array(1) { [0]=> object(stdClass)#13440 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 183

إيران قد تهاجم الخليج عندما يشتد الصراع الداخلي فتصرف الدكتاتوريات خارج المنطق

الإثنين، 27 شباط/فبراير 2023

خلفية المشهد: أعرض ما أمكن جمعه من معلومات هي الأقرب إلى الحقائق تمهيدًا لجلاء الصورة للمشهد الإيراني المتحول سريعًا في سبع مؤشرات عامة تشي عن مقدمات لثورة الحجاب في سبتمبر 2022م، والتي هي لا زالت قائمة، وإن بأشكال مختلفة، تلك المؤشرات ترسم الطريق إلى ما يحدث في إيران:

أولًا : السيد إبراهيم رئيسي هو رئيس الجمهورية الثامن في سلسلة الرؤساء الإيرانيين منذ قيام الجمهورية الإيرانية، وقد خاض أولئك الرؤساء اثنتا عشرة دورة انتخابية ( معظمهم حصل على دورتين)، وتراوحت أرقام السيد رئيسي التي حصل عليها في الدورة الأخيرة 2021م،  بين تقليل و تعظيم، وانشغل البعض بالنسبة المحققة له ومن قبله كمؤشر لرضا أو عدم رضا الجمهور الإيراني، إلا أن بالعودة إلى كل الأرقام الرسمية  لما حصل عليه الرؤساء الثمانية نلحظ إشارة مهمة، وهي أن ما يعرف بالرئيس الإصلاحي يحصل على أرقام عالية ( فوق السبعين في المائة) وهم فقط اثنان، خاتمني و روحاني، أما الباقي فإن الأرقام الرسمية هي إما النصف أو ما دون النصف،  أما رئيسي  آخر الرؤساء  فهو الأدنى من الجميع، ذلك يعطي مؤشرًا  للمزاج العام للناخب الإيراني، والذي يتفاءل بظهور مرشح يقال عنه أنه (إصلاحي) ربما تمنيًا لإصلاحات حقيقية تحدث من داخل النظام  ثم يصاب بخيبة أمل عندما يرشح رجل محافظ ، إلا أن هذا المؤشر يشير إلى أن هناك قطاع واسع من الإيرانيين وخاصة الشباب و النساء لم يعد لديهم ثقة في ( النهج كاملاً) فالقاعدة التي يستند عليها النظام تضمر أكثر و أكثر.  

ثانيًا : اختيار رئيسي و هو الخاضع للعقوبات الدولية (كشخص ) كان يعني من طرف آخر خضوعه المطلق للدولة العميقة الإيرانية ( المرشد و الحرس الثوري ) دون هامش متاح له للمناورة  كما كان لبعض من سبقه، و في تمديد فترة الانتخابات المتاحة مرتين ( في الانتخابات الرئاسية الأخيرة) والتي بلغت في مجموعها أكثر من اثنتا عشرة ساعة، مؤشر على تباطئ الانصياع  من الجمهور العام للذهاب إلى صناديق الانتخاب، و قد سارعت ما يسمى في إيران (غرفة تجميع الأصوات) إلى حشد الجمهور في الساعات الأخيرة للذهاب إلى مكاتب الاقتراع ، أما المفاجأة أن نسبة الأصوات التي أبطلت نفسها عمدًا كان حجمها  أكبر من أي انتخابات سابقة ، فقد بلغت 13% رسميًا  أي أن  مجموع عدد الأصوات المبطلة هي  في المرتبة الثانية بعد أصوات رئيسي وأعلى مما حصل عليه بقية المرشحين  المنافسين له !

وتفسير ذلك أن (هندسة الانتخابات الرسمية) قد تكون قادرة على الحشد، ولكنها لا تستطيع أن تجبر المواطن على أن يضع ورقة صحيحة في الصندوق، فبجانب المقاطعة كان هناك استعصاء له دلائله السياسية التي لا تخفي أن هناك (مقاومة) للنظام الذي لم تعد له أوراق مقبولة، والتي ظهرت نتائجها بداية من سبتمبر 2022م، فيما يعرف بثورة (الحجاب).

