array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

أزمة اليمن الحالية: الجذور.. التطورات.. الاحتمالات

الخميس، 01 تشرين1/أكتوير 2009

تتصف الأزمة اليمنية الحالية بتعدد مكوناتها، حيث تشمل وبالتزامن جوانب سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية يكرس بعضها بعضاً وتهدد في مجموعها الدولة اليمنية الضعيفة بطبيعتها بالانهيار. ففي أقصى شمال البلاد يخوض الجيش منذ عام 2004 حروباً متقطعة مع ما يعرف بالتمرد الحوثي الذي يزداد تعقيداً مع كل جولة جديدة من جولات الحرب. وفي المحافظات الجنوبية والشرقية، والتي تمثل أكثر من ثلثي مساحة البلاد، تواجه الحكومة نزعة انفصالية متنامية تريد العودة باليمن إلى عهد التشطير.

تزدحم سواحل البلاد الجنوبية والشرقية، والتي تمثل الرئة التي تتنفس منها البلاد، بالقراصنة والأساطيل الدولية التي تكافحها مع ما يحمله ذلك من تأثيرات سلبية في الأنشطة التجارية والاقتصادية وفي أمن البلاد. وأثبتت القاعدة قدرة فائقة على الاستفادة من الاختلالات والأزمات السائدة والعمل على التمدد والانتشار واستهداف أكثر الأماكن تحصيناً وحماية كالسفارة الأمريكية بصنعاء. ويشكل الوضع الاقتصادي الصعب لليمن وضعف التنمية وتدهور الأوضاع المعيشية بيئة مناسبة لنمو حركات التمرد والاحتجاج ونزعات الانفصال والحركات المتشددة بكافة أشكالها.

جذور الأزمة

يمكن التمييز في الحديث عن جذور الأزمة الشاملة التي يعيشها اليمن اليوم بين الجذور البعيدة التي تمثل تركة التطور السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي خلال العديد من القرون، وبين الجذور القريبة التي تكمن في طبيعة الدولة اليمنية القائمة والطريقة التي تشكلت بها هذه الدولة منذ قيامها في 22 مايو 1990، وعلى نحو خاص في الطريقة التي تم بها مركزة السلطة وبسط النفوذ وإدارة الصراع الاجتماعي، وفي السياسات المختلفة التي تم تبنيها لتحقيق التنمية بأبعادها المختلفة. فالأزمة اليمنية هي في عمقها أزمة دولة ومؤسسات وقيادة وسياسات. فالدولة اليمنية تتصف، شأنها في ذلك شأن معظم دول العالم الثالث وإن تجاوزت غيرها في الدرجة، بالهشاشة، وضعف المؤسسية، وشخصنة السلطة، والمركزية الشديدة، وغياب الديمقراطية الحقيقية، وضعف التنمية، وانتشار الفساد. وتمتاز الجمهورية اليمنية عن الكثير من دول العالم الثالث في أنها تمثل من جهة نتاجاًَ لتوحيد عشوائي لدولتين كان لكل منهما نظامه الاقتصادي وتوجهه الإيديولوجي المختلف، وهي من جهة ثانية حصيلة لثورتين الأولى أطاحت بالحكم الإمامي في الشمال، والثانية أخرجت المستعمر البريطاني من الجنوب لكن الثورتين، مع وجود بعض الفوارق، نمتا التطلعات ولم تفيا بالوعود.

 واعتمدت الجمهورية اليمنية منذ قيامها، كما كان عليه الحال في الدولتين الشطريتين، على اقتصاد ريعي توزيعي لعب ويلعب دوراً مهماً في شراء الولاءات، وتكوين التحالفات الداعمة للسلطة، والاحتفاظ بالاستقرار النسبي. وقد شهد ذلك الاقتصاد الريعي طفرة كبيرة مع تزايد عائدات اليمن من النفط خلال النصف الثاني من العقد الماضي ثم بدرجة أكبر خلال النصف الأول من العقد الحالي. لكن السياسات الحكومية، ربما بسبب تنامي الفساد وطغيان اعتبارات البقاء في السلطة على غيرها من الأولويات والضرورات، أخفقت في تطوير قطاعات البنية الأساسية والبيئة الاستثمارية، وبالتالي في تحقيق النمو الاقتصادي. وفي الوقت الذي شهد فيه اليمن تنامي عائداتها النفطية فإن الملاحظ أنه، وبسبب سياسات الإصلاح الاقتصادي التي ركزت على سحب الدعم عن المواد الأساسية والبرامج الاجتماعية ولم تنجح في إيجاد النمو الاقتصادي وزيادة معدلات التوظف، بدأت دائرة الفقر في الاتساع بين السكان، وانقسم المجتمع بشكل حاد وبسرعة إلى أقلية صغيرة مترفة وأغلبية معدمة. وتفاقمت مشكلات اليمن الاقتصادية مع النضوب التدريجي لاحتياطي النفط، ومؤخراً مع انهيار أسعار النفط في الأسواق الدولية. ومع أن الحكومة اليمنية تراهن على صادرات الغاز التي يتوقع أن تبدأ مع نهاية العام الجاري، إلا أن التقديرات تشير إلى أن تلك العائدات هي أقل بكثير من أن تغطي العجز الناتج عن تراجع العائدات النفطية.

أما على الصعيد السياسي، فقد قامت الوحدة اليمنية، لحظة إعلانها، على قاعدة (الوحدة تجب ما قبلها). وتبنت النخب الشمالية والجنوبية الحاكمة دستوراً تضمن الكثير من المبادىء الديمقراطية التي هدفت إلى مأسسة الصراع على السلطة وإدارته بطريقة سلمية. وتطلع اليمنيون مع قيام الوحدة ووعود النخب الحاكمة بالديمقراطية إلى تجاوز الأنماط الماضوية في الصراع على السلطة والتي ارتكزت من جهة على محاولة كل فئة اجتماعية معينة قبلية أو عرقية أو مناطقية الهيمنة على السلطة والثروة وإخضاع الفئات الأخرى بالقوة، ومن جهة ثانية على محاولة الفئات الأخرى القادرة إما الخروج على الفئة المسيطرة ومحاولة الحلول محلها، أو الاستقلال عن السلطة المركزية وتأسيس كيانات خاصة بها ومحاولة التوسع بعد ذلك في أراضي الكيانات الأخرى المجاورة لها. لكن المشكلة هي أن النماذج النظرية التي تم تبنيها في الدستور والقوانين المختلفة ظلت منفصلة عن الواقع ومتقدمة على وعي النخب الشمالية والجنوبية التي ظل سلوكها محكوماً بمنطق المصالح الشخصية والحزبية والفئوية والجهوية وبثقافة وسلوك لا تتفقان مع الديمقراطية والشراكة الوطنية ومتطلبات الاستقرار السياسي والتنمية.

مقالات لنفس الكاتب