array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 195

الخيار العسكري لن يردع الحوثيين وإثيوبيا تنتظر الفرصة لتنفيذ الصفقة مع أرض الصومال دون تكلفة

الخميس، 29 شباط/فبراير 2024

في 19 أكتوبر-تشرين الأول 2023م، شن الحوثيون هجمات بالصواريخ والمسيرات على ميناء إيلات الإسرائيلي على خليج العقبة وضد سفينة تجارية عائدة ملكيتها لإسرائيل. احتجزوا سفينة وقادوها إلى الساحل اليمني. وأعلن الناطق العسكري يحيى سريع أن العمليات جاءت ردًا على العدوان الغاشم والقتل والتدمير لقطاع غزة، وأن العمليات سوف لن تتوقف حتى يتوقف هذا العدوان. وتوسعت دائرة الأهداف ضد سفن تجارية وحربية.

دوافع العمليات الحوثية

إن وراء عمليات الحوثيين دوافع أخرى ذات صلة بالأوضاع المحلية والإقليمية والدولية غير التي يسوقونها في الخطاب السياسي والإيديولوجي. فبعد سطيرتهم على صنعاء لم يستتب الأمر لهم سياسيًا فثمة جهات لا تتوافق مع توجهاتهم وخياراتهم وتدبرهم للازمة اليمنية. ويكبح الحوثيون الأصوات المعأرضة لحكمهم. وقد تدهورت الأوضاع الاقتصادية على الرغم من عقد الهدنة مع السعودية. فبات بهم حاجة إلى وحدة الصف وكسب التأييد لنظامهم. وينشد الحوثيون من وراء عملياتهم ترسيخ إدراك موقفهم من القضية الفلسطينية وتثبيت صدقية التزامهم بثوابتهم الأيديولوجية في المقاومة ضد إسرائيل والولايات المتحدة.

ويرمون إلى تنزيه سلوكهم الذي كان قد مسخه الإعلام الخارجي بأنهم وكلاء إيران. فبعملياتهم يظهرون أنهم سباقون إلى الاستجابة لإستغاثة غزة، في حين شعوب العالم العربي والإسلامي قد آثرت الصمت، وخذلت فلسطين، ويرسل الحوثيون من خلال عملياتهم إشارات إلى العالمين العربي والإسلامي بأنهم يضحون ليس لإغراض مصالح ضيقة، أومن باب حماس عاطفي، وإنما هم يقفون مع فلسطين في التصدي للعدوان، وأن قرار الحوثيين ناجم عن التضامن مع جبهة المقاومة.

ويعتقد الحوثيون أن لديهم الإرادة والقدرة للتأثير على حرب إسرائيل في غزة، وذلك بالحاق الضرر في إسرائيل والولايات المتحدة وشركائها. فقد تعززت قدراتهم العسكرية من صواريخ لمدايات 800-200 كم مختلفة ومنها ذو قدرة تطال إسرائيل، ولديهم مسيرات وزوارق بحرية حربية.

ويتصور الحوثيون أن عملياتهم في البحر الأحمر إشارة إلى احتمال توسع الحرب في غزة. وقد أكدت الولايات المتحدة على لسان مسؤوليها بأنها تسعى لمنع حدوث ذلك، وهي تضغط على الأطراف العربية بالحذر من التورط في الحرب. وقد قام بلنكين، وزير الخارجية، بزيارات متكررة لبعض العواصم العربية وأنقرة لنقل موقف الولايات المتحدة من فتح جبهات أخرى دعمًا لحماس، ومحذرًا من عواقب ذلك على العلاقات مع واشنطن.

ويعتقد الحوثيون أن عملياتهم تشجع بقية أطراف المقاومة في لبنان والعراق وسوريا على التحرك وضرب أهداف إسرائيلية وأمريكية، وتبرهن أن الحوثيين يقفون مع أطراف المقاومة في جبهة واحدة. وكما يبدو من طبيعة العمليات فإن الحوثيين واثقون من أنهم قادرون على الرد على العمليات التي تنفذها الولايات المتحدة وشركاؤها. ويراهنون على ما لديهم للصمود. ولا تثنيهم الهجمات الأمريكية البريطانية. ويظنون أن الوقت لصالحهم. وإنهم كانوا ينفذون هجمات بالصواريخ الباليستية والدرون على أهداف حيوية في دول الجوار وهم في حالة الضعف. إن وهن الحوثيين لا يعني فقدانهم قدرة المقاومة كلياً.