ثالثًا: عين الكثير من المراقبين على محادثات فيينا حول النووي الإيراني، الوصول إلى اتفاق في نهاية الأمر هو (حاجة إيرانية) كما هو (حاجة أمريكية) والمماحكات الجارية هي على نسبة الكعكة التي سوف يحصل عليها أي من الطرفين تنازلًا من الطرف الآخر. في نهاية الأمر سوف يسمي النظام الإيراني أي اتفاق على أنه (انتصار) والمفاوض هو الدولة العميقة الإيرانية، ليس الإصلاحي كما يعتقد البعض، فحتى اختفاء (الوجه التجميلي) الإصلاحي لن يغير من السياسات المتبعة شيء كثير، إلا أن التعنت وهو صفة لصيقة بالنظام الإيراني قد أوصلت المحادثات إلى طريق مسدود، وتحاول إيران من خلال أطراف أخرى أن تحييه (فوضت رئيس الحكومة العراقية بأن يتوسط) إلا أنها في مكان راغبة وفي مكان رافضة.

رابعًا: على الرغم من (الوجه الصلب) الذي يبديه النظام أمام العالم، والقول إن العقوبات لا تشكل الكثير من الهواجس له، إلا أنه في الحقيقة يعرف مدى عمق تأثيرها في القطاع الاقتصادي والاجتماعي والضرر البالغ والواقع على معظم الجسم الإيراني الشعبي، وحرمانه من دعم أكبر لأذرعته الخارجية، مما زاد نسبة الفقر والبطالة وتفاقم المشكلات الحياتية والتي تُسمع سلبًا باتجاه مزيد من (الدولة البوليسية) و (القمع المفرط) والتضييق على الحريات. وعلى الرغم من الحملة الانتخابية القصيرة بين المرشحين المنتقين، إلا أن أكثر الموضوعات تطرقًا في تلك الحملة هي القضاء على الفساد في الوقت الذي يشترط الدستور الإيراني أن يكون الرئيس (متدينًا وسياسيًا) ويعني أن كل الرؤساء كانوا كذلك، إلا أن الفساد زاد وانتشر! والأخير له علاقة عضوية ليس بنوايا الأشخاص، ولكن بالأنظمة الشمولية التي تقمع، تحت سقف الوطنية أو غيرها من الشعارات، أي أصوات معارضة أو حتى ناقدة، كما تمنع في نفس الوقت قيام مؤسسات مستقلة قادرة على المراقبة والمحاسبة.  فاجتثاث الفساد يحتاج أن يكون النظام أكثر شفافية مع وجود مؤسسات مستقلة وحريات في القول والتجمع والتنظيم، وذلك شبه المستحيل أن يتحقق في بنية النظام القائم، لذا من المحتمل بقاء نسبة الفساد بل زيادتها مع تحكم عسكر ميليشياوي ذو خلفية قروية ومتحالف مع بعض رجال الدين.

خامسًا: كان من المتوقع مع رفع بعض العقوبات وعودة تصدير النفط الإيراني جزئيًا والتجارة مع العالم، تمكين النظام الإيراني من الحصول على سيولة نقدية، يستخدمها لتغذية أذرعته في المنطقة، وهي أذرعة أوصلت مجتمعاتها إلى الخواء و تفكك الدولة وإفلاسها، و إشاعة الترهيب، الهدف هنا هو بقاء نفوذ إيراني يحقق شيء من الفخر ( القومي/ المذهبي) ولكنه لا يبني دولًا، وفي الوقت نفسه تستمر نسب الفقر والبطالة، إلا أن ذلك لم يحصل، مع شح في تمويل الأذرع اعتمد النظام على تهرب المال من العراق، وحتى هذا الطريق بدأ يضيق، فسمعنا الشكوى من شخص مثل حسن نصر الله يستجدي المساعدة و يوافق على اتفاق الحدود البحرية مع إسرائيل أي الاعتراف بها. 

