array(1) { [0]=> object(stdClass)#13016 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 195

أمن البحر الأحمر والقرن الإفريقي قضية حاسمة من أجل الحفاظ على شريان الحياة للاقتصاد الصيني

الخميس، 29 شباط/فبراير 2024

شهد أكتوبر 2023م، اندلاع جولة جديدة من جولات الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي التي لاتزال مستمرة حتى الآن على مدى أكثر من 100 يوم. فقلما يشهد التاريخ نشوب صراع على هذا النطاق الواسع واستمراره لهذه المدة الزمنية الممتدة، حاصدًا حياة أعداد كبيرة من الضحايا، ومخلفًا تداعيات واسعة المدى. من جانبها، تواصل جماعة الحوثي المسلحة في اليمن، التي تدعم حركة حماس في تحركاتها ضد إسرائيل-التعرض للسفن التجارية في البحر الأحمر، واستهداف السفن العسكرية الأمريكية بشكل مباشر، مُشعلة فتيل مخاوف عالمية حيال أمن الممر الملاحي للبحر الأحمر. بشكل عام، شهدت القضايا الراسخة في منطقتي البحر الأحمر والقرن الإفريقي تفاقمًا نتيجة تأثير القوى الجيوسياسية الكبرى في الصراعات المتكررة. وقد خلفت الأزمة الأخيرة في البحر الأحمر التي أشعلتها هجمات الحوثيين، تداعيات يتجاوز مداها نطاق الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، وكشفت النقاب عن قضايا راسخة وأكثر عمقًا تمتد لتشمل نطاق أوسع من المصالح. فضلًا عن تغذية حالة عدم الاستقرار التي تعصف بالمنطقة وجذب الاهتمام الدولي لقضايا الأمن في البحر الأحمر والقرن الإفريقي.

 

استمرار تعرض منطقة البحر الأحمر لتهديدات تتعلق بالقضايا الأمنية التقليدية وغير التقليدية

 

على الصعيد الجيوسياسي، تعد منطقة القرن الإفريقي التي تشمل كل من إثيوبيا، وإريتريا، وجيبوتي، والصومال، همزة الوصل بين المحيط الهندي، والبحرين الأحمر والمتوسط. واكتسبت هذه البقعة من العالم منذ أمد بعيد أهمية من حيث الموقع الجغرافي ومكانتها الاستراتيجية، مما يجعلها نقطة ارتكاز للقوى المهيمنة والقوى الإمبريالية. ومنذ القرن الـ 15، كثفت القوى الغربية وتيرة منافساتها في المنطقة مما أدى إلى نشوب النزاعات. وبالعودة إلى الوراء، فقد شهدت حقبة الحرب الباردة منافسة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي على منطقة القرن الإفريقي من خلال انخراط الجانبين في صراعات بالوكالة، مما ترتب عليه حروب وكوارث من صنع الإنسان. وحتى يومنا هذا، لا تزال منطقة القرن الإفريقي تعاني العديد من التهديدات الأمنية نتيجة شبح صراع القوى العظمى الذي لا يزال يلاحقها مصحوبًا بظهور صراعات جديدة.

 

في السياق ذاته، تتمتع منطقة البحر الأحمر، التي يحدها القرن الإفريقي وشبه الجزيرة العربية، بأهمية استراتيجية، حيث يخدم مضيق باب المندب في الجنوب كبوابة لخليج عدن والمحيط الهندي، باتجاه شرق آسيا وجنوبها، مرورا بقناة السويس في الشمال، ليربُطها بالبحر الأبيض، وقارتي أوروبا وأمريكا الشمالية. كما يعد البحر الأحمر أحد أكثر الممرات المائية كثافة في العالم وطريقًا محوريًا للطاقة والتجارة، حيث يعبر من خلاله ما يقرب من 12٪ إلى 15٪ من إجمالي التجارة الدولية، و30٪ من الحاويات، وأجزاء كبيرة من النفط المنقول بحرًا (12٪)، والغاز الطبيعي المسال بنسبة (8%)، وكذلك الفحم (8%). فيما يؤثر الوضع المتوتر في البحر الأحمر بشدة على سلاسل التوريد العالمية والنظام البحري، مما يُلقي بظلال سلبية على مسيرة تعافي الاقتصاد العالمي بعد أزمة تفشي جائحة فيروس كورونا.

