array(1) { [0]=> object(stdClass)#12963 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

(البدون) في الخليج العربي: إضاءة سوسيولوجية

الثلاثاء، 01 آذار/مارس 2011

تشكل مسألة (البدون) إحدى أكبر القضايا الاجتماعية والسياسية والحقوقية المعاصرة في دول الخليج العربية، إنها قضية القضايا وإشكالية الإشكاليات، حيث شكلت ولا تزال تشكل محوراً مركزياً للجدل السياسي الدائر، وبؤرة حيّة للصراع الأيديولوجي، ومنطلقاً للتداول الحقوقي المكثف حول أبعادها ومداخلها الشائكة.

تبرز أهمية هذه الإشكالية في درجة الضخ الإعلامي، حيث دبجت مئات المقالات والتقارير والتحقيقات اليومية حول هذه الظاهرة التي تتميز بطابع التعقيد السياسي والاجتماعي والقانوني. ولا ريب في القول إن قضية (البدون) أصبحت منذ التسعينات في القرن الماضي إشكالية معقدة مزمنة متزامنة يزداد خطرها مع مرور الأيام، وتتفاقم شدتها مع تعاقب السنوات.

فدول الخليج العربية تمرّ اليوم بمراحل حرجة من التطور الاجتماعي والاقتصادي، وتتميز بوتائر تنمية اقتصادية واجتماعية متسارعة، رافقها صعود كبير في الوعي السياسي لدى مواطنيها، وتنامت في سياق ذلك نوابض المشاركة السياسية الجماهيرية التي بدأت تأخذ طابعاً ديمقراطياً ولا سيما في الكويت والبحرين، حيث اتسعت وتنامت الحريات الإعلامية والسياسية. وقد ساعدت هذه الأمور مجتمعة على نمو كبير في مستويات الوعي السياسي والممارسة السياسية النقابية لشرائح الفئات المهمشة (البدون) التي غدت قوة سياسية تطالب بحقوقها الاجتماعية عبر الإعلام والمواقع الإلكترونية والفضائيات والجمعيات والمنتديات وصولا إلى القيام بفعاليات التجمع والاعتصام وغيرها من أشكال المطالبة بالحقوق السياسية والاجتماعية.

تعريف (البدون) أو (غير محددي الجنسية)

تعود أصول (البدون) في الجوهر إلى قبائل بدوية عريقة من مناطق رعوية صحراوية تترامى على أطراف السعودية وتخوم الكويت وحدود العراق وأعتاب الضفة الشرقية للخليج، بل يعود بعضهم بأصوله إلى بادية سوريا والأردن والعراق والسعودية من قبائل عربية كبيرة مثل شمر وعنزة. والبدون تسمية رائجة ومستخدمة على نطاق واسع تطلق على الفئات الاجتماعية التي لم تستطع إثبات جنسيتها للدولة التي تقيم فيها ولم تقدم ما يثبت انتماءها حصولها على جنسية دول أخرى. وكلمة (بدون) ليست مصطلحاً قانونياً بل مصطلح عامي وتسمية شائعة أطلقت على الفئات التي لا تحمل جنسية محددة أو لم تثبت حملها لأية جنسية أخرى.

ويتضمن مفهوم (البدون) دلالات متنوعة، فهو يرمز إلى انعدام الجنسية، حيث لا يحمل الفرد (البدون) جنسية محددة، كما أنه لم يستطع أن يثبت حقه في الجنسية وفقاً للقوانين والأنظمة النافذة في البلد الذي يعيش فيه.

يقول فارس الوقيان في تعريفه لبدون الكويت: (البدون) مجموعة من البشر ينتمون إلى المكون العرقي والدينيوالثقافي نفسه لسكان الكويت الأصليين، فعلى الأغلب قدموا من (شبه الجزيرة العربية، منطقة بلاد الرافدين وبلاد فارس) مع مجاميع بسيطة من بلاد الشام. ويتابع الوقيان بقوله إنهم (خليط من غالبية برهنت على وجودها القديمفي الكويت وفقاً لإحصائيات أعوام (1965، 1970) وشريحة بسيطة برهنت على وجودها بعد تلكالسنوات، كما أن غالبيتهم لا تحمل جنسية أية دولة، وشريحة بسيطة أخرى أخفتوثائقها من أجل التمتع بامتيازات عديمي الجنسية المعروفة بالأدبيات الكويتيةالدارجة بمسمى (البدون)، إذ كانت امتيازاتهم تقترب من حقوق المواطنين الكويتيين حتىعام1985). وأكثرية (البدون) كما يقول سامي الخالدي (من أبناء البادية الرحل من قبائل شمال الجزيرة العربية الذين استقر بهم المقام في الكويت بعد ظهور الحدود السياسية بين دول المنطقة، تضاف إليهم أعداد من النازحين من الشاطئ الشرقي للخليج من عرب وعجم بلاد إيران).

