array(1) { [0]=> object(stdClass)#13440 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 196

مظلة الأمن الجماعي والربط العضوي للتصدي للتهديدات المحتملة والقائمة في الخليج

الأحد، 31 آذار/مارس 2024

يعتبر تحقيق الأمن والاستقرار الهدف الأسمى الذي تسعى لتحقيقه جميع دول العالم، وذلك في ظل التحديات الجمة التي تفرضها طبيعة السياسة الدولية، حيث تتحكم اعتبارات المصلحة والقوة بسياسات الدول بشكل رئيسي، في ظل الفوضوية التي تصبغ النظام الدولي، كما يؤكد على ذلك أساتذة العلاقات الدولية. أي في مثل هذه الحالة يصبح تحقيق الأمن هو الهدف الأسمى الذي تسعى إليه جميع الدول، لكن الثابت في الأمر أن قدرة الدول على تحقيق ذلك تتفاوت بناء على ما تملكه من موارد القوة، كما تختلف مصادر التهديد من دولة إلى أخرى، ومن منطقة إلى أخرى.

        تعتبر منطقة الخليج أحد أكثر مناطق العالم في عدم الاستقرارا في العقود الماضية. فالبرغم من المصالح المتبادلة والتاريخ المشترك بين الدول المطلة على الخليج إلا أنها لا تزال تبحث عن إيجاد نظام للأمن الإقليمي، فهذه المنطقة بمعناها الواسع عانت من غياب آلية فاعلة للتعايش السلمي بين دولها في غالب الوقت. وشهدت أكثر الحروب دمويةً بعد الحرب العالمية الثانية، وأكثرها تكلفة مادية أيضاً، وأصبح الهاجس الأمني هو المسيطر على صناع القرار، في ظل تباين الأولويات واختلاف السياسات وتقاطع الملفات. وأوجد هذا الوضع الأمني فرصة للتدخل الأجنبي في شؤونها بشكل أكبر مما كان عليه الأمر في بداية عقود الاستقلال أو نشأة الدول. ومع أن المتغير الأجنبي ساهم في أحيان كثيرة في تعزيز الاستقرار الإقليمي، إلا أنه أيضاً ينظر له من البعض بقدر من الريبة والشك، فيما لا يمكن إنكار أن القوى الدولية تبحث أيضاً عن مصالحها في المنطقة وخارجها. في مثل هذه الوضعية أصبح الأمن في منطقة الخليج يعاني لردح من الزمن مما يصدق تسميته بـ "المعضلة الأمنية" Security Dilemma بحيث أصبح الشك والريبة وغياب إجراءات بناء الثقة السمة الغالبة على سلوك الدول الإقليمية الكبرى في المنطقة.

        وحيث أن عدم الاستقرار أو التوتر في العلاقات الإقليمية يؤثر سلباً على عملية التنمية في المجتمعات ذات الصلة، فقد كان لزاماً البحث في مسببات عدم الاستقرار الإقليمي أو كيفية معالجة ذلك، كي تستطيع دول المنطقة التركيز على مشاريعها التنموية وتحقيق الازدهار والرفاه الاقتصادي لشعوبها. وأن المسؤولية الرئيسية تقع على عاتق دول المنطقة لإيجاد حلول لبعض القضايا العالقة التي تعيق مزيدًا من التعاون السياسي والاقتصادي، مع أهمية التعاون مع المجتمع الدولي لهذا الغرض نظرًا للارتباط الوثيق بين الأمن الخليجي والأمن الدولي.

مضمون رؤية دول الخليج العربية للأمن الإقليمي

يبدو أنه من هذا المنطلق أتت رؤية دول الخليج العربية للأمن الإقليمي التي اعتمدها المجلس الوزاري الخليجي في الدورة (158) في ديسمبر 2023م، والتي استندت إلى المبادئ العامة التي قام عليها مجلس التعاون وتم التعبير عنها من خلال نظامه الأساسي وكذلك من خلال المواثيق والاتفاقيات ذات الصلة. والتي يغلفها منظور شمولي يأخذ في الاعتبار أن مصير دول الخليج مشترك وأن أمنها كل لا يتجزأ. وإذا كانت هذه هي المبادئ الرئيسية التي ارتكزت إليها الرؤية الأمنية الخليجية، فإنها هدفت إلى تعزيز أمن واستقرار المنطقة وتحقيق التنمية والازدهار لشعوبها، وأن أمن الخليج هو جزء من الأمن الدولي ولا يمكن فصله عن أهمية تعزيز السلم والأمن الدوليين، بل أن تعزيز الأمن في منطقة الخليج يؤثر ويتأثر بالأمن الدولي.

