array(1) { [0]=> object(stdClass)#12963 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

النسيج الاجتماعي والأمن الوطني لدول مجلس التعاون الخليجي

الثلاثاء، 01 آذار/مارس 2011

إن التجانس السكاني في الدول أحد عناصر قوتها، حيث يؤدي التجانس إلى التماسك الاجتماعي، وعندما يشترك الناس في اللغة والدين والعادات والتقاليد فهو عامل قوة واستقرار في الدولة، لأن التعدد العرقي واللغوي يعد أحد العوامل الرئيسية التي تؤدي إلى عدم الاستقرار خاصة في الدول الناشئة التي لم تترسخ مؤسساتها السياسية بعد.

نلاحظ أن الدول الإفريقية تعاني عدم الاستقرار بسبب الخلافات العرقية والدينية واللغوية، وكذلك ما حدث في البلقان عندما تمت التصفيات العرقية والدينية وتفككت يوغسلافيا السابقة التي كانت من الدول الرائدة في عدم الانحياز، لأن جوزيف تيتو أقام الدولة على أساس المبدأ الاشتراكي، بمعنى أن المبدأ أصبح هو الرابطة التي تجاوزت العرقية واللغوية، والاتحاد السوفييتي تفكك عرقياً، وظهرت خمس عشرة دولة من رحم الإمبراطورية السوفييتية بسبب التراجع الأيديولوجي، بل فشل المبدأ الماركسي في تحقيق مصالح الناس، فانهار اقتصادياً وظهرت القوميات وتفككت الإمبراطورية. وفي الدولة الإسلامية في العصور السابقة، استطاعت الرابطة الإسلامية أن تتغلب على التنوع العرقي واللغوي، لأن قوة المبدأ كانت قوية في صهر الناس وتماسكهم، وعندما ضعفت الرابطة الدينية في العصور التالية ظهرت العرقية وتفككت الإمبراطورية العثمانية.

إن أحد دروس التاريخ أن الرابطة العقدية العقائدية (المبدأ) هي التي توحد الشعب والأمة، وأشرنا إلى أن إمبراطوريات انهارت ودولاً زالت عندما تراجعت المبادئ (الأيديولوجيا) التي تجمع سكان الدول والإمبراطوريات، فالتعدد العرقي واللغوي يحتاج إلى أيديولوجيا تجمع وتهضم الاختلافات العرقية واللغوية. وقد تشعر دول بأنها في حالة قوة في فترة ما، ولذلك تشعر بالاطمئنان وتسمح بالتعددية العرقية وتستقبل عرقيات وجماعات لغوية أخرى، لكن على المدى البعيد سيكون عاملاً سلبياً على الأمن الوطني للدول خاصة في حالة تزايد عدد هذه الجماعات العرقية واللغوية والدينية، مما يدفعها أن تستغل ظروفاً جديدة مواتية لها بأن تطالب بحقوق سياسية في مرحلة ما في حالة تغير النظام الإقليمي والدولي عندما يصبح مناسباً لها، ثم إن هذه الأقليات العرقية واللغوية قد تكون طابوراً خامساً تستغلها دول أخرى لتحقيق أهداف سياسية تدفع إلى عدم الاستقرار في الدول المضيفة أو المستقبلة لها.

عدد السكان والتجانس العرقي

تضاعف عدد سكان مجلس التعاون الخليجي عشر مرات خلال نصف قرن من أربعة ملايين نسمة عام 1950 إلى 465 عام 2010، وهذه الزيادة تعتبر ظاهرة فريدة في التاريخ، خاصة أن الزيادة لم تكن نابعة من الزيادة الطبيعية، بل ناجمة عن عمالة تبحث عن مصدر دخل وثروة لها وهي قادمة من بلدان فقيرة وبأجور رخيصة تغري باستقطابها، لكن الخطورة عندما يزيد عددها على عدد السكان الأصليين، وهذا ما يحدث في أربع دول من مجلس التعاون الخليجي، وهي الإمارات والبحرين والكويت وقطر.

إن عدد الأجانب في دول المجلس حسب أرقام 2010، وصل إلى 27 مليون نسمة بنسبة 59 في المائة من مجموع عدد سكان دول مجلس التعاون الخليجي، والأرقام في حد ذاتها مذهلة وخطيرة، فعدد سكان دولة الإمارات عام 2010 وصل إلى 8,190,000 نسمة عدد الأجانب منهم 7,240,000 نسمة، بمعنى أن نسبة السكان الأصليين 12 في المائة من مجموع السكان وهذا في حد ذاته ناقوس خطر على التركيبة السكانية. ويبلغ عدد سكان قطر 1,678,568 نسمة يشكل الأجانب منهم 1,460,354 نسمة، نسبة السكان الأصليين 13 في المائة فقط من مجموع السكان، أما الكويت فإن عدد سكانها 3,480,000 نسمة يشكل الأجانب منهم 2,436,000 نسمة والسكان الأصليون 30 في المائة من مجموع السكان في البلاد، وعدد سكان البحرين 1,050,000 نسمة يشكل الأجانب 542,850 نسمة أي نسبة السكان الأصليين منهم 48 في المائة من جملة السكان، ونلاحظ خطورة كامنة لها تبعات ثقافية واجتماعية وتربوية. أما عُمان فعدد سكانها 3,418,085 نسمة، وعدد الأجانب منهم 1,025,426 نسمة يشكل السكان الأصليون 70 في المائة، وعدد سكان المملكة العربية السعودية 28,686,633 نسمة عدد الأجانب منهم 7,745,391 نسمة يشكل الأجانب 27 في المائة من مجمل سكان السعودية.

