array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 196

الرؤية الأمنية تمنح دول الخليج زمام المبادرة للتعاون لتحقيق الأهداف وتجاوز الإشكاليات

الأحد، 31 آذار/مارس 2024

لم يعد ضمانة الأمن البحري الإقليمي الخليجي ينظر إليه الآن من منظور المخاطر الإقليمية القديمة والمتجددة أو بمعزل عن منظومة الأمن الشاملة، وإنما أصبح له الآن الأولوية الكبرى وفق ما تكشفه تداعيات الحرب الإسرائيلية على غزة التي دخلت شهرها السادس، ومن منظورها المستقبلي خاصة بعد ما أظهرته جماعة الحوثيين في اليمن من قدرات عسكرية متقدمة  تقنية / تكنولوجية ومفتوحة لكل الاحتمالات التي تهدد الملاحة البحرية ليس في البحرين الأحمر والعربي فقط، بل في البحار والممرات البحرية الإقليمية، فالأدوات التي تهدد بها الأمن البحري قادرة أن تهدد أي مواقع خليجية في البر والبحر في ضوء تمكنهم من استهداف عواصم خليجية بصواريخ بالستية وطائرات مسيرة وصل مداها إلى مواقع إسرائيلية في فلسطين المحتلة، وما أخفي يدق ناقوس الخطر المرتفع على المصالح الخليجية والعالمية برًا وجوًا وبحرًا . 

وكلنا نعلم علاقة الحوثيين بإيران التي لها مع دول الخليج العربية خلافات تاريخية ومصيرية، ونعلم كذلك خارطة الميليشيات الأيديولوجية المسلحة التابعة لطهران في شمال وجنوب المنطقة، وهذه رؤية سنبني عليها تحليلنا حول مستقبل مخاطر أمن الملاحة الإقليمية الخليجية، وهل ستكون هذه الميليشيات خيار إيران عندما يحقق الخليج التوازن في قوة التهديد معها، وكذلك عندما نقارن قدرات طهران العسكرية البحرية بنظيراتها الخليجية مجتمعة حيث تظهر الآن تفوقها من حيث الكم والنوع في ظل سباق خليجي لتطوير ونمو قدراتها العسكرية البحرية بفاتورة مالية ضخمة ، لكن هذه الخطوة ينبغي أن تتكامل مع تشكيل القوة البحرية الخليجية التي وصلت إلى مراحل كبيرة، ورغم ذلك ينبغي إعادة النظر في ماهيتها وآلياتها وفق انكشاف المخاطر الجديدة.

أقدمت دول مجلس التعاون على تحديث رؤيتها للأمن الإقليمي في الثالث من ديسمبر 2023م، وكشفت عنها وزارة الخارجية السعودية في السادس والعشرين من يناير 2024م، وهذا السياق الزمني للرؤية يجعلنا نسلم مبدئيًا بتناغمها مع المخاطر الإقليمية الحديثة، ونسلم كذلك بأن الانتقال إلى العمل الجماعي يعزز الفردية في تطوير القدرات العسكرية لكل دولة خاصة بعدما أثبتت الفردية فشلها في ضمانة الأمن البحري الإقليمي كما سيأتي.

لكن، كيف سيتم تطبيق الرؤية؟ والكيفية هنا هي الحدث، لأن أدوات المواجهة ينبغي أن تكون في مستوى ماهية نظيراتها عند إيران ووكلائها – أي تقنية وتكنولوجية – وكذلك في حجم مخاطرها، وينبغي أن تكون جماعية بين الدول الست و شاملة، بمعنى ليست عسكرية / أمنية ولا سياسية فحسب، وإنما اقتصادية واجتماعية، والإطار الفكري الذي سننظر إليه لقضية الأمن البحري الإقليمي الخليجي هو أن المنطقة في حقبة نهاية الراديكالية العسكرية المنتجة للحروب التقليدية بين الدول الإقليمية، والتسليم بهذه النتيجة يجعلنا نبحث في جوهر التحولات والإصلاحات الخليجية الجديدة ومستقبل تأثيرها على الأمن الإقليمي، مقابل تعاظم دور الوكلاء أي الجماعات الأيديولوجية المسلحة في اليمن والعراق وسوريا، ومن ثم التفكير في مدى نجاعة الآليات الخليجية الفردية والجماعية لمواجهة التحديات القديمة والجديدة والمستقبلية، واقتراح ما يمكن تقديمه لضمانة الأمن البحري الخليجي، مع الأخذ بعين الاعتبار تراجع دور الحماية الأمريكية رغم حاجتها القصوى الجيواستراتيجية للخليج العربي.