أما من ناحية الآليات التي تسعى من خلالها الرؤية الأمنية إلى تحقيق أهدافها فقد ركزت على: (أ) ضرورة حل الخلافات عبر التفاوض والحوار، وتضافر الجهود لتجنيب المنطقة تداعيات الحروب، وما يترتب عليها من آثار مدمرة لمستقبل المنطقة واستنزاف لمواردها وإعاقة لخططها التنموية؛ (ب) تكثيف جهود المحافظة على  منظومة عدم انتشار أسلحة الدمار الشامل؛ (ت) تعزيز جهود مكافحة الإرهاب والتطرف بجميع أشكاله ومظاهره، وتجفيف منابعه ومحاصرة تمويله؛ (ث) دعم جهود مبادرة السلام العربية والجهود الدولية لإيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية؛ (ج) تطوير القدرات الذاتية وتعميق الشراكات        للحفاظ على الأمن البحري وأمن الممرات المائية؛ (د) وأخيراً إيجاد الحلول الفاعلة للتعامل مع تحديات التغير المناخي، وتنفيذ نهج الاقتصاد الدائري للكربون.

مهددات الأمن الإقليمي

        إن أولى الخطوات في التعامل مع الظاهرة الأمنية يتمحور حول تحديد مصادر التهديد وكيفة التعامل معها. وكذلك معرفة الأهداف أو القيم التي هي عرضة للتهديد، مثل مكونات الدول أو مقدراتها الوطنية أو نسيجها الاجتماعي أو استقرارها السياسي ..الخ. ولا يقل أهمية عن ذلك تحديد مستويات التهديدات والمخاطر الأمنية، فمنها ما يستهدف المكونات الوطنية أو الاستقرار الإقليمي أو يكون له بعد دولي كما في أمن الممرات البحرية على سبيل المثال، وإن كانت هذه المتغيرات والعوامل على تداخل كبير ولا يمكن الفصل بينها بسهولة في كثير من الأحيان، وخاصة على صعيد صنع السياسات الأمنية للدول.

        وفي هذا السياق يمكن ملاحظة المنظور الشمولي الذي ارتكزت عليه الرؤية الأمنية الخليجية، سواءً فيما يتعلق بأهدافها أو آليات تحقيق ذلك، وعلى ارتباط وثيق بذلك كله مصادر التهديد التي لا تبدو خافية على المراقب وصانع القرار، وتتجاوز الأمن الوطني إلى الإقليمي والدولي أيضاً، ولا تقتصر على قضايا الأمن التقليدية المتمثلة بالتهديد العسكري والسياسي لمقدرات الدول، بل أيضًا ركزت الرؤية على الجوانب غير التقليدية لمفهوم الأمن بشكل عام، كما في الإشارة إلى مسائل التغير المناخي وتنفيذ النهج الدائري للكربون. وكان التأكيد جلياً، من ناحية أخرى، على أهمية التعاون والتنسيق مع المجتمع الدولي لإيجاد حلول للقضايا والملفات التي تؤثر على الأمن والاستقرار في المنطقة، سواءً فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية أو عدم الانتشار النووي أو الأمن البحري من خلال خلق شراكات تدعم القدرات الذاتية لدول المنطقة في هذا الصدد.

