسط بدعم من الاستهلاك الخاص المستدام والاستثمارات الاستراتيجية الثابتة والسياسة المالية التيسيرية (البنك الدولي المرصد الاقتصادي لدول الخليج 2023)

ومن المتوقع أن تشهد دول مجلس التعاون الخليجي معدل تضخم منخفض 2.8 % عام 2023م، وفائضاً مالياً محدوداً 0.8 % من الناتج المحلي الإجمالي (بسبب تدهور عائدات النفط) مع توقع حدوث انتعاش طفيف في الفترة بين 2024 و 2025م. وتختلف أوضاع حسابات المالية العامة بين دول مجلس التعاون الخليجي لتعكس تدابير ضبط المالية لكل دولة على حدة، وبالمثل، من المتوقع أن يشهد الميزان الخارجي الإقليمي فائضاً 9.6 % من إجمالي الناتج المحلي، مدفوعاً بعائدات النفط العالية، مع بقاء سياسة تنويع الصادرات غير النفطية مركزية لتحقيق المرونة الاقتصادية على المدى الطويل

أداء الاقتصاد الكلي والقطاعات الرئيسة في دول مجلس التعاون عام 2023

 

الدولة

الناتج المحلي الإجمالي بالدولار الأمريكي 2022

معدل نمو نصيب الفرد من الدخل بالدولار 2022

معدل النمو المتوقع عام 2023

معدل نمو

القطاع النفطي

معدل نمو القطاعات غير النفطية

الإمارات العربية المتحدة        

507,534.92

6.5

3.4% -

0.7%

4.5%

 

البحرين                                      

44,390.82

4.2

 

2.8% -

0.1%

4%

الكويت                              

184,558.27

7.7

 

0.8% -

3.8%-

5.2%

المملكة العربية السعودية                      

 

1,108,148.98

7.4

 

0.5%-

8.4%-

4.3%

عمان                                        

 

114,667.36

3.0

 

1,4% -

غ.م

2%

قطر                                     

237,295.58

4.6

2.8% -

1.3%

3.6%

المنطقة ككل

 

 

1%

3.9% -

3.9%

المصدر: البنك الدولي               

يشير التحسن في أداء القطاعات غير النفطية في جميع دول مجلس التعاون الخليجي إلى أن جهود التنويع الاقتصادي تؤتي ثمارها وتضعف الروابط القائمة بين القطاعين النفطي وغير النفطي. وينعكس هذا التقدم بوضوح من خلال نمو فرص العمل وتعزيز ديناميكيات سوق العمل، بما في ذلك زيادة معدلات مشاركة المرأة في القوى العاملة وتحسن حركة اليد العاملة، ومع ذلك، لا تزال هناك حاجة إلى القيام بالمزيد من الجهود للتخفيف من تأثير تقلب أسعار النفط العالمية وتعزيز استقرار الاقتصاد الكلي.

آفاق تطوير النظم الاقتصادية في دول مجلس التعاون

يمثل نظام السوق الحرة نوع من النظم الاقتصادية الذي تسيطر عليه قوى السوق، وتكون الشركات والموارد مملوكة لأفراد أو كيانات خاصة يتمتعون بحرية تداول العقود مع بعضهم البعض، ويسود هذا النظام دول العالم أجمع بدرجة أو أخرى، وعلى العكس فإن النظم الاشتراكية الموجهة أو المخططة مركزيًا، تكاد تندثر حاليًا في العالم، تنظم الضوابط الحكومية المركزية أوجه النشاط الاقتصادي، حيث تخطط وكالة حكومية مركزية توظيف عوامل الإنتاج واستخدام الموارد وتحديد الأسعار.

تمثل الحرية الاقتصادية غاية في حد ذاتها كما أنها عنصر حيوي لسعادة الإنسان واستقلاله وتمكينه الشخصي. ومن هنا، وفرت النظم الاقتصادية القائمة على الحرية الاقتصادية في الدول المتقدمة صيغة مجربة للتقدم الاقتصادي، وهو ما يؤكد عمليًا أن كل ركن من أركان الحرية الاقتصادية له تأثير كبير على النمو الاقتصادي والازدهار.