ومن الدوافع وراء العمليات في البحر الأحمر أن الحوثيين يرمون إلى تأكيد حقيقة ميدانية بأنهم طرف فاعل في أمن الإقليم ولا مفر من أن يكون لهم دور فيه والمتمثل في عملية السلام لإنهاء الحرب في اليمن. إن هجمات الحوثيين تُعد روافع في التأثير على المواقف الأمريكية والغربية من عملية السلام التي انطلقت في أبريل 2022م، وما تزال بطيئة ومتعثرة. فهذه الأطراف تسعى لخلق بيئة سلام وأمن واستقرار إقليمي.

إن مطلب الحوثيين أن ينالوا مكاسب في ظل رغبة الرياض لوضع نهاية للحرب، وإخراج اليمن من جدول أولوياتها. فقد تم ترتيب وفاق بين السعودية وإيران. وليس من مصلحة الوفاق أن يُفسده الحوثيون، والاستراتيجية السعودية منصرفة إلى دور عبر إقليمي بعدما انضمت إلى بركس وتنتظر الانضمام إلى منظمة شنغهاي للتعاون. ولا تريد الرياض أن تعطل أزمة اليمن إنجاز مشروعها الاستراتيجي الطموح وهو رؤية 2030م. ويدرك الحوثيون أن السعودية لن تنخرط عملياً في المبادرة الأمريكية " حارس الازدهار".

انعكاسات العمليات الحوثية

لقد أعادت عمليات الحوثيين إلى الواجهة السياسية والاقتصادية ما كان قد جرى في خليج عدن في 2008-2012م، من عمليات قرصنة نفذتها مجاميع متفرقة من السواحل الصومالية. وقد أربكت التجارة العالمية واستدعى الأمر قرارت من مجلس الأمن للأمم المتحدة يضفي الشرعية على عمليات ائتلاف متعدد الأطراف والناتو قادتها الولايات المتحدة ودول أخرى خارج القيادة الأمريكية كالصين وروسيا.

إن البحر الأحمر من بين أهم الممرات الدولية في التجارة العالمية والنفط ومنتجاته والغاز الطبيعي السائل. إنه الأقصر مسافة بين آسيا وأوروبا. إن الإبحار من الخليج العربي إلى لندن يتطلب 14 يومًا لقطع 14000 كم، و24 يومًا عبر رأس الرجاء الصالح ليقطع 20900 كم. ويعبر قناة السويس 1 مليون برميل من النفط يومياً و33000 سفينة شحن سنويا و30% من الحاويات و10%-12% من التجارة العالمية.

وقد تضاربت التقديرات في تقييم العواقب التجارية والاقتصادية لهجمات الحوثيين. وكانت في بداية الأزمة أكثر تشاؤماً خشية من ارتفاع أسعار النفط والسلع الاستهلاكية وتصاعد معدلات التضخم، بيد أن الصورة الشاملة لا توحي بأزمة كتلك التي تزامنت مع الحرب في أكرانيا، إذ بلغ سعر البرميل 140 دولارًا، فليس هناك ارتفاع كبير في سعر النفط الخام وأسعار السلع. وفي بداية الأزمة آثرت شركات النقل البحري الكبرى التوجه إلى رأس الرجاء الصالح تحاشيًا للمخاطر في البحر الأحمر. ولم ينجم عن العمليات صدمة في سوق الطاقة وسلسلة التوريد العالمية، إلا في بعض الصناعات الإليكترونية المحدودة.

وكانت إدارة بايدن قد حذرت الحوثيين من عواقب وخيمة إن لم يوقفوا الهجمات على الأهداف البحرية التجارية. وتصدت البوارج الأمريكية في المنطقة لهجمات الحوثيين بالصواريخ والدرون وحالت دون إصابة أهدافها. ولتعزيز العمليات ضد الحوثيين سارعت واشنطن إلى حشد شراكة دولية تحت قيادتها.

