array(1) { [0]=> object(stdClass)#13015 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 195

مشاكل القرن الإفريقي تتطلب الحلول التشاركية للتنمية والتعامل مع التشابكات الدولية الإقليمية

الخميس، 29 شباط/فبراير 2024

يرصد هذا المقال ويحلل الطبيعة الجغرافية والديمغرافية لمنطقة القرن الإفريقي والبحر الأحمر، مبيّنًا أهمية المنطقة للقوى الدولية والإقليمية، طبيعة التهديدات الأمنية الداخلية والخارجية، محدداتها وعناصرها المتفاعلة، مواقف واتجاهات القوى المتصارعة في الإقليم، وأسباب عدم تماسك القوى المحلية، كما يناقش المقال الفرص والحلول لمعالجة معضلة الأمن في المنطقة، والدور المرتجى من الفاعلين الدوليين والإقليميين والمحليين.

أهمية القرن الإفريقي والبحر الأحمر   

يعود اكتساب المواقع لأهميتها الاستراتيجية في العالم إلى الميزات الجغرافية أو إلى عوامل القوى الأخرى السياسية، والأمنية، والعسكرية، والاقتصادية، والحضارية إلخ .. ذات التأثير المباشر أو غير المباشر في المجتمع الدولي أو أجزاء منه. منطقة القرن الإفريقي تقع ضمن المناطق الموسومة بالجيو-استراتيجية، الأمر الذي جعلها منطقة ذات أهمية استراتيجية للقوى الدولية والإقليمية عبر العصور.

من الناحية الجغرافية يطلق القرن الإفريقي على الجزء البارز من اليابس على شكل قرن الذي يفصل بين البحر الأحمر والمحيط الهندي، وسياسيًّا يشمل دول: الصومال، إثيوبيا، جيبوتي، إرتريا. ويضيف إليه البعض السودان وكينيا؛ كوحدات سياسيةً قائمةً في رقعة جغرافية متصلة .. يبلغ عدد سكانها ما يقارب مائتي مليون نسمة، في مساحة تقترب من خمسة ملايين كلم2، واستراتيجيًّا إنّ دائرة التأثر والتأثير لمنطقة القرن الإفريقي تتجاوز التعريفين السابقين تمتد إلى دول البحيرات العظمى وشبه الجزيرة العربية، ومصر، وليبيا؛ وإن الدائرة الاستراتيجية لا تتكامل مالم تأخذ في الحسبان تلك المناطق استقرارًا واضطرابًا، وذلك بحكم التقارب الجغرافي والتداخل الثقافي والتواصل السكاني؛ والمصير المشترك. وبعبارة أخرى بأنّ دلالات التأثّر والتأثير لمنطقة القرن الإفريقي والبحر الأحمر، تتعدى الحدود الجغرافية للأهمية الاستراتيجية التي تحتلها، ولارتباطها بتلك المناطق ارتباطًا استراتيجيًا، وبناءّ عليه نجدُ أنَّ أغلب َالدولِ الكبرى تربط منطقة القرن الإفريقي وتلك المناطق باستراتيجية موحَّدة.

 والعوامل التي جعلت منطقة القرن الإفريقي والبحر الأحمر، منطقة ذات أهمية استراتيجية قصوى للقوى الدولية والإقليمية عبر التاريخ هي عديدة ويمكن إجمالها على النحو الآتي:

أوّلاً-الموقع الاستراتيجي للقرن الإفريقي يكمن في سيطرته من الشرق على البحر الأحمر؛ ومن الجنوب الشرقي على المحيط الهندي، وإشرافه على خليج عدن؛ وسيطرته على النيل ومنابعه؛ وعلى مضيق باب المندب الذي يربط القارات الثلاث بأقصر طرق الملاحة للتجارة الدولية وخاصة تجارة النفط، كما يعدُّ أيضًا ممرًا مائيًّا مُهمًا للقوى الدولية والإقليمية لتحركاتها العسكرية وقطعها البحرية، من مراكزها الأصلية ومناطق انتشارها في أجزاء مختلفة من العالم، ولذا تهتم بها القوى الدولية اهتمامًا مستمرًا دون استثناء.