وتقوم الحرية الاقتصادية عموما على عدم تدخل الدولة بشكل مباشر للتاثيرعلى قرارات المواطنين في إنتاج وتبادل السلع والخدمات، على أن تقوم بوضع القواعد التي تحكم العقود وحقوق الملكية وغيرها من المتطلبات المؤسسية اللازمة لإدارة الشؤون الاقتصادية.

وتحفز السياسات التي تعكس أبعاد النظم الاقتصادية الحرة على النمو، والذي بدوره يولد المزيد من الفرص للناس للنهوض بأنفسهم اقتصاديًا، والنتيجة هي الحد من الفقر وتحقيق الرخاء الدائم، ومن الأفضل فهم الحرية الاقتصادية على أنها فلسفة تقوم على حرية الأشخاص في تملك وتخصيص الموارد وتبنى مجموعة متنوعة من الاستراتيجيات للتقدم الاقتصادي، على النقيض تمامًا من النظم الشمولية، التي تصادر حرية الأفراد في التملك، ويتم تحديد الاحتياجات من قبل سلطة التخطيط المركزية، وتقوم بتخصيص الموارد وتوزيعها بشكل مركزي.

وبينما تشجع الضغوط التنافسية للسوق المفتوحة على توليد الأفكار الإبتكارية والعمليات الجديدة التي تقوم على التميز والابتكار، فإن تملك الحكومات لكل وسائل الإنتاج في النظم الشمولية، والقيام بمزاولة الأعمال وصنع القرار الاقتصادي، تميل نحو الإكراه، والتوحد القياسي، وتقيد الحرية، مما يضعف الحافز على التميز والإبداع وتحسين مستوى المعيشة، وشتان بين الاعتماد على قرار مجموعة من البيروقراطيين  مهما كانت نواياهم الحسنة في تحديد الاحتياجات الفردية للأفراد وبين فعالية السوق الحرة وتفاعل قوى الطلب والعرض بحرية تامة في تحديد احتياجات الأفراد ومن ثم تخصيص الموارد بين الاستخدامات المختلفة وفق رغبات الأفراد ، ويوفر مؤشر الحرية الاقتصادية دليلًا دامغاً على أن السياسات المركزية التي تضعها الأجهزة البيروقراطية لها نتائج عكسية في كثير من الأحيان، وتعوق النمو الاقتصادي.

تنبع الفائدة الأساسية لنظم الاقتصاد الحر من علاقة الارتباط الإيجابية القوية بين الحرية الاقتصادية ومستويات نصيب الفرد في الدخل، كما تظهر البلدان التي ترتقي على مقياس الحرية الاقتصادية مستويات مرتفعة بشكل متزايد من متوسط الدخل، وتتمتع الاقتصادات المصنفة "حرة" أو "حرة في الغالب" في مؤشر الحرية الاقتصادية 2023م، بدخل يزيد عن ضعف متوسط المستويات في جميع البلدان الأخرى وأكثر من خمسة أضعاف دخل الاقتصادات "المكبوتة".

ومن خلال العديد من المقاييس، نجحت البلدان التي تبنت نسخة ما من رأسمالية السوق الحرة مع شركات مدعومة بتنظيمات فعالة ومنفتحة على التدفق الحر للسلع والخدمات ورأس المال، في كسر الحلقة المفرغة للفقر والتبعية.

ترتبط الحرية الاقتصادية ارتباطًا وثيقًا بالانفتاح على نشاط ريادة الأعمال الذي يسمح للأفراد بالابتكار والاستجابة للفرص الجديدة في السوق والاستمتاع بالنجاح بناء على جهودهم الخاصة. ونظرا لهذه العلاقة الإيجابية، فيتعين على الحكومات أن تتوخى الحذر في تنفيذ برامج تحفيز قصيرة النظر تعمل على زيادة إنفاقها العام أو تشغيل مزيد من الناس في المشروعات العامة ومن ثم إضافة طبقات جديدة من البيروقراطيين، وكل من هذين الأمرين يقلل من الحرية الاقتصادية.

