array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 195

مخاوف من استهداف الحوثيين كابلات الاتصالات البحرية في باب المندب ما يعطل الاتصالات والاقتصاد في العالم

الخميس، 29 شباط/فبراير 2024

لعب البحر الأحمر دورًا كبيرًا عبر التاريخ القديم والوسيط والحديث، كما أن إنشاء قناة السويس عام 1861م، لربط البحر الأحمر بالمتوسط جعله من أهم الممرات المائية في العالم، وتحاول جميع الدول الكبرى السيطرة على موارده ومنافذه خاصة في منطقة القرن الإفريقي وباب المندب.

أعلن الحوثيون في نوفمبر 2023م، إغلاق باب المندب والمياه المحيطة به في وجه السفن الإسرائيلية ردًا على العدوان الإسرائيلى على الفلسطينيين في غزة عقب عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر 2023م، وهاجموا العديد من السفن الإسرائيلية والأجنبية أثناء عبورها بالمنطقة بالصواريخ والطائرات المسيرة، مما أثر بشدة على التجارة العالمية، وانخفاض دخل قناة السويس لمصر، وانتهزت إثيوبيا التوتر في المنطقة وأعلنت اتفاقها مع إقليم أرض الصومال للحصول على منفذ بحرى، كما نشطت مؤخرًا بعض أعمال القرصنة قبالة السواحل الصومالية.

النشأة الجيولوجية للبحر الأحمر:

البحر الأحمر عبارة عن أخدود حديث النشأة نسبيًا بالنسبة لعمر الأرض، حيث تشكل بعد الحركة التكتونية التباعدية التي حدثت في العصر الميوسيني منذ نحو 55 مليون سنة، والتي أدت إلى انفصال شبه جزيرة العرب عن قارة إفريقيا، ثم ازدادت الحركة التصدعية في عصر الأوليجوسين قبل نحو 30 مليون سنة، حيث تكون في تلك الفترة خليج السويس، أما خليج العقبة والطرف الجنوبي من البحر، فقد بدأ الانفراج فيهما منذ حوالي 4 مليون سنة. بدأ تكوين البحر الأحمر بتشقق أخذ في الاتساع تدريجيًا، ليكون بحيرة عذبة مغلقة بطول حوالي 2000 كيلومتر، إلى أن فُتحت من الجنوب بممر ضيق يسمى باب المندب، اندفعت منه مياه المحيط الهندى نحو البحيرة لتكون بحرًا مالحًا، تزداد ملوحته يومًا بعد يوم نظرًا لأنه محاط ببيئة صحراوية في العصر الحديث لا تتلقى أمطارًا غزيرة أو أنهارًا كبرى، مع ارتفاع معدل البخر، فأصبح أكثر بحار العالم المتصلة مباشرة بالمحيطات ملوحةً.

مازال البحر الأحمر يتسع تدريجيًا وتبتعد شبه الجزيرة العربية عن القارة الإفريقية بمعدل 1-2 سنتيمتر/سنة، ويصل أقصى عرض 306 كيلومتر، وسوف يتحول بعد ملايين السنوات إلى محيط، ويعرف اليوم بأنه وليد محيط، تبلغ مساحة البحر الأحمر حوالي 440 ألف كيلومتر مربع، بأعماق تختلف من 3039 مترًا بالقرب من بورتسودان (السودان) إلى 100 متر عند مضيق باب المندب. حيث يتصل البحر الأحمر بالمحيط الهندى عند خليج عدن. ويتفرع الجزء الشمالى من البحر الأحمر إلى خليجين العقبة بعمق 1,800 متر، ويمتد شمالا عبر البحر الميت إلى أن يصل إلى جبال طوروس جنوب شرق كتلة الأناضول في تركيا، والآخر خليج السويس بمتوسط عمق 60 متر، وهو المنفذ الشمالى الوحيد للبحر الأحمر نحو البحر المتوسط، من خلال قناة السويس الصناعية التي اُفتتحت عام 1869م.