وهذا يجعلنا نبحث هذا الموضوع وفق العناوين التالية:

- القيمة الاستراتيجية الثابتة لدول مجلس التعاون الخليجي.

- الرؤية الأمنية الخليجية المحدثة للأمن الإقليمي.

- المقدمات الأساسية لتطبيق الرؤية الأمنية لمنظومة الأمن.

- الآليات الجماعية لضمانة الأمن الخليجي البحري.

أولا: القيمة الاستراتيجية الثابتة لدول مجلس التعاون الخليجي.

 كما هو معلوم، تحظى دول مجلس التعاون بخصائص جيوبولوتيكية سياسية وبصورة مستدامة للعالم وللغرب خاصة، فهي نقطة وصل بين القارات، وتطل على البحر الأحمر وبحر العرب والمحيط الهندي، وتقترب من البحر المتوسط، كما أنها تسيطر على أهم المضايق الدولية كمضيق هرمز، وهذه الأهمية يستحيل على الغرب أن يترك هذه المنطقة لغيره حتى لو كان توجهه الجديدة نحو بحر الصين.

وإذا ما أضفنا لهذه القيمة الاستراتيجية للمنطقة قيمة الجزر والخلجان في الخليج، فإن الاستحالة ستكون مطلقة ما لم يفككها إكراهات خليجية داخلية أو صيرورات كونية فأهميتها تكمن تحديدًا في الآتي:

  • صالحة للقواعد العسكرية ولإخفاء القطع البحرية وحماية الغواصات النووية الحاملة للصواريخ عابرة القارات.
  • ربط القواعد الجوية الأمريكية الممتدة في جنوب شرقي آسيا بقواعد حلف شمال الأطلسي المنتشرة في جنوب أوروبا الغربية بما يضمن استمرار حرية حركة السفن والطائرات الأمريكية من المنطقة وإليها.

وتثور الإشكالية المستجدة للغرب ولواشنطن خاصة حول حرية سفنها بعد ما أصبح البحرين العربي والأحمر غير آمنيين بسبب قدرة الحوثيين التقنية /التكنولوجية، وهذا يجعل من الجغرافيا الخليجية قيمة جيواستراتيجية متجددة، فهل ستترك واشنطن خلفيتها مكشوفة وغير آمنة من مختلف المخاطر؟، وستجبرها الأحداث على العودة لا محالة، لكن عودتها ينبغي أن تقترن من منظور تعزيز العمل الخليجي الجماعي لا الاعتماد المطلق عليها.

ثانيًا: الرؤية الخليجية المحدثة للأمن الإقليمي

لا يمكن فصل السياقات الزمنية للرؤية الأمنية الخليجية المحدثة عن السابع من أكتوبر 2023م، ولاعن الحرب الإسرائيلية على غزة، ولا عن تداعيات هذه الحرب إقليميا كالمساس بأمن الملاحة في البحرين الأحمر والعربي، ولا عن تداعياتها الثيولوجية والسيكولوجية لشعوب المنطقة، ولا عن مرحلة ما بعد هذه الحرب، فمن الملاحظ من هذه السياقات وتداعياتها على الأمن البحري الإقليمي أنها كانت سببًا في إقدام الدول الخليجية على تحديث رؤيتها الأمنية، ودافعًا لمواجهتها، لذلك فقد تم صياغتها من منظور ثلاثي الأبعاد هو، عسكري / أمني، وسياسي واقتصادي متلازمة ومتكاملة تنقل المنطقة من مرحلة الحرب على غزة إلى مرحلة الحل السياسي ومواجهة التداعيات الأمنية الإقليمية الناجمة عنها.