ثانيًا-القرب المكافئ من مناطق إنتاج البترول في الخليج العربي، وطرق ملاحتها إلى الدول الصناعية. وفي سياق مَن يتحكَّم في هذه المنطقة، فإنه ستكون له السيطرة في خنق الملاحة في أهمّ ممر مائي في العالم. والأهمية الأخرى لهذه المنطقة تكمن في وفرة الموارد الطبيعية، من أراضٍ زراعية شاسعة، ومخزونٍ مائي كبير، -فعلى سبيل المثال لا الحصر-إن الهضبة الإثيوبية ترفد النيل بما يعادل 85% من موارده المائية، كما يُعتقد وجود احتياطات كبيرة من البترول والغاز، والبوتاسيوم؛ ومصادر الطاقة الأخرى؛ ومعادن نفيسة في البر والبحر، كما أن المنطقة تُعدُّ بوصفها سوقًا اقتصادية، واعدةً لكثافة سكانها، مع وجود موانئ كثيرة في المنطقة يُمكَّنُ مِن النفاذ عبرها إلى الأسواق الكبيرة في إفريقيا. وفي الوقت نفسه، قد تكون موانئ منافسة أو مساعدة لموانئ كبرى في المنطقة أو في العالم. كل هذه الأمور وغيرها مجتمعةً؛ تَمنحُ المنطقة أهميةً أخرى؛ وهي جيو -اقتصادية لا تقل أهميةً من الجيو-سياسية والأمنية.

ثالثًا -يمكن التحكم على مياه البحر الأحمر وطرق الملاحة فيها وذلك لضيقها وكثرة الجزر غير المأهولة فيها والمتناثرة جنوبًا وشمالاً والتي يسهل جعلها نقاط خنق وحصار والتحكم الاستراتيجي في أي وقت وظرف.

رابعًا -إنّ هذه المنطقة أيضًا لها أهمية حضارية لتلاقي الحضارتين: المسيحية والإسلامية فيها، لوقوعها في المنطقة الفاصلة بين الحزام المسيحي والإسلامي الذي يمتد من شرق إفريقيا مرورًا بمنطقة القرن الإفريقي؛ وانتهاءً بأواسط السودان وتشاد، الأمر الذي جعلها في تدافع وتحت مراقبة مستمرة من القوى الدولية، حتى لا يقود هذا الحزام إلى انتشار الإسلام في معاقل المسيحية على النحو الذي حدث للممالك المسيحية في السودان في القرنين الخامس عشر والسادس عشر الميلاديين. من هذا المنظور فإن أيّ تغيير في هذه المعادلة غير مرحب به من القوى الدولية المهيمنة اليوم في العالم، حتى لا تعرقل استراتيجيتها المرسومة لهذه المنطقة والمناطق المجاورة لها هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى القرب الشديد لهذه المنطقة من قلب العالم الإسلامي ومقدساته؛ مثل: الحرمين الشريفين والمسجد الأقصى؛ وبحكم أن هذه المنطقة تمثل ظهيرًا خلفيًّا لتلك المقدسات.  أصبحت تتأثّر وتؤثّر عبر التاريخ بالتطوّرات الجارية في قلب العالم الإسلامي، فعلى سبيل المثال لا الحصر الحروب الصليبية في مختلف مراحلها والصراع العربي – الإسرائيلي؛ والصراع السني/الشيعي في الوقت الحالي؛ وغيرها أمثلة كثيرة. كل هذه التعقيدات والتشابكات الدولية والإقليمية تعكس الأهمية الحضارية لهذه المنطقة.

