array(1) { [0]=> object(stdClass)#12963 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 195

3 إجراءات صينية لسلامة البحر الأحمر: وقف الهجمات على السفن وعدم استخدام القوة ضد اليمن وأمن البحر بمشاركة جميع الأطراف

الخميس، 29 شباط/فبراير 2024

تصاعدت حدة التوتر في مياه البحر الأحمر مع وقوع كارثة إنسانية خطيرة في فلسطين نتيجة لجولة جديدة من الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي. إذ بدأت جماعة الحوثي في اليمن بتنفيذ ضربات ضد "السفن الإسرائيلية وما يمت لها بصلة" في البحر الأحمر منذ 19 نوفمبر 2023م، مما أدى إلى تضرّر عدد من سفن الشحن في المناطق البحرية المجاورة. وهو ما قد أثّر على شركات الشحن الكبرى، التي اضطرت إلى المرور من رأس الرجاء الصالح في إفريقيا، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع تكاليف النقل، وأسعار الشحن، وفي الوقت الحاضر، تزداد تداعيات أزمة البحر الأحمر، فالتوترات في تلك المنطقة تفاقمت بسبب الغارات الجوية التي شنتها أمريكا وبريطانيا على الحوثيين، والرد الحوثي في المقابل على هذه الغارات من خلال الصواريخ البالستية المضادة لسفن الشحن الأمريكية والبريطانية.

أزمة البحر الأحمر لها تأثير مدمر على التجارة العالمية وسلاسل التوريد

على الرغم من أنّ النقل البحري يعدّ شريانًا أساسيًا في حركة التجارة العالمية، إلا أنّ له جانب هش في مواجهة القرصنة والأزمة الجيوسياسية وتوتر الوضع وتغير المناخ. إن منطقة البحر الأحمر هي قناة هامة للتجارة الدولية في السلع والطاقة، فاستقرارها مسألة تتعلق بالمصالح المشتركة للمجتمع الدولي. وبحسب بيانات مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد)، فإنّ قناة السويس هي محور النقل البحري الدولي، الذي يحمل 12٪ إلى 15٪ من التجارة البحرية في العالم، بما في ذلك حوالي 20٪ من التجارة في الحاويات البحرية، فانقطاع هذا المحور الرئيسي يمكن أن يكون له عواقب وخيمة على العالم، وتشير التحذيرات من الأونكتاد إلى أن أزمة البحر الأحمر لها أثر مدمر على التجارة العالمية لا سيما التجارة الهشة وسلاسل التوريد. كما أدت أزمة الشحن البحري في البحر الأحمر إلى ارتفاع تكاليف الشحن وزيادة انبعاثات الغازات.

قد أعلنت العديد من شركات الشحن الدولية عن تعليق رحلات البحر الأحمر، فانخفض حجم التجارة عبر قناة السويس بنسبة 42 % في الشهرين الماضيين. وقد أصدرت شركة تحليل البيانات البحرية الدنماركية مؤخرًا تحذيرًا أشارت فيه إلى أن سلسلة التوريد العالمية قد تضررت بشكل أكبر وذلك بالمقارنة مع أيام الوباء. من أجل تجنب المخاطر، قد اختارت سفن الحاويات طرق الالتفاف على طول الممر المائي في الطرف الجنوبي من إفريقيا بدلًا من البحر الأحمر. وتشير بيانات الأونكتاد إلى أنه في 26 يناير، انخفضت حركة مرور سفن الحاويات في البحر الأحمر بنسبة 67 % مقارنة بالسنة السابقة. ولعلّ نواقل الغاز الطبيعي المسال هي الأكثر تضررًا، إذ أنها أُغلقت تمامًا منذ 16 يناير. علما أنه عادة قبل أزمة البحر الأحمر، يكون هناك اثنتين أو ثلاث من ناقلات الغاز التي تمر عبر المنطقة كل يوم. 

ومن الجدير بالذكر أن أزمة البحر الأحمر كشفت أيضًا عن ضعف الشحن وسلاسل التوريد العالمية.  ففي تقرير صدر مؤخرًا عن شركة تحليل البيانات البحرية، تشير البيانات إلى أن زيادة وقت العبور قد أدت إلى انخفاض كبير في كفاءة النقل في سوق الشحن مع تجاوز السفن رأس الرجاء الصالح، وانقطاع قناة البحر الأحمر الأمر الذي قد تسبب بأضرار كبيرة على سلاسل التوريد العالمية بالمقارنة مع فترة تفشي الكوفيد -19.