وفي 18 ديسمبر 2023م، أعلن لويد أوستن، وزير الدفاع الأمريكي، بعد لقاء افتراضي للتشاور مع مسؤولي الدفاع والأمن من 20 دولة والناتو والاتحاد الأوروبي، عن تشكيل ائتلاف "حارس الازدهار" متعدد الأطراف للدول الراغبة في الانخراط في عمليات لردع الحوثيين. وانضمت 20 دولة إلى التكتل الجديد تحت مظلة " قوات البحرية المشتركة وقيادة المهام 153" تحت قيادة الولايات المتحدة، وكان قد أسس الهيكل لمواجهة القرصنة في خليج عدن في 2008م.

وتهدف المبادرة إلى حماية السفن التجارية التي تُبحر في خليج عدن والبحر الأحمر من الهجمات التي يشنها الحوثيون من اليمن وحماية حرية الملاحة الدولية في البحار التي يتكفلها القانون الدولي وقانون البحار، وكذلك، لطمأنة شركات الشحن العالمية بأن التجارة العالمية مصلحة المجتمع الدولي وتقع عليه مسؤولية حمايتها.

وأكد البيان المشترك أن دور القوات الدولية المشتركة دور دفاعي ليس إلا، والغرض التصدي إلى الهجمات الصاروخية والمسيرات الحوثية، وإن القوات المشتركة لن تشن هجومًا سوى في الدفاع عن النفس. وحددت مجالات نشاطات قوات "حارس الازدهار" في مضيق باب المندب وخليج عدن والجزء الجنوبي من البحر الأحمر.

وانضمت دول مثل بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وكندا وأستراليا. ولم يلتزم جميع الأطراف في المشاركة الفعلية في العمليات. فقد تلكأت استراليا بذريعة أن الأولويات لديها هو فضاء المحيط الهادي والتحدي الصيني في بحر جنوب الصين. وأرسلت كندا نفراً من المراقبين العسكريين. وامتنعت إسبانيا، لكن اليونان تشارك في العمليات. واختارت فرنسا والهند المشاركة خارج القيادة الأمريكية. وبات التعاون الوثيق يقتصرعلى الولايات المتحدة وبريطانيا اللتين تستخدمان القوات البحرية والجوية في شن هجمات على مواقع للحوثيين في اليمن. وقد أفضى ذلك إلى أن تصبح الأهداف البحرية للقوتين منكشفة للهجمات الحوثية.

إن المبادرة لا تحظى بالشرعية الدولية وليس هناك التزام من أطرافها بالقواعد الدولية. لقد صدر عن مجلس الأمن للأمم المتحدة بيان يشجب العمليات ضد الملاحة الدولية والدعوة إلى الحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة. وامتنعت روسيا والصين والجزائر وموزمبيق عن التصويت. ويدل ذلك على الخشية من أن توظف أمريكا القرارات الدولية لصالحها في بسط الهيمنة. وإن روسيا والصين لا تتعرض أهدافهما البحرية إلى الهجمات، فليس لروسيا من المصالح التجارية الكثيرة فهي تحت وطأة الحصار، لكن الصين لها حصة ولكنهالا تستتهدف من قبل الحوثيين.

وهناك مدرستان في أهمية وفرص المبادرة في النجاح. ترى المدرسة الأولى أن عمليات المبادرة لن تردع الحوثيين. فقد أكدت اليابان أن المبادرة" دفاعية" و" ردعية"، وأن واشنطن لا ترمي إلى التصعيد، بل الغاية من المبادرة منع التصعيد، ولكنها في الوقت نفسه لها قدرة معاقبة الحوثيين. ويراهن الحوثيون على قدرتهم في " التصعيد الردعي". وان سقف التصعيد النفسي والعملياتي ليس واطئا.  في حين ثمة قيودُ ردع ذاتية على التصعيد الأمريكي. إن أمريكا على أبواب انتخابات. والحرب في اكرانيا لا تسير كما تريد واشنطن، والحرب في غزة لا يمكن ضمان عدم التصعيد فيها بفتح جبهات أخرى، والرأي العام الدولي يستنكر فظائع الجرائم الإسرائيلية في عزة ويطالب بوقف الحرب، والمحكمة الدولية تنظر في الحرب.

