array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 196

مجلس التعاون يمتلك قوة معيارية تساهم في تغيير ثقافة العنف إلى الإيمان بحق الشعوب في السلام والتنمية

الأحد، 31 آذار/مارس 2024

اعتمد المجلس الوزاري الخليجي في دورته (158)، رؤية أمنية جديدة لدول الخليج، تهدف الحفاظ على الأمن الإقليمي واستقرار المنطقة وازدهار الدول وشعوبها وتعزيز الأمن والسلم الدوليين. وهي رؤية طموحة لمواجهة مختلف التحديات الأمنية التي تشكل تهديدًا حقيقيًا لاستقرار الخليج وفضائه الأمني. وهي مبادرة تتبنى نهجًا سلميًا، يستند إلى التفاوض والحوار والوساطة، لتجنب آفات النزاعات وتداعياتها على المنطقة.

كما تتوخى الحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل، و"دعم جهود تفعيل مبادرة السلام العربية والجهود الدولية لإيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية". وكذلك التصدي لجميع أشكال وأنماط الإرهاب والتطرف والقضاء على جذوره ومصادر تمويله.

وتتضمن الرؤية كذلك، السعي إلى تطوير القدرات الذاتية وتنويع الشراكات وتعميقها من أجل ضمان أمن الممرات البحرية وتعزيز الأمن البحري؛ وذلك في ظل التهديدات الجديدة، للأمن البحري لمنطقة القرن الإفريقي والبحر الأحمر. وتعلن كذلك دول مجلس التعاون الخليجي، من خلال هذه الرؤية الأمنية الجديدة، "إيجاد الحلول الفاعلة للتعامل مع تحديات التغيير المناخي، وتنفيذ الاقتصاد الدائري للكربون".

ويعتبر كل من النظام الأساسي لدول مجلس التعاون الخليجي واتفاقية الدفاع المشترك ومبدأ المصير المشترك لدول مجلس التعاون وأمن دول مجلس التعاون كل لا يتجزأ، إطارًا مرجعيًا لهذه الرؤية.

وبالرغم من أهمية منطلقات هذه الرؤية الجديدة، وطموح مجلس التعاون الخليجي من خلالها، في الإسهام في بناء سلم شامل للمنطقة وخارجها، فإن التحديات كبيرة ومعقدة، وهناك عدة قضايا من المفترض أن تواجهها دول مجلس التعاون الخليجي وذلك في ظل سياق إقليمي ودولي يتميز بسيادة نهج المواجهات والصدام الجيوسياسي والجيواقتصادي والجيوثقافي.

السياق العالمي والحاجة إلى سلم مستدام

لا شك أن المنظور المؤسس للرؤية الجديدة، لا ينحصر في ضيق المنطلقات الأمنية التقليدية، بل يتجاوز ذلك إلى مقاربة شمولية، تدمج الأمني بالاقتصادي والاجتماعي والدبلوماسي والثقافي.

وهو منظور يرسخ السلم المستدام، الذي يتأسى على فكرة ارتبا ط الأهداف الإنمائية المستدامة بالسلم، بمعنى أنه يرتبط بتحقيق سلم بالحقوق الإنسانية ومنها حق التنمية وحق الشعوب في السلم وبصفة إجمالية الحق في الرفاه والعيش الكريم. فالهدف 16 من أهداف التنمية المستدامة، "ينص على السلام والعدل والمؤسسات القوية"، وإذا كان المراد بها الهدف، تحرير كافة الناس من الخوف وضمان الأمان لهم، فإن هذا الطموح يصطدم بالواقع بحيث "تعرقل النزاعات العنيفة المستمرة والجديدة في جميع أنحاء العالم المسار العالمي نحو السلام وتحقيق الهدف 16. شهد عام 2022م، زيادة مفزعة في وفيات المدنيين المرتبطة بالنزاع تجاوزت 50 % وهي الأولى منذ اعتماد خطة 2030 ويرجع ذلك إلى الحرب في أوكرانيا" (موقع الأمم المتحدة).