 

أهمية موقع البحر الأحمر وقناة السويس:

 

يتمتع البحر الأحمر بأهمية جيو-استراتيجية كبيرة، إذ يقع في قلب العالم، ويربط بين القارات الكبرى آسيا وإفريقيا وأوروبا، كما أنه يصل بين المحيط الهندى جنوبًا، والبحر المتوسط شمالًا، كما أنه يحتوي على معابر هامة منها قناة السويس البوابة الشمالية إلى البحر المتوسط، ومضيق باب المندب البوابة الجنوبية إلى خليج عدن والمحيط الهندي. تطل عليه ثمانية دول هي: اليمن والسعودية من جهة الشرق، والأردن وفلسطين وشبه جزيرة سيناء المصرية من الشمال. ومصر والسودان وإريتريا، وجيبوتي من الغرب.

للبحر الأحمر أهمية اقتصادية وعسكرية وأمنية كبيرة، حيث يمر به أحد أكثر طرق الملاحة البحرية الدولية حيوية في العالم وهو قناة السويس، وتشكل بعض دوله أهم المراكز العالمية لإنتاج النفط، وتمثل مضائقه وجزره نقاطًا استراتيجية واقتصادية وأمنية هامة، مما زاد من الصراع الإقليمى للدول الكبرى وإنشاء القواعد العسكرية الأجنبية.

قديمًا شكل البحر الأحمر أحد أُولى المسطحات المائية الكبيرة المذكورة في التاريخ المسجل. وكان مهمًا في التجارة البحرية المصرية المبكرة (2000 سنة ق.م)، واُستخدم كممر مائي إلى الهند حوالي 1000 ق.م كما سجل على جدران وأعمدة المعابد القديمة (الأقصر -مصر) الرحلات التجارية خلال حكم الملكة حتشبسوت إلى بلاد بونت (الصومال).

تم حفر القنوات الضحلة بين البحر الأحمر ونهر النيل قبل القرن الأول الميلادى، وقدمت الاقتراحات لإنشاء قناة عميقة تربط البحر الأحمر بالمتوسط لأول مرة عام 800 م، من قبل الخليفة هارون الرشيد، حتى استطاع المهندس الفرنسي فرديناند دى ليسبس انتزاع الموافقة على إنشاء قناة السويس بطول 193 كيلو متر، وتم افتتاحها في 17 نوفمبر 1869م، بعد 10 سنوات من الإنشاء.

يؤكد مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) على الدور الحاسم الذي يلعبه النقل البحري بصفة عامة باعتباره العمود الفقرى للتجارة الدولية، فهو مسئول عن أكثر من 80% من الحركة العالمية للبضائع، والبحر الأحمر وقناة السويس بصفة خاصة حيث يعبر أكثر من 12% من تجارة العالم، 30% من سفن الحاويات العالمية، وأكثر من مليون برميل من النفط الخام يوميًا عبر قناة السويس، وأكثر من40% من التجارة بين آسيا وأوروبا.

وحديثًا تُستخدم البحار لمرور كابلات بحرية للإنترنت، حيث أن حوالي 95% من حركة الإنترنت في العالم تمر عبر البحار، كما أن نحو 17% منها تمر عبر البحر الأحمر، وأن حوالي 90% من بيانات الإنترنت بين أوروبا وآسيا تمر عبر البحر الأحمر من خلال 16 كابل، وأهمها خط آسيا – إفريقيا – أوروبا 1 (AAE-1) الذي يبلغ طوله 25 ألف كيلومتر، على عمق لا يتجاوز 100 متر، ويمتد من جنوب شرق آسيا – البحر الأحمر – قناة السويس – البحر المتوسط حتى غرب أوروبا (فرنسا).

الثروات الطبيعية في البحر الأحمر:

تعود أهمية البحر الأحمر بالإضافة إلى الموقع الجغرافي، إلى احتوائه على العديد من الثروات الطبيعية في الجبال الممتدة على جانبيه وماتحويه من خامات معدنية استراتيجية مثل الذهب والفضة والنحاس والحديد والمنجنيز والرصاص والكبريت، والرواسب المتبخرة مثل الهاليت والسيلفيت والجبس والدولوميت، والفوسفات والرخام، والرمال البيضاء، والأحجار الكريمة وغيرها، كما تنتشر حقول النفط والغاز الطبيعى التى ساهمت في تنمية دول حوض البحر الأحمر، ومياه بحرية ذات سمات خاصة، وأنواع وثروة سمكية تحتوى على أكثر من 1100 نوع مختلف من الأسماك، وسواحل جذابة للنشاط السياحى والاستشفائى حيث تنتشر المنتجعات السياحية الشهيرة في مدن عدة، مثل شرم الشيخ والغردقة ودهب في مصر، وجزر وخلجان ومضايق، كما يحتوى على عدد من المحميات الطبيعية الفريدة، بما في ذلك تنوع بيولوجى من حيوانات نادرة وممر لهجرة الطيور من أوروبا إلى جنوب إفريقيا، وتكثر به الشعاب المرجانية المختلفة، وانتشار الأعشاب البحرية والملاحات وأشجار المانجروف والمستنقعات المالحة.

ازدادت أهمية البحر الأحمر مع الاكتشافات البترولية ونقلها إلى معظم دول العالم الذي أيقن أهمية البحر الأحمر وقناة السويس بعد تعثر الباخرة إفرجرين في قناة السويس وتعطل الملاحة ستة أيام في مارس 2022م.

يشتمل البحر الأحمر على ثلاثة مضائق طبيعية باب المندب في الجنوب، وفي الشمال مضيق تيران في مدخل خليج العقبة، ومضيق جوبال على مدخل خليج السويس، كما يضم البحر الأحمر نحو 1496 جزيرة، ومعظمها شعاب مرجانية، منها 1150 سعودية، 152 يمنية، 126 إرترية، 36 سودانية، 26 مصرية.

يوجد العديد من الموانئ الهامة على سواحل البحر الأحمر، تساهم بقوة في النشاط التجارى والدخل الاقتصادى للدول المطلة عليه، حيث تؤمن هذه الموانئ نقل موارد الطاقة والمعادن والمنتجات الزراعية والصناعية، وتقدم خدمات الملاحة للسفن العابرة، ومن أهم هذه الموانئ جدة وينبع في السعودية، عدن في اليمن، وإيلات في إسرائيل، وسفاجا والعين السخنة والسويس في مصر، وسواكن في السودان، ومصوع وعصب في إرتريا، وميناء جيبوتى.

المخاطر والصراعات العسكرية في البحر الأحمر:

أصبح البحر الأحمر بيئة تفاعل وتجاذب لصراعات إقليمية مثل الصراع العربى – الإسرائيلي، والإيراني –الخليجى، الإيرانى – الإسرائيلى، والإثيوبى – الإريترى، والإريترى – اليمنى، الاثيوبى – الصومالي، والمصري – الإثيوبي بسبب سد النهضة، بالإضافة إلى أن المنطقة تشهد الكثير من الصراعات الداخلية مثل الحرب الأهلية في الصومال والتدخل الإثيوبي فيها والصراع في اليمن، والحرب الأهلية في السودان، والقرصنة وتنظيم القاعدة.

وفرت قناة السويس طريقًا مباشرًا هو الأقصر بين أوروبا وشرق آسيا، وبذلك ازدادت أهمية البحر الأحمر للقوى الكبرى التى سارعت إلى فرض نفوذها الاستعمارى في المنطقة، واستمرت سيطرتها على البحر الأحمر، وطرق الملاحة فيه إلى النصف الثانى من القرن الـعشرين، ومع خروج الاستعمار الأوروبي، بدأ قطبا الحرب الباردة ببسط نفوذهما في المنطقة، وتبعهم كثير من الدول الكبرى للتواجد عن طريق القواعد العسكرية خاصة في منطقة القرن الإفريقي.

بعد ظهور الأهمية العسكرية للبحر الأحمر في حرب 1973م، عندما أغلقت مصر واليمن مضيق باب المندب في وجه الملاحة الإسرائيلية، وبدء عمليات القرصنة في القرن الإفريقي مع بدء الحرب الأهلية في الصومال أوائل التسعينات، وبعد هجمات 11 سبتمبر 2001م، قررت  أمريكا تأسيس قاعدة لها في جيبوتي عام 2002م، لاستخدامها في مواجهة الارهاب كما تدعى، كما بدأت قوات عسكرية أجنبية أخرى في الظهور بالمنطقة عام 2008م، وتوالى إنشاء القواعد العسكرية للعديد من الدول الأجنبية خلال العقدين الماضيين في دول القرن الإفريقي مثل جيبوتي والصومال وإريتريا واليمن، وشمل ذلك بالإضافة إلى قواعد فرنسا وأمريكا، قواعد لإسبانيا واليابان وإيطاليا والصين وتركيا والإمارات وإسرائيل.