إن الهجمات ضد مصادر العمليات الحوثية مثل منصات إطلاق الصواريخ والمسيرات ومستودعات الذخيرة والمطارات لا يكتب لها أن تفلح في تدميرها كلياً، وفي النهاية إرغام الحوثيين على الإذعان. ولردع الحوثيين ينبغي على الولايات المتحدة وبريطانيا مواجهة تحديات التصعيد. إن التصعيد قد لا يحظى بالموافقة الجماعية من المتحالفين. وإن فرض حصار على اليمن لن يكون مقبولاً دولياً إذ يترتب عليه كوارث إنسانية تعمق جراح الشعب اليمني. وقد أُنتقدت واشنطن بأنها تنتهك القانون الدولي في هجماتها على اليمن.

إن الحوثيين يسيطرون على مواقع استراتيجية تمتد من خليج عدن إلى مضيق باب المندب إلى الجزء الجنوبي من البحر الأحمر لتهديد الأهداف البحرية. إن عملية مرافقة السفن لتامين سلامة إبحارها ليس بالعلاج الناجع لردع الحوثيين الذين يدركون أن أمريكا ليس لها حلفاء كثيرون، بل إن بعض المشاركين قد ينسحبون. والضربات الأمريكية / البريطانية ضد الحوثيين تحثهم على إدامة الهجمات على المصالح للدولتين من سفن تجارية وحربية. وإن حلفاء أمريكا ليس لهم وحدة الأهداف في تحطيم القدرات العسكرية للحوثيين. فلكل منهما خطوطه الحمر في الخسائر البشرية، فحتى الولايات المتحدة مردوعة في هذه المسألة بعد تجربتها المريرة والمذلة في أفغانستان. ويدرك الحوثيون أن لديهم من الدوافع والقدرات والبيئة اللوجيتسة لمقاومة الولايات المتحدة.

إن الحوثيين قد يُردعون في حالة تهديدهم بتنفيذ حملة برية. وهذا خيار لا يرجح عند واشنطن. فأولاً، لن يأتي معها أحد من الحلفاء، ولربما بريطانيا تفعل ذلك. ثانياً، تقع أمريكا في فخ التصعيد. ثالثاً، تفتح عليها جبهات العراق وسوريا. رابعاً، لا مفر من انخراط السعودية لإنجاح التدخل. والرياض لن تتورط قط. خامساً، سوف تكون الخسائر الأمريكية البشرية عالية، والخط الأحمر الأمريكي واطيء بالمقارنة مع الحوثيين الذين خبروا الحرب

إن الهجمات الأمريكية لا تعطل الإمدادات من إيران وتزويدهم بالمعلومات الاستخبارية عن حركة الملاحة التجارية والحربية. وطهران لها أجندتها في هذه الزاوية. والمواجهة مع إيران ليس من أهداف" حارس الازدهار"، أو أمريكا. وإن فعلت فسوف تكون قد ولجت باب التصعيد غير المقيد.

لا يوجد خيار عسكري يفضي إلى ردع الحوثيين. وقد اعترف بايدن بذلك. وإنك " عندما تسأل هل الهجمات تعمل عملها في منع الحوثيين؟" يسأل بايدن في رده على صحفي. فيجيب بايدن نفسه عن السؤال بوضوح مبين " كلا". ويُعقب بايدن على سؤاله وجوابه بسؤال " هل إنهم سوف يستمرون؟" ويجيب بايدن مرة أخرى " نعم".