ومن المرجح أن تحقق دول الخليج أفضل النتائج، بدلاً من ذلك من خلال إصلاحات السياسات التي تعمل على تحسين الحوافز التي تحرك نشاط ريادة الأعمال، وتشمل هذه الإصلاحات تحسين كفاءة لوائح الأعمال والعمل، وخفض التعريفات الجمركية وغيرها من الحواجز أمام التجارة أو الاستثمار، والإصلاحات المالية لزيادة المنافسة، وضمان الاستقرار، وتحسين وتوسيع نطاق الحصول على الائتمان.

تصنيف دول مجلس التعاون وفق مؤشر الحرية الاقتصادية

يوفر مؤشر الحرية الاقتصادية الذي تعده مؤسسة التراث وصحيفة وول ستريت جورنال، تعريفًا للحرية الاقتصادية بأنها الحق الأساسي لكل إنسان في التصرف في عمله وممتلكاته، ويتمتع الأفراد بحرية العمل والإنتاج والاستهلاك والاستثمار بطريقة حرة، وتوفر الدولة حماية هذه الحرية وتحول دون تقييدها بيروقراطيًا، وتمنع تعقيد الإجراءات المنظمة لبدء الأعمال أو ممارستها، ولا يحول دون مباشرة هذه الحرية سوى الخروج على النظام او مخالفة الأعراف والقيم.

وباستخدام إحصاءات من منظمات مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، يصنف المؤشر الدول اعتمادًا على 12 عنصرًا عامًا للحرية الاقتصادية: حرية الأعمال، وحرية التجارة، والحرية النقدية، وحجم الحكومة، والحرية المالية وحقوق الملكية، وحرية الاستثمار، والحرية المالية، والتحرر من الفساد، وحرية العمل ويتم حساب متوسط العوامل الـ 12 بالتساوي في النتيجة الإجمالية.

وبناء على هذا المؤشر المستخدم في قياس درجة ومستوى حرية النشاط الاقتصادي يتم تصنيف النظم الاقتصادية في العالم إلى 6 مستويات من الحرية:

  • 80–100 Free نظام اقتصادي حر
  • 70–79.9 Mostly Free نظم اقتصادية حرة في الغالب
  • 60–69.9 Moderately Free نظم اقتصادية حرة إلى حد ما
  • 50–59.9 Mostly Unfree نظم اقتصادية أكثر ميلاً لفرض القيود
  • 0–49.9 Repressed نظم اقتصادية مكبوتة
  • Not Graded لم يصنف

كما يرتكز مؤشر الحرية الاقتصادية على أربعة جوانب رئيسية من الإدراك الاقتصادي وريادة الأعمال التي تسيطر عليها الحكومات عادة: • سيادة القانون، • حجم الحكومة، • الكفاءة التنظيمية، و • انفتاح السوق. وعند تقييم الظروف في هذه الفئات الأربع، ويضم كل جانب منها 3 جوانب فرعية تحدد مستوى الأداء في الجانب الرئيس، ويصنف كل منها على مقياس من 0 إلى 100، ويتم حساب الدرجات على هذه المكونات الـ 12 للحرية الاقتصادية من عدد من المتغيرات الفرعية، ثم يتم ترجيحها ومتوسطها بالتساوي لإنتاج درجة الحرية الاقتصادية الإجمالية لكل اقتصاد.

