array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 196

ضرورة إيجاد إطار قانوني ملزم لتوظيف التنظيمات الإرهابية منصات التواصل الاجتماعي

الأحد، 31 آذار/مارس 2024

رغم ما تتمتع به منطقة الخليج من قدر من الاستقرار على المستويات السياسية والأمنية، إلا أنَّ البيئة الأمنية المُحيطة وما تشهده من قدّر كبير من الاضطراب وعدم الاستقرار على العديد من المستويات، تفرض على دول الخليج العديد من التحديات والتهديدات الأمنية؛ إذ تُحاط دول الخليج ببيئة جيواستراتيجية شديدة التعقيد والتقلب لتفرض تداعياتها على طبيعة التهديدات وكذلك السياسات الأمنية لدول المنطقة ككل، كما فرضت التطورات في البيئة الأمنية فترة ما بعد الحرب الباردة تهديدات أمنية متزايدة؛ إذ أصبحت التهديدات الأمنية شديدة التعقيد - حيث أثرت جملة من المتغيرات والعوامل التكنولوجية وغيرها على التهديدات الأمنية - عابرة للحدود مع صعوبة الفصل بين الداخل والخارج، بحيث لا يمكن لأي دولة عند وضع سياستها الأمنية تجاهل التهديدات النابعة من البيئة الخارجية. كما تراجع دور القوى العسكرية في تحقيق الأمن الذي أصبح أكثر ارتباطًا بتنوع وتعدد مصادر التهديد.

أحد التحديات الأمنية يتمثل في انتشار الإرهاب وما يفرضه من تهديدات خطيرة تؤثر على أمن واستقرار المنطقة؛ إذ شكلت حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني المستمرة والمتزايدة في السياق الإقليمي المحيط بمنطقة الخليج بيئة خصبة لانتشار الإرهاب، بشكل أصبح يفرض تهديدات على دول المنطقة، وهي التهديدات التي ازدادت تعقيدًا في ظل التطورات التي طرأت على ظاهرة الإرهاب ليصبح عابرًا للحدود أكثر قدرة على الاستفادة وتوظيفًا للتطورات التكنولوجية المتلاحقة.

 وتلعب دول الخليج دورًا محوريًا في جهود مكافحة الإرهاب على المستويين الإقليمي والدولي. ورغم وجود تباينات فيما يتعلق بتحركات الدول الخليجية في هذا الشأن، وذلك في إطار الاختلافات فيما يتعلق بطبيعة مصالحها وعلاقاتها الإقليمية والدوليةـ إلا أنَّ هناك درجة كبيرة من التوافق بشأن الرؤية الخليجية فيما يخص مواجهة الإرهاب؛ وهي الرؤية التي تقوم على ضرورة معالجة جذور ظاهرة الإرهاب من خلال التركيز على العوامل التي قادت لانتشار الإرهاب وعدم التركيز على الجوانب الأمنية فقط في المواجهة، بالإضافة إلى العمل على تجفيف منابع تمويل الإرهاب. كما تركز الرؤية الخليجية على ضرورة مكافحة الفكر الإرهابي، انطلاقًا من أنَّ الإرهاب لا يمكن محاربته بالوسائل الأمنية فقط، وأن الاقتراب الأمني الأوسع يتطلب التركيز على الأمن الفكري والثقافي.

ونناقش فيما يلي طبيعة الرؤية الأمنية الخليجية فيما يخص مكافحة انتشار الإرهاب الدولي، بالتركيز على طبيعة التطورات التي طرأت على ظاهرة الإرهاب خلال السنوات الأخيرة وكذلك أبرز المخاطر المحيطة بدول الخليج، والرؤية الخليجية في مجال مكافحة الإرهاب.