وتنسجم الرؤية الجديدة لأمن الخليج، مع توصيات الأمم المتحدة، الداعية إلى معالجة قضايا الأمن، من منظور شامل ومتعدد وعميق، "اذ يتعين على الحكومات والمجتمع المدني والمجتمعات المحلية أن تعمل معًا لإيجاد حلول دائمة للصراع وانعدام الأمن. يشكل تعزيز سيادة القانون وحقوق الإنسان عنصرًا أساسيًا في هذه العملية، وكذلك الحد من تدفق الأسلحة غير المشروعية، ومكافحة الفساد وضمان المشاركة الشاملة في جميع الأوقات" (أهداف التنمية المستدامة، الأمم المتحدة).

لكن العالم بكل مكوناته، وليس فقط الخليج، يعيش في أزمنة ما بعد عادية، كما قال المفكر ضياء الدين سردار، وهي أزمنة تتسم بالتعقيد والفوضى وعدم اليقين. فالتفاعلات العالمية متسارعة وتتجه نحو المجهول ومزيد من الفوضى. كما أن التحولات الجيوسياسية والجيواقتصادية غير قابلة للاحتواء والسيطرة.

وقد أكد "مؤشر نورماندي للسلام" لسنة 2023م، تكاثر التهديدات وتنوعها وحدة خطورتها. وهذا المؤشر، هو وسيلة حديثة لقياس مؤشرات السلم، ساهم قسم البحث في البرلمان الأوروبي (EPRS)، في تصميمه، بشراكة مع معهد الاقتصاد والسلم الذي يوفر المعطيات اللازمة. ويعتمد مؤشر نورماندي للسلام، على مؤشرات عالمية تمت صياغتها من طرف عدة مؤسسات عالمية، ويشير المؤشر إلى مجموعة من التهديدات وهي: التغييرات المناخية والأمن السيبراني وانعدام الأمن الطاقي وتهديد الدولة الفاشلة، وتعثر الإجراءات الديموقراطية   والجريمة المنظمة العابرة للحدود، والتضليل الإعلامي والإرهاب والنزاعات العنيفة وتهديد الدمار الشامل.  ويستعين البرمان الأوروبي بمؤشر نورماندي للسلم، لبناء سياسة خارجية وسياسات عمومية أوروبية، تصون أمر أمنه وتحفظ له استقراره؛ ويستشرف من خلاله التحولات الأمنية والجيوسياسية.

وهذا المؤشر يبين لنا، بأن أربعة دول عربية تواجه مخاطر، وتهديدات كبيرة وهي الصومال والعراق واليمن وسوريا. كما تعاني دول إسلامية أخرى، من تهديدات جمة مثل أفغانستان وباكستان والسودان ومالي والنيجر.

ومن الملاحظ، أن محيط مجلس التعاون الخليجي، كله يواجه شكلًا من أشكال التهديدات التي حددها مؤشر نورماندي للسلم؛ ومن ذلك إريتريا وإثيوبيا وجيبوتي ومصر والصومال واليمن بالطبع.

وإضافة إلى هذا كله، ولوج العالم حسب بعض الخبراء إلى العصر النووي الخامس، حيث "عودة الردع" وتحديث الأسلحة النووية ودعمها بالتكنولوجيا الجديدة؛ وكذلك السباق بين أمريكا وروسيا حول تطوير الصواريخ الحاملة للرؤوس النووية.

ويشكل كذلك عدم سلمية البرنامج النووي الإيراني تهديدًا لأمن المنطقة وتمادي إسرائيل في إبادة الفلسطينيين، وكل هذه المعطيات وغيرها ترسخ فكرة اتجاه العالم أكثر نحو هشاشة استراتيجية واتساع نطاق مخاطر تهديد السلم العالمي والإقليمي. وفي هذا السياق، تصبح رؤية الخليج الأمنية، مبادرة مهمة، ولكنها محفوفة بالتحديات الكبرى؛ ويتعين معالجة عدة قضايا، منها ما هو إقليمي ومنها ما هو دولي.