إن الخيار الناجع، في مثل هذه الحالة، هو اتباع مقاربة الضغط الدبلوماسي مع قوة الردع وليس الإرغام. لقد قاد التصعيد إلى طاولة المفاوضات في حرب اليمن. والتصعيد ضد الحوثيين لا يفضي إلى تورط إيران.  وتصعيد أمريكا ينطوي على رسائل تدركها وتعيها قيادة الحوثيين. ومطلب الحوثيين يمكن إشباعه جزئياً بتغيير وتيرة الحرب في غزة وتقديم المساعدات. وتوظيف الضغط الدولي على إيران للسيطرة على سلوك الحوثيين. إن الصين وروسيا ومجموعة بريكس وخيمة منظمة شنغهاي للتعاون روافع للتأثير على إيران.

ويدرك الحوثيون أن ليس ثمة بديل آخر للرد على عملياتهم سوى الخيار العسكري. ولن تعدل عنه الولايات المتحدة، وإن خذلها حلفاؤها. وليس في وسعهم مجاراة عتبات سلم التصعيد من حيث الغرض السياسي، والهدف الميداني، ووسيلة استهدافه. وإن إيران لن تشفع لهم. وقد يتركون لمصيرهم، ولهم في درس مكافحة القرصنة في 2008م، عبرة.

 إثيوبيا تفجر أزمة: البحر الأحمر والقرن الإفريقي

في مستهل العام الجديد 2004م، تفجرت في الضفة الغربية من البحر الأحمر أزمة إقليمية في الوقت الذي تتصاعد فيه أزمة الضفة الشرقية ويتعذر حلها. فقد أعلن في 1 كانون الثاني-يناير عن "وثيقة تفاهم " بين إثيوبيا وأرض الصومال، التي انشقت منذ 1991م، عن الحكومة الفيدرالية لدولة الصومال وأعلنت استقلالها من طرف واحد، ولكنها لم تحظ بالاعتراف الدولي من أية دولة.

وثمة قراءات وتفسيرات مختلفة لمكنونها. فلكل من الطرفين تفسيره. فمنهم من يعدها محض مذكرة تفاهم. ويكتسيها الغموض. وعصي العثور فيها على أهداف بينة. وإنها تنطق عن نيات. وتخلو من الالتزامات. وما هي بتحالف. ولا تعطي فيها إثيوبيا تعهدات. وإنها مدخل لمستقبل علاقات. وليس فيها إجراءات تنفيذ.

ومن جهة أخرى، إنها نصر للدبلوماسية الإثيوبية. وإنها تمهد لعلاقات تحالف. وتضع التزامات على الطرفين، رغم عدم التعهد بالتنفيذ. فقد وافقت أرض الصومال على منح إثيوبيا موقعًا على خليج عدن من جبهة القرن الإفريقي مساحته 20كم لبناء ميناء وقاعدة عسكرية ولمدة 50 سنة.  

وصرح موسى بيهي عبدي، رئيس الصومال، أنها وثيقة تتعهد فيها إثيوبيا بالاعتراف بأرض الصومال. ومن جهتها فإن أديس أببا لا تفشي مثل هذا المنطق، بل هي متلكئة ولا تأتي على هذا البعد في الوثيقة مباشرة، بيد أن ملاحظات وزارة الخارجية لا تعطي تفسيرات تناقض ما يذهب إليها موسى بيهي عبدي.

ومن جهتها تعد إثيوبيا الاعتراف باستقلال أرض الصومال في حين لم يحدد كيف ومتى، وإنما ترك للظروف الموائمة. وان تكون إثيوبيا أول دول في العالم وإفريقية تعترف بأرض الصومال. وتمنحها حصة في الشركة الوطنية الإثيوبية للطيران.

وجاء إعلان البيان بعد أيام من لقاء حوار ومصالحة لإنهاء الخلافات كان قد عقد في جيبوتي بين الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس أرض الصومال موسى بيهي عبدي، برعاية ووساطة إسماعيل عمر جيلة، رئيس جيبوتي. وصدر بيان مشترك يؤكد فيه الطرفان التزامهما في إدامة الحوار بغية التوصل إلى تسوية.