بعد انتشار ما يسمى بالربيع العربي 2011م، اشتعلت في اليمن الاضطرابات الداخلية منذ عام 2014م، وأخذ جماعة الحوثيين الموالية لإيران في تصعيد هجماتهم على بعض السفن، الأمر الذي دفع القوى الدولية إلى تأسيس "قوة المهام المشتركة 153 الدولية" عام 2022م، لتأمين الملاحة.

ردًا على العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين في غزة، هاجم الحوثيون في 16 نوفمبر 2023م السفن الإسرائيلية التى تمر عبر باب المندب، وازدادت المواجهة في التاسع من ديسمبر 2023م بمنع مرور جميع السفن المتجهة من وإلى الموانئ الإسرائيلية وبعض الدول الداعمة لها، ومهاجمتها بالصواريخ والطائرات المسيرة.

طبقًا لتقرير نشره موقع "منتدى الخليج الدولي"، أن هناك تهديدات مرتقبة من الحوثيين لاستهداف شبكة كابلات الاتصالات البحرية التي تمر بمضيق باب المندب، والتى يمكن أن تعطل الاتصالات والاقتصاد العالميين بعد الهجمات الأمريكية على مواقع للحوثيين في اليمن.

وزاد الاضطراب في المنطقة بعد عودة القراصنة الصوماليين إلى الهجوم، مع تزايد أعمال القرصنة في جميع أنحاء القرن الإفريقي بشكل حاد في الأشهر الأخيرة، مما زاد من المخاوف بشأن الملاحة في المنطقة.

تداعيات هجمات الحوثيين:

دفعت هجمات الحوثيين على بعض السفن التجارية في البحر الأحمر، خاصة المرتبطة بإسرائيل، إلى تحويل بعض الشركات مسار سفنها بعيدًا، واتخاذ الطريق القديم والأطول حول رأس الرجاء الصالح للوصول إلى أوروبا وآسيا، وهو ما يضيف 3000 -3500 ميل بحري (5500 -6500 كيلومتر) وسبعة إلى 10 أيام إبحار لرحلة معتادة بين أوروبا وآسيا. ويمكن أن تستوعب المسافة الإضافية ما بين 700 ألف إلى 1.9 مليون حاوية قياسية مكافئة (وحدات شحن تعادل عشرين قدمًا) من سعة الشحن حسب تقديرات البنك الدولى، وتصل التكاليف الإضافية للرحلة حول رأس الرجاء الصالح -والتي تشمل ما يصل إلى مليون دولار من الوقود لكل رحلة ذهابًا وإيابًا -في ارتفاع أسعار الشحن الفورى إلى أكثر من 3000 دولار لكل حاوية سعة 40 قدمًا للرحلة من آسيا إلى أوروبا، بزيادة ثلاثة أمثال عن أدنى معدل تم تسجيله في عام 2023م، (نحو 1000 دولار).

تغيير مسار السفن أدى إلى تأخر وصول البضائع وانخفاض الإنتاج وارتفاع تكاليف الشحن وأسعار البضائع، وزيادة أسعار النفط والغاز وأقساط التأمين، وعرقلة الصفقات وعمليات التبادل التجارى، وزيادة التلوث البيئى نتيجة زيادة انبعاث غازات الاحتباس الحراري (ثانى أكسيد الكربون) لأن السفن تختار مسارات أطول مما يزيد من استهلاك الوقود، وأصاب ذلك ميناء إيلات الإسرائيلى بالشلل، ووجه ضربة اقتصادية لإسرائيل، كانت الرحلات بين آسيا وأوروبا للسفن المتجهة إلى إسرائيل تستغرق حوالي 19 يومًا قبل الحرب، لكنها يمكن أن تستغرق الآن ما يصل إلى 31 يومًا اعتمادًا على سرعة السفينة (شكل 1). كما توقفت بعض المصانع والشركات العالمية مثل مصانع السيارات في بلجيكا وألمانيا، وشركة ماريلاند لصناعة مستلزمات المستشفيات لتأخر الحصول على قطع الغيار من آسيا.