ووفقًا لهذا المؤشر، فإن حجر الزاوية في الحرية الاقتصادية هو الاختيار الشخصي، والتبادل الطوعي، وحرية المنافسة، وأمن الملكية الخاصة، وفي الممارسة العملية، يقيس المؤشر حجم الحكومة: النفقات والضرائب والمؤسسات، والهيكل القانوني وضمان حقوق الملكية، والوصول إلى المال السليم، وحرية التجارة الدولية، وتنظيم الائتمان والعمل والأعمال

وتشير كثير من الأدبيات النظرية والتطبيقية، إلى أن ثلثي هذه الدراسات وجدت أن الحرية الاقتصادية تتوافق مع أداء جيد للاقتصاد الوطني مثل نمو أسرع، ومستويات معيشية أفضل، والمزيد من السعادة، وما إلى ذلك. كما وجد أقل من 4٪ من العينة أن الحرية الاقتصادية مرتبطة بنتيجة أداء سيء مثل زيادة عدم المساواة في الدخل، وعلاوة على ذلك، يؤكد المؤيدون أن كبر حجم الحكومة أظهر ارتباطات سببية بالنمو السلبي للاقتصاد الوطني.

خريطة مستويات الحرية الاقتصادية لدول مجلس التعاون عام 2023

 

الإمارات

قطر

البحرين

عمان

السعودية

الكويت

الدرجة

70,9

68,6

62,5

58,5

58,3

56,7

الترتيب

24

36

68

95

98

108

حرية الملكية

65.4

 

71.2

65.4    

97.6

 

47.3

42.5

فاعلية القضاء

34.5

39.8

28.1

75.2

34.4

40.6

نزاهة الحكومة

68.8

58.3

40.4

26.1

49.6

43.8

العبء الضريبي

100

99.7

99.9

49.2

99.4

97.7

الإنفاق الحكومي

71.6

68.9

66.3

50.7

60.3

3.2

السلامة المالية

96.4

93.2

0.0

12.1

41.3

80.9

كفاءة النظم

77.0

62.4

64.0

61.8

71.8

59.1

حرية العمل

64.5

52.6

53.6

45.7

42.5

52.1

الحرية النقدية

84.3

75.6

83.5

82.9

 

78.9

69.3

حرية التجارة

78.0

81.6

84.2

 

76.2

74,2

75.6

حرية الاستثمار

50

60

85

65

50

55

الحرية المالية

60

60

80

60

50

60

التصنيف العام

Mostly free

Moderate free

Moderate free

Mostly unfree

Mostly unfree

Mostly unfree

 

ومن الجدول السابق يتبين أن الإمارات وحدها تحتل مكانة متقدمة في مستويات الحرية الاقتصادية، وتصنف ضمن الدول التي تميل أكثر للحرية الاقتصادية، بينما صنفت البحرين وقطر ضمن الدول متوسطة الحرية الاقتصادية، أما عمان والسعودية والكويت فلا يزال النشاط الاقتصادي عرضة لتنظيمات متشددة.

وقد ارتكزت إعادة الهيكلة الاقتصادية في الإمارات على الجهود الرامية إلى تعزيز مناخ الأعمال، وتعزيز الاستثمار، وتشجيع ظهور قطاع خاص أكثر حيوية. ويساعد نظام التجارة المفتوح عموما على الحفاظ على زخم النمو، وقد تعامل القطاع المصرفي مع الاضطرابات المالية الأخيرة بشكل جيد نسبيًا.

وفي الكويت لا تزال نقاط الضعف المؤسسية تقيد الحرية الاقتصادية العامة، ويحتاج النظام القضائي إلى رفع القدرة على الدفاع عن حقوق الملكية بشكل فعال، وعلى الرغم من إحراز بعض التقدم، لا يزال الفساد يقوض آفاق التنمية الاقتصادية الطويلة الأجل، وقد بذلت جهود لتعزيز كفاءة الإطار التنظيمي للأعمال التجارية، ولكن التقدم العام كان متفاوتًا.