ونبني ذلك الاستنتاج من خلال تعاطى الرؤية مع الغايات الكبرى للمرجعيات الخليجية المعتمدة منذ انطلاقة المنظومة الخليجية عام 1981م، حيث تستند إلى النظام الأساسي، واتفاقية الدفاع المشترك، ومبدأ المصير المشترك، وأمن دول مجلس التعاون الخليجي كل لا يتجزأ، بمعنى أن الرؤية الأمنية تأخذ بعين الاعتبار التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية الخليجية/الخليجية على الأمن الإقليمي، وكذلك خلافاتها الإقليمية خاصة مع إيران والكيان الإسرائيلي، وفي ضوئها تم تحديد مجموعة مسارات عملاتية لتحقيق الأمن الإقليمي وهى حل الخلافات عبر التفاوض والحوار وتكثيف الجهود لتجنب المنطقة تداعيات الحروب، وتكثيف جهود المحافظة على منظومة عدم انتشار أسلحة الدمار الشامل، وتعزيز جهود مكافحة الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهرة، وتجفيف منابعه ومحاصرة تحولاته، ودعم جهود تفعيل مبادرة السلام العربية والجهود الدولية لإيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية، بالتزامن مع العمل على "تطوير القدرات الذاتية وتعميق الشراكات للحفاظ على الأمن البحري وأمن الممرات المائية".

 وهذا يعني أنه ينبغي على دول المجلس توحيد أو على الأقل تنسيق رؤاها الأمنية والاقتصادية والعسكرية التي لا تزال سببًا في عرقلة تكاملها وصولًا إلى وحدتها، ودون ذلك فكيف سيتم تجسيد الرؤية بحجم شموليتها وحتميات توحيدها؟ ويعني كذلك أن المنطقة الخليجية- بعربها وفرسها- ينبغي أن تشهد لقاءات ومفاوضات وصولا لتفاهمات استراتيجية غير مسبوقة تجنب المنطقة التوترات والنزاعات وتبعد عنها التدخلات الأجنبية الاعتيادية، وتعني كذلك أن المبادرة العربية للسلام قد أصبحت تتكامل مع الجهود الدولية لإيجاد حل للقضية الفلسطينية، وهذا المسار قد أنضجه السياق الزمني للسابع من أكتوبر 2023م، وخارطة الآلام المستدامة للمجازر والتهجير والتجويع الإسرائيلية في غزة، وستظل المنطقة تعاني من تداعياتها لحقبة زمنية طويلة قد تصبح مستدامة إذا أنتجت أوضاع سياسية وثيولوجية وفكرية جديدة وستكون مؤثرة على الأمن الإقليمي برًا وبحرًا .

لذلك، فقد هدفت الرؤية الأمنية الخليجية إلى تحقيق الأهداف التالية:

  • الأمن الإقليمي واستقرار المنطقة.
  • ازدهار الدول وشعوبها.
  • تعزيز الأمن والسلم الدوليين.

ولا يمكن تحقيق الأهداف الثلاثة إلا بتعاون إقليمي / إقليمي أولًا، وإقليمي / دولي ثانيًا، والرؤية تمنح دول الخليجي زمام المبادرة لتأسيس حقبة جديدة للتعاون لتحقيق تلكم الأهداف، وتجاوز إشكاليات أمن الملاحة البحرية وأمن ممراتها التي تكون إيران ووكلاؤها طرفًا دائمًا في إشكالياتها، وهذا لن يحدث إلا إذا كانت المبادرة الخليجية جماعية وتعبر عن إرادة سياسية خليجية جماعية قوية، وهذه القوة ينبغي أن تستمد من تجربة عدم نجاح الثنائية التعاونية مع إيران.