الاستقرار الإقليمي وسياسات دول الجوار

        لقد كان التردي في العلاقات بين دول الخليج والعراق سابقاً، وكذلك إيران منذ الثورة عام 1979م، -بشكل أوضح -أحد المسببات الرئيسية للتوتر في المنطقة. وتظل العلاقات مع إيران في الوقت الراهن العامل الأهم في الحفاظ على الاستقرار في المنطقة من عدمه. ولا يخفى أن الخلافات الخليجية بشكل عام مع إيران ترتكز على عوامل التدخل في الشؤون الداخلية للدول الخليجية وتوظيف الاعتبارات المذهبية لهذا الغرض، وسياسة خلق المليشيات الطائفية في بعض الدول العربية وما لها من دور في تردي الأوضاع في هذه الدول، واستخدام إيران سياسة الوكلاء لتنفيذ أجندتها التوسعية في المنطقة والإمساك بأوراق للضغط واستخدامها للمساومة في علاقات إيران المتردية مع المجتمع الدولي، ومع دول المنطقة في فترة أو أخرى. هنا يمكن الإشارة إلى الملف اليمني والملف السوري وكذلك لبنان والعراق وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) وما لإيران من صلات معهما أثرت بشكل سلبي على إيجاد حلول لهذه الملفات من ناحية، وساهمت من ناحية أخرى في التأثير على القرار السياسي داخل هذه الدول أو التنظيمات المسلحة أوالمليشيات لغرض لا يخدم بالضرورة المصلحة الوطنية لدول المنطقة ولا يساهم في تعزيز الاستقرار الإقليمي.

        كما يتوجب الإشارة إلى مسائل عدم الانتشار النووي، وأهمية إخلاء المنطقة من السلاح النووي سواءً ما يتعلق بالقدرات النووية الإسرائيلية أو البرنامج النووي الإيراني الطموح وما يدور حوله من علامات استفهام. والموقفين الخليجي والعربي في هذا الشأن ثابت لجهة أهمية التقيد بنظام منع الانتشار النووي والعمل مع المجتمع الدولي من خلال المنابر المخصصة لهذا الغرض للتأكد من سلمية البرنامج النووي الإيراني وكذلك إخلاء منطقة الشرق الأوسط من السلاح النووي وأسلحة الدمار الشامل الأخرى. وأعتقد أن الجهود الخليجية تتضافر في هذا الشأن مع الجهود العربية وغير العربية من خلال مؤتمر المراجعة الدوري وكذلك من خلال مجلس المحافظين في الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتأكيد على الموقف الخليجي العربي الثابت في هذا الشأن. وإيران مطالبة في هذا الشأن بالتعاون من أجهزة الرقابة الدولية التابعة للوكالة الدولية للطاقة الذرية للتأكد من سلمية برنامجها النووي وكذلك الأمور المتعلقة بالضمانات النووية والسلامة النووية نظراً لقرب مفاعلاتها، وخاصة ً مفاعل بوشهر، من دول الخليج. وتجدر الإشارة هنا إلى أن التقارير الفصلية التي تصدرها الوكالة الدولية للطاقة الذرية حول البرنامج النووي الإيراني تضمنت عدم الرضا حول تعاون إيران في هذا الشأن، ناهيك عن زيادة إيران لنسب التخصيب من اليوارنيوم والماء الثقيل بعد انسحاب واشنطن عام 2018م من الاتفاق النووي الذي توصلت إليه القوى الدولية مع إيران في منتصف 2015م. ولعل من المهم أن يكون لدول الخليج دور ورأي في أية مناقشات مستقبلية تتم حول هذا الأمر في الإطار الدولي وألا يتم استثناؤها بحكم أهمية الموضوع وتداعياته بالنسبة لها.

        وإذا كان لا يزال هناك الكثير من الملفات التي تنتظر الحل على الصعيد الإقليمي، والتي لإيران دور فيها بشكل مباشر أو غير مباشر، فإن المصالحة التي تمت بين السعودية وإيران بوساطة صينية والاتفاق المبدئي الذي تم التوصل إليه بين الجانبين في مارس 2023م، وما تلي ذلك من انفراجة في العلاقات بين البلدين من المؤمل أن تساهم في حلحلة بعض الملفات العالقة وتساهم في تقليل حدة التوتر على الصعيد الإقليمي. مع ضرورة الإشارة إلى أن إيران ما فتئت في توظيف استراتيجية شراء الوقت والمناورة والتي تجيدها جيداً.