دوافع الخطوة الإثيوبية

ما كان الاشهار عن الوثيقة مفاجأة. فقد كانت هناك جولات مباحثات قد سبقته. فلكل من الطرفين دوافعه للإقدام على هذه الخطوة. وكان آبي أحمد، رئيس وزراء إثيوبيا، قد تطرق إلى الأمر في مناسبات مختلفة وبتلميحات وتسويغات متنوعة. وقد قال إن إثيوبيا كانت قد آثرت الصمت عن فحوى الاتفاق وما كان لها أن تفعل ذلك. إن مسألة أن يكون لإثيوبيا حضور عند البحر الأحمر حق. وإن المطلب تاريخي. ومصلحة حيوية.

 إن البحر الأحمر كما هو النيل فيه سر بقاء إثيوبيا. والمستقبل مرهون به. فلا تنمية اقتصادية ولا ازدهار دون موقع عليه. وفي حين يشاركون إثيوبيا آخرون في نيلها، والمراد سد النهضة والنزاع حوله بين إثيوبيا ومصر والسودان، فلا يرضون ويجيزون لإثيوبيا أن يكون لها حصة في البحر الأحمر. وقال إن ناموس الطبيعة لا يستقيم وإثيوبيا لا موقع لها عند البحر الأحمر. وأشار إلى تاريخ إثيوبيا وامبراطوريتها وسكان يفوق 100 مليون نسمة وهم في " سجن جغرافي".

وينشد آبي شحذ المشاعر القومية في مثل هذا المطلب والخطاب السياسي. وحشد التأييد لسياسته. وجاءت دعوته في أوضاع داخلية سياسية واقتصادية متدهورة ولا يعرف لها قرار. ومعدل الفقر 24%. وأصاب شرق البلاد الجفاف. وخاضت حكومة آبي حربًا أهلية في إقليم تغراي ضد توجهات انفصال جهوية. وكانت قد كلفتها 22 مليار دولار وتدمير البنية التحتية وانهيار القطاع الزراعي والآلاف من القتلى. وتعذر على أديس أبابا تسديد ديونها. وأوقف صندوق النقد الدولي قرضًا بقيمة 2.5 مليار دولار. واحتج الرأي العام الدولي على انتهاك حقوق الإنسان. وصدرت قرارات من مجلس الأمن للأمم المتحدة تشجب العمليات العسكرية لحكومة آبي. وفرضت واشنطن عقوبات عليها وحظر على التسلح. لقد سعى آبي لتعزيز موقعه السياسي. فلقد كسب الرهان على بناء سد النهضة محلياً وإقليمياً ودولياً، لذا يروم الفعل ذاته في المطالبة بموقع قدم عند البحر الأحمر.

ويحدو آبي حلم استعادة دور وهيبة إثيوبيا في سياسة إقليم البحر الإحمر وإفريقيا. فإثيوبيا هي القوة الإقليمية المنافسة لمصر في شرق إفريقيا والساحل الغربي للبحر الأحمر. وقد عقد صفقة سلاح مع روسيا لتسليحه بمقاتلات سوخي 27. واشترى المسيرات من تركيا. وكان يترقب موعد الانخراط في بريكس. وإن إثيوبيا هي القوة المركزية في منظمة ايغاد.

وانتهز آبي واقع الإقليم. فالدول العربية منصرفة إلى الحرب الإسرائيلية في غزة. والضفة الشرقية للبحر الأحمر تشغلها عمليات الحوثيين. ومصر لم تفلح في إدارة أزمة سد النهضة. والسعودية عازفة عن التورط في أزمات جانبية فأجندتها مزدحمة بالأولويات. والقوى الخارجية تركز على حرب أوكرانيا وحرب غزة. ولا تمثل الصفقة تهديدًا مباشراً لأي طرف ثالث سوى دولة الصومال. والصومال لا حيلة لها في ردع إثيوبيا أو حتى ردع وإرغام أرض الصومال لثنيها عن مذكرة التفاهم.

وكان يُعتقد أن اريتريا هي الجهة التي يطمح آبي في الحصول على موقع فيها عند مياء عصب. فقد تخلت عنه بعد استقلال إريتريا في 1991م، وتركت خلفها أسطولها البحري. وانقطعت عنها السبل إلى البحر الأحمر. وارتضت باتفاقية تعاون مع جيبوتي في 2018م، لتدبر أكثر من 90% من تجارتها عبرها وربط خط سكك حديدي كهربائي وقناة صناعية لتزويد جيبوتي بالمياه، ولكن لتمنح الاتفاقية امتياز حضور عسكري إثيوبي. أجرى الطرفان مباحثات بشأن التعاون العسكري والأمني بعد أيام من الصفقة الإثيوبية-أرض الصومال.