فالمسار الانفرادي أثبت فشله، وأصبح إحدى الإشكاليات التي تعرقل دول مجلس التعاون الخليجي في تأمين الأمن الملاحي الخليجي، وعدم نجاعة القصف الأمريكي / البريطاني لمواقع الحوثيين، مما يفتح هذا السيناريو القلق المرتفع على المنشآت النفطية الخليجية البرية أو القريبة من السواحل في ظل تراجع الحماية الأمريكية لدول مجلس التعاون وتأخر الرهان على العمل الجماعي الخليجي.

ولا ينبغي على الدول الخليجية الاعتماد على نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة، مهما كان الرئيس المقبل جمهوري أم ديموقراطي، فالإشكاليات ستظل قائمة، لكن يظل هامش الدول الخليجية الست كبيرًا مع أي رئيس أمريكي مقبل إذا ما تعاملت معه من المنظور الجماعي، كما لا ينبغي كذلك توقع ما سيحدث في طهران سواء عن طريق انتخاباتها الرئاسية المقبلة أو مرحلة ما بعد خامنئي، فعليها صناعة الفعل بنتائجه المستدامة عوضًا عن انتظار ردود الفعل من واشنطن أو طهران.

ثالثًا: المقدمات الأساسية لتطبيق الرؤية الأمنية

لا يمكن لدول مجلس التعاون تطبيق رؤيتها الأمنية ما لم تهيئ لها البيئات الداخلية والخارجية اللازمة، وهى متعددة ، وتحتم جرأة اتخاذ القرار في توقيته المناسب، وهو الآن- أي توقيته -  وسنوظف المقاربات الاجتماعية والأمنية والعسكرية، لأننا نعتبرها سياقًا تفاعليًا واحدًا تفرضها طبيعة المرحلة الخليجية الجديدة، ببعديها الداخلي – داخل كل دولة خليجية – من جهة، وبعدها الإقليمي كون أن هناك مستجدات تمس الكيانات الوجودية من جهة ثانية، وبعدها الدولي في ظل التعامل مع التراجع الأمريكي عن المنطقة على أنه دائم، وبالتالي على الدول الخليجية البحث في كيفية الاستفادة من الإمكانيات الأمريكية في صناعة قوتها الجماعية وتفرد سياستها الإقليمية الجديدة من جهة ثانية.

أولا: أهم المقدمات الخليجية / الخليجية.

عندما نبحث في حجم الإشكاليات التي ستمس الأمن الإقليمي بما فيها الأمن البحري، ينبغي عدم التفرقة بين الأمنيين الاجتماعي والسياسي وانعكاساتهما على الأمن الخليجي، فمتانة وقوة الجبهة الداخلية لكل دولة هو الأساس الذي يبنى عليه منظومة الأمن الشاملة في سلم الاهتمامات الخليجية المعاصرة التي تنطلق جمعيها نحو إعادة بناء مستقبلها وفق رؤى تنموية طويلة المدى، الرياض وأبوظبي والدوحة والكويت والمنامة  2030، ومسقط 2040، قلنا عنها سابقًا أنها تفتقر للتنسيق، وتكرس التنافس الحاد بين الدول الست، كما تبنت كل دولة خليجية المفهوم النيوليبرالي في راديكالية الانتقال من الدولة الريعية إلى دولة رأسمالية بضوابط اجتماعية دنيا، يصاحبه تحولات في السياسات المالية الخليجية مؤثرة على التوازنات الاجتماعية وولاءاتها وانتماءاتها السياسية.