أزمة البحر الأحمر أدت إلى ارتفاع متوسط سعر الشحن الفوري للحاويات

 منذ أوائل ديسمبر 2023م، تضاعف متوسط تكاليف الشحن من شنغهاي في الصين أكثر من ثلاثة أضعاف متوسط تكاليف الشحن إلى أوروبا، وفقا للأونكتاد. فحتى لو كانت السفن المتجهة إلى الساحل الغربي للولايات المتحدة لا تعبر قناة السويس، فإن متوسط تكاليف الشحن قد ازداد. وعلاوة على ذلك، ارتفعت أقساط التأمين، مما زاد من تكاليف النقل الإجمالية. من جانب آخر، قال بن مي مدير مركز البحوث للاقتصادية الكلية العالمية في معهد أوكسفورد للأبحاث الاقتصادية، إنه إذا كانت السفينة تسافر من آسيا عبر البحر الأحمر إلى هولندا، فإنّ ذلك يستغرق حوالي 25.5 يوما للذهاب من خلال قناة السويس، ولكن في حال تغير مسار الرحلة، فإنه يمكن أن تزيد إلى 34 يومًا لإكمال الرحلة. وعلى الرغم من أن التأخر مدة تسعة أيام تأخير في التسليم قد لا يبدو خطيرًا جدًا، إلا أنّ الأثر التراكمي لهذا التأخير قد يكون له نتائج خطرة. ويمكن أن يؤدي النقل الإضافي الناتج عن أزمة البحر الأحمر إلى تخفيض قدرة الشحن العالمية بنسبة 20%. 

في الآونة الأخيرة، اعترف الاتحاد الأوروبي بأن تكاليف الشحن بين أوروبا وآسيا قد ارتفعت بنسبة تصل إلى 400 % بسبب أزمة البحر الأحمر. وفي مؤتمر صحفي عقد في بروكسل، أكد مفوض الشؤون الاقتصادية في الاتحاد الأوروبي جان تيلوني على هذه المسألة، مشيرًا إلى أنه بالإضافة إلى ارتفاع الأسعار، فإن الوقت الذي يستغرقه الشحن البحري (في المناطق ذات الصلة) قد ازداد بما لا يقل عن 10 إلى 15 يومًا، وحذر من أنه إذا استمرت الأزمة في الارتفاع، يمكن أن يؤدي ذلك إلى ارتفاع حادّ في التضخم في الاتحاد الأوروبي.

وفي ظل هذه الظروف، فإنّ المزيد من سفن الشحن التي تحمل النفط الخام بدأت المحاولة بتجنب الهجمات والتهديدات في البحر الأحمر. وفي الوقت نفسه، ارتفعت أسعار الناقلات. بالمقارنة مع النفط الخام، فإنّ الآثار الناتجة عن نقل المنتجات الزراعية يبدو أكثر وضوحا، خاصة وأنّ خصائص المنتجات الزراعية القابلة للتلف وصعوبة التخزين أدت إلى زيادة كبيرة في تكاليف النقل لسفن الشحن المارة برأس الرجاء الصالح. وأشارت منظمة الزراعة الإيطالية أن المصدّرين الإيطاليين قلقون من أن عبور إفريقيا يمكن أن يؤثر على نضارة الفواكه مثل التفاح والكيوي والحمضيات. وقال المصدّرون الأوروبيون إن الصادرات الأوروبية من منتجات مثل لحم الخنزير والألبان والنبيذ، فضلاً عن واردات الشاي والتوابل والدواجن تواجه مشاكل في النقل، على الرغم من أنه لا يزال من غير الواضح تحديد وجود تأثير معين. وبالإضافة إلى ذلك، تُنقل العديد من المنتجات الزراعية في الهند أيضًا عن طريق البحر الأحمر إلى أوروبا، وقد أضطرت أن تكون على استعداد لتجاوز هذه السفن جنوبي إفريقيا. يشير مصدّرون من الهند أنهم يواجهون تأخيرات في نقل لحوم البقر إلى مناطق مثل شمالي إفريقيا.