ويمكن تعريف (البدون) بأنهم مجموعات من الأفراد المقيمين في بعض دول الخليج العربية الذين لا يحملون أية جنسية محددة أو الذين أخفوا جنسياتهم لأسباب ما. وتشكل هذه الوضعية نتاجاً لأوضاع تاريخية تتعلق بقوانين الهجرة والجنسية والتجنيس والحراك السكاني البدوي الذي شهدته المنطقة قبل قيام الدولة الوطنية وبعده وترسيم حدودها.

فالخطاب الرسمي للدول الخليجية يؤكد أن (البدون) جماعات وأفراداً جاءوا من دول مجاورة واستوطنوا أرض الدولة بصورة غير مشروعة فأقاموا فيها بعد أن أتلفوا وثائقهم وجوازاتهم من أجل الاستفادة من الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة بعد اكتشاف الوفرة النفطية فيها، حيث كانت الدولة تقدم تسهيلات كبيرة للعاملين فيها. ووفقاً لهذه الرؤية فإن وجود هذه الفئات من الناس ليس شرعياً وغير قانوني وهم بالتالي يقيمون إقامة غير شرعية في أرض ليست أرضهم وفي وطن ليس وطنهم وحري بهم العودة إلى أوطانهم الأصلية وتسوية أوضاعهم القانونية. وهذا التصور تؤكده الحكومات المتعاقبة التي ترى أن (البدون) مواطنون من دول عربية أخرى قدموا إلى الكويت في نهاية الستينات وبداية السبعينات للعمل، ثم قاموا بإخفاء جوازاتهم وهوياتهم، رغبة منهم في الاستفادة مما كان يتمتع به (البدون) الكويتيون من امتيازات.

وإضافة إلى الرواية الرسمية هناك رواية (البدون) أنفسهم الذين يقدمون رأياً قوامه أن (البدون) هم فئات من البدو العرب الرحلّ أقاموا في أرض هذه الدول قبل صدور قوانين الجنسية وبعدها منذ كانت الحدود مفتوحة بين الدول الخليجية، وهم لا يعرفون لهم وطناً آخر غير الأرض التي أقاموا عليها حيث هم الآن، وأن قوانين الجنسية وطريقة الإعلان عنها وانتشار الأمية بين صفوفهم آنذاك وجهلهم بقضايا الحياة المدنية ورفض بعضهم للهوية بالتجنيس اقتناعاً بهوية التأسيس جعلتهم يتخلفون عن عملية المطالبة ببطاقة الهوية وتسجيل أنفسهم كمواطنين في الدولة التي يعيشون فيها.

وقد يبدو للوهلة الأولى أن الأمر في غاية البساطة، لكن من يتأمل في عمق المسألة سيجد نفسه إزاء ظاهرة اجتماعية بالغة التعقيد في مستوياتها السياسية والثقافية والسكانية والتاريخية والقانونية. ومن أجل فهم أعمق لهذه الظاهرة يجب أن تتضافر منظومة من الدراسات في مختلف جوانب هذه الظاهرة من أجل بناء رؤية سوسيولوجية حول الأوضاع العرقية والإثنية والسياسية لهذه الفئات التي يطلق عليها غالباً (البدون) أو غير محددي الجنسية.