ولو تعمقنا في التحولات الاقتصادية والاجتماعية لكل دولة خليجية منذ أخر ثلاث سنوات، سنلاحظ وجود متغيرات بنيوية تهدد الأمن والاستقرارين السياسي والاجتماعي مع التباين بين كل دولة،  صحيح هي حتمية – أي التحولات – لكنها تطبق بصورة راديكالية، فقد جبرتها الأزمة النفطية 2014م، وأزمة كورنا إلى التحول عن الاقتصاد الريعي إلى اقتصاد قائم على الإنتاج وعلى الضرائب ورفع الدعم الحكومي عن الخدمات والوقود، مما تأثرت به القدرة الشرائية الاجتماعية في ظل موجة الغلاء وتقليص حجم المرتبات، وندرة الوظائف،  مما فاقم الفقر والبطالة، وخلص تقرير لمنظمة الأسكوا إلى وجود أكثر من ثلاثة ملايين مواطن فقير في دول الخليج .

وهنا ملاحظتين ينبغي أن تطرح بكل تجرد:

  • ما هي ضمانات كل دولة خليجية من عدم تغلغل الجماعات الفكرية والأيديولوجية والمسلحة في بنيات الفقر والبطالة، ومن ثم تجنيد الشباب الخليجي استغلالًا لحاجتهم للوظيفة والمال؟
  • ما هي ضماناتهم من عدم تشكل كيانات فكرية داخلية معادية للحكومات والمجتمعات الخليجية؟

ومن البديهيات أنه لا يمكن الاطمئنان على تطبيق الرؤية الأمنية الخليجية المحدثة بصورة مثالية في ظل استمرار النزاعات والخلافات بين الدول، وكذلك في ظل تنافس اقتصادي متعاظم، وجاءت الرؤى الاستراتيجية الخليجية الست لصياغة مستقبلها المعاصر تكرس هذا التنافس وبصورة حادة رغم أنه من مصلحة الكل أن يكون هناك تناسقًا متماهيًا بين الرؤى للانتقال بصورة جماعية إلى المستقبل المتحرر من تبعية النفط والغاز، والقائم على مصادر دخل مستدامة، كما أن هناك أيضًا التباين في الرؤى الأمنية، ولا يمكن اعتبار ما تحقق من تنسيق عسكري وأمني أو حتى تكامل كإقامة قوة درع الجزيرة أو جميع أشكال التعاون البحري بأنها تحقق الأمن الخليجي البحري خاصة لو في حدوده الدنيا. ويأتي التباين كذلك في المواقف والسياسات الخارجية، من هنا الرهان مجددًا على العمل الجماعي لتأمين الأمن الإقليمي من المنظور الخليجي بالاتفاق أولًا على حل التباينات العالقة.

  • المقدمة الإقليمية والدولية.

سنأخذ نموذجًا تطبيقيًا للبعد الإقليمي لتوضيح مشهد المخاطر الأمنية الجديدة والمقلقة من وكلاء إيران، وسنرى من خلاله مستجدات البيئة الإقليمية ودواعيها التي تفرض على الدول الخليجية الست تغيير مفاهيمها وقناعاتها السابقة واعتماد مبدأ العمل الجماعي من أجل مواجهتها، وهو يتجلى في القدرات العسكرية لجماعة الحوثيين غير التقليدية والتي تمكنت من خلالها إسقاط أفضل مسيرات الجيش الأمريكي على الإطلاق من طراز " إم كيو 9 " في المياه الإقليمية اليمنية، وهى المسيرة الهجومية الأساسية للقوات الجوية الأمريكية – وفق بعض المصادر -  وهذا يعني أن لديهم دفاعات جوية متقدمة جدًا، كما تمكنوا من المساس بأمن الملاحة الدولية في البحر الأحمر عبر استهدافهم السفن الإسرائيلية وتلك المتجهة إليهم، كما يستهدفون السفن الأمريكية والبريطانية بعد قصف واشنطن ولندن لمحافظات يمنية، وقد ألحقوا الأضرار الجسيمة بالاقتصاديات الإقليمية والعالمية، وفي الجانب الإسرائيلي، وفق تقديراتهم ، فإن خسائرهم تكلف " 10 " ملايين دولار يوميًا على الأقل بسبب تغيير المسار حول إفريقيا، علما بأن إسرائيل تنفذ كامل تجارتها الخارجية تقريبًا عن طريق البحر عبرة قناة السويس والبحر الأحمر، والحديث الآن عن طرق بديلة مما سيزيد من أعباء النقل، كما انخفضت شاحنات النفط من أمريكا إلى آسيا بأكثر من الثلثين في يناير الماضي .