وبصورة أعم، فإن آثار أزمة البحر الأحمر متعددة، بما في ذلك ارتفاع تكاليف النقل، والتضخم المحتمل، والتأخير والانقطاع في التسليم على الصعيد العالمي، مما قد يؤدي بدوره إلى حلقة مفرغة من التفاعل مع العوامل التي تؤدي إلى تفاقم تغير المناخ. 

التضخم سيرتفع بنسبة 0.7 % عندما تتضاعف تكاليف الشحن، ولكن التأثير سيبلغ ذروته بعد عام تقريبًا، وفقًا لبحث سابق صادر عن صندوق النقد الدولي. إن انقطاع الإمدادات يمكن أن يؤدي إلى نقص مؤقت في المنتجات، وبعض الشركات سوف تواجه حتمًا انقطاعًا في سلسلة التوريد، والتي قد تجبرهم على خفض الإنتاج مؤقتًا. 

إن البيانات التي قدّمها الاتحاد الأوروبي تدل بوضوح على أن استمرار إسرائيل في الهجوم على قطاع غزة كان له سلسلة من الآثار في أوروبا بأسرها.  وفي الوقت نفسه، فإنه يدل أيضًا على أن الاستراتيجيات التي اعتمدتها جماعة الحوثيين قد شكلت ضغوطًا هائلة على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وغيرها من البلدان والمنظمات. 

بعد تنفيذ قوات التحالف الأمريكية والبريطانية ضربات عسكرية على جماعة الحوثيين، واصل الحوثيون أيضًا الهجوم على السفن التجارية في البحر الأحمر وتعهد الانتقام العنيف ضد الولايات المتحدة وبريطانيا، هكذا استمرت أزمة البحر الأحمر في التصعيد. إن استمرار تداعيات الجولة الجديدة من الصراع الفلسطيني -الإسرائيلي، يدل تمامًا على أن نفوذ الولايات المتحدة في الشرق الأوسط يتراجع إقليميًا ودوليًا، فقد انكسر التوازن السياسي الإقليمي القديم، وها هو النظام الجديد يمضي في طريق إعادة التشكّل.

مصالح الصين أيضًا الحفاظ على سلامة وسلاسة المرور في البحر الأحمر

لا يعد البحر الأحمر واحدًا من أكثر الطرق البحرية ازدحامًا في العالم فقط، وإنما هو طريق الشحن الصينية من آسيا إلى الموانئ العربية والغربية. لذا فإنّ أزمة البحر الأحمر تؤثّر على الصين من عدة جوانب، بما في ذلك الاقتصاد والتجارة والسياسة والعلاقات الدبلوماسية. لقد أصبحت الصين مصنع العالم، تحتاج إلى استيراد كميات كبيرة من الطاقة والمواد الخام لدعم قاعدة صناعية متنامية، ولكن لا تزال عرضة الاختناقات التي تعاني منها سلسلة التوريد العالمية اليوم. فاندلاع أزمة البحر الأحمر قد وضع ضغوطًا على الصين من حيث الشحن والتجارة والاقتصاد، ليس فقط على السلع الصغيرة، ولكن أيضًا على السيارات الكهربائية والمنتجات الضوئية التي تمثل أكبر صادرات الصين. لن يؤدي حصار البحر الأحمر إلى صعوبات في أنشطة التصدير في الصين فحسب، وإنما سيؤثر أيضًا على الإمدادات العادية من السلع المستوردة. وهو ما يضرّ في السوق الصينية التي تعتمد على الواردات، لا سيما في السلع الأساسية مثل الغذاء والدواء. الاتحاد الأوروبي هو ثاني أكبر شريك تجاري للصين، إذ يتم شحن 60 % من صادرات الصين إلى الاتحاد الأوروبي عن طريق البحر الأحمر وقناة السويس.

