array(1) { [0]=> object(stdClass)#12963 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

التركيبة السكانية الخليجية.. بين الإشكاليات والحلول

الثلاثاء، 01 آذار/مارس 2011

رغم ما تشهده دول مجلس التعاون الخليجي من نمو مستمر وعمران واضح ورفاهية ملحوظة إلا أنها تواجه تحدياً حقيقياً يرتبط بهويتها ومستقبلها، وهو الخلل الهيكلي الملموس في التركيبة السكانية لدول المجلس.

يقصد بالتركيبة السكانية خصائص السكان وتوزيع عددهم الإجمالي على تلك الخصائص. ويمكن تقسيم تركيبة السكان حسب النوع الاجتماعي (نسبة الذكور إلى الإناث) أو حسب المستوى التعليمي (نسب ومستويات التعليم والتأهيل لدى السكان) أو حسب النشاط الاقتصادي (نسب السكان العاملين في القطاعات المختلفة من زراعة وصناعة وتجارة وخدمات ونحوها) أو حسب المهن (أي نسب توزيع السكان على المهن المختلفة) أو حسب الجنسية (أي نسب المواطنين والوافدين أو غير المواطنين).. إلخ.

 اتجهت دول مجلس التعاون مع الطفرات النفطية نحو الإعمار والتنمية بصورة تفوق النمو السكاني

وما يهمنا هنا هو التقسيم الأخير فمن خلال بيانات مجلس التعاون الخليجي عن عام 2008 نجد أن عدد المواطنين الخليجيين يتضاءل أمام أعداد الوافدين وهو ما يوضحه الجدول التالي:

فمن خلال الجدول السابق تأتي دولة الإمارات في مقدمة الدول الخليجية ذات الخلل في التركيبة السكانية، حيث كانت نسبة غير المواطنين نسبة عالية جداً (81 في المائة)، تلتها الكويت بنسبة 60 في المائة، فالبحرين بنسبة 51 في المائة، ثم سلطنة عمان بنسبة 31 في المائة، والمملكة العربية السعودية بنسبة 27 في المائة، ولا توجد بيانات عن قطر وإن كانت تشير مصادر أخرى إلى بلوغ نسبة غير المواطنين نحو 84 في المائة.

وتظهر هذه البيانات مدى ضخامة تلك المشكلة التي ترتبط بالجيلين الحالي والمستقبلي في دول مجلس التعاون الخليجي خاصة أن الجزء الأعم الغالب من الوافدين ليسوا من العرب حيث إنهم في غالبهم من دول شرق آسيا.

أسباب الخلل في التركيبة السكانية

يرجع السبب الرئيسي لتلك المشكلة إلى عدم التوازن بين التنمية المادية والتنمية البشرية وهو ما عبّر عنه بصراحة واضحة قائد شرطة دبي، الفريق ضاحي خلفان تميم، حينما قال: أخشى أننا نبني العمارات ونفقد الإمارات.

فقد اتجهت دول مجلس التعاون الخليجي مع الطفرات النفطية نحو الإعمار والتنمية بصورة تفوق النمو السكاني، وكان من نتيجة ذلك أن أصبحت سياسات استقدام العمالة –كماً لا نوعاً- من دون خطط مدروسة للسكان عملية ممنهجة، وساعد على ذلك نظام الكفالة الذي أصبح عبئاً على سوق العمل الخليجي، حيث جعل من بعض المواطنين يستخدمون هذا النظام لاستقدام عمالة من دون أي مجهود أو شراكة فعلية من جانبهم. كما ساهم في تضخيم المشكلة أيضاً اتجاه بعض الدول إلى التوسع العقاري والسماح للأجانب بالتملك العقاري ومنح إقامات مفتوحة لهم، فضلاً عن سياسة التعليم التي لا ترتبط باحتياجات سوق العمل، وتغط الطرف عن اللغة العربية كلغة تدريسية خاصة في الجامعات في الوقت الذي رسخت وجود اللغة الإنجليزية حتى النخاع، بالإضافة إلى تباهي السياسة التعليمية، فضلاً عن سوق العمل بذلك. وقد بتنا نرى بطالة المتعلمين حيث تراوحت نسبة البطالة وفقاً لبيانات مجلس التعاون الخليجي ما بين 0.3 في المائة في قطر و9.8 في المائة في السعودية، وإن كانت أسباب تلك البطالة ترجع في مجملها إلى تفضيل المواطن الخليجي للوظائف الحكومية ومنافسة المرأة للرجل في هذا الميدان، والسعي للحصول على دخل في أقرب وقت حتى لو حساب التسرب من التعليم، فضلاً عن وجود حواجز نفسية بين بعض الشباب الخليجيين وبعض الوظائف التي لا تروق لهم.