 وهنا نطرح التساؤل التالي، ماذا عند الحوثيين من قدرات وإمكانيات عسكرية لم يكشفوها حتى الآن يمكن أن تهدد الملاحة البحرية والممرات البحرية الإقليمية الخليجية، التساؤل نطرحه استشرافًا من بياناتهم التي كانوا يصدرونها عقب عمليات استهدافهم للسفن الإسرائيلية والأمريكية والبريطانية في البحر الأحمر ، فقد كانوا يحددون نوعية السلاح المستخدم كالصواريخ البالستية والطائرات المسيرة ، ومؤخرًا لم يعد يكشفون نوعية السلاح المستخدم فيها، ويكتفون بعبارة السلاح " المناسب " وهذا يعني أن لديهم أسلحة متقدمة لا يرغبون في الكشف عنها، وما يدعم هذا الرأي صدور تحليلين غربيين، الأول تحليل لمنتدى إقليمي كشف فيه عن سلاح لم يحدد نوعيته  لدى الحوثيين يعتبره مقلقًا للغرب والمنطقة، وهو يستهدف كابلات الاتصالات الحيوية تحت البحر مما قد يعطل الاتصال والاقتصاد العالميين، ويرى التحليل أن اليمن يحتل موقعًا استراتيجيًا حيث تمر بالقرب منه خطوط الانترنت التي تربط قارات العالم بأكملها، واعتبر التحليل أنه يمكن أن تكون شبكة الكابلات تحت البحر هدفًا سهلًا لهجومهم القادم، بل ذهب التحليل إلى أن الجماعات المسلحة الأخرى في المنطقة التي تتماهي مع إيران لها نفس قدرة الحوثيين على استهداف الكابلات تحت البحر ، التحليل الثاني لمجلة فورين بوليسي ، فقد سلطت على الموضوع نفسه، وذهبت إلى ما توقعه التحليل الأول من أن الهدف القادم قد يكون الكابلات تحت البحر، واستدلت المجلة بما نشره أحد الحسابات عبر تطبيق " تيليدرام " في أواخر ديسمبر الماضي عن خريطة توضح مسارات كابلات الألياف الضوئية غربي اليمن .

والنموذج الدولي الذي يمكن الاستدلال به يكمن في تراجع الحماية الأمريكية للخليج بسبب انشغالات بالمحيط الهادي، وهذا التراجع جعل الجماعات المسلحة الموالية لإيران تتجرأ بقصف عواصم خليجية، كما دفعت بطهران نفسها إلى استهداف السفن في مياه إقليمية خليجية، ومع انكشاف نوعية الأسلحة الحديثة لوكلائها في المنطقة، وبالذات الحوثيين يزداد القلق من قدرة طهران العسكرية غير التقليدية وغير النووية ليس من منظور استخدامها من طهران، وإنما من منظور تمريرها لوكلائها، إذ أن استخدامها من قبل دولة سيكون محكومًا بحسابات دقيقة، لذلك لا ينبغي التفرقة بين إيران ووكلائها، فهذه الأخيرة أداتها والمعبرة عنها، وحجم تهديداتها للملاحة البحرية بأسلحة متطورة منها ما هي معلومة، ومنها سرية ما يجعل دول مجلس التعاون تبحث القضية من منظور شمولية المخاطر على أمن الملاحة الإقليمية كلها ، ومن خارج تفكير القضاء على الوكلاء والحوثي مثلًا ، وإنما إضعافهم من خلال محاصرة طرق إمداداتهم.