التحديات الأمنية في القرن الإفريقي والبحر الأحمر 

للاعتبارات السابقة، الاستراتيجية والسياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية والحضارية، وقعت منطقة القرن الإفريقي من قديم الزمان، ضمن استراتيجيات وتجاذبات القوى الدولية والإقليمية، كما كانت جزءًا من تجاذبات المعسكرين الشرقي والغربي أثناء الحرب الباردة، وخضوعها في الوقت الحالي لنفوذ القوى الدولية الكبرى، المتمثلة في الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في أوروبا، ولنفوذ القوى الصينية الصاعدة وحلفائها الروس وغيرهم. وتنافس إرادات القوى الإقليمية الساعية لإيجاد موطئ قدمٍ لها في هذه المنطقة الحيوية. وتشمل القوى الإقليمية دول عربية موجودة على حدود القرن الإفريقي ولها مصالح مشروعة مثل مصر والسعودية، ودول أخرى وغير عربية كإسرائيل، إيران، تركيا. بمقابل هذا التنافس المحموم من القوى الدولية والإقليمية في منطقة القرن الإفريقي والبحر الأحمر، فإنّ دولها؛ تعاني من عدم الاستقرار السياسي وصراعات داخلية وأوضاع اقتصادية وأمنية صعبة، وإنّ هذه التفاعلات بين المستويات الثلاثة (المحلية، الإقليمية، الدولية) متشابكة أدّت إلى عدم الاستقرار وتباعًا شكّلت التهديدات والمخاطر الأمنية الماثلة أمامنا اليوم في المنطقة.

 أوّلاً: التحديات الأمنية المحلية

توصف منطقة القرن الإفريقي عبر التاريخ بعدم الاستقرار الأمني، يعود ذلك إلى عدد من العوامل على المستوى المحلي؛ من بينها: أزمة بناء الدولة والهوية، الفقر والحرمان، الاختلال في توزيع الثروة والسلطة، مشكلة القيادة، طبيعة النظم التي حكمت وتحكم دول القرن الإفريقي هي نظم استبدادية، تكرّس سيطرة مجموعة بعينها وتهمش الآخرين ينتج عنه عنف مضاد. وصراعات أخرى بين دولها المرتبطة برسم الحدود، التدهور البيئي وزيادة رقعة التصحر، ومن عناصر الصراع في  المنطقة النزاع حول مياه النيل بين دول المنبع والمصب، رغبة إثيوبيا في الوصول إلى البحر الأحمر دون الاهتمام  بقانون  البحار الدولي والبنود الخاصة المنظمة للعلاقات بين الدول الحبيسة والدول الساحلية؛ الأمر الذي تسبب في الصراع بين إرتريا وإثيوبيا لعقود، ومرة أخرى تعيد إثيوبيا التجربة نفسها بإبرامها الشهر الماضي مذكرة تفاهم وتعاون مع رئيس دولة أرض الصومال غير المعترف بها  دوليًّا، بموجبها ستحصل إثيوبيا على منفذ بحري مساحته تصل  20  كيلو  مترًا لمدة 50 عامًا تستخدمه لأغراض تجارية وعسكرية، وبمقابل ذلك تنال أرض الصومال أسهمًا في شركة الخطوط الجوية الإثيوبية واعترافًا من إثيوبيا بوصفها دولةً مستقلةً. وعدّت الحكومة الفيدرالية الصومالية هذا الإجراء تعديًّا سافرًا على سيادة ووحدة الصومال، وستتخذ جميع الوسائل للدفاع عن أراضيها. وفي حال مضت إثيوبيا وأرض الصومال في هذا الاتفاق دون الرجوع إلى الحكومة الفيدرالية الصومالية قد يؤدّي إلى إشعال الحرب في منطقة القرن الإفريقي والبحر الأحمر.

إنَّ الأزمات المذكورة أعلاه وغيرها مجتمعةً أدّت؛ وتؤدّي إلى مستويات من الصراعات المختلفة في المنطقة؛ منها الصراعات الداخلية كالحروب الأهلية، وحروب نظامية بين دول المنطقة. وتشابكها مع البُعد الدولي أوصلت غالبية دول القرن الإفريقي إلى دول ضعيفة وغير قادرة على مواجهة المصاعب الاقتصادية والتهديدات الأمنية والإنسانية في المنطقة. الأمر الذي تسبب ومازال في لجوء -غير مسبوق -لكل من الصومال، وإثيوبيا، وإرتريا، والسودان إلى الدول المجاورة، أو إلى دول الغربية. وأيضا إنّ هشاشة مؤسسات دول القرن الإفريقي وعدم التعاون فيما بينها، أدّى إلى ظهور لاعبين آخرين في المنطقة من غير الدول، مثل: المليشيات والحركات الانفصالية المسلّحة والجماعات المتطرفة، إضافة إلى التهديدات النابعة من أعمال القراصنة وانشطتهم ضد السفن التجارية، هذا فضلاً عن شبكات الجريمة المنظمة الأخرى...إلخ بعضها يعمل ضمن الحدود، وآخرون عبر الحدود. هذه الأمور وغيرها مجتمعة جعلت الوضع الأمني في منطقة القرن الإفريقي والبحر الأحمر أشدّ تعقيدًا وأكثر تهديدًا لأمن وسلامة هذه المنطقة والمناطق المجاورة لها.