ويمكننا في عجالة أن نقول إن جانباً كبيراً من هذه الإشكالية يتعلق بوضعية البنية السكانية والحراك السكاني في منطقة الخليج قبل نشوء الدولة وحصول دول المنطقة على استقلالها. ففي مرحلة ما قبل الاستقلال كان السكان البدو يتنقلون في مضاربهم التي تمتد على مساحات واسعة تتجاوز حدود الدول الوطنية الحالية، وعندما حظيت الدول الخليجية باستقلالها ترتب عليها إجراء مسوح سكانية للتعرف إلى عدد مواطنيها وتسجيلهم قانونياً ومن ثم منحهم الجنسية، وكنتيجة لعمليات التسجيل والتدوين والإعلان عن هذه العمليات الإحصائية بقيت فئات من السكان خارج دائرة المسح، وقد أدى هذا بالتالي إلى حرمانهم لاحقاً من الحصول على الجنسية المطلوبة، وقد أسس هذا بدوره إلى حرمانهم من الحقوق القانونية والاجتماعية الممنوحة لمواطني الدولة التي يعيشون فيها. ويستشف من ذلك أن بعض الأفراد والجماعات - نتيجة لأنماط حياتها البدوية المعتادة - تخلفت عن المطالبة بالجنسية أو التسجيل في الإحصائيات الرسمية للسكان التي أجريت على تخوم الاستقلال الوطني مما أدى إلى حرمانهم من الحصول على الجنسية والحقوق المدنية. وتؤكد إيمان القويفلي هذا التصور حيث تقول إن (جزءاً كبيراً من مشكلة (البدون) في الكويت نشأ بفعل عبور الحدود المتكرر بوساطة البدو الرحل الذين لم تكن (الحدود) مرسومة في وعيهم آنذاك).

ومن الضرورة بمكان هنا أيضاً الإشارة إلى أن بعض الأفراد القادمين من البلدان المجاورة قد قاموا فعلاً بإتلاف وثائقهم الثبوتية للاستفادة من المزايا الاقتصادية التي منحتها الدولة (للبدون) في بداية الاستقلال، حيث كانت الدولة تقوم بتوظيفهم والتعامل معهم كمواطنين للاستفادة من قوة العمل لديهم في مختلف قطاعات الدولة ولا سيما في مجال الجيش والدفاع والخدمات. وإذا كانت الوقائع قد بينت أن عدداً كبيراً من أبناء هذه الفئة قد أتلفوا وثائقهم الثبوتية فإن العدد الأكبر من أبناء هذه الشريحة هم من أبناء القبائل الرحل الذين تخلفوا عن الركب، ولم يحصلوا على تسوية لأوضاعهم القانونية والمدنية في حينه أي فيما بعد الاستقلال مباشرة.

ويظهر تذبذب سياسي واضح في تسميات (البدون) حيث عرف (البدون) بتسميات ومصطلحات متعددة مثل (غير محددي الجنسية) و(المقيمون بصورة غير قانونية)، وتجري النصوص القانونية في الآونة الأخيرة على استخدام هذه التسميات لاعتبارات سياسية وقانونية ترتبط بموقف الدولة من هذه الفئات الاجتماعية، ففي الخمسينات لم تكن هناك مسميات معينة للجنسية، وإنما كان الجميع مواطنين في إمارة الكويت، أما في الستينات فقد استخدم مسمى (بادية الكويت) (أي سكان الصحراء) للتعبير عن جنسية فئة البدون، وفي السبعينات ظهر للمرة الأولى مسمى (البدون)، أما في الثمانينات فقد استبدلت الحكومة ذلك المسمى بمصطلح (غير كويتي) ورمزت له بـ (غ.ك).

أما في التسعينات فقد انقسمت إلى فترتين: الأولى قبل الغزو العراقي للكويت حين استخدمت الحكومة مسمى (غير محدد الجنسية) أملاً في أن يتجه هؤلاء إلى تحديد جنسياتهم، والثانية بعد التحرير، حيث استخدمت المسمى (مجهول الهوية)، وأخيراً استخدمت الحكومة مسمى (مقيم بصورة غير قانونية) في إشارة إلى عدم رغبة السلطة في استمرار إقامة هؤلاء في البلاد. ويقتضي التعريف الإشارة إلى أن فئة (البدون) لا يمكن تمييزها عن بقية فئات المواطنين سواء في المظهر العام أو العادات أو السلوك، وبالتالي أصبح التمييز ضدها مسألة تثير حفيظة بقية المواطنين فضلاً عن الآخرين.