وفي خضم تلكم المخاطر الاستثنائية تأتي خطوة دول مجلس التعاون بتحديث رؤيتها الأمنية، وهى تؤكد أنها تعتد بتلكم المخاطر وفق كل سياقاتها الزمنية والسياسية والأمنية الإقليمية، والتحولات الاقتصادية والاجتماعية الخليجية، ونرى أن مضامين الرؤية حاملة للتعاطي مع كل الإكراهات الداخلية والإقليمية، فالرؤية تظهر أن الدول الست ليس أمامها من خيار سوى تنسيق مواقفها من الأزمات الإقليمية والدولية، وحل خلافاتها الداخلية القديمة والجديدة ، وكذلك تعزيز وتفعيل العمل الجماعي في كل المجالات للاستجابة لتحديات الأمن الإقليمي.

  • الآليات الجماعية الخليجية الضامنة للأمن البحري الإقليمي

عندما تستند الرؤية الأمنية الخليجية المحدثة إلى مرجعيات "النظام الأساسي لدول المجلس، واتفاق الدفاع المشترك، ومبدأ المصير المشترك لدول مجلس التعاون " وتنص " على أن أمنها كل لا يتجزأ" وتحدد أهداف إقليمية بدقة كاستقرار المنطقة وازدهار دولها وشعوبها، وكذلك هدف دولي وهو تعزيز الأمن والسلم الدوليين، فإنه يستوجب عليها اتخاذ خطوات أبرزها:

  • حوار استراتيجي خليجي على أعلى مستوى بين الدول الخليجية الست بهدف جعل جغرافيات الدول الخليجية الست مصدر استقرار دائم وبثقة عالية كجعل الأراضي المتنازع عليها أو الحدودية مناطق استثمار مشتركة.
  • توحيد الرؤى التنموية الخليجية الست، وجعلها تكاملية عوضًا عن تنافسية  ، وكذلك جعلها ذات أبعاد اجتماعية ملموسة عوضًا عن الحدود الدنيا ووفق مفهوم الدولة الاجتماعية عوضًا عن مفهوم النيوليبيرالي الذي يهدف إلى بناء اقتصاد رأسمالي مع حد أدنى من الضوابط مما سوف يكون تأثرها مؤلمًا اجتماعيًا، لذلك ندعو إلى إعادة النظر في النيولوليبرالية التي تطبق في الخليج العربي كحل لإعادة الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية، وإذا كان لابد من النيوليبيرالية  فلابد من توسيع نطاق ضوابطها الاجتماعية، فالنيوليبرالية هي دائمًا سبب تفجير المشاكل الاجتماعية في موطنها، ونسخها في خارج بيئتها ستزيد من ماهيات هذه المشاكل خاصة وأن المجتمعات الخليجية قد اعتمدت على الحكومات لعدة قرون، فكيف يتم الانتقال بهذه الراديكالية؟
  • مأسسة أمن الملاحة البحرية الخليجية.

يحسب للفكر الاستراتيجي الخليجي سرعة استشرافاته بالمخاطر، وهذا تجلى في التفكير في إقامة قوة بحرية مشتركة على غرار قوة درع الجزيرة، الأولى تعنى بالأمن البحري ، والأخرى بالأمن البري والجوي، من هنا ينبغي الإسراع في إشهار واستكمال أنظمة هذه القوة وإقراها، والأخذ بعين الاعتبار مستوى ونوعية المهددات البحرية الجديدة وتكمن في الأسلحة التي يستخدمها الحوثيون ، والمقلق السري منها والتي أصبحت التقارير العالمية تخشى من استهدافها الكابلات البحرية، لذلك ينبغي أن تكون القوة البحرية الخليجية مزودة بقدرة الردع العالية التقنية/ التكنولوجية، بل وتوحيد منظومتها، كدمج أنظمة الطائرات المسيرة والذكاء الاصطناعي، وتوفرها على التقنية / التكنولوجيا التي تمكنها من استخدامها تحت الماء وعلى الماء ليس كخطوة استباقية كما كانت دافعية إنشائها، وإنما كحتمية زمنية مستعجلة لإقامة منظومة دفاعية بحرية في الوقت المناسب.