وأنَّ السيناريو المتوقع ما لم تحصل معالجات لهذه الصراعات المعقدّة من جذورها في هذه المنطقة، فإن شبكة التهديدات الأمنية ستسمر في تهديد منطقة القرن الإفريقي والبحر الأحمر معًا، وسيكون لها انعكاسات سلبية بعيدة المدى في المنطقة وأمنها البحري وفي عمقها الإفريقي، وفي الضفة المقابلة لها في شبه الجزيرة العربية. وإنّ مصادر هذه التهديدات يعود إلى عجز دول القرن الإفريقي عن مواجهة تحديات بناء الدولة، والمشاكل الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية، والأمنية إلخ...وخطر تزايد الجماعات المتطرفة العابرة للقارات، وشبكات الجريمة المنظمة مثل شبكات تجارة البشر، السلاح، المخدّرات، غسيل الأموال، الهجرة غير الشرعية، القرصنة إلخ .. وما لم يحصل تدارك عاجل لتلك التحديات؛ قد تصبح المنطقة بؤرة تهدد السلم والأمن الدوليين.  وستشكّل أيضًا هاجسًا أمنيًّا معرقلاً للتجارة الدولية العابرة بالبحر الأحمر والأمن البحري العالمي برمته، وذلك بالنظر لما تحتله هذه المنطقة من أهمية في الممرات البحرية الدولية، وإن هذه التطوّرات ستضع الشركات الناقلة أمام خيارين لا ثالث لهما، الاستمرار في استخدام هذا الممر مع تحمل المخاطر والتأمينات العالية، أو تحويل مساراتها إلى رأس الرجاء الصالح البعيد الذي يؤخّر تسليم الشحنات لأكثر من عشرة أيام مع ارتفاع التكاليف. وهذان الأمران سيؤثران سلبًا في التجارة الدولية وفي الشركات المرتبطة بهذا المجال في المنطقة مثل قناة السويس وغيرها. أسوأ مما حصل لها أثناء نشاط القراصنة الصوماليين قبل أعوام، وهجوم الحوثيين على السفن المتجهة إلى إسرائيل في الشهر الماضي.

ثانيًا: القوى الإقليمية  

 تشهد منطقة القرن الإفريقي، تنافسًا قويًا بين إرادات القوى الإقليمية، الساعية لإيجاد موطئ قدم لها في هذه المنطقة الحيوية. وتشمل هذه القوى دولًا عربية، وغير عربية كإسرائيل، إيران، وتركيا. فاستراتيجية مصر في منطقة القرن الإفريقي عبر التاريخ قائمة على أمن البحر الأحمر ومياه النيل ومثلها ترى المملكة العربية السعودية أهمية القرن الإفريقي في حماية أمن البحر الأحمر وأمنها القومي. وأمّا إسرائيل؛ فتعدّ منطقة القرن الإفريقي والبحر الأحمر جزءًا من أمنها القومي وعمقها الاستراتيجي لتأمين طرق ملاحتها التجارية والعسكرية العابرة عبرها، ومزاحمة القوى المنافسة لها في الإقليم، وعوامل أخرى مثل مكافحة تهريب السلاح إلى فلسطين، ومكافحة الهجرة غير المشروعة ...إلخ أمّا اهتمام إيران أكثر بهذه المنطقة؛ فقد جاء بعد أن حوصرت شمالاً من القوى النووية الروسية وشرقًا من القوتين النوويتين الباكستانية والهندية. فأصبح تركيزها أكثر بالبحر الأحمر بضفتيه لخلق مزيد من العمق الاستراتيجي والنفاذ عبرها إلى القارة الإفريقية وتقويض جهود القوى المنافسة لها في المنطقة. ومن القوى الأخرى المهتمة بهذه المنطقة تركيا التي تتحرك عبر بوابة الصومال والسودان بهدف بسط نفوذها السياسي والأمني في المنطقة وتحقيق شراكات ومكاسب اقتصادية لها.