 

 القرن الإفريقي، كأحد أكثر مناطق العالم اضطراباً مع معاناته من التعقيدات المتزايدة وانعدام الاستقرار

 

تعتبر منطقة القرن الإفريقي أحد أكثر المناطق اضطرابا على مستوى العالم. فعلى الصعيد الداخلي، تواجه المنطقة شبكة معقدة من النزاعات التي تشمل نزاعات على الأراضي بين السودان وإثيوبيا، والحرب الأهلية في إثيوبيا، إلى جانب الجدل بشأن سد النهضة الإثيوبي، والأزمات السياسية في السودان. فضلاً عن الأنشطة المستفحلة لحركة شباب المجاهدين في الصومال. أما خارجيًا، فتسعى الدول التي لديها مشاركة نشطة داخل هذه المنطقة مثل الولايات المتحدة، وروسيا، وتركيا، والمملكة العربية السعودية، والإمارات، وإسرائيل، إلى تعظيم نفوذها، وبالتالي تحولت منطقة القرن الإفريقي إلى ساحة تنافُس بين القوى العظمى، ليُضاف عدم الاستقرار إلى قائمة القضايا الأمنية الإقليمية الشائكة. في ضوء هذا السياق، تواجه منطقتي القرن الإفريقي والبحر الأحمر العديد من التهديدات التي تتداخل مع قضايا أمنية تقليدية وغير تقليدية، ينجم عن ذلك تفاعل معقد بين التحديات المعاصرة والتاريخية.

 

خلال القرن الـ 21، تطلعت القارة السمراء إلى التخفيف من بواعث المخاوف الأمنية، مع تراجع معدل الحروب الداخلية، والانقلابات، والنزاعات على الحدود. مع ذلك، لم يتم استئصال هذه الأزمات من جذورها وظلت النزاعات تطفو على السطح بين الحين والآخر. على سبيل المثال، على الرغم من اتفاق وقف إطلاق النار الدائم الذي تم التوصل إليه بين الحكومة الإثيوبية والجبهة الشعبية لتحرير تيغراي في 2 نوفمبر2022م، إلا أن الأسباب المتجذرة للنزاعات العرقية ظلت دون تسوية، مما سمح لقوات انفصالية مثل جيش تحرير أورومو بأن تشكل تهديدًا للاستقرار المحلي. وفي أوائل 2024م، وقع رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد والزعيم الإقليمي لصومالاند" جمهورية أرض الصومال"، موسى بيهي عبدي، مذكرة تفاهم بأديس أبابا حول منح إثيوبيا إمكانية الوصول إلى ميناء "بربرة". وعلى ما يبدو أن الاتفاق أثار استياء الصومال التي تعاني من حكم أمراء الحرب والصراعات الداخلية. ومما لا شك فيه أن التوقيع على مذكرة التفاهم بين البلدين أشعل فتيل اضطرابات إقليمية.

 

وخلال الأعوام الأخيرة، أصبحت منطقتي القرن الإفريقي والبحر الأحمر في مواجهة تحديات أمنية نابعة من المنافسات المحتدمة بين القوى الإقليمية والنزاعات المسلحة التي تجتذب الدول الواقعة على جانبي البحر الأحمر، مثلما شوهد في المنافسة بين تركيا ودولة الإمارات، حيث تصطف أنقرة إلى جانب الحكومة المعترف بها دوليا في الصومال، بينما تدعم أبو ظبي جمهورية أرض الصومال الانفصالية. ومن شأن مثل هذه الصراعات الدائرة بهدف كسب هيمنة إقليمية، أن تتسبب في تقويض السلام الإقليمي على نحو بعيد.

 

أما عن المخاطر الأمنية غير التقليدية التي تواجه هذه المنطقة بشكل رئيسي فتشمل الإرهاب، والكوارث الطبيعية، والهجرة غير الشرعية، إلى جانب القرصنة وأزمات اللاجئين. حيث أخفقت دول المنطقة التي تعاني من الاضطرابات والحكومات المركزية الضعيفة في مكافحة انتشار الإرهاب، مما أدى إلى تحول منطقة القرن الإفريقي إلى واحدة من البؤر الساخنة للإرهاب والعنف. وقد أدي وجود المنظمات الإرهابية إلى تفاقم الوضع داخل الصومال، لاسيما حركة الشباب الصومالية التي تواصل تنفيذ هجمات إرهابية ممولة من خلال أنشطة الاختطاف والتهريب. كما استفادت المنظمات الإرهابية الأجنبية من حالة الفوضى المنتشرة، حيث قامت مجموعات مثل تنظيم القاعدة وتنظيم "داعش" بتوسيع نفوذها واكتساب مساحة للتطور داخل القرن الإفريقي. الأسوأ من ذلك، أن هذه البقعة من العالم تعد واحدة من أكثر المناطق عرضة للتغيرات المناخية، وسط حدوث موجات الجفاف المتكررة، والفيضانات، وهجوم أسراب الجراد مما يتسبب في تعميق أزمات الغذاء. كذلك تعتبر قضية اللاجئين أحد التحديات التي تواجه دول القرن الإفريقي. وبحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فقد أظهر عدد اللاجئين داخل هذه المنطقة نموًا سريعًا، ليبلغ 4.52 مليون شخص في أوائل عام 2022م.