سادسًا: أمام هذه الاحتمالات فإن أحد السيناريوهات المتوقعة هو تسخين من نوع ما في الجوار (وخاصة دول الخليج) وتطوير إمكانيات الأذرع النشطة أو الخاملة ما أمكن لإشاعة الاضطراب على شاكلة إن أمكن ما يحدث في العراق أو النموذج اللبناني أو حتى السوري والخيار أمام ذلك هو الذهاب إلى تنسيق خليجي أوثق لاتقاء السيناريو الأسوأ، مع تضامن عربي من الراغبين وتعاون دولي فعال.

سابعًا: من الصعب التكهن أمام ضيق فرص الآمال لدى الشعوب الإيرانية بردات فعلها، ولكن من المعقول التسليم أن النظام الإيراني بخطواته الأخيرة (إخفاء الوجه التجميلي) ناتج عن شعوره بالمأزق وتوجه إلى حرمان كثيرين من أهل البيت بالمشاركة في الانتخابات الرئاسية  الأخيرة، بذلك ينخفض رصيده الشعبي، و يؤكد تحالف العسكري والديني في قمة السلطة، الاحتمال أن يستكين الداخل الإيراني إلى مصيره الكارثي، أو يتحول تدريجيًا إلى مقاومة يشترك فيها كل الخاسرون المتزايدون من صيرورة النظام، العقبة هو عدم تبلور قيادة وازنة في الداخل ،وقد تتكون ممن كانوا مع النظام وتم تهميشهم.

                                                          أزمة الهوية:

على الرغم مما يبدو على السطح من أحداث في إيران، إلا أن البحث في العمق يؤكد أن النظام الإيراني القائم يدخل في (أزمة هوية عميقة) فمشروع (أم القرى) الذي بشر به عدد من القياديين الإيرانيين ووضعوا الخطط لتنفيذه، في الجوار يواجه ليس صعوبات فقط ومقاومة ولكن استنزاف، ذلك المشروع يشير إلى أن إيران في ظل ولاية الفقيه (الحكم الإلهي) تملك مشروعًا متكاملًا لقيادة المنطقة، وخاصة الجوار العربي إلى مكان أفضل في رأيها.

إلا أن ذلك المكان الأفضل لم يتبلور، بل أصبح في الواقع المكان (الأسوأ)، سواء في زيادة الفقر والبطالة وانتشار الفساد، ليس في إيران فقط ولكن في كل بقعة لإيران نفوذا فيها من العراق إلى لبنان إلى اليمن إلى سوريا.

أزمة الهوية وصفها المفكر الإيراني على شريعتي مبكرًا، حيث صرف جهدًا بحثيًا للتفريق بين التشيع العلوي والتشيع الصفوي، والأخير هو (صيغة) إيرانية ابتكرها النظام الصفوي للمفارقة مع التشيع العربي، والتي كان ولا يزال يسمي إسلامهم لإيران في أدبيات الأنظمة الإيرانية بـ (الغزو العربي). الأزمة التي تتكون في الهوية الإيرانية هي أزمة بين العربية لغة الإسلام، وبين إسلام يعتمد اللغة العربية و (العرب) الذين (حطموا الإمبراطورية الفارسية) هنا تكمن عقدة الهوية القائمة في إيران.

هذه العقدة لها تجليات مختلفة، فافتراق إيران منذ العهد الصفوي عما كانت عليه إلى التشيع الصفوي هو محاولة تأكيد (الهوية الإيرانية)، وهي هوية في مأزق، فلم تستطع العودة إلى ما قبل الإسلام، وبالتالي الانفكاك من آثار (الغزو) العربي، ولا هي قادرة على التعايش بين العربية لغة الدين وبين الحضارة الإيرانية التاريخية بين جيرانها العرب، واختفت تلك العقدة تحت الكثير من الشعارات منها (نصرة المستضعفين) ومنها (محاربة أمريكا وإسرائيل) وكلها شعارات.

العودة المبطنة إلى الامبراطورية الفارسية هي ما يشكل اليوم المسكوت عنه في مشروع أم القرى، أي نفوذ تحت خليط ملون من التشيع والقومية، الأمر الذي جعل من الدولة الإيرانية بعد التخلص من الشاه تقوم باستنزاف أموالها وطاقتها ودبلوماسيتها وكل قواها لتحقيق ذلك المشروع المتخيل والذي بدأت معالم فشله تظهر حتى في الداخل الإيراني.