أصبحت البحرين أكثر انفتاحًا وشفافية، ويؤدي النظام الاقتصادي أداء جيدًا في العديد من الركائز الأربع للحرية الاقتصادية، وعلى الرغم من البيئة الصعبة، لا تزال البحرين مركزًا ماليًا للنشاط الاقتصادي الديناميكي، كما أن انفتاحها على التجارة العالمية تدعمه بيئة تنظيمية تنافسية وفعالة

يجري تحديث الاقتصاد العماني بشكل مناسب، وعلى الرغم من الحفاظ على سيادة القانون بشكل جيد نسبيًا، فإن السلطة القضائية لا تزال في حاجة لمزيد من التحرر من البيروقراطية الحكومية. لا تزال الحرية الاقتصادية الشاملة مقيدة بمشاركة الدولة في القطاع الخاص، وتحاول الحكومة تنويع الاقتصاد من خلال إدراكها لأهمية بيئة ريادة الأعمال الديناميكية

بشكل عام، لا تزال الحرية الاقتصادية في السعودية تحاج مزيدًا من الدعم والتشجيع، وعلى الرغم من التقدم المحرز في التصدي للفساد والكفاءة التنظيمية في السنوات الأخيرة، فإن مستويات الحرية وحرية الاستثمار وحقوق الملكية متوسطة في أحسن الأحوال، ولا يزال النظام القضائي عرضة لمعوقات تنظيمية، ولا تزال حرية الاستثمار، تعاني من البيروقراطية وتحتاج مزيدًا من الشفافية.

تحاول قطر تحسين بيئة ريادة الأعمال وتوسيع قاعدتها الاقتصادية، وتتمتع بأسس الحرية الاقتصادية بشكل صلب نسبيًا، ولديها نظام تنظيمي مرن، كما شجع نظام التجارة المفتوحة للبلاد ومكانتها المتنامية كمركز مالي إقليمي على نمو القطاع الخاص خارج صناعات النفط والغاز

ومن خلال أداء دول مجلس التعاون في خريطة مستويات الحرية الاقتصادية فإنه يمكن رصد أهم المجالات التي لا تزال تحتاج إلى مزيد من التطوير حتى يمكن للنظام الاقتصادي الحر أن يتشكل بشكل متكامل، وتتفاعل فيه القوى المحركة على تشجيع المبادرات الفردية، وتحسين مستويات الأداء وجلب الاستثمارات الأجنبة، ورفع معدلات التنمية:

  • فيما يتعلق بدور القانون فلا تزال الكويت والسعودية في حاجة إلى مزيد من الجهد في مجال حرية الملكية، وفيما عدا عمان فإن محور فاعلية القضاء في باقي دول مجلس التعاون تحتاج إلى تطوير، ومن حيث نزاهة أداء الجهاز الإداري للحكومة فلا تزال معظم دول المنطقة في حاجة إلى التشديد في تطبيق نظم مكافحة الفساد وتحقيق النزاهة على العاملين بالحكومة
  • ومن حيث محور حجم الحكومة فقد تمتعت فيه كل دول المنطقة بأداء عال في مجال العبء الضريبي، وحجم الإنفاق الحكومي، عدا الكويت، أما من حيث السلامة المالية فقد حققت الإمارات وقطر، والكويت مستويات عالية
  • وفيما يتعلق بمحور الكفاءة التنظيمية، تحتاج دول المنطقة إلى مزيد من الجهد التطويري في مجال حرية العمل، وتمتعت بدرجات عالية من حيث كفاءة النظم وحرية العمل
  • أما من حيث الانفتاح على الأسواق فقد تمتعت بدرجات عالية في مجال حرية التجارة وما زالت حرية الاستثمار تحتاج لمزيد من الجهد والتحسين وكذلك الحرية المالية

حاجة دول مجلس التعاون إلى تطوير نظمها الاقتصادية

يكشف التحليل السابق عن حاجة اقتصادات دول مجلس التعاون إلى تحديث النظام الاقتصادي الذي يتم من خلاله تحديد الأدوار والعلاقات بين قطاعات الاقتصاد الوطني الثلاث الرئيسية، وهي الأفراد أو قطاع العائلات Householding، وقطاع المنشآت أو القطاع الخاص Firms وقطاع الحكومة، وبيان أدوار كل منها في النشاط الاقتصادي ونمط تخصيص الموارد، وتوزيع الدخل والثروة.