 على العموم إن منطقة القرن الإفريقي والبحر الأحمر أضحت منطقة تجاذب وتفاعل للقوى الإقليمية، مثل الصراع العربي–الإسرائيلي، الإيراني-الإسرائيلي، الخليجي-الإيراني، الإثيوبي ـ المصري ...إلخ وتدخل بعض هذه القوى في الصراعات الداخلية. إضافة إلى الحروب الأهلية الجارية في اليمن والسودان هذه الأمور وغيرها تشكّل تحديات أمنية في منطقة القرن الإفريقي والبحر الأحمر.

ثالثًا: القوى الدولية 

الموقع الاستراتيجي لمنطقة القرن الإفريقي والبحر الأحمر، جذب اهتمام القوى الدولية نتيجة لوجود أحد أهم طرق الشحن البحري فيها، والقرب من مناطق إنتاج البترول وطرق ملاحتها ومنطقة الصراع العربي -الإسرائيلي، والصراع على مصادرها الطبيعة، كما اًصبحت المنطقة جزءًا من الاستراتيجية الدولية لمحاربة الإرهاب، والتقت معها سياسة محاربة القراصنة فيها. هذه الأمور وغيرها دفعت إلى اكتظاظ المنطقة بقطاعات عسكرية من شتى بقاع العالم، من أمريكا، الصين، اليابان، ألمانيا، فرنسا، الهند، إيران، تركيا، إسرائيل، وغيرهم بحجّة تأمين سفنهم العابرة بهذه المنطقة من القراصنة وأغراض أخرى، و بعض هذه القوى لها قواعد عسكرية ثابتة في المنطقة، مثل: الصين، واليابان، وأمريكا، وتركيا ـ بالإضافة إلى القاعدة العسكرية الفرنسية القديمة ..  إلخ . كما أن المنطقة تمثّل جزءًا مهمًا لمشروع الحزام والطريق الصيني.  ويفهم مما سبق  إن منطقتي القرن الإفريقي، والبحر الأحمر هما ضمن مناطق  الصراع  على النفوذ بين  الدول الكبرى؛ الولايات المتحدة الأمريكية والصين وحلفائهما  للأسباب السابقة الاستراتيجية، والاقتصادية، والأمنية، وبتشكّل  نظام دولي جديد متعدد الأقطاب، وإن كان  حتى الآن  في مرحلة البناء  وضبط موازين القوى  وتوسيع النفوذ، في هذا السياق يشتدّ اهتمام  القوى الدولية بالقارة الإفريقية بشكل عام  والقرن الإفريقي والبحر الأحمر على وجه الخصوص لما تتميّز به هذه المنطقة  من ربط  استراتيجي  بالبحار المفتوحة وخاصة  بين  مناطق الأورو – الأطلنطية،  والهندو- الهادي.  فالقوى الغربية تتجه لجعل   الهندو-الهادي مسرحًا أساسًا لمواجهة النفوذ المتنامي للصين في العالم.  وفي ظل هذا الصراع قد تلعب منطقة القرن الإفريقي والقارة الإفريقية بشكل عام دورًا مهمًا في توازن الصراع بين القوى الدولية، ذلك لاتصالها بمناطق الصراع الحالية والمحتملة في آسيا.

ضمن هذا المنظور الاستراتيجي الأوسع يأتي اهتمام القوى العظمى بالبحر الأحمر  بضفتيه، إضافة إلى ذلك إنّ القرب الجغرافي بين القارة الأوروبية ومنطقة القرن الإفريقي  وشمال إفريقيا  يشكّل تحدّيًّا إضافيًّا  للقارة الأوروبية؛ - فعلى سبيل المثال لا الحصر - خلال العقود الماضية  بسبب الاضطرابات الأمنية في  القرن الإفريقي؛ فقد تدفقت  من تلك المنطقة موجات متلاحقة  من المهاجرين غير الشرعيين  إلى دول الاتحاد الأُوروبي، بل - والأكثر من ذلك - إن تلك المناطق قد تستخدم من قِبل القوى  المناوئة  لتهديد أمن أوروبا ومصالحها مستقبلاً. ومن هذا المنطلق إنَّ هذه المناطق بالنسبة لأوروبا تشكّل عمقًا استراتيجيًّا أمنيًّا، وعسكريًّا، واقتصاديًّا.وإن هذا التدافع والوجود العسكري المكثّف في المنطقة، يشكّل مصدر تهديد واقعي ومحتمل لتراجع سيادة دول المنطقة، ويصبح أمرها ومصيرها مرهونًا باردات القوى الدولية.

