array(1) { [0]=> object(stdClass)#12963 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 195

إدارة بايدن لن تخوض مواجهة حاسمة ضد الحوثيين وتسعى لمنع مهاجمة السفن بالضغط على إيران

الخميس، 29 شباط/فبراير 2024

يعتبر خليج عدن والبحر الأحمر ممرات بحرية محورية، تسهل نقل وشحن بضائع بقيمة مليارات الدولارات سنويًا. ولسوء الحظ، أن الأهمية الاستراتيجية التي تنعم بها هذه المنطقة تتوازى مع مخاطرها المتأصلة. حيث شهدت القرصنة، التي تعد آفة هذه المياه منذ أمد بعيد، ارتفاعًا كبيرًا في أوائل القرن الحادي والعشرين بعد انزلاق الصومال في حالة من الفوضى، مما قاد إلى بلورة الجهود الدولية من أجل القيام بدوريات بحرية واعتراض أعمال القرصنة. وفي حين نجح تحالف دول الشرطة البحرية المستدام في الحد من حوادث القرصنة، إلا أن التهديد لا يزال قائمًا، حيث تتمكن الشبكات الإجرامية من التكيف مستعينة بتكتيكات جديدة، مُستغلة نقاط الضعف في الأمن البحري.

العامل الحوثي: بُعد جديد للمخاطر

أدى صعود جماعة الحوثي المتمردة في اليمن ونجاحها في الاستيلاء على جزء كبير من مخازن الأسلحة المملوكة للدولة اليمنية، إلى إضافة بعد جديد للمخاطر المُحدقة بالمشهد البحري. كما خلف الصراع الدائر في اليمن، الذي تُغذيه المنافسات الإقليمية والتوترات الطائفية، تداعيات على المجال البحري مع شن عناصر الحوثيين هجمات على الشاحنات التجارية والسفن البحرية. وقد أظهرت جماعة الحوثي قدرة على مهاجمة السفن في البحر الأحمر منذ وقت مبكر يعود إلى عام 2016م، بعد استهدافها زورق عسكري إماراتي بصاروخ مُضاد للسفن، وإطلاقها في العام ذاته، صواريخ على سفن البحرية الأمريكية. فضلًا عن مهاجمتها سفينة تابعة للبحرية السعودية بواسطة سفينة سطحية يتم التحكم فيها عن بعد في الشهر التالي. وقد ظلت القدرة البحرية للحوثيين في حالة خمول لبضع سنوات، مع تحول تركيز الحرب في اليمن إلى مدينة "مأرب"، وتحرك قوات الحكومة اليمنية إلى الساحل باتجاه" الحديدة". إذ كان الحوثيون حينها محتلين على الأرض ويفتقرون إلى القدرة والاهتمام بمهاجمة أهداف في البحر. ومع ذلك، بمجرد أن بدأت المفاوضات لإنهاء الحرب في اليمن، اتجه الحوثيون إلى بناء وجمع مجموعة هائلة من الطائرات بدون طيار والصواريخ المضادة للسفن.

معظم هذه الأسلحة تم استيرادها من إيران: بعضها تم تجميعه محليًا من أجزاء إيرانية المصدر. كما استثمرت إيران في تطوير قدرة الحوثيين على تصنيع الأسلحة المحلية حتى إنهم أضحوا قادرين الآن على إنتاج العديد من الطائرات بدون طيار من المكونات التي بحوزتهم. وكما فعلت مع حركة حماس وجماعة حزب الله في لبنان، تولت طهران تدريب الحوثيين على إنتاج الصواريخ ومن المحتمل أن يصبح الحوثيون قادرين على إنتاج الصواريخ محليًا في غضون بضع أعوام. يشار إلى أن غالبية الصواريخ المستخدمة في شن هجمات على السفن تعد إيرانية المنشأ. وفي حين أن غالبية المخزون الإيراني الأولي من الصواريخ كان يتكون من نسخ مُعدلة من صاروخ "سكود" الروسي، قام الإيرانيون أيضًا بنسخ الصاروخ الصيني المُضاد للسفن من طراز "سي-802”، في محاولة أقل شأنًا إلى حد ما، لمحاكاة صاروخ" إكسوسيت" الفرنسي المضاد للسفن والذي اكتسب شهرته بعد استخدامه في حرب الفوكلاند. وفي الوقت الذي كانت المفاوضات لإنهاء حرب اليمن لاتزال مستمرة وتؤتي ثمارها، امتنع الحوثيون عن القيام بأي عمل بحري. وتمركزت القضية البحرية الرئيسية مع الحوثيين حول الجهود الدولية لمنع تسرب النفط من الناقلة صافر، وهي ناقلة نفط عائمة تم استخدامها للتخزين قبالة الحديدة وكانت معرضة لخطر التفكك وإطلاق أربعة أضعاف كمية النفط التي تنتجها "إكسون فالديز".