الخصائص الاجتماعية السكانية لـ (البدون):

فرضت شروط الحياة الاقتصادية والاجتماعية والحقوقية التي تواترت على حياة (البدون) جملة من الأوضاع الإنسانية ورسمت نوعاً من الخصوصية الاجتماعية السكانية لهذه الشريحة البشرية. ويمكن وفقاً لمعطيات الواقع الاجتماعي تصنيف (البدون) في أدنى السلم الاجتماعي، حيث ينتشر الفقر وتستشري ظاهرة الأمية، وترتفع معدلات الجريمة والإدمان والتطرف والانحراف. فالمعاناة الإنسانية لهذه الفئة وحرمانها من حقوقها الاجتماعية لفترات زمنية طويلة أديا إلى تراكم سلبي كبير في الأوضاع الاجتماعية والإنسانية إلى حدّ وصل فيه كثير من الباحثين إلى القول إن هذه الفئة بأوضاعها المزدرية والمأساوية أصبحت تشكل تهديداً أمنياً ينال المجتمع بكامله. ويخشى كثير من الباحثين والمفكرين من انتشار التطرف الأيديولوجي بين أبناء هذه الفئة، حيث يمكن أن يشكلوا قطاعاً بشرياً يثير لعاب القوى الأيديولوجية المتطرفة في الداخل والخارج. ومن يراقب اليوم وسائل الإعلام سيجد أطناناً من الكتابات التي تصف الواقع الاجتماعي والحياتي التراجيدي لأبناء هذه الفئة.

ومما لا شك فيه أن هذه الأوضاع الحياتية أفرزت واقعاً سكانياً يعبر جوهرياً عن حالة الفقر والفاقة والعوز والأمية، حيث يتميز التكوين السكاني بقاعدة كبيرة من الصغار وبحجم كبير للأسرة وهذا بدوره يزيد من الأوضاع السيئة للحياة الاجتماعية لأبناء هذه الفئة. وفي هذا السياق يورد غانم النجار صورة واضحة لأوضاع (البدون) السكانية ويحدد جملة من السمات السكانية أهمها:

1- إن أكثرية فئة (عديمي الجنسية) من الأطفال الذين هم دون الخامسة عشرة ويمثلون نحو (85 في المائة من العدد الإجمالي).

2- إن غالبية فئة (عديمي الجنسية) من الأميين وذوي التعليم المحدود جداً، حيث بلغت نسبة من هم دون التعليم المتوسط 87 في المائة.

3- إن الأسرة لدى فئة (عديمي الجنسية) تتسم بكبر حجمها، حيث يصل معدل الإعالة فيها إلى 7 أفراد في المتوسط، بينما لا يزيد على 4.5 لدى الأسرة الكويتية، ولعله يمكن تقدير أهمية هذا الأمر فيما يشكله من أعباء اقتصادية وإرهاق للخدمات العامة في الحاضر والمستقبل.

4- إن غالبية هذه الفئة تنحصر في جنسيات معينة، إذ إن مشروع استكمال الوثائق الخاصة من غير محددي الجنسية أدى إلى التثبت من جنسيات (27.470) فرداً أي (في المائة12.5) من إجمالي الفئة، ولم تكن الحكومة قبل عام 1989 قد أعلنت عن عدد محدد لفئة عديمي الجنسية، ويرجع أكثر من مرجع علمي كتب حول (البدون) إلى أن الحكومة كانت تفتقر إلى الإحصائيات الدقيقة في هذا الشأن.

الصراع الأيديولوجي حول قضية (البدون)

من يطالع في تضاريس التداول السياسي لمسألة (البدون) سيجد بوضوح أن التعامل مع هذه القضية يأخذ طابعاً أيديولوجياً تحكمه النوازع العاطفية والانفعالية وترسمه المصالح والأهواء الخاصة والمنازعات الفكرية والصراعات الأيديولوجية وتناقض الرؤى والأمزجة وتنافر المواقف الارتجالية. ومما لا شك فيه أن غياب العقلانية السياسية أدى وقد يؤدي أيضاً إلى تفاقم هذه المشكلة وقد تكون النتيجة في النهاية واحدة وهي أنه لا بد من إيجاد حلّ جذري لهذه المسألة طال المدى أم قصر.