 إن إريتريا لن تتنازل لإثيوبيا بحق في ميناء عصب. ولا توجد دوافع اقتصادية وسياسية تحضها على التعاون مع إثيوبيا في المجال العسكري والأمني بمستوى السماح لحضور عسكري. وقد تذبذبت العلاقات بين البلدين تاريخيًا وسادت التوترات بعدما عقد آبي صفقة مع الجبهة الشعبية لتحرير تغراي.

إن ميناء بربرة في أرض الصومال البديل عن إريتريا. ومنفذ اقتصادي وتجاري بالإضافة إلى جيبوتي مع حضور عسكري في القرن الإفريقي يطل على خليج عدن ومضيق باب المندب. وقد حصلت إثيوبيا على 19% في الميناء الذي تستثمر فيه وتديره شركة WP World للإمارات العربية المتحدة بحصة 51% و30% لأرض الصومال. وبربرة ركن استراتيجي في سياسة الإمارات لبسط النفوذ في المراكز البحرية التجارية في إقليم البحر الأحمر والوفاق إن لم يكن التحالف سيد الموقف.

المواقف من الصفقة

لقد استنكرت ورفضت الحكومة الفيدرالية الصومالية الوثيقة وعدتها على لسان الرئيس ورئيس الحكومة والبرلمان باطلة وغير شرعية. وإنها انتهاك لسيادة ووحدة أراضي دولة الصومال. وخرق لمبادئ الاتحاد الإفريقي في حرمة وحدة الحدود بين الدول الإفريقية. ومنافية للاعراف والقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة. ولم تتردد مقديشو في التحذير من الذهاب إلى الحرب مع إثيوبيا. وخاطب حمزة عبدي بري، رئيس الوزراء، الصوماليون لتوحيد الصفوف متحدين للدفاع عن الصومال.

ورفضت حركة الشباب الصفقة واعتبرتها حملة صليبية مسيحية على حساب إسلام الصومال وتوسع استعماري. وهددت باللجوء إلى الهجمات على القوات الإثيوبية المنخرطة مع قوات مهام حفظ السلام الإفريقية في الصومال وكذلك في داخل إثيوبيا. وكانوا قد تسللوا إلى الداخل في يوليو 2022م، وسخرت الحركة الصفقة في حشد التاييد لها والتجنيد. وقد اعترضت بعض الجهات السياسية من داخل أرض الصومال على الصفقة واستقال وزير الدفاع.

ولاستحالة الخيار العسكري لجأت مقديشو إلى الدبلوماسية الثنائية والمتعددة الأطراف الإقليمية والمنظمات والقوى الدولية. وعلى الصعيد الثنائي خاطبت مقديشو حكومة أرض الصومال للتباحث في القضية وحلها. وأعطت وجهها إلى الدول العربية. وكانت مصر هي المحطة الأساسية. ودعا الرئيس السيسي نظيره الصومالي لزيارة القاهرة للتباحث في الأمر. وشرع حسن الشيخ محمود بزيارة إرتيريا، التي لها خلافات وهواجس من النيات التوسعية الإثيوبية، بيد أن أسمرة ليست على استعداد لتقديم مساعدات سوى التعاطف والشجب.