أتاحت الحرب الدائرة في غزة ذريعة للحوثيين للقيام بعمل إضافي بعد إعلان الجماعة المتمردة دعمها للقضية الفلسطينية، واستيلائها على سفينة شحن يعود جزء من ملكيتها لإسرائيل، ثم تصريحاتها بأنه سيتم مهاجمة أو الاستيلاء على أي حمولة متجهة إلى إسرائيل.  وتم توسيع نطاق هذه السياسة عمليًا، لتشمل-مجازيًا-أي سفينة تعبر المنطقة ولا تحمل علماً روسيًا أو صينيًا. في الواقع، هاجم الحوثيون إحدى السفن التي كانت تحمل شحنة من الذرة من البرازيل متجهة إلى الدولة الراعية لهم، إيران.

التأثير على الملاحة المدنية: الاضطرابات والتداعيات الاقتصادية

إن استهداف الشاحنات المدنية من قبل قوات الحوثي يحمل تداعيات بعيدة المدى، تتجاوز نطاق المخاوف الأمنية المباشرة. حيث تواجه السفن التجارية التي تمر عبر خليج عدن والبحر الأحمر تهديدات متزايدة، ترتب عليها زيادة أقساط التأمين والتكاليف التشغيلية. وقد أجبر شبح الهجمات الحوثية شركات الشحن على تحويل مسار السفن، لتفادي المناطق المعرضة للخطر مما أدى إلى إطالة زمن العبور. فإن مثل هذه الاضطرابات لا يقتصر تأثيرها على سلاسل التوريد العالمية فحسب بل تتسبب في استنزاف اقتصادات الدول المعتمدة على التجارة البحرية. وفي سبيل تقليص حجم الضرر، عمدت الولايات المتحدة إلى تشكيل "قوة مهام" بحرية لحماية السفن في المياه الدولية. وسرعان ما قامت فرنسا، التي دائمًا ما تبحث عن فرصة كي تنصب نفسها قطبًا عالميًا بديلًا، بتشكيل "قوة مهام" موازية لإنجاز المهمة ذاتها، ولكن ليس تحت القيادة الأمريكية. وبينما قد تكون هذه وسيلة ملائمة لمنع الملاحة العسكرية، فإن الشحن التجاري (الذي يعتمد على اكتتابات التأمين التجاري) لا يحقق استفادة كبيرة لهذه الحماية نتيجة أسعار التأمين المرتفعة. من ثم، فإن الزيادة في أسعار التأمين التي يواجهها أولئك الذين هم على استعداد للمخاطرة للتعرض لهجمات الحوثيين، جعلت فكرة التخلي عن البحر الأحمر بالكامل فعالة من حيث التكلفة بالنسبة للعديد من شركات الشحن. إن الخاسر الأكبر في هذه المعادلة هي مصر، في ظل تدهور أوضاعها الاقتصادية واعتمادها على رسوم العبور من خلال قناة السويس التي تشكل نحو 30 % من إيراداتها من العملة الصعبة. ولا يمكن أن تتصادف هذه الخسارة المادية مع وقت أسوأ مما هو الآن، حيث تسعى مصر إلى إعادة التفاوض على اتفاقها مع صندوق النقد الدولي: فمن المحتمل أن يكون هناك خفض كبير في الدعم الأساسي، وهو ما يهدد دائمًا بخطر اندلاع اضطرابات داخلية.