مبررات الاتجاه الرافض لحقوق (البدون):

ليس من المفارقة أبداً أن يفكر شعب في المحافظة على امتيازات اقتصادية واجتماعية ألفها واعتاد عليها، والخوف من فقد الامتيازات الاقتصادية والاجتماعية لمجتمع ما تقرّه القوانين والنواميس الطبيعية للأمم والشعوب. ويجد أصحاب هذا التوجه الرافض لدمج (البدون) حججاً ومبررات عدة تشكل عماد أيديولوجية رافضة لحقوق (البدون) في المواطنة والجنسية. وهنا يجب أن نأخذ في الاعتبار أن أنصار هذا التوجه يعتقدون أن (البدون) فئات تطفلت على الدول في الخليج العربي وهي ليست من نسيجه الاجتماعي وليست لها حقوق المواطنة في الأصل، حيث تهيمن الرؤية التي تقول إن (البدون) قوم دخلوا البلاد بصورة غير شرعية وأخفوا هوياتهم وجوازاتهم وتنكروا لجنسياتهم الأصلية طمعاً في امتيازات العيش في دول الخليج ومقاسمة الخليجيين حقهم الطبيعي في العيش الحرّ على أرضهم والتمتع بخيراتها وإنجازاتها الحضارية. ومن الطبيعي لمن يؤمن بهذه الرؤية التي تغفل أو تتغافل عن أن شريحة كبيرة جداً من (البدون) هم من أهل البلد ومن أبناء جلدتهم ومن القبائل التي سكنت هذه الدول منذ بدء التكوين، ونكرر أنه من الطبيعي لمن يؤمن بهذه الرؤية الأيديولوجية المناهضة أن يرفض حقوق (البدون) جميعهم من دون استثناء، وأن يرفض أيضاً قبولهم على مبدأ المواطنة، وأن يسوق الحجج والذرائع والمبررات التي تنذر بخطرهم السياسي والاجتماعي.

ووفقاً لهذه الأيديولوجيا والتصورات المناوئة يسوق أصحاب هذه الرؤية نسقاً من المبررات والحجج والمخاطر التي قد تنجم عن منح (البدون) حق التجنيس:

1- يرى أصحاب هذا التصور أن تجنيس (البدون) ومنحهم حقوقهم المدنية مسألة سيادية للدولة، وبالتالي فإن هذه المسألة يجب أن تكون خارج دائرة التداول السياسي، ولا يحق فيه لأي جهة أو طرف خارجي أو داخلي التدخل في هذا الأمر على حدّ الإطلاق.

2- يشكل منح (البدون) حقوقهم المدنية خطراً كبيراً على الأمن الوطني لدول الخليج، وذلك ينبع من خصوصية هذه الشريحة وانتماءاتها الوطنية السابقة، لأن هذه الفئة متشبعة بانتماءات وولاءات لغير هذه الدول، وهذا الأمر يعد في غاية الخطورة على مسألة الولاء للدولة والوطن، وقد يؤدي منح هذه الفئة العريضة الجنسية إلى تهديد حقيقي للأمن والهوية في دول الخليج المعنية.

3- يشكل الجانب الاقتصادي والمالي لمسألة منح (البدون) حقوقهم المدنية والقانونية إحدى أهم جبهات الممانعة في منح حقوق المواطنة لهذه الفئة، لأن منح الجنسية لهذه الفئة يكبد ميزانية الدولة تكاليف باهظة في تعليمهم وإسكانهم والاستفادة من الامتيازات التي تقدمها الدولة لمواطنيها الكويتيين. فالكويتي الجديد سيحظى بقرض إسكاني قدره 70 ألف دينار (210 آلاف دولار) ويمنح علاوة 50 ديناراً عن كل مولود، ويسمح له بالتمتع براتب تقاعدي 650 ديناراً على أقل تقدير، ويمنح 4 آلاف دينار للمتزوج، فضلاً عن التمتع بالقروض البنكية الخاصة. وهذه التكلفة ستكون كبيرة جداً بالمقياس الاقتصادي والمالي.

4- الدولة تريد أن تحافظ على المستويين الاقتصادي والاجتماعي للمواطنين الذي بدأوا يواجهون مشكلات اقتصادية من نوع جديد تتعلق بالعمل وفرص التعليم والعناية الصحية، وهذا يعني أن تجنيس (البدون) سيولد مشكلات اقتصادية ومالية كبيرة جداً بكل المقاييس والمعايير.