 

أزمة البحر الأحمر الناجمة عن الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي تُفضِي إلى صراعات أوسع نطاقًا وأكثر تعقيدًا

 

في أكتوبر 2023م، اندلعت جولة جديدة من موجات الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، ومنذ ذلك الحين، بدأت جماعة الحوثي، أحد أعضاء المعسكر المناهض للولايات المتحدة وإسرائيل داخل الشرق الأوسط وشبه الحليف لحركة حماس، استهداف مدن واقعة على طول الساحل الجنوبي لإسرائيل بواسطة طائرات مسيرة وصواريخ باليستية، إلا أن هذه الهجمات بعيدة المدى لم تشكل تهديدًا أمنيًا لإسرائيل. وفي منتصف نوفمبر، اتجه الحوثيون إلى التعرض واختطاف السفن التجارية في البحر الأحمر التي لها علاقة بإسرائيل مشعلة فتيل الأزمة في ممرات البحر الأحمر. وقد ساعد القوام الكبير للقوات العسكرية التابعة لجماعة الحوثي والذي يقدر بمئات الآلاف، إلى جانب أسلحتها المتطورة والتكنولوجيا العسكرية، بما في ذلك الصواريخ والطائرات بدون طيار، وسيطرتها على جزء كبير من اليمن، بما في ذلك العاصمة صنعاء وميناء الحديدة الرئيسي على البحر الأحمر، في توسيع نطاق وصولها إلى مضيق باب المندب والبحر الأحمر. حيث تركت العمليات العسكرية التي شنها الحوثيون تأثيرًا عميقًا على الوضع داخل البحر الأحمر، والأمن الإقليمي، والتجارة العالمية، وأسعار النفط، كذلك لم تسلم السلع والخدمات في بعض البلدان والمناطق المجاورة. بالتالي لا تعد أزمة البحر الأحمر إحدى النتائج غير المباشرة الناجمة عن الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي فحسب، بل إنها تسلط الضوء أيضًا على قضية انتقال السلطة في اليمن، مما يجعل الوضع أكثر تعقيدًا بسبب الأزمات المتشابكة والمتداخلة.

 

2"مبادرة الأمن العالمي" وإسهام الحكمة الصينية في حوكمة الأمن العالمي

 

يمر العالم بتغيرات غير مسبوقة، جعلت المجتمع الدولي في مواجهة تحديات متعددة نادرًا ما شهدها من قبل مثل: تصاعد حدة المنافسة بين القوى العظمى؛ تزايد وتيرة الصراعات الجيوسياسية؛ التداخل بين التهديدات التقليدية وغير التقليدية؛ في حين يكافح نظام حوكمة الأمن العالمي من أجل معالجة أوجه القصور والثغرات في منظومتي السلام والأمن. بالتالي تعمل الصين، باعتبارها قوة عظمى مسؤولة، على ضخ عوامل الاستقرار الداعمة للسلام والأمن العالميين. وفي عام 2014م، أطلق الرئيس الصيني شي جين بينغ رؤية جديدة للأمن المشترك، والشامل، والتعاوني المُستدام، والتي تم تطويرها وإثرائها بشكل أكبر من خلال الإصدارات اللاحقة لمبادرات الأمن العالمي وورقة المفاهيم ذات الصلة.

