array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

إيـران وآسيــا الوسطــى بين مواجهة الهيمنة والتكامل الإقليمي

الثلاثاء، 01 تشرين2/نوفمبر 2005

تحتل إيران موقعاً استراتيجياً مهماً على الخريطة الجغرافية والسياسية سواء على المستوى الإقليمي أو العالمي، وإيران التي تمتد مساحتها على أكثر من مليون ونصف المليون كيلومتر مربع هي بلد مترامي الأطراف تقع بين بحرين استراتيجيين يمثلان محور التنافس الاستراتيجي العالمي وساحته المتفجرة في المستقبل، الأول هو بحر قزوين في الشمال، والثاني هو الخليج العربي وبحر العرب في الجنوب. وتتماس حدوده مع دول الجوار الإقليمي وهي العراق، وباكستان، وأفغانستان، وتركمانستان، وأذربيجان وأرمينيا، وتركيا.

والدولة الإيرانية غنية بمواردها الطبيعية وفي مقدمتها النفط الذي يجعل من إيران الدولة الثانية في الصادرات بعد السعودية، والموارد الزراعية المتنوعة وأيضاً المعدنية الكبيرة.

وإيران ذات التاريخ العميق الجذور إلى آلاف السنين قبل الميلاد تتجسد ملامحه التي تعنينا في العام 559/ق.م حيث قامت الإمبراطورية الفارسية على يد (قورش)، تلك الإمبراطورية الواسعة القوية التي امتدت إلى العراق والشام ومصر وآسيا الوسطى وحتى شرق أوروبا، حتى إن بعض المؤرخين يرون أن أوصاف (ذي القرنين) التي وردت في القرآن الكريم إنما تنطبق على (قورش) وليس على (الإسكندر). يذكر أن الإمبراطورية الفارسية استمرت قائمة أكثر من عشرة قرون حتى أصبحت جزءاً من الدولة الإسلامية مع الفتح الإسلامي لها بعد معركة (القادسية) الشهيرة بقيادة (سعد بن أبي وقاص) عام 632م، غير أن تاريخ إيران الحديث وحدودها الحالية إنما تبدأ من تأسيس الدولة الصفوية المستقلة في إيران عام 1501م وجاء (القارجاريون) إلى الحكم بعد الصفويين، ثم حكمت أسرة آل بهلوي التي مثلت فيها إيران آخر صورة إمبراطورية توسعية والتي تغيرت بعد سقوط العرش الشاهنشاهي لمحمد رضا بهلوي آخر الأباطرة على يد ثورة الشعب الإسلامية في إيران بقيادة الإمام الراحل آية الله الخميني مؤسس الجمهورية الإسلامية في إيران.

وكانت هذه الجمهورية الجديدة منذ قيامها عام 1979 تمثل انقلاباً تاريخياً واستراتيجياً في الموازين الإقليمية والدولية، ومنذ اللحظة الأولى حددت أعداءها وأصدقاءها، واتجهت إلى سياسة خارجية تقوم على تصدير النموذج الثوري الإسلامي الإيراني لدور الجوار العربي والمحيط الإسلامي، قبل أن تعيد رسم سياستها على أساس الواقعية السياسية والمصالح المتبادلة. كما تقوم على مواجهة محاولات الهيمنة الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية على المنطقة العربية والإسلامية، وتضع إسرائيل العدو الأول لها باعتبارها أن القضية الفلسطينية هي قضية المسلمين الأولى، وأن إسرائيل هي الوجه العدواني والقاعدة الإقليمية للهيمنة الأمريكية.

 وقد قابلت أمريكا والغرب هذه السياسة بمحاولة عزل إيران أو احتوائها ونجحت نسبياً في ذلك بإدخالها في حرب إقليمية مع العراق استمرت ثماني سنوات، وها هي تحاول حالياً وضعها في مواجهة مع المجتمع الدولي عن طريق التشكيك بنواياها السلمية فيما يخص البرنامج النووي الإيراني.

 كما تتحرك مخابراتها بميزانية ضخمة في الداخل الإيراني لمحاولة زعزعة الأوضاع في الداخل عن طريق تأجيج المواجهات الفئوية والقومية والمذهبية بين المحافظين والإصلاحيين والليبراليين.

ثم تطورت السياسة الأمريكية الداعمة لإسرائيل والمستلهمة لمصالحها في المنطقة بإدخال إيران بعد اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر، فيما سمته (محور الشر) الذي وضعت به واشنطن مع إيران العراق وكوريا الشمالية.

وبعد غزوها لأفغانستان في وسط آسيا تسعى أمريكا وإسرائيل في محاولات متوالية ومتعددة الجبهات إعلامياً وسياسياً واقتصادياً وعسكرياً لممارسة ضغوط كبيرة على إيران، تضاعفت بعد احتلالها غير الشرعي للعراق إحدى أضلاع (مثلث الشر)، على حد الزعم الأمريكي، وتتركز ساحة المواجهة الإيرانية - الأمريكية - الإسرائيلية حالياً على جبهتين: المسألة النووية.. ومحاولة اتهام إيران بمحاولة امتلاك سلاح نووي ونقل الملف إلى مجلس الأمن بهدف فرض عقوبات دولية عليها، والساحة الأخرى هي منطقتا الخليج العربي وآسيا الوسطى.