أنصار التجنيس والتوطين

يرى أنصار التجنيس أن تجنيس (البدون) ومنحهم حقوقهم السياسية والمدنية يشكل اليوم ضرورة تاريخية تمليها القوانين الدولية ومنطق العصر والوثائق الحقوقية، كما تفرضها الضرورة الاقتصادية والاجتماعية للحياة والأمن والتقدم في المجتمع الذي ينتسبون إليه. فشريحة (البدون) وثيقة الصلة بالحياة الاقتصادية والسياسية وهم يشكلون شريحة أصيلة في المجتمع ونسيجها الفكري والثقافي والاجتماعي لا يختلف أبداً عن نسيج المجتمع الأصلي. كما أن إبقاء هذه الفئة على حالها سيولد كوارث أمنية واجتماعية كبيرة في المجتمع وقد لا يستطيع المجتمع في المستقبل احتواء النتائج الكارثية الناجمة عن أوضاع هذه الفئة ما لم يسارع إلى إيجاد حلّ جذري ينتهي بتجنيس أبناء هذه الفئة ودمجهم في الحياة السياسية والاقتصادية للمجتمع الكويتي.

ولا يقف أصحاب هذه الرؤية عند حدود التنبيه من المخاطر التي يمكن أن تولدها عملية رفض (البدون) وإقصائهم، بل ينبهون إلى جوانب إيجابية كثيرة في عملية تمكين هذه الفئة من حق المواطنة الكاملة. وينطلق أصحاب هذا الاتجاه في توجههم نحو قبول (البدون) ومنحهم حقّ المواطنة من أرضية فكرية تتمحور حول النقاط التالية:

* يمكن لعملية التوطين والتجنيس أن تقطع وتائر التدخل الخارجي في شؤون البلاد ولاسيما بعض الدول التي تجد في هذه القضية ذريعة للتدخل المباشر في الشؤون الداخلية للدولة. كما يمكن قطع دابر تدخل المنظمات الحقوقية التي لا تنفك عن نقد دول الخليج المعنية والإساءة إلى سمعتها في مختلف المحافل الدولية مطالبة بمنح (البدون) حقوقهم السياسية والاجتماعية وصولاً إلى منحهم حق الجنسية كاملاً. فعملية التجنيس قد تكون سبقاً وطنياً لأن هناك من يتنبأ بعملية تدويل هذه القضية، حيث يمكن لـ (البدون) الحصول على الجنسية بقرارات دولية، وسيكون لهذا الأمر لو حدث، لا سمح الله، تأثير كبير في المستقبل على الحياة السياسية والاجتماعية للدولة، حيث سيكون قسم كبير من ولاء هذه الشريحة للقانون الدولي على حساب إيمانهم وولائهم لقانون البلاد.

* يساعد تجنيس (البدون) على معالجة الخلل السكاني الناجم عن الحضور المكثف للعمالة الوافدة، فالبدون يمثلون شريحة متجانسة مع المجتمع الكويتي فكرياً وعقائدياً ولغوياً على خلاف الحال عندما يتعلق الأمر بالعمالة الوافدة، ويمكن لهذه الفئة أن تكون بديلاً حيوياً عن العمالة الوافدة، حيث يمكن أن تجنب المجتمع مخاطر العمالة الوافدة وتهديداتها الأمنية.

* تجنيس (البدون) ومنحهم حق المواطنة يعززان الأمن الوطني لأن ذلك سيخفف بالضرورة من ارتفاع معدلات الجريمة والانحراف الناتجة عن الحاجة والفقر والكبت والإحباط.

* ستمكن عملية التجنيس والتوطين من إيجاد الحلول لكثير من المشكلات الناجمة عن التفكك الأسري والجريمة وزواج المرأة الكويتية من أحد أبناء هذه الفئة، وعدد كبير من الحالات الناجمة عن وجود هذه الفئة لنصف قرن من الزمن.

* ستؤدي عملية التجنيس إلى تأكيد الأمن الوطني وتأصيل مفهوم المواطنة، حيث ستقطع الطريق على شعور أبناء هذه الفئة بالانتماءات الخارجية الناتجة عن الشعور بالظلم والتمييز الداخلي، وسيجعل أبناء هذه الفئة في حصانة أخلاقية وأيديولوجية ضد كل أشكال الانتماءات المتطرفة والمعادية للدولة والوطن.