إن لمصر نزاعًا على سد النهضة مع إثيوبيا. وقد أخفقت جهودها في إيجاد تسوية ترتضيها. ومصر وإثيوبيا هما القوتان المحوريتان في إقليم البحر الأحمر والقرن الإفريقي. وحضور عسكري إثيوبي عند بوابة البحر الأحمر تهديد وتحدي للأمن المصري والعربي. وإثيوبيا ذات علاقات تاريخية مع إسرائيل. وقال السيسي" إننا لن نسمح لأي طرف أن يهدد الصومال أو ينتهك أراضيها...ويجب ألا يحلو لأحد تهديد أخوة مصر، خاصة إن إخوتنا يطلبون منا الوقوف معهم". وأرسلت القاهرة وزير الخارجية إلى مقديشو للتباحث في مواجهة الصفقة. وزار وفد أمني مقديشو للتشاور في خطوات عملية وتعزيز الجهود العسكري، وفي ذلك إشارة إلى قول السيسي مخاطبًا إثيوبيا " لا تحاولوا اختبار مصر...أو محاولة تهديد إخوتها، وخاصة عندما يطلبون من مصر التدخل."

وتحركت السعودية وهي الثقل الاستراتيجي والجيوبوليتيكي العربي في البحر الأحمر وشجبت الصفقة وعدتها انتهاكًا لوحدة أرض الصومال واختراقًا لمبادئ الوحدة الإفريقية وميثاق الأمم المتحدة وأنها تتضامن مع الصومال، وطرقت مقديشو باب جامعة الدول العربية سعيًا وراء موقف عربي جماعي لردع إثيوبيا، لكن الجامعة ليس في حال من القوة لتضع في مواقفها صدقية رادعة. وناقش لقاء وزراء الخارجية العرب الموقف ولم يبحثوا في الخيارات والإجراءات العملية واكتفوا بالتنديد والشجب.

ولاذت الصومال إلى المنظمات الإفريقية. وراهنت على " الهيئة الحكومية للتنمية" (إغاد) التي تضم الصومال وإثيوبيا وإريتريا والسودان وجنوب السودان وأوغندا وكينيا. واكتفت الهيئة ببيان من السكرتير التنفيذي يدعو فيه إلى ضبط النفس والحل السلمي والحرص على الأمن والاستقرار الإقليمي. ودعت المنظمة إلى اجتماع طارئ في أوغندا. ولم يأت البيان على انتهاك حرمة السيادة ووحدة أرض الصومال التي هي من صلب المبادئ للوحدة الإفريقية ومنظماتها الفرعية.

وليس بين يدي (إيغاد) من الخيارات لردع إثيوبيا. فأرض الصومال ليست عضوًا، أكثر مما تلك التي بين يدي الجامعة العربية، إن لم تكن أقل، للضغط عليها وردعها. ولا يوجد آليات لتنفيذ قرارات. ولا يقع إجماع على عمليات عسكرية، خاصة إذا كانت تؤول إلى المواجهة مع عضو فيها. وإن التدخل بغطاء إفريقي في الصومال ما يزال عاجزًا عن تسوية النزاع.

وكذا الأمر مع موقف منظمة الوحدة الإفريقية. فقد صدر بيان عن رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي موسى مكي محمد داعيًا فيه إلى الهدوء والاحترام المتبادل وخفض التصعيد وضبط النفس والانخراط في مباحثات. وأعاد إلى الأذهان أهمية التمسك بمبادئ المنظمة في تدبر العلاقات بين دولها. وأرسلت المنظمة أوباسانجو، رئيس نيجيريا السابق، في مسعى للبحث عن مخرج للأزمة.

وجاء على لسان المتحدث باسم الخارجية الأمريكية إن الولايات المتحدة تعترف بوحدة أراضي وسيادة الصومال وإن واشنطن قلقة من التوترات في القرن الافريقي وإنها تحظ الطرفين على الانخراط في حوار سياسي. ومثل هذه الإشارات وردت في بيان للاتحاد الأوروبي.

وصفوة القول إن الصفقة اضافت أزمة ذات ابعاد ثنائية وإقليمية إلى سجل الأزمات التي تعصف في بيئة الأمن والاستقرار في إقليم البحر الأحمر والقرن الإفريقي. وإن الصومال في موقف العاجز. ولا تحسد عليه. والخيارات قد اتضحت من البيانات والاستجابات إلى الحدث بأنها عقيمة. وستترقب إثيوبيا الفرصة الملائمة لتنفيذ بنود الصفقة دون كلفة سياسية واقتصادية وعسكرية لا قدرة لها عليها.

مقالات لنفس الكاتب