أولًا: إحياء مجلس الدول المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن

تم الإعلان عن هذا المجلس في 6 يناير 2020م، وبالتالي توقيع ميثاق تأسيس مجلس الدول العربية والإفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن؛ بمشاركة دول عربية وإفريقية: المملكة العربية السعودية ومصر والأردن وإريتريا والسودان واليمن والصومال وجيبوتي. ويهدف المجلس إلى التنسيق بين الدول الأعضاء، حول البحر الأحمر باعتباره ممرًا مائيًا مهمًا لدول شرق آسيا وأوروبا. وقال آنذاك وزير الخارجية السعودي بأن المجلس سيعمل على "حفظ المصالح المشتركة ومواجهة جميع المخاطر والتعاون في الاستفادة من الفرص المتوفرة، فمنطقة البحر الأحمر هامة تجاريًا وفيها ثروات كبيرة ونسعى لبناء رفاه المنطقة بشكل يخدم الجميع".

وتكمن أهمية تأسيس هذا المجلس في كونه مبادرة مهمة لمواجهة تحديات أمنية ومنها انتشار المخدرات وعمليات الاتجار بالبشر وتهريب الأسلحة والقرصنة. وكذلك تحقيق أهداف اقتصادية، من خلال دعم التجارة بين دول المجلس، والتمكين للشباب، لتجنب انخراطهم في الأنشطة غير القانونية. وهناك حاجة اليوم، إلى تجديد المجلس وتوسيع نطاقه وإزالة كافة العوائق التي تحول دون تحقيق أهدافه؛ لأنه سيكون أداة فعالة في دعم مخطط رؤية الخليج الأمنية.

ثانيًا: إعمار اليمن/ التنمية في خدمة السلم

تأسس البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن سنة 2018م، ويرتكز على أربعة محاور وهي: رفع كفاءة وفعالية الدعم، إعادة الإعمار، بناء الشراكات والتعاون الدولي ثم تعزيز التنمية المستدامة. و"يعمل البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن في مختلف المحافظات اليمنية وهي سبعة قطاعات تنموية حيوية هي: الصحة، والتعليم، والنقل، والطاقة، والمياه، والزراعة، والثروة السمكية، والمؤسسات الحكومية، وينتهج البرنامج أفضل الممارسات والمعايير لتنفيذ المشاريع والبرامج التنموية بجودة عالية عبر مكاتبه المتوزعة في المحافظات اليمنية..." (البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن) واستطاع البرنامج لحد الآن، تقديم حوالي 229 مشروعًا ومبادرة تنموية.

وقد سبق أن وقع البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن، شراكة مع لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الاسكوا)، وذلك سنة 2020م، من أجل المساهمة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة لعام 2030، وإخراج اليمن من وضع الأزمة الشاملة التي يعاني منها؛ وبالتالي إرساء معالم سلم مستدام.

ويلاحظ خبراء من مركز مالكوم-كيركار ينبغي للشرق الأوسط، بأنه "لا تعنيه إعادة الإعمار بالضرورة إنهاء الصراع، إذ قد تشعل هذه العملية جذوة تنافسات إقليمية ودولية جديدة، فهي كعملية جيواقتصادية، من المستبعد أن تحدث استقرارًا مستدامًا ما لم تقترن بحد أدنى من العملية السياسية التي تتيح إعادة توزيع الخسائر والأرباح". (Carnigie-me.org).

ويتخوف الخبراء من صعوبة استفادة شمال اليمن من عمليات الإعمار والدعم، لأنها خاضعة لنفوذ الحوثيين المدعومين من إيران. وهناك حاجة ملحة، أن ينخرط مجلس التعاون الخليجي في دعم عمليات الإعمار، واعتماد نهج إشراك جميع الفاعلين المحليين في اليمن، في بناء سلم مستدام.

وفي "دراسة قطرية للإسكوا: تحديات التنمية في اليمن"، هناك تأكيد على مجموعة من الرسائل الرئيسية، ومنها، ضرورة اعتماد نهج شامل لبناء السلام، بسبب ضعف أداء اليمن في عدة مجالات؛ كما "ينبغي أيضًا إعطاء الأولويات للسياسات الاقتصادية الرشيدة الرامية إلى إنعاش النشاط الاقتصادي من أجل تعزيز الصلابة الاقتصادية ومن أجل توفير الموارد اللازمة للمؤسسات على نحو يمكنها من تقديم خدماتها بفعالية وضمان رفاه المواطنين".

ولهذه الاعتبارات، فهناك ضرورة لدعم مؤسسات الحكومة والمجتمع المدني في اليمن، لإرساء معالم حوكمة فعالة ونافعة وبناء شبكات أهلية، تساهم في تحقيق التعافي الشامل، لمكونات المجتمع اليمني.