الإرهاب وما يفرضه من تحديات للأمن الإقليمي:

شهدت البيئة الأمنية في فترة ما بعد الحرب الباردة جُملّة من التطورات والتي انعكست على كل من مفهوم الأمن وطبيعة التهديدات الأمنية، وهو ما كان له انعكاسه على ظاهرة الإرهاب التي استفادت بشدة من العديد من التطورات ليصبح لدينا ما أُطلق عليه "الإرهاب الجديد" New Terrorism، لتشهد ظاهرة الإرهاب والتنظيمات الإرهابية تغييرات مهمة على مستويات عدة شملت الفكر والتنظيم والأهداف وكذلك الأدوات.

على مستوى الفكر، أفرزت تلك التحولات جيلًا جديدًا من الإرهابيين مختلفًا من حيث الفكر، بحيث لم تعد تجمعهم قضية قومية كما كان في السابق؛ إذ يمكن القول أنَّ الأهداف السياسية أو الأيديولوجية أصبحت هي الجامع لهم.

تنظيميًا، أصبح الإرهاب عبارة عن جماعات عابرة للجنسيات، كما لم تعد التنظيمات القائمة ترتبط تنظيميًا أو فكريًا بتنظيم القاعدة، وظهرت مفاهيم مثل الإرهاب بلا قيادة Leaderless Terrorism حيث يقوم فيه أفراد أو خلايا متناهية الصغر بارتكاب أعمال إرهابية دون أي تعليمات من قيادة أو أي تحكم هيراركي مسبق وهو ما يخلق صعوبة كبيرة في مواجهتها. وبالتالي تكون التهديدات أكثر خطورة على أمن الأفراد. كما بدأنا نشهد أنماط جديدة من الإرهابين مثل الذئاب المنفردة Lone Wolf وغيرها.

أما من حيث الأهداف فلم يعد لفت الانتباه إلى قضية بعينها والدفاع عن تلك القضية هدف تلك الجماعات بقدر ما أصبح الهدف إيقاع أكبر عدد من الخسائر. وتجربة داعش وما خلقته من حالة من الهلع نتيجة ممارسة العنف الشديد تؤكد ذلك.

وقد استفادت التنظيمات الإرهابية من التطورات التكنولوجية بشكل كبير. فمن ناحية، وظفت وسائل التواصل الاجتماعي في نشر أفكارها وجذب قطاعات واسعة من الشباب للانضمام إلى صفوفها، مما أسهم في تزايد ظاهرة المقاتلين الأجانب، وتُشير المصادر إلى أنه خلال الفترة من 1970 وحتى عام 2018م، فإن 60% من الهجمات اليمينية المتطرفة تمت من قبل أفراد غير منتسبين. يُضاف لذلك أنه لم تعد الاعتبارات الخاصة بتردي الأوضاع الاقتصادية الدافع الرئيس وراء انضمام الشباب للتنظيمات الإرهابية، لتشهد التنظيمات الإرهابية قدرة أكبر على استقطاب مجموعات من الشباب المتعلم جيدًا والمثقف. فقد أكدت الدراسات تغير في طبيعة العلاقة بين المستوى التعليمي والاستقطاب الفكري، بحيث لم يعد الأميون هم الأكثر استقطابا. فنحو 69% من الذين انضموا لتنظيم داعش خلال الفترة من 2013-2014م، حاصلين على التعليم الثانوي والجامعي. ويبلغ متوسط أعمار المجندين الأجانب في تنظيم داعش 27,4 عامًا. لتُشكل اعتبارات مثل الرغبة في البحث عن نموذج المغامرة عوامل محفزة وراء دفع الشباب للانضمام لتلك التنظيمات.

توظيف التكنولوجيا لم يقتصر على توظيف الإرهاب التقليدي للأدوات التكنولوجية فحسب، وإنما ظهرت أنماط جديدة من الإرهاب القائم على التكنولوجية وهنا برز مفهوم الإرهاب الإليكتروني cyberterrorist. ليصبح الإرهاب أكثر ارتباطًا بالجريمة بدلا من كونه مرتبط باعتبارات سياسية أو إيديولوجية. كما مكنت العولمة المنظمات الإرهابية من الوصول إلى كافة حدود العالم، وفي نفس الوقت ربط تلك المنظمات ببعضها البعض. وحدث تغير في مصادر الدعم والتمويل حيث استطاعت المنظمات الإرهابية أنَّ توسع من وصولها إلى الموارد المالية لتمويل العمليات الخاصة بها.