تحاول بعض الشركات فتح طرق تجارية جديدة تمر عبر قلب الشرق الأوسط لتجاوز البحر الأحمر الذي يهدده الحوثيون، تقوم شركة Trucknet Enterprise Ltd. بإرسال البضائع بما في ذلك المواد الغذائية والبلاستيكية والمواد الكيميائية والكهربائية من موانئ في الإمارات والبحرين، عبر السعودية والأردن، إلى إسرائيل ثم إلى أوروبا.

 

تأثير هجمات الحوثيين على مصر:

 

أدت هجمات الحوثيين على بعض السفن في منطقة باب المندب إلى تراجع حجم الشحنات المارة بقناة السويس خلال الفترة من 19 نوفمبر 2023 وحتى 14 يناير 2024م، بنحو 11% إلى 242.5 مليون طن، من 273 مليون طن في الفترة نفسها قبل عام، حسب منصة «بورت وتش» لتتبع حركة الشحن والتابعة لصندوق النقد الدولى، وتراجع عدد سفن الحاويات من 2693 إلى 2453 سفينة خلال الفترة نفسها قبل عام، وعدد ناقلات النفط من 1379 إلى 1260 ناقلة. انخفاض عدد السفن المارة بقناة السويس بعد الاعتداءات الإسرائيلية على غزة يعادل ضعف انخفاضها أثناء جائحة كورونا 2020م (شكل 2). وانخفضت شحنات الحاويات عبر القناة 82% في الأسبوع المنتهي في 19 يناير 2024م، مقارنة بأوائل ديسمبر، كما تراجعت شحنات الغاز الطبيعي المسال بشكل أكبر، في حين شهدت شحنات البضائع السائبة الجافة تراجعًا أقل بينما زادت حركة ناقلات النفط الخام قليلًا، وطبقًا لهيئة قناة السويس انخفضت هذه الإيرادات بنسبة 40٪ خلال الأسبوعين الأولين من عام 2024م، مقارنة بالعام الماضي في نفس الفترة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

شكل (1): طرق مرور السفن قبل وبعد حرب غزة.

(المصادر: معدلة من Noam Raydan , The Washington Institute.)

(الطرق البرية: Bloomberg)

Suez Canal, daily transits, 28-day rolling average,

2016–23 January 2024, Index, Average=100

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

شكل (2): المتوسط اليومى لحركة مرور السفن في قناة السويس (2016 – 2024م)

(المصدر: UNCTAD, 2024)

ومن المتوقع ألا يكون التأثير كبيرًا على الاقتصاد المصري الذي يعاني بالفعل انخفاضًا شديدًا في قيمة العملة المحلية (أكثر من 100% خلال 2023م) وارتفاعًا كبيرًا في التضخم، ولكن إذا استمر الاضطراب فقد يتفاقم الوضع أكثر بسبب انخفاض عائدات قناة السويس التى تشكل أحد أهم المصادر للحصول على العملة الأجنبية، حيث يمر بقناة السويس أكثر من 20 ألف سفينة سنويًا، بعائد قدره حوالي 10 مليار دولار عام 2023م.

حال استمرار الصراع في البحر الأحمر

أوضح خبراء في البنك الدولي أن تأثير اضطرابات البحر الأحمر يمكن استيعابها نسبيًا في شحن الحاويات العالمية خلال شهرى يناير وفبراير 2024م، حيث أنهما من الأشهر الهادئة موسميًا بالنسبة للشحن، ولكن إذا استمرت هجمات الحوثييين على السفن إلى مارس وأبريل، حيث تشهد فيهما التجارة العالمية انتعاشًا موسميًا، فقد تؤدى إلى أزمة في سلاسل الإمداد مثلما حدث جراء وباء كورونا 2021-2022م، عندما انخفض عدد سفن نقل البضائع وأُغلقت الموانئ، ونقص عدد العاملين فيها، مما أدى إلى تأخير السفن أيامًا أو أسابيع لتفريغ حمولتها، وارتفاع حاد في أسعار الشحن الفوري بلغ ثمانية أضعاف أسعار عام 2019م.