إن العمالة الأجنبية تعمل في البنية التحتية في هذه الدول، ومنهم الخدم والخادمات في البيوت، ومعظم هؤلاء العاملين يأتون من دون عائلاتهم مما يشكل خطورة اجتماعية رغم ما يقومون به من عمل في البنية التحتية، وهذا له تأثير خطير اجتماعياً وأمنياً.

تتعرض دول المجلس لخطر الأمن الثقافي بسبب الأعداد الوافدة الضخمة

ثقافات متعددة تهدد الثقافة المحلية

إن تعدد الثقافات للعمالة الوافدة يهدد الثقافة المحلية التي يجب أن تكون هاضمة وتصهر هذه الثقافات، لذلك تتعرض دول المجلس إلى خطر الأمن الثقافي بسبب الأعداد الوافدة الضخمة، وكما يقول علي خليفة الكواري في دراسته عن (إصلاح الخلل السكاني): (تفتقر تلك التجمعات السكانية إلى الثقافة الجامعة والقواسم الوطنية المشتركة بسبب اختلاف مصادر ثقافة كل قوم وجنسيتهم واختلاف مصالحهم، وتباين تقاليد وأعراف وقيم كل منها بشكل عام وعلى الأخص بالنسبة لغير الناطقين باللغة العربية). كما أن إطلاق مفهوم التجمعات السكانية في محله لأن كل فئة تتجمع حسب عرقيتها ولغتها والأقلية الدينية، بمعنى أن الانصهار الاجتماعي غير متوفر، ومن هنا تصبح مجتمعات دول المجلس خليطاً من العرقيات المختلفة ومعظمها من جنوب شرق آسيا، الهند، سيرلانكا، الفلبين، بنغلاديش، باكستان وأندونيسيا.

ويقودنا هذا الاختلاف العرقي والثقافي إلى أن بعض هذه العمالة يعمل في البيوت وتربية الأطفال، فيصبح الطفل هجيناً في لغته، كما أن عدداً كبيراً من الخادمات ليست مسلمات وهذا له تأثير في ثقافة الطفل واكتسابه المعارف واللغة مما يجعل الطفل متأثراً بثقافة الخادمة، وفي دراسة نشرها الكاتب في أكتوبر عام 1996 في مجلة (السياسة الدولية) بعنوان (العمالة العربية والآسيوية والأمن القومي العربي) وجد أن بعض الخادمات من المجوس والهندوس والنصارى، وشخصية الطفل تتشكل في الخمس سنوات الأولى من عمره.

إن توفر الموارد المالية من النفط وحياة الرفاهية قد يدفع أحياناً إلى التقليل من مخاطر العمالة الوافدة، لكن هناك أماكن عبادة لهذه العمالة لم تكن موجودة قبل نصف قرن تقريباً، تحت شعار التسامح الديني وحقوق الإنسان وتبنى معالم ثقافية لهذه الأقليات، فتصبح حقيقة واقعة قد تدفع إلى مطالب أخرى يوماً ما في المستقبل مع تحول ثقل النظام الدولي إلى شرق وجنوب آسيا، بما أصبحت تملكه من القوة الاقتصادية والتقنية، وتملك بعضها القوة النووية، فكيف يمكن مواجهة مطالب العمالة في المستقبل وقد تجد دعماً من دولها الأم؟

إن إفريقيا عانت كما أشرنا من خلل النسيج الاجتماعي، وحتى في بعض دول أوروبا بعد تفكك الاتحاد السوفييتي، كما حدث في تشيكوسلوفاكيا، عندما تفككت إلى جمهوريتين، ويوغسلافيا التي أشرنا إليها. وقد يجد بعض المراقبين أن العمالة الأجنبية يتم تضخيمها، لكن الواقع أن الخطر الكبير هو التقليل من خطورتها، فالدول العثمانية مثلاً في أوج قوتها في عهد سليمان القانوني منحت قانون الالتزامات إلى فرنسا ولم تخش من آثاره في عز قوتها وبعد قرن أو نيف كان أحد عوامل سقوطها، لأنه أصبح ذريعة للتدخل في شؤونها الداخلية، وقد تغري العمالة الآسيوية الآن بسبب أجورها القليلة والحاجة إليها في التنمية، لكن خطورتها أخذت تظهر في السنوات الأخيرة من انتشار الجريمة والمخدرات والتهريب ثم من لغتها التي أخذت تنتشر حتى في الأسواق العامة، بل حتى في نوع الوجبات الغذائية، وهذا له تأثير حتى على ثقافة المواطن العادي.

خطة استراتيجية بعيدة المدى

إن معالجة قضية الخطر على النسيج الاجتماعي تحتاج إلى خطة استراتيجية على مستوى الدولة الواحدة وعلى مستوى دول المجلس، من خلال تقليل العمالة الوافدة بشكل تدريجي على مدى عقد تقريباً، وإحلال عمالة لها ثقافة تتفق مع سكان دول المجلس، ولعل أهمها العمالة العربية وإلى حد ما التركية القريبة من العرب تاريخياً لخمسة قرون، بالإضافة إلى برامج تثقيفية للعمالة الوافدة والتقليل منها في البيوت لما لها من تأثير اجتماعي على الأطفال وثقافتهم، وهي مشكلة معقدة إذا لم تتم معالجتها في القريب العاجل فستبقى قنبلة موقوتة في منطقة دول المجلس قد تنفجر يوماً، وهي أشد خطراً من المشروع النووي الإيراني على النسيج الاجتماعي الخليجي، لأنها تهدد الهوية الوطنية، والدول التي تفقد هويتها ويتعرض نسيجها الاجتماعي إلى التفكك تبقى معرضة للتهديد في وجودها.

مجلة آراء حول الخليج