ومع تعميق التعاون في إطار مبادرة "الحزام والطريق"، أصبح العالم أكثر ترابطًا وتواصلًا مما مضى. وقد أعاقت أزمة البحر الأحمر التجارة العادية وتدفقات السلع بين بلدان آسيا وأوروبا وشمال إفريقيا. فالعديد من الشركات الصينية التي تمارس التجارة وتشارك في مشاريع البناء في الدول المطلة على "الحزام والطريق"، قد تأثرت بشدة من أزمة البحر الأحمر في استيراد المواد الخام للبناء وتصدير السلع. ولا بدّ من الإشارة إلى أنه بعد انعقاد القمة الصينية / العربية الأولى عام 2022م،دخلت العلاقات بين الصين والدول العربية مرحلة التعاون الاستراتيجي الشامل، فعززت الصين التبادلات الإنسانية مع البلدان العربية، مما عزز التفاهم والصداقة بين الشعبين على جميع المستويات، وهو ما وفّر ضمانة قوية لمزيد من تطوير العلاقات الثنائية، فقد أصبحت الصين واحدة من أهم الشركاء التجاريين والمستثمرين في البلدان العربية، وارتفع حجم التجارة بين الجانبين بشكل مستمر، فالشركات الصينية في البلدان العربية تسعى لتنفيذ مجموعة متنوعة من المشاريع التعاونية.  

وبطبيعة الحال، فإن أهم المشاريع التعاونية الصينية على طول سواحل البحر الأحمر تحتاج إلى سلاسة قنوات النقل البحري، مثل: قاعدة التموين والإمداد الصينية في جيبوتي، مشاريع التعاون الصيني / السعودي للطاقة الإنتاجية في مدينة جازان للصناعات الأساسية والتحويلية، منطقة السويس للتعاون الاقتصادي والتجاري الصيني المصري، وغيرها من المشاريع الأخرى. إذا أخذنا جيبوتي مثالًا يمكن القول إنه وعلى الرغم من أن جيبوتي هي واحة السلام في شرق إفريقيا، إلا أنّ لأزمة البحر الأحمر تأثير كبير على الشركات الصينية المحلية بسبب موقعها في مضيق باب المندب، حيث توقفت العديد من شركات الشحن على طريق البحر الأحمر، وعرقلت الشحنات من الصين إلى جيبوتي، مما أدى إلى صعوبة العثور على شركة شحن لنقل السلع والمواد، وبالمقارنة مع نوفمبر 2023م، ارتفعت أسعار الحاويات في يناير 2024م، ما يقرب من 400 %. 

وفي الآونة الأخيرة، أدت مذكرة التفاهم المبرمة بين إثيوبيا و"أرض الصومال" بشأن وصول إثيوبيا إلى البحر إلى إثارة القلق في البلدان المجاورة، فضلاً عن التوتر على طول ساحل البحر الأحمر، مما شكل عاملًا هامًا يهدد الأمن البحري للبحر الأحمر. وفي هذا الصدد، دأبت الصين على الدعوة إلى الحفاظ على مقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة ودعم الدول في الحفاظ على سيادتها وسلامتها الإقليمية. فمن المعروف أن "أرض الصومال" جزء من الأراضي الصومالية. لذلك تؤيد الصين الجهود التي تبذلها الحكومة الاتحادية الصومالية للحفاظ على الوحدة الوطنية والسيادة والسلامة الإقليمية، وتأمل أيضًا في أن البلدان في المنطقة تتعامل مع الشؤون الإقليمية من خلال الحوار وتحقيق التنمية المشتركة على أساس الصداقة والتعاون.

 

دور الصين في بناء ممر آمن للبحر الأحمر

قد أدركت دول العالم بالفعل أن درجة الترابط والاعتماد المتبادل بين مختلف الدول تتعمق بصورة غير مسبوقة، حيث يعيش جميع البشر على الكرة الأرضية ذاتها، في الزمان والمكان ذاته، ومن هنا فإنّ مجتمع المصير المشترك، يتسم بميزة أساسية لا يمكن إنكارها ألا وهي: "أنّي موجود فيك وأنك موجود فيّ".  إنّ حدوث الصراع الإقليمي، أزمة النقل والمواصلات، انسداد تدفق المواد، تبدو بشكل ظاهري أنها قد عطلت إيقاع تدفق المواد، ولكن في الواقع قد حصل تعطيل كامل لسلسلة التوريد. إذ أنّ السلسلة الصناعية تمتد لحلقات متصلة ببعضها البعض عبر الحدود، وفي حال تعطل حلقة واحدة، لا يمكن للحلقات الأخرى الواصلة إلى المنبع والمصب أن تعمل بسلاسة. 