يُضاف لذلك المخاوف المرتبطة بتوظيف الذكاء الاصطناعي من قبل الجماعات الإرهابية، وفي هذا السياق بدأت التحليلات تتحدث عما يُسمى " الربوتات القاتلة"، والتي ستكون في حال توظيفها من قبل الجماعات الإرهابية ذات أثرًا مدمرًا، حيث ستُشكل نقلة نوعية في طبيعة العمليات الإرهابية. وبذلك تزداد المخاوف من قدرة التنظيمات الإرهابية على توظيف الذكاء الاصطناعي في عملياتها. خاصة في ظل غياب أطر دولية يمكنها وضع الضوابط الخاصة بتلك العمليات.

 الجهود الخليجية فيما يخص ملف الإرهاب

يوضح الجدول وضع مجموعة من دول الشرق الأوسط فيما يتعلق بمؤشر الإرهاب العالمي لعام 2023م، والصادر في مارس 2024م.

الدولة

الدرجة

الترتيب

التغيير ما بين 2013-2023

إسرائيل

8.143

2

3.767

سوريا

7.890

5

-0.137

العراق

7.078

11

-2.611

مصر

5.221

20

-0.877

فلسطين

4.966

22

1.577

اليمن

4.951

23

-2.534

إيران

4.464

26

-0.087

تونس

2.914

36

-1.010

الجزائر

2.197

44

-3.519

لبنان

1.562

56

-3.858

المملكة العربية السُّعُوديَّة

1.366

60

-0.443

الأردن

0.455

75

-0.403

الإمارات

0.233

79

0.233

البحرين

0.123

84

-3.312

الكويت

00

89

-0.257

المغرب

00

89

-2.271

سلطنة عمان

00

89

-0.059

قطر

00

89

00

السودان

00

89

-4.070

         

        Source: Global Terrorism Index 2024, Institute for Economics & Peace, March 2024.

ومع التأكيد على ما تحظى به دول الخليج بوضع متميز فيما يتعلق بالترتيب على مستوى الشرق الأوسط والعالم، وكذلك من خلال تحسن أوضاعها خلال السنوات العشر الأخيرة وذلك بعد ما عانته دول خليجية من أحداث إرهابية في فترات سابقة. فهناك 3 دول من الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي تأتي في ذيل القائمة من حيث الترتيب حيث لم تشهد حوادث إرهابية خلال العام. وتجدر الإشارة إلى أن قيمة المؤشر تتراوح ما بين (0 -10) حيث تعد القيمة 10 هي الدرجة الأعلى في وضع الدول فيما يتعلق بانتشار الإرهاب. ويتسند المؤشر في حسابه إلى أربعة مؤشرات فرعية لقياس أثر الإرهاب وهي: إجمالي عدد الحوادث الإرهابية، وإجمالي عدد الوفيات نتيجة للحوادث الإرهابية، وإجمالي عدد المصابين نتيجة للحوادث الإرهابية، ومستوى الأضرار الكلية الحادثة في الممتلكات نتيجة للحوادث الإرهابية.

إلا أنه بالنظر إلى الجوار الإقليمي يتضح حجم انتشار التهديد الإرهابي. وهي تهديدات ترتبط بتوازنات إقليمية ودولية مما يجعل من الصعب إيجاد حلول جذرية لها دون المزيد من التنسيق على المستويين الإقليمي والدولي. كما أن جزءًا كبيرًا منها يرتبط بحالة عدم الاستقرار السياسي والأمني الذي تُعانيه العديد من دول المنطقة والتي تعود في بعض الحالات لعقود سابقة مع صعوبة التنبؤ، في بعض الحالات، بإيجاد حلول لها والخروج من حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني في المستقبل القريب. خاصة في ظل وجود مصالح لأطراف إقليمية ودولية في استمرار تلك الحالة من عدم الاستقرار ومن ثم تعمل على تغذيتها.