ثالثًا: الوساطة بين إثيوبيا وجيرانها

لقد صرح وزير الري المصري السابق، الدكتور محمد نصر الدين علام بأن "التعنت الإثيوبي المستمر يحتاج إلى ضغوط سياسية كبيرة على الإدارة الإثيوبية، وهو ما يمكن أن تقوم به دول الخليج لما لها من تأثير سياسي كبير على أديس بابا" وأضاف كذلك لصحيفة الشرق الأوسط، "إن الموقف الخليجي الداعم لمصر في مواجهة ما تقوم به إثيوبيا من إجراءات أحادية يمكن أن يكون له تأثير كبير في مسار قضية السد". ومن المعلوم أن مجلس التعاون الخليجي، يرفض بشدة "المساس بالحقوق المائية" لمصر والسودان. ويشكل إصرار إثيوبيا على تجاهل حقوق مصر والسودان المائية، تهديدًا حقيقيًا للاستقرار في المنطقة والتي لا تحتاج إلى مزيد من النزاعات.

ولا تخفى أهمية مبادرة مجلس التعاون الخليجي في إيجاد حل حاسم لهذا النزاع، ويمكن أن استعمال ورقة الاستثمارات المهمة لدول الخليج في إثيوبيا، للضغط عليها وحملها على التفاوض وفض النزاع القائم. ويمكن استغلال التوجهات الجديدة في إثيوبيا التي تنتقد سياسة الحكومة الإثيوبية وتدعوها إلى مراجعة شاملة وإخراج إثيوبيا من هذا المأزق. لذلك يتعين أن يساهم مجلس التعاون الخليجي، في تسهيل دور كافة الفاعلين المطالبين إثيوبيا، بتبني سياسة حكيمة، ورشيدة اتجاه دول الجوار.

وقد سبق لوزير الخارجية المصري سامح شكري، أن قام بإطلاع الجانب الخليجي على أسباب توقف المفاوضات مع إثيوبيا وذلك خلال الاجتماع التشاوري المشترك لوزراء الخارجية بين مصر ومجلس التعاون الخليجي. ولقد أكد الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، جاسم محمد البديوي، على موقف المجلس الرافض لأي مساس بحق مصر بمياه النيل، كما دعا إلى مواصلة التفاوض من أجل الخروج باتفاق حول إشكال سد النهضة.

. ويعتبر تدخل مجلس التعاون الخليجي، في هذا النزاع أمرًا في غاية الأهمية للحفاظ على أمن المنطقة، ومن شان وساطة خليجية ناجحة أن تمنع مواجهة، لا يمكن التكهن بتداعياتها على أمن الخليج ومصالحه الموجودة، في إثيوبيا ودول الجوار

كما يواجه مجلس التعاون الخليجي، تحديًا آخر، يكمن في مشكلة الهجرة من دول المنطقة، بحيث أكدت وزيرة العمل والمهارات مفرحات كامل، والرئيسة الحالية لمنتدى الوزاري الإقليمي لشرق إفريقيا والقرن الإفريقي حول الهجرة (RMEM)، على ضرورة تبني خطة مواجهة تحديات الهجرة غير القانونية لدول مجلس التعاون الخليجي، وقالت "يجب على الدول أن تجتمع معًا حتى يكون لديها إدارة سلمية للهجرة، وعلينا أن نجتمع معًا حتى نتمكن من تحقيق توافق في السياسات" (وكالة الأنباء الإثيوبية، ENA )).

ولا شك أن مجلس التعاون الخليجي، في حاجة ماسة، إلى خطة متعددة الجوانب، لتدبير أشكال الهجرة غير النظامية، وذلك باعتماد منظور ينسجم مع الرؤية الأمنية الجديدة للمجلس، وهو ترسيخ مبدأ التنمية من أجل سلم مستدام.

رابعًا: الحفاظ على وحدة الصومال

إن الرؤية الأمنية الجديدة للخليج، تقتضي توفير فضاء آمن، لضمان أمن دول مجلس التعاون الخليجي، وتعتبر القضية الصومالية بكل أبعادها والتحديات التي تطرح على المنطقة بكاملها، أمرًا في غاية الأهمية الاستراتيجية لدول الخليج.