أما على صعيد الأمن الدولي فترى الصين أنه ينبغي على الدول المختلفة وشعوبها أن تتمتع سويًا بضمان الأمن، وعلى مختلف الدول أن تضافر جهودها وتوحد قلوبها لمواجهة أنواع مختلفة من المشاكل والتحديات والأزمات، بصورة سليمة. فكلما كبرت التحديات العالمية، يجب أن يزداد التعاون لمواجهتها، وتتضافر الجهود أكثر في تحويل الضغط إلى قوة محركة، وتحويل الأزمة إلى فرصة. فلمواجهة التهديدات الأمنية الدولية المعقدة، لا يمكن اللجوء لجهود دولة واحدة بمفردها، ولا يمكن اللجوء إلى القوة. فالخيار الصائب لحل المشاكل هو تحقيق الأمن التعاوني والأمن الجماعي والأمن المشترك. بالنسبة إلى مصير العالم فلا بد أن تحدده شعوب مختلف الدول، وأي شأن يقع ضمن إطار سيادة الدول، لا يمكن إدارته إلا عبر حكومات الدول المعنية وشعوبها، بينما لا تُعالج شؤون العالم إلا من خلال التشاور بين حكومات وشعوب مختلف الدول، وهذا هو الأساس في المبادئ الديمقراطية لمعالجة الشؤون الدولية، وينبغي أن يلتزم المجتمع الدولي به.

شاركت بكين وأسهمت في الحد من التهديدات والتوترات الأمنية في البحر الأحمر، ولا سيما في جنوب الخليج. فالصين باعتبارها أكبر دولة نامية، لديها مصلحة كبيرة في حماية الملاحة الدولية في البحر الأحمر وقناة السويس وغيرها من المصالح في منطقة الخليج وإفريقيا. بالإضافة إلى ذلك، فإن الصين لديها أول قاعدة للتموين والإمداد خارج الصين، وتحت التشغيل بالقرب من مضيق باب المندب، والتي بناها الجيش الصيني لصون المصالح الوطنية خارج البلاد بشكل فعّال وتنفيذ حراسة السفن التجارية وحفظ السلام الدولي والمساعدات الإنسانية الدولية وإجلاء المواطنين الصينيين المغتربين في خارج الصين وغيرها من المهمات. في السنوات الأخيرة، نفذ الجيش الصيني عددًا متزايدًا من المهمات مثل حراسة السفن التجارية وحفظ السلام الدولي والمساعدات الإنسانية الدولية وإجلاء المواطنين الصينيين المغتربين في خارج الصين، ومنذ عام 2008م، أرسلت الصين دفعات عديدة من أساطيل الحراسة في خليج عدن والمجال البحري الصومالي وفقًا للتقارير المعنية للأمم المتحدة. وتهدف الصين من إنشاء قاعدة التموين والإمداد في جيبوتي إلى أداء المسؤوليات والواجبات الدولية للدولة الكبيرة المسؤولة على خير وجه، وتقديم المنافع العامة للأمن الدولي، والمحافظة على السلام والاستقرار الإقليميين، والمساعدة في صون الحقوق والمصالح الشرعية لدول العالم.

وتدعو الصين إلى مبادئ السلام والعدالة والشمول، كما تسعى إلى تعزيز الحوار والتشاور بين جميع الأطراف، سعيًا إلى إيجاد حلول مستدامة للنزاعات. لفترة طويلة، ظلت الصين تشارك بنشاط في الوساطة السلمية وتسوية الصراعات في الشرق الأوسط، مما يسهم في الاستقرار والأمن الإقليميين في المنطقة. وعليه، فقد تم الاعتراف بدور الصين الإيجابي في الشرق الأوسط على نطاق واسع من قبل المجتمع الدولي.