مع مرور الوقت شعرت الشعوب الإيرانية أن (ليلها) سوف يطول، من هنا انفجرت الاحتجاجات الأخيرة والتي أصبح لها أشهر، تظهر وتختفي وهذه الاحتجاجات قدمت حتى الآن مئات الضحايا سواء من قتل في الشوارع أثناء الاحتجاجات، أو من علق على المشانق، وأغلب الآخرين تم تعذيبهم حتى وصل ببعضهم الوضع أن (اعترفوا بما لم يفعلوا) فقط من أجل التعجيل بانتقالهم إلى العالم الآخر بعدًا عن التعذيب اليومي الذي كانوا يلاقونه، وهذا طبيعة لصيقة بالحكم الشمولي الأيديولوجي.

من الواضح أن ( أزمة الهوية) و صلت إلى نهاية المطاف بعد صبر طويل من الشعوب الإيرانية ومن انتظار إصلاحات لم يقم بها النظام، وتتكاثر اليوم القوى المناهضة للنظام والذي لا يبدو أن لديه أي قدرة على مواجهة ذلك الزخم الشعبي إلا من خلال آلة القمع  من جهة و تصدير  المشكلات إلى الخارج إثارة للنعرة القومية من جهة أخرى، وهنا يذكرنا التاريخ بأحد مفارقاته، فقد كان القمع أحد أهم أدوات الشاه محمد رضا بهلوي في مواجهة مطالب التغيير، وقد كان لجهاز السافاك اسمًا مروعًا لدى الإيرانيين و قت ذاك، إلا أن كل ( القبضة الصلبة) لم تأت اؤكلها، بل على العكس كانت دافعًا للمقاومة والاحتجاج  الداخلي، أما تصدير المشكلات إلى الخارج فهي تمتد من ( شرطي الخليج)  في الماضي أيام الشاه، إلى الاحتجاج الرسمي على دورة الخليج في البصرة في يناير 2023م، وهو احتجاج يحمل كل معاني محاولة التغطية على المشكلات الداخلية، كما يبرز ( أزمة الهوية)  .

اليوم يعود التاريخ ليكتب ما كتب في السابق مع زيادة في التطور التقني وطرق المقاومة، حيث أعلن عدد من أسر المقدورين في الشوارع أو على منصات الإعدام أنهم لن يتقبلوا العزاء في أبنائهم كما قالوا ليس الآن ولكن في (يوم التحرير)!

يجري اليوم قتل المحتجين في شوارع المدن الإيرانية وتعليق بعضهم على المشانق تحت تفسير فكرة تراثية (المفسدون في الأرض) وهو تعبير مطاط يستخدم من أجل تعميق سلطة كهنوتية مفارقة للعصر، وتعتقد انها تتكلم باسم الخالق وتتحكم في رقاب ملايين من البشر ضاقوا ذرعًا بهذا النوع من التفسير التراثي المغيب لحرية الإنسان ومصالحه.

في الغالب فإن مشروع أم القرى هو آخر المشاريع الذي قامت على فكرة (الإسلام الحركي) والذي فشل سواء كان بقاؤه في الحكم طويلًا كمثل السودان أو قصير كمثل مصر وما بينهما، فقط النظام الإيراني هو الأطول زمنًا في البقاء، حيث خلط بين الشهوة القومية والطموح الطائفي وكانت خلطة ناجحة إلى حين.

بدأ الحديث العلني بين قوى إيرانية أن فكرة (ولاية الفقيه) هي فكرة طارئة على التفكير الشيعي، وقد كانت موائمة لحشد ملايين البشر في ذلك الوقت للإطاحة بنظام الشاه، إلا أن الزمن أثبت أن الإطاحة بدكتاتور من البشر لا يعني الإتيان بآخر يدعي أنه يتمتع بسلطة إلهية، وبالتالي يجب أن يطاع.