ورغم أنَّ المنطقة شهدت خلال السنوات الأخيرة تراجعًا في التهديدات النابعة من التنظيمات الإرهابية المتطرفة خاصة بعد هزيمة داعش في العراق وسوريا. وتراجع تنظيم القاعدة في العراق، إلا أنَّ خطر الإرهاب ما زال يؤثر على أمن المنطقة ويمتد تأثيره في بعض الأحيان خارج النطاق الإقليمي. وفي هذا السياق تُشكل محاولات تهديدات الملاحة البحرية أحد مصادر التهديد للاستقرار والأمن الإقليمي. وهي تهديدات لا تقتصر في تداعياتها على المنطقة فحسب، فما يحدث من تهديدات للممرات البحرية يتجاوز في تأثيره المصالح الاقتصادية والأمنية لدول المنطقة فحسب، بل يمتد ليؤثر على العديد من دول العالم.

وبذلك يتضح أن تأثيرات الإرهاب على منطقة الخليج ترتبط بجوار إقليمي تُعاني بعض دوله من حالة من عدم الاستقرار السياسي والأمني الممتد لسنوات، مع وجود مصالح لقوى إقليمية ودولية في استمرار حالة عدم الاستقرار ومن ثم تعمل على تغذية تلك الحالةـ يُضاف لذلك حدوث تطورات في طبيعة الظاهرة ذاتها على مستوى الفكر والتنظيم والتوظيف للأدوات التكنولوجية المتقدمة، مما يضفي مزيدًا من التعقيد على المشهد الأمني. وهو ما جعل ملف الإرهاب يفرض ضغطًا متزايدًا على الحكومات الخليجية ويحظى بترتيب متقدم ضمن الأولويات الأمنية.

فطبيعة تلك التهديدات وتشابكاتها الإقليمية والدولية دفعت دول الخليج للعمل على تعزيز الشراكات الإقليمية والدولية في مجال مكافحة الإرهاب. فعلى المستوى الإقليمي، كان هناك تنسيق خليجي في إطار مجلس التعاون الخليجي، إضافة إلى التنسيق على مستوى جامعة الدول العربية، فقد أقرت دول مجلس التعاون الخليجي في عام 2002م، "الاستراتيجية الأمنية لمكافحة التطرف المصحوب بالإرهاب"، كما صدر في العام ذاته "إعلان مسقط لمكافحة الإرهاب"، وفي عام 2004م، تم التوقيع على اتفاقية "دول مجلس التعاون لمكافحة الإرهاب". وفيما يخص ما نصت عليه الاتفاقية في المادة التاسعة بشأن ضرورة الإبلاغ عن العناصر الإرهابية فقد تم إنشاء اللجنة الخليجية الدائمة للقائمة الإرهابية الموحدة. وتُعنى بدراسة إدراج/ رفع أسماء بعض الأفراد أو الجماعات أو المؤسسات المنتمية للمنظمات الإرهابية.

وقد حددت رؤية دول الخليج للأمن الإقليمي والتي اعتمدها المجلس الوزاري الخليجي في دروته رقم (158) ثلاثة أهداف وهي الحفاظ على: الأمن الإقليمي واستقرار المنطقة، وازدهار الدول وشعوبها، وتعزيز الأمن والسلم الدوليين. وحددت الرؤية عدة محاور ترتبط بشكل مباشر أو غير مباشر بالتهديدات الإرهابية وهي: حل الخلافات عبر التفاوض وتكثيف الجهود لتجنيب المنطقة تداعيات الحروب، ودعم جهود تفعيل مبادرة السلام العربية والجهود الدولية لإيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية، وتكثيف جهود المحافظة على منظومة عدم انتشار أسلحة الدمار الشامل، وتطوير القدرات الذاتية وتعميق الشراكات للحفاظ على الأمن البحري وأمن الممرات المائية، وتعزيز جهود مكافحة الإرهاب والتطرف بجميع أشكاله ومظاهره وتجفيف منابعه ومحاصرة تمويله، وإيجاد الحلول الفاعلة للتعامل مع تحديات التغير المناخي وتنفيذ نهج الاقتصاد الدائري للكربون، وتعزيز مبادئ التعايش والاحترام المتبادل مع دول العالم.