 ففي الخليج، تسعى الجهود الأمريكية – الإسرائيلية - الأطلسية لعزل إيران عن دول الخليج العربية بهدف تطويقها وحصارها وتغيير نظامها السياسي، عن طريق إثارة الحساسيات الحدودية والمذهبية وتسخين مشكلة احتلال إيران للجزر الإماراتية التي تمت في عهد الشاه، وغضت أمريكا الطرف عنها في ذلك الوقت، لكنها تستغلها الآن لإثارة نزاع ساخن يوفر لها ذريعة التدخل العسكري السافر.

أما منطقة آسيا الوسطى التي تمثل باباً مفتوحاً على الخليج العربي بصفة خاصة، ومنطقة الشرق الأوسط بصفة عامة، مما يجعلها عمقاً للمنطقتين وامتداداً لهما، الأمر الذي يدخلها ضمن المخطط الأمريكي في إطار خطط الهيمنة على المنطقة العربية والإسلامية تحت اسم مشروع (الشرق الأوسط الكبير) الساعي بتنسيق مع إسرائيل إلى إعادة ترتيب أوضاع الشرق الأوسط وآسيا الوسطى لتصبح منطقة واحدة ليست تحت المظلة الطبيعية الإسلامية ولكن تحت الهيمنة الأمريكية ذات الذراع الإسرائيلي.

وتتيح منطقة آسيا الوسطى في الواقع لإيران بحكم حقائق الجغرافية وجذور التاريخ مجالاً حيوياً لكسر طوق الحصار الأمريكي الساعي لعرقلة الدور الإيراني الذي يسعى لتفعيل الروابط الثقافية والتاريخية مع دول وسط آسيا.
وقد شكل استقلال هذه الدول الإسلامية عن الاتحاد السوفييتي وتقارب معظمها مع الولايات المتحدة ومسارعة إسرائيل للتغلغل فيها اقتصادياً وأمنياً وسياسياً خصوصاً بعد الغزو الأمريكي لأفغانستان التي تسيطر على (طريق الحرير)، شكل ذلك عوامل استقطاب بل صراعاً حاداً بين إيران من جهة وأمريكا وإسرائيل من جهة أخرى مما جعل من آسيا الوسطى ساحة كبرى للتنافس والمواجهة.

ولا تزال إيران بروابطها الثقافية والجغرافية والتاريخية تمثل لأمريكا عقبة تحاول إزالتها أمام طموحاتها في الهيمنة على دول آسيا الوسطى وخصوصاً مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي ترى فيه أمريكا أن آسيا الوسطى ومنطقة الخليج العربي والشرق الأوسط هما الإطار للمشروع الأمريكي والمجال الحيوي لإسرائيل.

ومع الأزمات السياسية والعسكرية التي تواجهها أمريكا في العراق ومع زيادة أعبائها في أفغانستان وسط معارضة عربية وإقليمية لغزوها للبلدين وتحفظات دولية على استمرار احتلالها للبلدين المسلمين، وتحول أمريكا الآن إلى البحث عن أطر وآليات جديدة للخروج من مأزقها الحالي بغطاء لحفظ ماء الوجه، ومع طلب أوزبكستان لأمريكا بإخلاء قاعدتها العسكرية منها وبدء تنفيذ ذلك فعلاً يتزايد الدور الإيراني كرقم صعب في المعادلات الإقليمية سواء في الخليج العربي أو في وسط آسيا أو الشرق الأوسط، خصوصاً مع تولي الرئيس محمود أحمدي نجاد الحكم بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة وسيطرة المحافظين على السياسة الخارجية الإيرانية.

ويرى (بيسان عدوان) في موقع (البنية الإلكتروني) أن إيران استفادت من الورطة الأمريكية في المنطقة بعكس توقعات أمريكا أنها الهدف التالي بعد العراق، وأن طهران جنت بذكاء ثمار غباء السياسة الأمريكية، التي تصرفت كالدبة فأخرجت باحتلالها للعراق الدولة العراقية كلها، وليس النظام العراقي فحسب من المعادلات الإقليمية في المنطقة الخليجية لصالح إيران، وفى منطقة الشرق الأوسط لصالح إسرائيل، كما يقول المحلل السياسي الأمريكي (كينث بولاك) في مجلة (فورين أفيرز):

(لقد جنت إيران مجموعة من الثمار السياسية التي حمتها من الوقوع في فخ الحسابات الأمريكية وساعد ذلك إيران على قطع شوط إيجابي في علاقاتها الخارجية قصدت به حماية نفسها بشبكة جيدة من العلاقات الإقليمية بينما لا تملك واشنطن في مواجهة طهران سوى حكاية (الملف النووي) والتهديد بنقله إلى مجلس الأمن، وفي الوقت الذي تحاول فيه حرمان إيران من حقها الطبيعي الوارد في معاهدة حظر الانتشار النووي بامتلاك برنامج نووي للأغراض السلمية، وتحاول تخويف العرب ودول الجوار وإيهامهم بخطر ذلك البرنامج النووي السلمي الإيراني، متجاهلة بل متعامية عن الخطر الحقيقي والتهديد القائم بالفعل والمتمثل في إسرائيل وامتلاكها لأسلحة الدمار الشامل وعلى رأسها السلاح النووي وهو الذي يهدد فعلاً الدول العربية والإسلامية وليس البرنامج النووي الإيراني.