تاريخ الشعوب الإيرانية يقاوم انخراط الفقهاء في السياسة، هم فقط احتياط للتغير ولكن لا يتوجب أن يقودوا التغيير ويتحكموا في السلطة العامة.

لقد كان منظر الإطاحة بعمامة المعممين في شوارع المدن الإيرانية دليل على سأم الشارع الإيراني من هذه الطبقة والتي تبين مع التجربة الطويلة أنها غير منزهة عن الفساد واستغلال النفوذ.

يختلط تياران معارضان في إيران اليوم، الأول المدرسة المفارقة لولاية الفقيه والتي هي محافظة ولكن غير مقتنعة بشكل وأعمال الحكم القائم، وأخرى ليبرالية تنادي بشكل آخر مختلف من الحكم الحديث، ومشاهد الاحتجاجات التي تفجرت في إيران سوف تستمر بأشكال مختلفة، ولن يزيدها القمع أو محاولة مغازلة المشاعر القومية إلا إصرارًا على مشروعها التغييري.

قامت الثورة الإيرانية عام 1979م، على تحالف واسع أبرزه رجال الدين ورجال البازار والطبقة المثقفة ذات التعليم الغربي، من الواضح أن ذلك التحالف قد ضعف مع الوقت وهو الآن تفكك، وبقي العسكر الجدد القادمون في الغالب من الأرياف مع بعض رجال الدين، فأصبحت القاعدة الحاضنة للحكم ضعيفة، ومع زيادة الفقر والبطالة وتفشي الفساد، لم تعد تلك القاعدة قادرة على حمل الحكم أكثر من توقها للتغيير.

 

                                         التحسب للاحتمالات

  حتى تكون الأمور واضحة، فإن الاعتداء الإيراني على ناقلة نفط في بحر العرب هو خبر يتكرر بين فترة وأخرى وهو أحد الأخبار التي تتالت، ومن بينها أن إيران صنعت صاروخًا فرط صوتي وأطلقته ولن يكون مستغربًا أن يعلن قريبًا عن المنتظر سلاح نووي !!

الولايات المتحدة أعلنت أنها والحلفاء في المنطقة بصدد تسيير زوارق لمواجهة هجوم الطائرات المسيرة الإيرانية في الخليج. بجانب ذلك يجري الحشد البحري حول مضيق هرمز، كما تزداد جرعة المناكفة مع الغرب تنظر إيران إلى دول الخليج وتشجع جماعات تابعة لها لإشاعة الاضطراب، هل كل ما نلحظ هو فقط تنمر واستفزاز، أم هو مقدمة لحرب؟

قد يرى البعض أن الحرب مستبعدة، إلا أن قراءة متعمقة لسلوك الأنظمة القمعية المأزومة تفيد بأنها في حالة الضيق الداخلي الطويل، والذي لا تجد له مخرجًا، تحاول تصدير ذلك الضيق إلى الجوار بإشعال (صراع ما) أو حتى حرب، تحت نظرية، أن الاشتباك مع الخارج يعيد التضامن الداخلي، ويقضي على أسباب الاحتجاجات الداخلية المتفجرة.

امام الشعوب الإيرانية، فتنظر للنموذج الذي يتطور اجتماعيًا واقتصاديًا في الدول القريبة من إيران، وأعني بها دول الخليج العربي، عندها يبدو للإيرانيين، كيف تتطور هذه المجتمعات في مجالات حضارية وعلمية واقتصادية واسعة، هذا النوع من المقارنة يؤثر في الوعي لدى شرائح إيرانية، وتجري المقارنة بين الإنجاز والرفاه في دول الخليج، وعدم الإنجاز والافتقار في إيران، ذلك يغضب النظام، ويضع اللوم على (مؤامرة من الخارج) ويفتح شهية التنمر وربما الاعتداء.

في الأزمة التي أخذ النظام الإيراني نفسه إليها، اضطراره إلى التعاون مع الشرق، في الوقت الذي يرى الكثير من الإيرانيين أن النموذج الغربي هو الأقرب لمزاجهم التاريخي والذي تحدر من مسيرة طويلة منذ ثورة المشروعية في مطلع القرن العشرين، حتى ثورة محمد مصدق في وسط القرن الماضي، وكثيرون يرون اليوم أن (الحكم الديني) المباشر هو استثناء في مسيرة الشعوب الإيرانية ولا بد من الرجوع إلى حكم مدني حديث.