 

مبادرة الأمن العالمي بمثابة ممارسة حية لمفهوم المجتمع البشري ذي المصير المشترك على صعيد الأمن

 

" الأمن شرط أساسي للتنمية، وإن الإنسانية تحيا في مجتمع أمني غير قابل للتجزئة".. بهذه العبارات افتتح الزعيم الصيني تشي جين بينغ، المؤتمر السنوي لمنتدى بواو الآسيوي 2022م، حيث تعد مبادرة الأمن العالمي التي طرحتها الصين بمثابة إحدى المنافع العامة المقدمة للعالم وممارسة حية لمفهوم المجتمع البشري ذي المصير المشترك على صعيد الأمن. وقد أردف الزعيم الصيني موضحا أن:" الأمن المشترك يعني احترام وضمان أمن كافة الدول. يجب أن يكون الأمن عالميًا؛ فلا يمكن أن تنعم دولة أو بعض الدول بالأمن، في حين تُتْرَك الدول الأخرى غير آمنة. يجب أن يكون هناك مساواه في الأمن؛ أي أن كل دولة لديها الحق نفسه في المشاركة في الشؤون الأمنية للمنطقة والاضطلاع بمسؤولية الحفاظ على الأمن الإقليمي. يجب أن يكون الأمن شموليًا؛ حيث ينبغي تحويل التنوع الثقافي والاختلافات بين الدول إلى طاقة وقوة دافعة للتعاون الأمني الإقليمي". لذلك تعتبر مبادرة الأمن الإقليمي ذات أهمية كبرى في تحقيق أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة والحفاظ على السلام العالمي، والأمن، وتطوير الحضارة الإنسانية. ومع هدف القضاء على الأسباب المتجذرة للصراعات الدولية، وتحسين الأمن الإقليمي والحوكمة، إلى جانب التشجيع على الجهود الدولية المشتركة لجلب مزيد من الاستقرار واليقين لحقبة زمنية مضطربة ومتغيرة. فضلاً عن دعم السلام والتنمية الدائمين في العالم، تدعو المبادرة البلدان إلى التكيف مع المشهد الدولي الذي يشهد تغييرات جذرية، بروح التضامن، والتصدي للتحديات الأمنية المعقدة والمتشابكة بعقلية مربحة للجانبين.

 

الحلول السلمية للقضايا الأمنية في القرن الإفريقي تمثل محورًا رئيسيًا للصين من أجل تنفيذ مبادرة الأمن العالمي

 

ثمة حكمة عربية تقول بأن "الأعمال ثمار، والكلمات ما هي إلا أوراقها". فقد ساهمت الصين بشكل متواصل في دعم السلام والاستقرار بمنطقة القرن الإفريقي بما يتجاوز حد التشدق بالكلمات والعبارات الرنانة، مُبدية التزامًا راسخًا حيال الاضطلاع بدور بناء في إعلاء الاستقرار والتنمية وضخ طاقة إيجابية في الجهود المبذولة من أجل الحفاظ على الأمن والاستقرار داخل إفريقيا. كما دأبت بكين على توطيد أواصر التعاون الأمني الثنائي ومتعدد الأطراف مع كافة الدول والمنظمات الدولية والإقليمية تحت إطار مبادرة الأمن العالمي، وتعزيز تنسيق المفاهيم الأمنية وتوافق المصالح. وفي عام 2022م، تقدمت الصين بمقترح حمل عنوان" نظرة على السلام والتنمية في القرن الإفريقي ". كما قامت بتعيين مبعوث خاص لـ شؤون القرن الإفريقي من أجل تقديم الدعم والخبرات الصينية في الحفاظ على الاستقرار الإقليمي ومخاطبة قضايا النقاط الساخنة. وبعد مضي أقل من عام منذ طرح مبادرة الأمن العالمي للمرة الأولى، أصدرت الصين ورقة مفاهيم مبادرة الأمن العالمي في فبراير 2023م، واستعرضت أفكارها ومبادئها الرئيسية، وأدرجت 20 محورًا رئيسيًا، و5 منصات وآليات للتعاون. وكما ورد في البند 8، تؤكد الورقة على أهمية التسوية السلمية للبؤر الساخنة داخل مَناطق القرن الإفريقي، والساحل، والبحيرات الكبرى ومناطق أخرى. وتدعو المجتمع الدولي إلى تقديم الدعم المالي والتقني لعمليات مكافحة الإرهاب التي تقودها إفريقيا. إلى جانب دعم البلدان الإفريقية في تعزيز قدرتها على حماية السلام بشكل مستقل. وتقترح ورقة المفاهيم أيضًا تنفيذ توقعات السلام والتنمية في القرن الإفريقي، ومعالجة المشاكل الإفريقية على الطريقة الإفريقية، وتعزيز إضفاء الطابع المؤسسي على مؤتمر السلام والحوكمة والتنمية بين الصين والقرن الإفريقي، والعمل بنشاط لإطلاق مشروعات رائدة في التعاون.