وعلى مستوى الجهود الدولية، يوجد تنسيق خليجي على العديد من المستويات الدولية، فهناك مجموعة عمل الولايات المتحدة ومجلس التعاون الخليجي الخاصة بمكافحة الإرهاب، وهي مجموعة عمل تشاورية تتم بمشاركة عدد من المسؤولين رفيعي المستوى من الجانبين، والتي عقدت اجتماعها الأخير في فبراير 2023م، في الرياض، والتي أكدت على أهمية الشراكة بين الجانبين في تعزيز جهود مكافحة الإرهاب، من خلال مناقشة أبرز التهديدات التي تواجه منطقة الشرق الأوسط مُمثّلة في سلوك إيران في المنطقة من خلال وكلائها في كل من لبنان، والعراق، وسوريا، واليمن. وهو الأمر الذي من شأنه زعزعة الاستقرار في المنطقة وتهديد الأمن والاستقرار الإقليميين. وكذلك تم التأكيد على أهمية بذل الجهود من أجل تقليص خطر عودة داعش في العراق وسوريا، من خلال بذل الجهود من خلال قيادة مدنية للمساعدة في محاربة روايات داعش، ومواصلة جهود دعم الحكومة العراقية. وفيما يخص تمويل الإرهاب، تم التأكيد على أهمية تعزيز العمل المشتركة في مكافحة تمويل الإرهاب وتعزيز المرونة في مواجهة الإرهاب.

وفي مايو 2017م، تم إنشاء المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف وذلك لنشر ثقافة الاعتدال الفكري. وذلك خلال انعقاد القمة العربية الإسلامية الأمريكية في الرياض، وهو أمر مركز مهتم بنشر ثقافة الاعتدال الفكري، حيث يٌعنى بتعزيز التسامح والتعايش بين الشعوب، والعمل على مكافحة التطرف واجتثاثه من المجتمعات.

على الجانب الآخر، ترى الولايات المتحدة أنَّ لدول الخليجي دورًا مهمًا فيما يخص جهود مكافحة الإرهاب، ومن المهم التنسيق معها لتنفيذ الأهداف الأمريكية في المنطقة وفي مقدمتها محاربة تنظيم داعش وضمان عدم عودته للظهور مرة أخرى، وكذلك التصدي للسياسات الإيرانية المزعزعة للاستقرار. حيث تنظر الولايات المتحدة للدول الخليجية كشركاء أقوياء في مجال مكافحة الإرهاب خاصة على مستويات العمليات على الأرض.

التنسيق الإقليمي والدولي ترافق مع جهود قوية على المستوى الداخلي على العديد من المستويات التشريعية والإجرائية لمعالجة الأسباب وراء انتشار الإرهاب وخاصة العوامل الفكرية من خلال العديد من التحركات على المستويات التعليمية والإصلاحية وعدم الاكتفاء بالنهج الأمني. كما كانت هناك تحركات مهمة فيما يخص محاربة مصادر تمويل الإرهاب؛ ففي المملكة العربية السُّعُوديَّة صدر في نوفمبر عام 2017م، "نظام مكافحة جرائم الإرهاب وتمويله"، والذي وضع الضوابط الخاصة بضبط وتعقب مراقبة الإرهابيين، مع أهمية مراعاة حقوق الإنسان ومبادئ الشريعة الإسلامية وبما يتوافق مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. حيث لم تعن فقط نصوص القانون بالإجراءات العقابية وإنما ركزت بشكل مهم على مساعدة المتورطين في جرائم الإرهاب من خلال إنشاء مراكز متخصصة لتوفير التوعية التربوية لهؤلاء الأشخاص، وكذلك إنشاء دور للإصلاح والتأهيل للاهتمام بهؤلاء الأشخاص وتسهيل اندماجهم في المجتمع بعد إنهاء فترة العقوبة بالتركيز على تعميق الانتماء وتصحيح المفاهيم المغلوطة لديهم.