 هذا المأزق قد يجري التنفيس عنه بحرب مع الجوار، وهذه الحرب قد تأخذ أشكالًا مختلفة ودرجات ساخنة أو باردة، منها على سبيل المثال إغراق المنطقة بالمخدرات لتغييب أكبر شريحة من الناس، ولقد تم أكثر من مرة مصادرة كميات ضخمة من أنواع المخدرات والتي مصدرها إيران أو جماعات تأتمر بأمرها قادمة إلى الخليج، من المعقول أن نفترض أن جزءًا من تلك المحاولات لا يكتشف ويجد طريقه إلى السوق من خلال عصابات مستعدة لفعل ذلك. اليوم لدينا إحصائيات شبه مؤكدة أن العراق يئن شبابه تحت تلك الآفة، وما على المتابع إلا أن يكتب (المخدرات في العراق) على الشبكة الدولية حتى يفاجأ بالنسب الكبيرة، معظمها (مهرب رسميًا) من شبكات تعمل على الحدود الشرقية.

لا داعي للتذكير بتاريخ الكبتاجون القادم من خلال الحدود الأردنية والمتجه إلى دول الخليج، تك شبكات منظمة وراءها أجهزة تمولها بالمواد السامة، وتحميها أيضًا بالسلاح، والهدف هو (تخدير المجتمعات) القريبة وجرها بعد ذلك إلى التهلكة، تلك واحدة من الحروب ولكن ليس كلها.

فالمعروف والمثبت أن هناك تهريب للأسلحة، ومنها أسلحة فتاكة لعملاء النظام الإيراني في اليمن، وإرسال من يقوم بحشو عقول اليمنيين الشباب تحت سيطرة الحوثي بأفكار تنفي الوطن والمواطنة من أجل تثبيت الفكر الخرافي، وتأليب بعض الشرائح الاجتماعية اليمنية على غيرها في الوطن الواحد، والهدف هو جعل اليمن منصة للقفز منه على دول الجوار وإشاعة الفوضى فيها تمكينًا للاستيلاء على ثرواتها.

الحروب الأخرى هي إشاعة الاضطراب والعبث بالسلم الاجتماعي في عدد من مجتمعات الخليج تحت شعارات مختلفة، قد يبدو بعضها براقًا للبعض وخاصة من شريحة (الفقراء في الفهم السياسي)، وهدفها خلخلة تلك المجتمعات وتعميق الارتياب السياسي في الأنظمة القائمة، الذي يؤدي إلى الاغتراب والسلبية وضعف الثقة بالمؤسسات ويؤثر في درجة إذعان المواطنين وامتثالهم للقوانين السائدة والتمرد عليها.  طبعًا بجانب الحرب الساخنة في شمال العراق. إنها جهود لصرف النظر عما تقوم به الشعوب الإيرانية من اعتصامات.

التحوط إذًا هو العمل العقلاني الذي يتوجب التنبيه إليه، وهو أفضل كثيرًا من الثقة الساذجة، والتي خبرناها في بعض محطات الصراع في الخليج، آخرها كان عام 1990م، عند ما احتل العراق الكويت في عمل قابل الثقة بالخيانة.

فهل تقوم إيران عندما يشتد الصراع الداخلي بعمل مباشر ومعلن ضد جيرانها في الخليج؟ الجواب العقلاني ذلك محتمل، تفعله الآن مستترة، وقد تفعله علانية عما قريب، سواء في مضيق هرمز أو الاعتداء على المنشآت الحيوية على طول الساحل الغربي للخليج، أو تحريك مجموعات داخلية في وقت ما لإضعاف الجبهة الداخلية. كل ذلك ممكن فالدكتاتوريات تتصرف خارج المنطق عند ما يصل الأمر إلى سلطتها، فالسلطة كما السم قاتلة.

مقالات لنفس الكاتب