 

  1. خطوات عملية تتخذها الصين توافقًا مع مبادرة الأمن العالمي لحماية أمن البحر الأحمر والقرن الإفريقي

 

إن المشاركة النشطة في حوكمة المناطق العالمية المهمة تعتبر لزامًا على الصين باعتبارها قوة عالمية مسؤولة ولا تقتصر المسؤولية الواقعة على عاتق الصين على المشاركة الفعالة في حماية الأمن الإقليمي فحسب، بل أن تصبح مُنشئًا استباقيًا لآليات الأمن العالمي ودليلًا استرشاديًا لمفاهيم وقيم حوكمة الأمن الإقليمي. وقدمت الصين بالفعل دعمًا قويًا لمواجهة التهديدات الأمنية التقليدية وغير التقليدية والتشجيع على الحوار الأمني والتعاون بين أصحاب المصلحة. وكجزء من هذه الجهود، طرحت الصين أيضًا رؤى محددة للحوكمة الأمنية مصاغة وفقًا للظروف الإقليمية. ومن أجل التنفيذ الفعال لمبادرة الأمن العالمية، شاركت الصين بنشاط في الحوكمة الأمنية للبحر الأحمر والقرن الإفريقي.

 

الصين من أصحاب المصلحة الرئيسيين في منطقة البحر الأحمر والقرن الإفريقي

 

من الناحية الاقتصادية، تعتبر دول منطقة القرن الإفريقي شركاء مهمين في مبادرة الحزام والطريق الصينية. في حين أن نصف إجمالي واردات النفط الصينية تأتي من منطقة الشرق الأوسط والقارة الإفريقية ما يجعل الوضع الأمني في منطقة القرن الإفريقي قضية حاسمة من أجل الحفاظ على ممرات الشحن التي تمثل شريان الحياة لواردات النفط الصينية. وخلال مبادلاتها وتعاونها مع الدول المعنية، تلتزم الصين بالفلسفة القائلة بأن التنمية هي الحقيقة الصعبة، وتهدف إلى تحقيق التعاون المثمر للطرفين والنتائج المربحة للجانبين من خلال الاستثمار، والتجارة، وبناء البنية التحتية. ومع التقدم المستمر لمبادرة الحزام والطريق، توسع بكين تعاونها مع دول القرن الإفريقي بشكل أكبر. كذلك تعد الصين أكبر شريك لإثيوبيا في مجالات التجارة، والهندسة، والاستثمار. في حين تعتبر المنطقة الصناعية الشرقية، التي أنشأتها إحدى الشركات الصينية العاملة داخل إثيوبيا، أول منطقة للتعاون الاقتصادي والتجارة الخارجية على المستوى الوطني داخل البلاد. كما أنها تمثل نموذجًا للتعاون في مجال الطاقة الإنتاجية بين الصين وإثيوبيا. في السياق ذاته، يعد طريق "أديس أبابا-أداما" -وهو طريق برسم مرور يربط بين أديس أبابا وأداما، أول طريق سريع داخل إثيوبيا والأكبر على مستوى منطقة شرق إفريقيا، وقد تم تشييده بواسطة شركة إنشاءات الاتصالات الصينية. في حين يُمثل خط السكة الحديد الذي شيدته الصين بين إثيوبيا وجيبوتي (سكة حديد أديس أبابا-جيبوتي)، أو "سكة حديد تازارا في العصر الجديد"، أولى ثمار مُخرجات سلسلة الصناعة المتضمنة في استراتيجية السكك الحديدية الصينية حول "التوجه إلى العالمية". ومنذ عام 2013م، ظلت الصين تصنف كأكبر شريك تجاري لمصر على مدى تسع سنوات متتالية، في ظل أنشطة استثمارية قوية ومعدلات نمو هي الأسرع في السنوات الأخيرة. علاوة على ذلك، تعد المملكة العربية السعودية أكبر متلق للاستثمارات الصينية على مستوى منطقة الشرق الأوسط. في حين تعتبر الصين أكبر شريك استثماري للسودان. وبما أنها طورت تعاونًا وثيقًا مع الدول المعنية، فقد أصبح لبكين مصالح جمة داخل منطقة البحر الأحمر.