وفي إطار التركيز على المحاربة الفكرية للإرهاب، ركزت المملكة العربية السُّعُوديَّة على الاعتبارات الثقافية والدينية من خلال تبني الاستراتيجية اللينة التي تعتمد على رجال الدين ذوي الثقة في إقامة حوار مع المعتقلين والمتطرفين. كما تم إنشاء مركزًا للمناصحة والرعاية ويهدف إلى تعزيز الأمن الفكري، وترسيخ الاعتدال الفكري والانتماء الوطني، والبناء المعرفي والسلوكي للمستفيدين، وتعزيز فرص اندماج المستفيدين في المجتمع، وكذلك بناء المعرفة والممارسة الأفضل بقضايا التطرف الفكري.

 كما تم تنفيذ برنامج يهدف إلى الوقاية والتأهيل والرعاية في مرحلة ما بعد الإفراج عن المعتقلين. وتكثيف وزارة الشؤون الإسلامية عقد المحاضرات والدروس الدعوية والتوعوية في المساجد لبيان خطأ الفكر التكفيري وتحريمه وتجريم من يعتنقونه. وإصدار فتوى تحظر على الشباب السُّعُوديَّين الانضمام إلى الحركات الجهادية في الخارج. مع التركيز على الاهتمام بتوعية النشء بمخاطر التطرف والإرهاب، من خلال برنامج "فطن"، وإدراج برامج الوقاية في المناهج المدرسية، التي تركز على التعريف بالإسلام الراديكالي وتقديم بدائل للتطرف.

ختامًا، شهدت السنوات الأخيرة جهودًا مهمة من قبل الدول الخليجية فيما يتعلق بمحاربة الإرهاب، والتي انعكست على التحسن في المؤشرات الدولية في هذا الشأن. فإضافة إلى التركيز على الإجراءات الإصلاحية في الداخل، كانت هناك تحركات مهمة على المستويات الإقليمية والدولية. ورغم ذلك فإن المشهد الإقليمي الأمني الراهن يوضح حجم المخاطر المُحيطة بالمنطقة والتي من شأنها التأثير على المصالح الخليجية بشكل كبير. وهو ما يتطلب نظام إقليمي خليجي قادر على مواجهة التحديات الأمنية المُصاحبة لانتشار الإرهاب الدولي، من خلال التحرك على العديد من المسارات، فمن المهم إشراك الجميع في حوار فاعل، ويؤكد ذلك تأثير المصالحة السُّعُوديَّة الإيرانية على الأوضاع في اليمن لذا من المهم تبني هذا النهج في العديد من الأزمات.

كما يتطلب تجفيف منابع التمويل الربط بين الداخل والخارج، ففي أحيان كثيرة تكون هناك قيود داخلية في ظل الارتباطات بين تنظيمات إرهابية وجماعات محافظة بالداخل، وعلى المستوى الخارجي تكون الحاجة لتنسيق معلوماتي حتى يمكن وضع الآليات الكفيلة بتجفيف منابع تمويل الإرهاب.

يُضاف لذلك أهمية إيجاد إطار قانوني على المستوى الدولي فيما يخص توظيف التنظيمات الإرهابية لمنصات التواصل الاجتماعي، بحيث لا يُترك المجال أمام كل منصة لتطبيق السياسات الخاصة بها، دون وجود إطار قانوني دولي ملزم لتلك الجماعات.

مقالات لنفس الكاتب