مخاطر الخلل في التركيبة السكانية

الخلل في التركيبة السكانية لا يمكن تجاهل مخاطره في المستقبل القريب والبعيد على المجتمع الخليجي، فهو وسيلة من وسائل ضياع الهوية واللغة العربية التي هي لغة أهل الجنة حتى صارت أرض العرب تتكلم (هندي) بعد أن كانت تتكلم (عربي)، كما أنها تهدد أطفالنا وشبابنا في ثقافتهم وعقيدتهم، فضلاً عن التهديد الأمني والحيلولة دون الاستقرار المنشود، حيث تستلزم الزيادة في أعداد العمالة الوافدة زيادة نفقات الأمن الداخلي للحفاظ على استقرار البلاد، فضلاً عن أن استمرار تدفق هجرة العمالة الآسيوية وانتشار البطالة بينهم مما قد يؤدي إلى زيادة معدلات الجريمة والانحراف وارتكاب جرائم الاعتداء على النفس والعرض والسرقة والنصب والاحتيال والمخدرات وغيرها. وكذلك التهديد الاقتصادي من خلال اللعب بمقدرات البلاد الاقتصادية واستنزاف الاقتصاد الوطني بتحويلات تلك العمالة الدورية وغير الدورية. وكل ذلك ينصب في نهاية المطاف على المقدرة السياسية للدول الخليجية، حيث تتصاعد المخاوف من تشكيل العمالة الوافدة مجتمعات خاصة بهم قائمة بذاتها، ومنفصلة عن المجتمع الأصلي، فضلاً عن المخاوف من نشرهم أفكارهم وأيديولوجياتهم وقيامهم بتنظيم أنفسهم في جمعيات سرية أو معلنة للدفاع عن حقوقهم والمطالبة بمساواتهم بالمواطنين. وإذا كنا نجد شعوباً تثور في تونس ومصر وهم من أهل البلاد فكيف إذا ثار الوافدون في دول الخليج وهم أكثر عدداً؟ ناهيك عن القوانين الدولية التي قد تسلط على بلادنا مستقبلاً من خلال مساندتها لمطالبة هذه العمالة الوافدة بحقوق مدنية وسياسية نتيجة لبقائهم في بعض الدول لفترات زمنية طويلة كالحق في السكن والصحة والتعليم والحق في العمل السياسي والدخول في المجتمع المدني والدخول في الانتخابات ونحو ذلك. وليس ببعيد عنا تجربة سنغافورة التي كان سكانها الأصليون من الملاويين، لكن تدفق العمالة الصينية بكثافة أحدث انقلاباً في التركيبة السكانية بالجزيرة، حيث حول الملاويون إلى أقلية أصبحت مع مضي الوقت تحتل المرتبة الثانية سياسياً واقتصادياً وثقافياً، في حين غدا الصينيون هم حكام الجزيرة وأهل القرار فيها.

 الخلل في التركيبة السكانية لا يمكن تجاهل مخاطره مستقبلاً على المجتمع الخليجي

الخروج من المأزق

إن الخروج من المأزق الراهن للخلل في التركيبة السكانية في الدول الخليجية يتطلب حلولاً عملية لا نظرية من خلال ربط العمالة الوافدة بمعدلات التنمية المتوازنة مع النمو السكاني، وتحديد مدة محددة لا يتعداها الوافد غير العربي داخل البلاد، والحفاظ على اللغة العربية وما يرتبط بها من قيم، فتكون الأولوية للعمالة العربية ثم للعمالة التي تتحدث العربية من الجنسيات الأخرى، مع إلغاء نظام الكفالة والاستعاضة عنه بضوابط تنظم عمل الوافدين وفقاً للاحتياجات الحقيقية لسوق العمل، مع أهمية توعية الشباب الخليجي بالاعتماد على الذات، وعدم التكبر على بعض المهن، وأن من لا يملك لقمة عيشه لا يملك حريته ولا كلمته، وليس هناك قدوة أفضل من رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي عمل برعي الغنم.

كما تبدو أهمية التركيز في السياسة التعليمية على التعليم النوعي لا الكمي والاهتمام بالجودة والمضمون لا بالشكل والديكور، وربط التعليم بالاحتياجات الحقيقية لسوق العمل مع التركيز على اللغة العربية كلغة تدريسية إلى جانب اللغات الأجنبية. وكذلك الاهتمام بإحلال العمالة الوطنية محل العمالة الوافدة من خلال التدريب التحويلي بتوفير برامج تدريب قصيرة بهدف التشغيل في قطاعات محددة يزيد الطلب عليها، وكذلك دعم التشغيل بمساعدة أصحاب العمل لفترة محدودة لتشغيل فئات من القوى العاملة ذات سمات محدودة (مهنية / نوع / إعاقة... إلخ) ودعم التشغيل الذاتي وتنمية المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر، وكذلك دعم مكاتب التشغيل (مكاتب العمل) بحيث تتجاوز دورها التقليدي إلى أدوار جديدة تتعلق بتحليل سوق العمل والتوفيق بين طالبي العمل وعارضيه ومؤسسات التدريب لزيادة القابلية للتشغيل. فليس من المنطق أن يكون جل الاهتمام نحو تحسين العرض الكلي بالتركيز على المواطن من حيث التعليم والتدريب لمواكبة سوق العمل، من دون الاهتمام بجانب الطلب وما يتطلبه من تغيير المفاهيم نحو العمالة الوطنية. كما تبدو أهمية توفير المعلومات بصورة مستمرة أمام كافة عناصر العملية الإنتاجية ومؤسسات القرار وبما يسمح بالتدخل لعلاج الاختلالات في الوقت المناسب.

مقالات لنفس الكاتب