كما أن استمرار الهجمات على السفن يشكل خطرًا على الأمن الغذائى العالمى من خلال إبطاء توزيع الحبوب إلى مناطق متفرقة من العالم خاصة آسيا وإفريقيا، التي تعتمد على القمح من أوروبا ومنطقة البحر الأسود، وأن الأمر قد يكون أسوأ إذا اتسع نطاق الصراع في الشرق الأوسط وأدى إلى ارتفاع أسعار النفط مع مضاعفة تكاليف الشحن الجديدة.

تدهور الأمن في البحر الأحمر شجع القراصنة الصوماليين على العودة للهجوم على السفن في القرن الإفريقي بعد ما تراجعت أعمال القرصنة قبالة سواحل الصومال في السنوات الأخيرة التي بلغت ذروتها عام 2011م عندما شن القراصنة الصوماليين 212 هجومًا. وأصدر مجلس الأمن 7 قرارات تستهدف القرصنة بين ديسمبر 2010م ومارس 2022م، مما سمح للقوات البحرية والجوية الأجنبية بدخول المياه الصومالية.

 

مذكرة التفاهم بين إثيوبيا وأرض الصومال:

 

مع بداية العام الجديد 2024م، فُوجئ المجتمع الدولي بتوقيع مذكرة تفاهم بين زعيم إقليم أرض الصومال موسى بيهي عبدي ورئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد، تمنح إثيوبيا منفذًا على البحر الأحمر بطول 20 كيلومترًا يضم ميناء بربرة وقاعدة عسكرية، مقابل اعتراف إثيوبيا بأرض الصومال كدولة مستقلة، فضلاً عن منح إثيوبيا 20% من أسهم شركة الخطوط الجوية الإثيوبية، وأملًا في مساعدتها على الحصول على اعتراف دولي.

تسعى إثيوبيا -الدولة الحبيسة-منذ انفصال إريتريا عام 1993م، للحصول على أي منفذ، إلا أن توتر العلاقات بينها وبين الدول المجاورة مثل الصومال بعد سيطرتها على إقليم أوجادين الصومالي، وبناء سدود تحد من تدفق المياه نحو نهري شبيلي وجوبا في الصومال، والعداء المستمر مع إريتريا يمنع منحها منفذًا على البحر، ولمصلحة جيبوتي في استمرار اعتماد إثيوبيا على استخدام موانيها يمنع أيضًا منحها منفذًا مستقلًا على البحر الأحمر.

 

الموقف الدولي من الاتفاق:

 

رفضت العديد من الدول وعلى رأسهم مصر ذلك الاتفاق باعتباره انتهاكًا لسيادة الصومال، وتحذيرًا من تداعياته في زيادة حدة التوتر في منطقة القرن، وخوفًا من تشجيع أقاليم أخرى في المنطقة للانفصال، كما حدث من قبل في انفصال إريتريا التي استقلت عن إثيوبيا عام 1993م، وجنوب السودان التي استقلت عام 2011م.

كما رفضت الحكومة الصومالية الاتفاق بشدة، ووصفه الرئيس حسن شيخ محمود بأنه انتهاك غير مشروع للسيادة الصومالية، مؤكداً أنه «لا يمكن لأحد أن ينتزع شبرًا من الصومال»، كما استدعت مقديشو سفيرها لدى إثيوبيا، ولاحقًا وقع الرئيس الصومالى قانونًا يلغي فيه الاتفاق. وشدّدت أمريكا وأوروبا و "إيجاد" على ضرورة احترام سيادة جمهورية الصومال الفيدرالية ووحدة أراضيها وفقًا لدستورها ومواثيق الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة، وأنه ينبغى أن يكون أي اتفاق أو ترتيب بموافقة حكومة جمهورية الصومال، كما نددت الجامعة العربية، باتفاق بين إثيوبيا وأرض الصومال، ووصفته بأنه "انقلاب صارخ" على الثوابت العربية والإفريقية، ودعا الجميع إثيوبيا والصومال إلى تهدئة التوترات والدخول في حوار بناء. لم يتخذ الاتحاد الإفريقي موقفًا للدفاع عن سيادة دولة عضو فيه وهي الصومال كما هو معتاد في مثل هذه الحالات، ويرجع ذلك إلى وجود مبنى الاتحاد الإفريقي في أديس أبابا، والعلاقة القوية لرئيس الوزراء الإثيوبي بإدارة الاتحاد.