 من المفترض أن يساهم مجلس التعاون الخليجي في بناء دولة الصومال، بعيدًا عن كل تجاذب جيوسياسي. ومن الواضح أن دول الخليج لها موقف إيجابي من وحدة الصومال، وخصوصًا بعد انفجار الأزمة بين إثيوبيا والصومال، حول رغبة إثيوبيا في التمدد والحصول على منفذ بحري والاتفاق مع "أرض الصومال" على ذلك.  وقد صرحت الحكومة الصومالية في بيان لها على إثر الاتفاق بين إثيوبيا و"أرض الصومال"، إنه انتهاك وتدخل سافر في سيادة الصومال وحريته ووحدته... إن ما يسمى بمذكرة التفاهم واتفاق التعاون لاغ وغير مشروع".

كما قال الرئيس الصومالي "إذا بدأت إثيوبيا بأعمال جنونية ستحتاج لدعم من كل مكان"، وهو يلمح بذلك، قبول الدعم المصري، حيث سبق للرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، خلال مؤتمر صحفي جمعه مع الرئيس الصومالي، أن حذر من "المساس بسيادة الصومال أو وحدة أراضيها"، وقال كذلك "إن الصومال دولة عربية، لها حق الدفاع المشترك وفق ميثاق الجامعة العربية، نحن لا نهدد أحدًا ولن نسمح لأحد أن يهدد الصومال".

وهنا تكمن أهمية تدخل مجلس التعاون الخليجي، وبشكل جماعي وليس فقط منفرد، حيث يمكن حفظ وحدة الصومال وإقناع إثيوبيا بالتراجع عن مطلبها.

ويشكل التدخل الخليجي الجماعي في الصومال وقاية للمنطقة من تطلع إثيوبيا للهيمنة التي تستعين بجهات أخرى. حيث قال عبد الرحمن إبراهيم عبدي، مدير مقديشو للدراسات في الصومال، "هناك رغبة لإثيوبيا في لعب دور في أزمة الشرق الأوسط، وأن تستخدم سيطرتها على أجزاء من البحر الأحمر كورقة ضغط أمام الدول العربية المطلة على البحر الأحمر؛ وأضاف كذلك، "تسعى إثيوبيا إلى أن تحل محل إرتيريا وجيبوتي وتدعو القوى العظمى باعتبارها دولة كبيرة وذات ثقل سكاني إلى الاعتراف بها كدولة مسؤولة عن أمن الملاحة البحرية في خليج عدن والبحر الأحمر".

وعموما فإن الطموح الإثيوبي، لا يشكل خطرًا فقط، على دول الجوار، وتضييقًا على الاقتصاد المصري والسوداني، وإنما كذلك تهديدًا لمصالح مجلس التعاون الخليجي وأمنه وأمن منطقة القرن الإفريقي والبحر الأحمر.

خامسًا: حل الأزمة السودانية

من القضايا الشائكة كذلك، التي يتعين على مجلس التعاون الخليجي، الخوض فيها، والقيام بدور وساطة مهمة، هو إيجاد حل لأزمة السودان، التي لا تهدد فقط السلم الاجتماعي للسودان وإنما تنذر بكارثة إنسانية عظمى، وتدفق المهاجرين. إذ تؤكد الأمم المتحدة على كون نصف سكان السودان، أي حوالي 25 مليون، هم في أمس الحاجة إلى المساعدة، وأن 18 مليون يعانون من سوء التغذية وفقدان الأمن الغذائي.

ونوه مجلس التعاون الخليجي، بالمبادرة المشتركة بين أمريكا والسعودية، لحمل أطراف النزاع في السودان، على التفاوض والحوار. ومن المهم أن يساهم مجلس التعاون الخليجي، في مراقبة تنفيذ الاتفاق الإطار، الذي تم توقيعه في 5 ديسمبر الماضي، بين قائد الجيش السوداني وقائد "الدعم السريع" وتحالف قوى "الحرية والتغيير" وقوى أخرى؛ من أجل تسهيل عملية الانتقال المدني. ويمكن التفكير في لجنة عمل منبثقة من مجلس التعاون الخليجي، تعمل مع الآلية الثلاثية المكونة من الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي ومنظمة التنمية الحكومية (إيقاد) وكذلك الآلية الرباعية التي تضم السعودية وأمريكا والإمارات وبريطانيا.