ثمة تقارير أيضًا تشير إلى نقص في بعض السلع الأساسية، مثل الشاي في المملكة المتحدة، ويعود ذلك إلى انقطاع الشحن من كينيا والهند. كما تأثرت أيضًا شركات "الموضة السريعة" التي تعتمد على الشحن السريع من الشرق إلى الأسواق الأوروبية. في حين أفادت وزارة الخارجية الأمريكية أن التكلفة المترتبة على إعادة توجيه مسار بعض السفن حول رأس الرجاء الصالح عوضًا عن المرور عبر البحر الأحمر قد تصل إلى نحو مليون دولار: وسينعكس مردود هذه التكلفة على القطاع الاستهلاكي العالمي.

الاستجابة الدولية والجهود الرامية إلى التخفيف من الأزمة: لغز معقد

ونظرًا إلى أن الدوريات البحرية الدولية، مثل تلك التي يتم إجراؤها تحت رعاية قوة المهام المشتركة 151، كانت فعالة في ردع القرصنة وحماية ممرات الشحن. بالتالي، جاءت الاستجابة الأمريكية الأولية لهجمات الحوثيين تكرارًا لذلك من خلال تشكيل قوة "حارس الرخاء"، وهي قوة مهام بحرية لمرافقة السفن التجارية. وقد حل هذا محل الجهود المخصصة السابقة التي شهدت هزيمة السفن الأمريكية، والبريطانية، والفرنسية للهجمات الصاروخية. وفي حين أن الفرنسيين لديهم قوة مهام موازية خاصة بهم، فإن هذا لا يؤثر حقًا على فعالية المهمة بقدر ما يظن المرء: حيث يمكن تخصيص العمليات في البحر ضد مجموعة تهديد واحدة -الهجوم الجوي بالصواريخ والطائرات بدون طيار -حسب القطاع، ولا يتطلب ذلك توحيد القيادة بنفس الطريقة التي تدار بها العمليات البرية. لقد أدت هجمات الحوثيين المستمرة إلى قيام الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بشن عمليات مشتركة على أهداف الحوثيين في اليمن. وحتى الآن، ظلت هذه الهجمات مدروسة للغاية ومحدودة النطاق، مقتصرة فقط على محطات الرادار وغيرها من الأصول التي يمكنها تطوير أهداف للصواريخ والطائرات بدون طيار، ومرافق تخزين الأسلحة، والصواريخ الجاهزة للإطلاق. لقد امتنع التحالف (حتى الآن) عن مهاجمة مراكز القيادة والسيطرة التابعة للحوثيين أو المقرات العسكرية العليا -وهي إجراءات من شأنها أن تؤدي بالتأكيد إلى قدر كبير من الخسائر البشرية.

 ومن غير المرجح أن تستمر العمليات التي يتم تنفيذها بواسطة طائرات بريطانية تحلق من قبرص، إلى جانب طائرات أمريكية تعمل من خلال مجموعة حاملة الطائرات "يو إس إس أيزنهاور" على مدى فترة زمنية طويلة. حيث يبلغ عدد حاملات الطائرات التي تمتلكها الولايات المتحدة إحدى عشرة حاملة طائرات فقط: اثنتان منها قيد الصيانة وواحدة من المقرر أن تخرج من الخدمة. ويتم نشر العديد منها في المحيط الهادئ: ومن غير المحتمل الإبقاء على مثل هذه النسبة العالية من القوة البحرية المتواجدة في المنطقة إلى أجل غير مسمى.

إذن ما الذي تحققه الضربات؟ الهدف العام من مثل هذه الإجراءات هو استعادة قوة الردع – لإقناع الحوثيين بالتخلي عن شن هجمات ضد السفن والتركيز على القضايا الداخلية. ومع ذلك، فمن الواضح أن مهمة استعادة قوة الردع في هذه الحالة لم تنجح. وتفسيري لذلك يكمن في سياسة ضبط النفس التي يمارسها التحالف: حيث أن الأصول الحوثية التي يتم تدميرها ليست مهمة بما يكفي بالنسبة للحوثيين للحد الذي يضطرهم إلى تغيير سلوكهم. وينظر العديد من الضباط العسكريين داخل منطقة الخليج بشيءٍ من الشماتة إلى الحملة العسكرية ضد جماعة الحوثي، فعلى الرغم من أنها قد تكون مثيرة للإعجاب من الناحية التقنية، إلا أنها مُخيبة للآمال على الصعيد الاستراتيجي. ومن هذا المنطلق، فإن المشاكل التي نواجهها اليوم لم تكن لتظهر لو أن الولايات المتحدة ودول أخرى دعموا الحكومة اليمنية وحلفاءها السعوديين والإماراتيين في حملتهم تحرير ميناء "الحديدة" من قبضة الحوثيين.