وسعياً من إيران لتقوية شبكة علاقاتها الدولية والإقليمية في مواجهة المحاولات الأمريكية والإسرائيلية لحصار إيران كثفت طهران من تحركاتها في آسيا الوسطى التي أضحت ضمن أولويات الاستراتيجية الأمريكية وبالتالي الإسرائيلية. كما أن لدول آسيا الوسطى وزناً استراتيجياً لإيران ولغيرها حيث لدى هذه الدول مخزون ضخم من اليورانيوم خاصة في كازاخستان، بما يجعل لهذه الدول تأثيرها في الساحة الدولية النووية. كما تتمتع أوزبكستان والدول الأخرى بأهمية تكنولوجية عالية ناتجة عن عضويتها السابقة في الاتحاد السوفييتي، وكان مطارها الشهير (يابكونور) هو مركز إطلاق سفن الفضاء السوفييتية وتجارب إطلاق الصواريخ الاستراتيجية.

وأصبحت دول آسيا الوسطى بعد استقلالها عن الاتحاد السوفييتي منطقة جاذبة للتنافس الدولي الشديد للحصول على النسبة الكبرى من موارد الطاقة من نفط وغاز، وإيران بالنسبة لهذه الدول هي المجال المفتوح لها للتجارة وطرق المرور خصوصاً مع اتجاه إيران للتحرك شمالاً بدرجة أكبر من الاتجاه الحالي جنوباً. إذ إن لها قبولاً ثقافياً من حيث اللغة في ( طاجيكستان)، وقبولاً قومياً في (أذربيجان)، ونظراً لضخامة مصالحها في الإقليم أيدت إيران انضمام هذه الدول إلى منظمة التعاون الإقتصادي (إيكو) التي تضم إلى جانب إيران كلا من تركيا وأفغانستان وباكستان كإطار للتعاون الاقتصادي بين الدول الأعضاء، كما ضمت الدول المطلة على (بحر قزوين) في منظمة تحمل هذا الاسم بهدف التعاون والتنسيق بين إيران ودول آسيا الوسطى المطلة على هذا البحر ذي الأهمية الاستراتيجية البالغة لثروته النفطية الاحتياطية الهائلة التي تثير لعاب الجميع.
وقد مرت العلاقات الإيرانية مع دول آسيا الوسطى بعدة مراحل:
 الأولى: التركيز على الأبعاد الثقافية والدينية بهدف مساعدة هذه الدول على العودة إلى جذورها الإسلامية .. لكن هذا المسعى في بعض الأحيان أخافت به أمريكا وإسرائيل بعض هذه الدول عن طريق محاولة ربط الإسلام بالحركات الأصولية والإرهاب.

الثانية: تعامل السياسة الخارجية مع هذه الدول بإدراك أن حماسها للتوجه إلى الإسلام ليس كبيراً بسبب المخاوف الذاتية من الدور الإيراني والتحفظات الروسية من قيام دول إسلامية راديكالية فى وسط آسيا.

الثالثة: زيادة توثيق العلاقات مع روسيا، والتعامل مع دول آسيا الوسطى بواقعية والسعي لتطوير التعاون الاقتصادي وتقوية شبكة المصالح المتبادلة.

وفي هذا الإطار أقامت إيران خط سكة حديد لربط وسط آسيا بشبكة الطرق الإيرانية وبميناء (بندر عباس) على الخليج ومنحت تسهيلات مرور وترانزيت لتجارة هذه الدول. كما استثمرت إيران موقعها الجغرافي في نقل النفط القزويني عبر خطوط أنابيب منافسة لتركيا في عقود الإنشاء، واستفادت إيران لكونها أقصر الطرق لنقل نفط بحر قزوين عبر أراضيها، وتقوم بذلك بالفعل لنقل نفط تركمانستان وكازاخستان إلى شمال إيران للاستهلاك المحلي، بينما تقوم بتصدير كمية مماثلة من موانئها الجنوبية لصالح هذه الدول، وجار بحث عقد اتفاق مماثل مع أذربيجان.

 وتقف طاجيكستان ذات اللغة الفارسية في مقدمة الدول ذات العلاقة الأوثق مع إيران تليها تركمانستان التي تم التقاء رئيسيهما نحو 15 مرة وتم التوقيع بينهما على أكثر من مائة اتفاق، وتأتي أوزبكستان في الدرجة الثالثة.

مجلة آراء حول الخليج