والأخطر من ذلك أن تجر المنطقة إلى الاستقطابات الدولية البعيدة من مصالحها. وفي هذا السياق قد يتم تغذية الصراعات المحلية لتداخلها مع تلك التجاذبات. وتنتهي بتبعية المنطقة سياسيًّا واقتصاديًّا وأمنيًّا للقوى الدولية. الأمر الذي سيشكّل ضررًا كبيرًا يهدد استقرار منطقة القرن الإفريقي والبحر الأحمر.

حلول معضلة الأمن في القرن الإفريقي والبحر الأحمر

تعود جذور الهشاشة الأمنية في القرن الإفريقي والبحر الأحمر إلى طبيعة نظم الحكم، الحروب الداخلية وبين دولها. والتدخلات الخارجية وللخروج من هذا المأزق يلزم:

  • إرساء أنظمة حكم رشيدة في المنطقة تبسط الحريات والثروة والسلطة بالعدل والمساواة بين جميع المواطنين داخل الدولة والتكامل بين دول القرن الأخرى.
  • اللجوء إلى القانون الدولي وآليات المنظمات الإقليمية مثل منظمات: الإيقاد والاتحاد الإفريقي لحلّ مسائل الخلاف بين دول القرن.
  • بناء رؤية أمنية ودفاعية مشتركة شاملة لتعزيز الأمن والسلام في المنطقة واتخاذ تدابير وآليات مشتركة لمواجهة التهديدات الأمنية والتصدي لها بنهج جماعي.
  • التركيز على التنمية الشاملة وبناء القدرات المؤسّسية والاهتمام بالتكامل الاقتصادي بين دول القرن.
  • وعلى صعيد الأمن الملاحي يمكن التعاون والتنسيق مع الدول المشاطئة والقوى الدولية.
  • فك الارتباط بين الأجندات الداخلية والخارجية التي تتسبب في توتر المنطقة وتجعل الوصول إلى السلام صعبًا.
  • وبالمقابل مطلوب من القوى الدولية والإقليمية مساعدة هذه المنطقة للوصول إلى سلام مستدام عبر وضع الخطط لبناء القدرات المؤسسية والفنية والإمكانيات المالية، والتعامل مع هذه الدول من منطلق التكامل وتبادل المصالح. يمكن لهذه القوى إنشاء صندوق للتنمية الاقتصادية في هذه المنطقة لتمويل المشاريع الإنتاجية والأمن الغذائي فيها، تعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص لمحاربة التصحر والجفاف. وربط هذا التمويل ماعدا الإنسانية العاجلة منها بالشفافية وسيادة القانون.

 

 

 الخلاصة

 لمعالجة حدّة الصراعات في منطقة القرن الإفريقي والبحر الأحمر؛ لا بُد من النظر إلى جذورها التاريخية وشبكاتها المعقدة والفاعلين فيها محليًّا، في داخل الدولة الواحدة أو بين دولها، ومن ثَم تقديم حلول تشاركية عادلة وفعّالة بين تلك الأطراف، والاهتمام بالتنمية الشاملة في المنطقة. وبناء استراتيجية مرنة تتعامل مع التعقيدات الدولية والتشابكات الإقليمية، وفقًا لمقتضيات المصلحة دون الاصطدام مع المنظومة المهيمنة بقدر الإمكان، وتحويل اهتمام القوى الدولية والإقليمية إلى منطلق تكاملي وتبادل المصالح والمنافع  المشتركة؛ وذلك ممكن بالنظر إلى عناصر صراع القوى الدولية والإقليمية في هذه المنطقة، فهي عناصر  شبه  ثابتة، على الرغم من تغير محددات التعامل معها، حسب تطوّرات الواقع وتوجهات العلاقات الدولية، وصراع الأقطاب فيها، وتحالفات القوى الإقليمية والمحلية مع القوى الدولية، وما يحدث في هذه التحالفات من تبدلات وتغيير المواقف من طرف إلى آخر .

مقالات لنفس الكاتب