وتعمل هذه اللجنة على المساهمة في وضع مخطط الانتقال المدني وتوحيد الجيش السوداني وابتعاده عن السلطة والممارسة السياسية؛ بالإضافة إلى إطلاق مسلسل سلم مستدام، تشارك فيه جميع الأطراف السودانية.

سادسًا: التوازن الجيواقتصادي بين الصين وأمريكا

من المعلوم أن الصراع بين أمريكا والصين على مجموعة من المناطق في العالم، وخصوصًا في منطقة القرن الإفريقي والبحر الأحمر والباسفيك والمحيط الهندي، يشكل تهديدًا حقيقيًا لاستقرار العالم. ولقد أعلن الرئيس الصيني، بأن "الصين ستواصل دعم مجلس التعاون الخليجي بحزم في حماية أمنها ودعم جهود دول المنطقة لحل الخلافات من خلال الحوار والتشاور وبناء هيكل أمني خليجي جماعي".

ولا شك أن مبادرة الأمن العالمي التي أطلقتها الصين في أبريل2022م، من الممكن أن تستفيد منها دول الخليج وتدعم رؤيتها الأمنية الجديدة. كما أن مبادرة الحزام والطريق، هي فرصة مهمة لدول لخليج، لتنويع اقتصادها وتطوير البنية التحتية وتسريع أشكال التعاون في كافة المجالات. وهذا من شأنه أن يجعل من الصين لاعبًا فعالًا في المنطقة، ومساهمًا في السهر على استقرارها، حفاظًا على مستقبل مبادرة الحزام. كما يمكنها إقناع إيران بالتخلي عن وهم الهيمنة على الخليج، وتبني سياسة برغماتية، تراعي مصالح الصين ودول الخليج.

ومن شأن الدبلوماسية الاقتصادية، أن تكون أداة فعالة في يد مجلس التعاون الخليجي، من أجل رعاية توازن جيواقتصادي بين الصين وأمريكا. فالصين تعلن التزامها "بتعزيز الحوار وتحسين العلاقات، واستيعاب المخاوف الأمنية المعقولة لجميع الأطراف وتعزيز القوى الداخلية لحماية الأمن الإقليمي، ودعم جامعة الدول العربية والمنظمات الإقليمية الأخرى في لعب دور بناء في هذا الصدد".

وليس من المتوقع أن تنسحب أمريكا من منطقة القرن الإفريقي والبحر الأحمر والخليج، لكن بإمكان مجلس التعاون الخليجي، أن يقوم بدو وسيط بين أمريكا والصين، لإقرار مبدأ التعاون والتشارك في إدارة العالم، في ظل سياق عالمي يتسم بهشاشة استراتيجية.

خاتمة.

من البديهي أن السياق العالمي والإقليمي، يمنح لدول الخليج فرصة، للقيام بدور مهم في إرساء قواعد سلم مستدام، في عدة جهات وعلى الأخص في منطقة القرن الإفريقي والبحر الأحمر والشرق الأوسط عامة وكذلك تقديم الدعم الضروري للاتحاد الإفريقي للخروج من نفق الأزمات المتوالية ومن ذلك الانقلابات العسكرية في الغرب الإفريقي. وهذا يتطلب عملًا جماعيًا بين مختلف مكونات مجلس التعاون الخليجي والسعي إلى اعتماد رؤية جيوسياسية واقعية وسياسة خارجية موحدة.

كما يتعين على مجلس التعاون الخليجي، الاستمرار في دعم القضية الفلسطينية باعتبارها، عاملًا مهمًا في استقرار المنطقة أو الولوج إلى مرحلة الفوضى الجيوسياسية وانفجار الوضع في الشرق الأوسط.

وبإمكان مجلس التعاون الخليجي، أن يمتلك مقومات قوة معيارية جديدة، تساهم في تغيير الثقافة الاستراتيجية القائمة على العنف الفائق إلى ثقافة استراتيجية عالمية تؤمن بحق الشعوب في السلم والتنمية والتعايش.

مقالات لنفس الكاتب