إن ضمان حرية الملاحة في المياه الدولية وفي المضائق مسؤولية دولية مشتركة، وتعرب الصين عن قلقها العميق إزاء ارتفاع نسبة التهديد مؤخرًا في البحر الأحمر. إذ أنّ مياهه هي قناة هامة لنقل البضائع والطاقة، فلا بد من ضمان سلاسة النقل في هذا المجرى المائي من قبل المجتمع الدولي، وكذلك سلامة السفن المارة، وهو ما لا يساعد فقط على الحفاظ على السلام والاستقرار الإقليميين، بل يساعد على الحفاظ على أمن سلسلة التوريد العالمية والنظام التجاري الدولي، الأمر الذي يتفق مع المصالح المشتركة للمجتمع الدولي. 

وتعتقد الصين أن التوتر في البحر الأحمر هو علامة بارزة على تداعيات الصراع الفلسطيني/ الإسرائيلي في غزة، إذ أنه من الملح أن تهدأ الحرب في غزة في أقرب وقت ممكن لمنع المزيد من التوسع في الصراع أو حتى خارج نطاق السيطرة. وتحقيقًا لهذه الغاية، بذلت الصين جهودًا نشطة من أجل الحفاظ على اتصال وثيق مع جميع الأطراف من أجل تخفيف حدة التوتر في البحر الأحمر. فقد اتخذت بكين الإجراءات التالية:

أولًا، تدعو الصين إلى وقف الهجمات على السفن المدنية، والحفاظ على سلامة سلاسل التوريد العالمية والنظام التجاري الدولي، وتحثّ الأطراف المعنية على تجنب تصاعد حدة التوتر في البحر الأحمر، والعمل معًا من أجل الحفاظ على سلامة الممرات المائية في مياه تلك المنطقة وفقًا للقانون الدولي. 

ثانيًا، إن مجلس الأمن لم يعط الحق لأي بلد باستخدام القوة ضد اليمن، ينبغي تجنُّب صب الزيت على نار التوترات في البحر الأحمر ومنع زيادة المخاطر الأمنية العامة في المنطقة. وتدعو الصين جميع الأطراف إلى الاحترام الفعلي لسيادة وسلامة أراضي الدول المطلة على البحر الأحمر، بما فيها اليمن. 

ثالثًا، ترى الصين أنه يجب على جميع الأطراف، ولا سيما الدول الكبرى ذات النفوذ، أن تلعب دورًا بنّاء ومسؤولًا في الحفاظ على سلامة الممرات المائية في مياه البحر الأحمر.   فالصين على استعداد للعمل مع الأطراف الأخرى من أجل تخفيف حدة التوتر، والحفاظ على الأمن والاستقرار في منطقة البحر الأحمر، والحفاظ على سلامة الممرات المائية في مياهه. 

ولذلك، من أجل حل الأزمة الحالية في البحر الأحمر، من الضروري تنفيذ سياسات شاملة لمعالجة الأسباب الجذرية لها، وبناء أمن دائم في البحر الأحمر. كما يجب تنسيق الجهود الرامية إلى الحفاظ على الأمن المائي مع الجهود الرامية إلى إنهاء الحرب في غزة واستئناف المفاوضات بشأن القضية الفلسطينية والعملية السياسية في اليمن.

ترى الصين أن التشاور السياسي والسعي إلى الأمن والتعاون المشترك هو المقاربة الصحيحة لضمان أمن البحر الأحمر والاستقرار في اليمن مع الحد من التهديدات الأخرى.

أخيرًا، ترى الصين أنّ القضية الفلسطينية هي جوهر أزمة الشرق الأوسط، لا سيما وأنّ الأسباب الجذرية للصراع في المنطقة التي أدت إلى زيادة العنف تعود بشكل أساسي إلى تداعيات تلك القضية. لذلك تسعى الصين إلى لعب دور الوساطة بين الأطراف. فمنذ سنوات وحتى اليوم لم تدّخر بكين جهودًا من أجل الدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة. وهنا لا بد من التأكيد على دور مبادرة السلام العربية والتي تدعو في جوهرها إلى حل الدولتين، إذ أنها المقاربة الصحيحة الوحيدة والحل الدائم للقضية الفلسطينية. ولذلك تدعو الصين الأمم المتحدة إلى الاعتراف بالعضوية الكاملة لدولة فلسطين كخطوة أولى.

مقالات لنفس الكاتب