من المتوقع في حالة إصرار إثيوبيا وأرض الصومال على المضي قُدمًا في تنفيذ الاتفاق أن يزيد التوتر في القرن الإفريقي، وزيادة القواعد العسكرية للدول الكبرى لتأمين مصالحها الاستراتيجية، وتوسيع نفوذها السياسي والعسكري.

 

رد الفعل المصري تجاه الاتفاق:

 

أبدت مصر رفضاً قاطعًا للاتفاق الإثيوبى مع أرض الصومال إذ أكدت أن الصومال دولة عربية، ولها حقوق طبقًا لميثاق الجامعة العربية في الدفاع المشترك لأى تهديد لها، وأن مصر لن تسمح لأحد بتهديد الصومال أو المساس بأمنه، يأتي الموقف المصري في أعقاب فشل مفاوضات سد النهضة الإثيوبي على مدار أكثر من اثنى عشر عامًا، وتوجهها إلى مجلس الأمن مرتين في 2020، و2021م، دون الوصول إلى حل بشأن ملء وتشغيل السد الإثيوبي، واعلان مصر أنها تحتفظ بحقها المكفول بموجب المواثيق الدولية للدفاع عن أمنها المائي والقومي في حالة تعرضه للضرر. قوبل الموقف المصري بترحاب واسع في الصومال حيث شدد الرئيس الصومالى حسن شيخ محمود، على أن بلاده تعتبر مصر حليفًا تاريخيًا وشريكًا استراتيجيًا، معربًا عن تطلع الصومال للمزيد من التعاون مع القاهرة خلال الفترة القادمة.

 

المواجهة الدولية للتهديدات الأمنية في البحر الأحمر:

 

أطلقت الولايات المتحدة في ديسمبر 2023م، مبادرة لتشكيل قوات متعددة الجنسيات من دول عدة باسم "حارس الازدهار مقاومة هجمات الحوثيين بالبحر الأحمر، حيث جمعت دولًا من بينها أستراليا، والبحرين، وبلجيكا، وكندا، والدنمارك، واليونان، وإيطاليا، واليابان، وهولندا، وسنغافورة، ونيوزيلندا، والمملكة المتحدة، وفضلت بعض الدول منها مصر عدم الاشتراك وسط مخاوف من أنها قد تؤدي إلى زيادة التوترات وزيادة تصعيد الصراع في الشرق الأوسط، وزيادة دائرة الاعتداءات على جميع السفن التى تمر خلال قناة السويس.

قامت أمريكا وبريطانيا، بدعم من دول حليفة أخرى، بضربات مباشرة على بعض أهداف الحوثيين في اليمن، وبعد ذلك تعهد الحوثيون بالانتقام، وفي 10 يناير 2024م، اعتمد مجلس الأمن الدولي قرارًا يدين "بأشد العبارات" الهجمات المتكررة للحوثين قبالة سواحل اليمن. ولم تنجح واشنطن في ردع الحوثيين، وطلبت من الصين استخدام نفوذها لدى إيران لوقف الهجمات على السفن في البحر الأحمر، في المقابل زاد الحوثيون من نشاطهم باستهداف السفن الأمريكية والدول المؤيدة ردًا على هذا التصعيد.

من طرق الحل الضغط الدولى على إسرائيل للتوقف عن الجريمة الإنسانية التي ترتكبها في حق الشعب الفلسطيني في غزة، وعودة الدول الداعمة لها من أمريكا وأوروبا إلى رشدهم في وقف العدوان الغاشم، وحل القضية الفلسطينية من جذورها بدلًا من بذل مزيد من الجهد فقط في عمل هدنة مؤقته، يعود بعدها قتل الأبرياء مرة أخرى في جريمة تلحق بالمجتمع الدولي بأكملة الخزي والعار أمام الأجيال القادمة.

مقالات لنفس الكاتب