* ستؤدي عملية التجنيس إلى تنمية المجتمع ودفع الحياة التنموية الاقتصادية والمالية في الكويت، لأن (البدون) لا يعرفون غير الكويت وطناً لهم، وبالتالي فإن حركتهم المالية ستدور في الداخل وغير خاضعة لتحويلات الخارج كما هو الحال في أوضاع العمالة الوافدة الذين يحولون كامل مدخراتهم إلى الخارج، حيث يتم حرمان البلاد من عائدات مالية هائلة كان يفترض بها أن تبقى في حدود الحياة الاقتصادية داخل الدولة لا خارجها.

* ومما لا شك فيه أن منح حقوق المواطنة سيكرس قيم الولاء للوطن، وسيدفع أبناء هذه الفئة إلى التضحية بكل ما يملكون فداء لوطنهم الكويت، وسيقدمون كل ما يقدرون عليه في سبيل إعلاء كلمة الوطن ورايته.

وفي هذا السياق يرى فارس الوقيان أن عملية وضع آلية لحل أزمة (البدون) ينبغي أن تتوافر فيها عوامل إيجابية جوهرية عدة منها:

أ- توفر إرادة سياسية في الكويت بأهمية إنهاء الملف بصورة إنسانية وقانونية.

ب- توفر موقف شعبي عام مدرك لمعاناة تلك الشريحة التي تعيش ضمن النسيج الاجتماعي.

ج- دور فاعل لمؤسسات المجتمع المدني بما ينسجم مع المعاهدات والتوجهات الدولية الإنسانية.

د- إجراءات حازمة ضد أولئك الذين عبثوا بملفات (البدون) وأدخلوها في دائرة الفساد وردّ الاعتبار لتلك الشريحة التي دفعت ثمن فاتورة التعاطي السيئ مع ملف القضية طيلة سنوات طويلة وبشكل خاص أولئك الذين تعرضوا لإجراءات تعسفية في وظائفهم لإجبارهم على اللجوء إلى وكالات الجوازات والجنسيات المزورة والرخيصة في إفريقيا وأمريكا الجنوبية.

هـ- التعاطي مع ملف (البدون) من منظور وطني إنساني تنموي متصالح مع العالم الحر الحديث، وليس من منظور وطني نخبوي ضيق يحكمه التمييز.

خلاصة تفاؤلية

تأخذ قضية (البدون) صورة قضية مشاكلة ترتسم فيها تضاعيف التعقيد والتشاكل بصورة ينقطع نظيرها بين القضايا الاجتماعية والسياسية المعاصرة في الخليج العربي. وتبرز هذه الوضعية الإشكالية في تعريف (البدون)، حيث تتقاطع التعاريف وتتضارب التصورات، كما تبرز في التعقيدات الإحصائية بما تنطوي عليه من مفارقات وتناقضات، وتبرز هذه الطبيعة الإشكالية أيضاً في الصراع الأيديولوجي الذي يحتدم في مختلف المجالس والساحات، وبالملابسات التي تتعلق بالحقوق الإنسانية والأمن الوطني والوضع المأساوي لهذه الفئة في مختلف المستويات الاجتماعية والحياتية.

ومهما يكن عمق هذه الإشكالية وحدّتها فإن أهل الحلّ والربط في الخليج العربي يعدون بإيجاد الحلول المناسبة لأبناء هذه الفئة وأوضاعهم الإنسانية. فكل المؤشرات السياسية الداخلية تدل على اقتراب المعالجة الموضوعية لهذه المسألة.

إن قضية (البدون) اختمرت اليوم في دائرة التداول والنظر، وتشبعت بالرؤى والتحليل والبحث، وعلى الدول الخليجية المعنية أن تجد الحلّ والحل ليس بعيد المنال، فهو يكون بأمرين اثنين ثالثهما مزيج من الأول والثاني، يتمثل أحدهما في إعطاء الجنسية لهؤلاء (البدون) وفق المعايير الدولية، فإن لم يكن، وهذا أمر تقدره الدولة، يجب على الدولة منح هذه الفئة مزيداً من الحقوق الإنسانية والاجتماعية، وقد يكون الحلّ بين أمرين أي بإعطاء الجنسية لمن يستحق ويبرهن على أصوله، ومن ثم إعطاء الحقوق الإنسانية كاملة لمن فرض عليه الدهر أن ينتسب إلى هذا الوطن، ويعيش في أحضان هذه الأرض الكريمة.

مجلة آراء حول الخليج