في المقابل، يرى منتقدون آخرون أن أي رد فعل يتخذ ضد جماعة الحوثي ليس مرجحًا أن يؤدي إلى استعادة قوة الردع لفترة طويلة طالما أن إيران-الدولة الراعية لجماعة الحوثي-لم تمس. والجدل هنا يكمن في أن الإيرانيين ينظرون إلى الحوثيين باعتبارهم "وقود مدافع قابل للاستهلاك". وإذا كان الأمر كذلك، فلن تتم استعادة قوة الردع إلا إذا تمت معاقبة الإيرانيين بشكل مباشر. أحد الأهداف المغرية في هذا الصدد، يتمثل في سفينة بهشاد، وهي سفينة إيرانية كانت في البحر الأحمر وخليج عدن، ويُعتقد أنها توفر بيانات استهداف السفن التجارية للحوثيين. وعندما انتقلت بهشاد إلى جيبوتي، تراجعت دقة هجمات الحوثيين. ومنذ ذلك الحين، وردت تقارير عن تعرض السفينة لهجوم إلكتروني أمريكي. ويبدو أن إدارة بايدن تنظر إلى حملة اليمن على أنها مسرح ثانوي في المواجهة مع إيران مقارنة مع المسرحين الرئيسيين وهما العراق وسوريا حيث شنت الولايات المتحدة أكثر من 150 هجومًا داخل هذين البلدين– هجمات ضد قادة مختلف الميليشيات التابعة لإيران. وعلى النقيض من ذلك، اقتصرت الهجمات في اليمن على مواقع الأسلحة وأجهزة الاستشعار -مثل الرادارات -اللازمة لاستهداف السفن في البحر.

تشير سياسة ضبط النفس الغربية إلى أن إدارة بايدن لا تنوي خوض مواجهة مباشرة ضد الحوثيين، بل تسعى بدلًا من ذلك لمنعهم من مهاجمة السفن، في انتظار التوصل لهدنة في قطاع غزة (والتي من شأنها أن تمحي الذريعة التي يستخدمها الحوثيون من أجل مهاجمة السفن) أو أن تضغط دولة صاحبة نفوذ على إيران وجماعة الحوثي من أجل وقف هذه الهجمات، على أن تكون هذه الدولة صاحبة دور كبير على صعيد التجارة البحرية وتتمتع بالقدرة على التأثير على إيران. والدولة الوحيدة التي تستوفي هذه المتطلبات هي الصين.

الآفاق المستقبلية: نحو مستقبل بحري آمن

على المدى القصير، من غير المحتمل أن يكون أي تحرك ضد الحوثيين كافيًا من أجل ردعهم عن شن هجمات متواصلة. بالتالي، إذا أردنا استعادة قوة الردع، فقد تكون هناك حاجة إلى توجيه ضربات على منشآت قيادة الحوثيين (وقادة الحوثيين) وداعميهم الإيرانيين. وفي حين يحتج الحوثيون بالحرب في قطاع غزة، على الأرجح سيستخدمون الهجمات على منشآتهم كمبرر لمواصلة هجماتهم على الشحن البحري حتى بعد انتهاء الحرب. حيث يسعى الحوثيون للاعتراف بهم كحكومة يمنية: فالهجمات على السفن تجبر الآخرين على التعامل معهم كما لو كانوا دولة. ومع استمرار التهديدات البحرية في التطور في خليج عدن والبحر الأحمر، أضحت الحاجة إلى بلورة عمل متضافر أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى. وينبغي على المجتمع الدولي أن يظل يقظًا، وأن يكيف الاستراتيجيات والقدرات لمواجهة التحديات الناشئة بفعالية.

في نهاية المطاف، ونظرًا للتحديات التي تواجهها الولايات المتحدة في الحفاظ على وجودها المستمر على الجانب الآخر من العالم، فإن معالجة الأسباب الجذرية لعدم الاستقرار في اليمن والمنطقة الأوسع أمر ضروري للأمن والازدهار البحري على المدى الطويل.

 

*"الآراء الواردة في هذا المقال لا تعكس آراء أي هيئة حكومية أمريكية "

مقالات لنفس الكاتب