 

عمل صيني دؤوب من أجل استكشاف سبل المشاركة البناءة في جهود السلام والأمن في إفريقيا

 

من المنظور الأمني، ُتشكل منطقة القرن الإفريقي أهمية استراتيجية للصين من أجل حماية مصالحها الخارجية. فقد تم إثبات موقع نقطة الاختناق في البحر الأحمر من خلال مهام المرافقة التي قامت بها قوة مهام المرافقة التابعة للبحرية الصينية في خليج عدن، إلى جانب عملية الإخلاء الصينية في ليبيا خلال عام 2011م. وفي عام 2015م، أنشأت الصين أول منشأة لوجستية خارجية لها داخل جيبوتي، مما ساهم في إرساء أساس صلب لحماية مصالحها الخارجية.  كما أنها كانت ولازالت تتيح منافع عامة في منطقة البحر الأحمر، بما في ذلك عمليات حفظ السلام، والمرافقة البحرية، والمساعدة الأمنية، وبناء البنية التحتية. في الوقت ذاته، تعمل الصين على استكشاف المشاركة البناءة في شؤون السلام والأمن الإفريقية. فضلًا عن إقامتها ندوات ومؤتمرات تهدف إلى تعميق الحوار من أجل السلام والأمن بينها وبين دول القارة الإفريقية. ومن خلال إجراء مناورات مشتركة، وتبادل البعثات البحرية وغيرها من أشكال التعاون الأخرى، يساعد المارد الصيني البلدان الإفريقية في تدعيم بناء قواتها العسكرية والدفاعية. فضلًا عن إسهاماته في جهود دعم الأمن الإقليمي ومكافحة الإرهاب داخل منطقة الساحل الإفريقي، وخليج عدن، وخليج غينيا وغيرهم من المناطق. علاوة على ذلك، تم تقديم مساعدات أمنية ومشروعات للتدريبات العسكرية للدول الإفريقية في مجالات مثل إنشاء مبادرة الحزام والطريق، والحفاظ على النظام الاجتماعي، وحفظ السلام التابع للأمم المتحدة، ومكافحة القرصنة، وعمليات مكافحة الإرهاب. كما تحرص الصين على مساعدة الأمم المتحدة في الحفاظ على السلام والاستقرار داخل إفريقيا، إلى جانب إرسالها أكبر عدد من أصحاب الخوذ الزرق إلى إفريقيا من بين الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن. كذلك تم تعزيز التعاون القنصلي والتعاون في مجال إنفاذ القانون من أجل القضاء بشكل مشترك على الجرائم العابرة للحدود الوطنية.

 

ظلت منطقة البحر الأحمر والقرن الإفريقي نقطة عالمية ساخنة وتنعم بوفرة من الموارد الاستراتيجية، لذلك ينبغي أن تتحول المنطقتان إلى ساحة للتعاون بين القوى العظمى عوضًا عن كونها ساحة للاقتتال والتناحر فيما بينها. بيد أن المنطقتان لا تزالان تعاني أزمة أمنية حادة. من ناحية أخرى، تسعى البلدان العربية حاليًا إلى بناء نظام شامل جديد تنعم من خلاله بقدر أكبر من الاستقلالية الاستراتيجية ويشهد تغييرات عميقة على مستوى العلاقات مع الولايات المتحدة والأنشطة المعتادة للأطراف الفاعلة داخل هذه المنطقة. فالآن أصبح وقت الاضطرابات والتحولات؛ الوقت الذي تتداخل فيه القضايا الأمنية التقليدية مع تلك الناشئة حديثًا. وخلال هذه المرحلة الانتقالية، من المحتم رؤية التهديدات القائمة مثل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي تتصاعد، بينما تستمر القضايا الناشئة حديثًا في الظهور مثل أزمة البحر الأحمر. ومن أجل الحفاظ على الأمن والسلام في البحر الأحمر والقرن الإفريقي، حرصت بكين على استضافة مؤتمر السلام الأول بين الصين والقرن الإفريقي ومنتدى الأمن في الشرق الأوسط، وتقديم مقترحات للمجتمع الدولي لتسهيل بناء هيكل أمني جديد في الشرق الأوسط. وفي إطار مبادرة الأمن العالمية، تعمل الصين على ضخ الاستقرار والطاقة الإيجابية لتحسين الوضع الدولي المضطرب، من خلال تعميق التعاون الأمني الثنائي والمتعدد الأطراف، وتعزيز تنسيق المفاهيم الأمنية وتقارب المصالح.

مقالات لنفس الكاتب