ووفق الخبراء فإن فاعلية منظومة الدفاع الجوي للطائرات المسيرة محدودة، لذلك لا يمكن الرهان على منظومات الدفاع الجوية الراهنة للطائرات المسيرة الآن، ويستشهدون بإسرائيل التي لديها صواريخ سبابرت الاعتراضية التي تنتجها شركة رافائيل التي لم تمنع أكثر من نصف صواريخ المقاومة من الوصول إلى قلب إسرائيل ، من هنا نرى أنه يحتم على الدول الخليجية التركيز على الاستثمار في تطوير تقنيات الطائرات المسيرة عوضًا عن شراء الطائرات من الشركات العالمية فقط، فهناك سباقًا عالميًا وإقليميًا في مجال التطوير لا ينبغي للخليج أن يكون بعيدًا عنه ، من هنا نقترح إنشاء شركة خليجية للاستثمار في تطوير تقنيات الطائرات المسيرة والمجالات السيبرانية في عملية تتزامن أن يكون هناك منظومة دفاع جوية خليجية موحدة للطائرات المسيرة، وبقيادة جماعية لمواجهة المخاطر من أي استهداف جغرافي للدول الست .

والحتمية لا تقتصر فقط على البحر، فهي كذلك برًا وجوًا، مما يستوجب توحيد كل جهود الدول الست العسكرية وفق نظرية توازن التهديد الإقليمي التي تتجسد الآن كل مقوماتها، فالتهديدات البرية والجوية والبحرية تدفع بهذه الدول لتوحيد قواها لردع التهديد أو هزيمته، وفعلًا ، فإن التطورات والمستجدات قد أنضجت هذه النظرية ، وأصبحت القناعة ناضجة بالاعتماد الخليجي الجماعي على ذاتها دون الحماية الأجنبية سواء أمريكية أو إقليمية مهما كانت أطرافها ، كإسرائيل مثلًا التي لم تتمكن من الانتصار على حركة حماس، وتستعين بمرتزقة من كل أنحاء العالم،  فكيف يراهن عليها في ضمانة الأمن الإقليمي الخليجي ؟

ولماذا توحيد الجهود العسكرية الخليجية بما فيها البحرية؟ وذلك في ضوء تزايد الهجمات على الناقلات وآفاق المخاطر على الموانئ والمنشآت النفطية في البر والبحر بعد تنامي خطر جماعة الحوثيين في البحر الأحمر وباب المندب، ويمثل مضيق هرمز المنفذ البحري الوحيد بين الخليج العربي وخليج عمان والمحيط الهندي وباقي دول العالم، وتعتمد عليه دول الخليج لنقل أكثر من 80 % من نفطها إلى آسيا وأمريكا وأوروبا، كما تأتي دول الخليج عبر هذا المضيق، وتحديدًا من المياه العميقة التي تتبع سلطنة عمان لاسيما تلكم القادمة من الصين واليابان وكوريا الجنوبية وسنغافورة وتايوان وأوروبا عامة ..مما يقع على عاتق هذه الدول مسؤولية المساهمة في إقامة النظام الأمني الخليجي من خلال آليتين هما :

  • إشراكها في نظام إقليمي لضمانة الأمن البحري، تكون طهران عضوًا فيه وفق مرجعية مقترحها بإقامة نظام أمني بحري مع الخليج العربي.
  • إقامة شراكات استثمارية معها في مجال الصناعات العسكرية عمومًا والسيبرانية والمسيرة خصوصًا.
مقالات لنفس الكاتب