وكما تؤكد البحوث الأكاديمية، من المرجح أن يحدث نمو اقتصادي حيوي ودائم عندما تنفذ الحكومات سياسات تعزز الحرية الاقتصادية وتمكن الأفراد من الحصول على خيارات أكبر وفرص أكبر، إن النهوض بالحرية الاقتصادية هو سياسة مجربة للتوسع الاقتصادي الديناميكي ومن المرجح أن يكون أضمن طريق للتقدم الحقيقي لأكبر عدد من الناس

ويمثل تحديد طبيعة النظام الاقتصادي نقطة البداية في تحقيق الرؤى الجديدة لدول مجلس التعاون والانتقال بها إلى اقتصادات حديثة، حيث يحدد لكل قطاع  من القطاعات الرئيسة: الحكومة، وقطاع الأفراد والعائلات، وقطاع المنشآت، دورًا ومسارًا، تكون فيه الحكومة مسؤولة عن توفير الخدمات العامة كالدفاع والأمن والعدالة، وتوفير عناصر البنية الأساسية والمرافق العامة كالطرق والجسور والموانيء، وحفظ النظام وإنفاذ القانون وضمان الملكيات الخاصة، وتوفير شبكة الأمان الإجتماعي من خلال نظم متطورة لدعم الفقراء وتطوير نظام التأمينات الاجتماعية، ونظام التامين الصحي الشامل. وفي نفس الوقت تعطى مساحات أوسع من الحرية الاقتصادية لقطاعي الأفراد والعائلات وقطاعات الأعمال لممارسة الأنشطة الاقتصادية بحرية في غطاء من النظم التي تضعها الحكومة

للحفاظ على هذا المسار الإيجابي، يجب على دول مجلس التعاون الخليجي أن تستمر في ممارسة إدارة حكيمة للاقتصاد الكلي، وتستمر في التزامها بالإصلاحات الهيكلية، التي تقلل من اعتماد الأفراد وقطاع المنشآت على الإنفاق الحكومي، فلقد نجح هذا النموذج بشكل جيد حين كانت أسعار النفط مرتفعة وعدد السكان المحليين محدودًا، أما وقد ارتفعت معدلات النمو السكاني بسرعة، وأصبحت فاتورة الأجور أحد العوامل الرئيسية التي تسبب عجز المالية العامة، كما أصبحت أيضاً عائقاً أمام النمو المحتمل للقطاع الخاص، مما يؤكد الحاجة لوضع فاتورة الأجور على أساس مستدام ضمن نموذج اقتصادي جديد يعتمد على نمو القطاع الخاص وتنميته.

ومع انخفاض الضغوط على  الموازنة، يتحول اهتمام السياسات من خفض المصروفات في الموازنة إلى إجراء إصلاحات أكثر عمقًا، تشمل الإصلاحات الرئيسية للموازنة والقطاع العام وتحسين إدارة الثروة الهيدروكربونية لحماية الموازنة من تقلبات أسعار الطاقة وتعزيز استدامتها، وبناء مؤسسات عامة أكثر فاعلية وشمولًا، وتدعيم الحوافز المشجعة على تنويع النشاط الاقتصادي، وبناء شبكات أمان للتخفيف من تأثير الإصلاحات على المواطنين، وستقطع أجندات الإصلاح الموثوق بها شوطًا طويلًا نحو تعزيز ثقة المستثمرين والأسواق، واحتمال تفعيل حلقة حميدة من تدعيم الاستثمارات، بما في ذلك الاستثمار الأجنبي  المباشر، ونمو الإنتاج في المدى القريب.

مقالات لنفس الكاتب