الأمن البحري في المنطقة

        لقد أصبح أمن الممرات البحرية جزءًا لا يتجزأ من الأمن الدولي. ويزداد هذا الإدراك أهمية كلما زادت الأهمية الاقتصادية والاستراتيجية للمنطقة. وتمتلك دول الخليج العربية أكثر من ثلث احتياطيات النفط المثبتة عالميًا، وتنتج أكثر من 20% من إنتاج النفط العالمي. وإذا ما أضيف إليها العراق وإيران فإنها تمتلك أكثر من 55% من احتياطيات النفط العالمية ونحو 40% من احتياطيات الغاز في العالم. وهذا بلا شك يعطي لها أهمية كبيرة من الناحية الاقتصادية في ظل أهمية الوقود الأحفوري لنمو الاقتصاد العالمي. يضاف إلى ذلك الممرات البحرية في الخليج والبحر الأحمر، والتي تعتبر شرياناً هاماً للتجارة الدولية، ما يعزز من الأهمية الجيوستراتيجة للمنطقة ويجعل أمنها بشكل عام جزءًا هامًا من منظومة الأمن الدولي.

        وكما في غياب نظام أمن إقليمي فاعل، يمكن القول إن أمن الممرات البحرية هو الآخر لم يكن أحسن حظاً بالرغم من محوريته لجميع الدول في المنطقة. فعلى سبيل المثال، شهدت السنوات الأخيرة من الحرب العراقية / الإيرانية حرب الناقلات الذي دفع بعض دول المنطقة لطلب النجدة من القوتين العظميين آنذاك ورفع أعلامها على الشاحنات النفطية. وكذلك في الفترات الأخيرة تعرضت بعض الناقلات في مياه الخليج أو مضيق عدن، وحالياً في البحر الأحمر لتهديد خطيرة أثر على سلامة ومسار الملاحة في هذه المنطقة الهامة من العالم. وقد رأينا مؤخرًا إعلان بعض الدول الأجنبية عن تشكيل قوة بحرية لحماية الملاحة في البحر الأحمر في ظل الهجمات التي تشنها الميليشيات الحوثية بدعم إيراني ضد سفن النقل الأجنبية بحجة ما يحدث من حرب في غزة. وقد أحجمت دول المنطقة تقريباً عن المشاركة في هذه القوة لاسيما في ظل عدم وجود غطاء شرعي أممي لها يحدد مهامها وأهدافها...الخ. بجانب التغاظي الدولي عن مسببات مثل هذه التحديات والمخاطر وعدم معالجتها. أي أهمية معالجة المسببات وليس فقط الأعراض. وفي هذا الإطار شددت الرؤية الأمنية الخليجية على ضرورة بناء القدرات الذاتية لدول المنطقة للقيام بدور فاعل في هذا الصدد، دون إغفال أهمية التعاون والتنسيق مع المجتمع الدولي للحفاظ على أمن الملاحة البحرية.

        وقد يكون من المهم أيضاً في هذا السياق تفعيل التنسيق بين القوى العربية المعنية للحفاظ على أمن الممرات البحرية، وخاصةً في البحر الأحمر في ظل التحديات التي تشهدها تلك المنطقة حالياً. هنا يمكن الإشارة إلى ضرورة تفعيل مجلس الدول العربية والإفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن (والذي يتكون من سبع دول عربية بالإضافة إلى أريتريا) من خلال عقد القمة الأولى التأسيسية لهذا التجمع الهام. وقد أشارت المادة (2) من ميثاق المجلس إلى أهداف المجلس والتي من بينها "توثيق التعاون الأمني بين دول المجلس للحد من المخاطر التي يتعرض لها البحر الأحمر وخليج عدن، بما يعزز أمن وسلامة الملاحة الدولية فيها. ومنع ما يهددها ويعرضها للخطر...".

السلام في الشرق الأوسط

        يظل الصراع العربي / الإسرائيلي من المسائل التي تهدد الاستقرار في المنطقة، ويظل إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية، وفقاً للمرجعيات الإقليمية والدولية المتعارف عليها، بما يفضي إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 4 يونيو 1967م، ووفقاً لمبدأ حل الدولتين محل إجماع من قبل الدول الخليجية والعربية والإسلامية، وكذلك غالبية المجتمع الدولي. ولا يخفى على الجميع انسداد آفاق الحل خلال السنوات الماضية وغياب فعالية الآليات الدولية المتعارف عليها، مثل الرباعية الدولية، وتوقف المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين منذ عقد من الزمن في ظل التعنت والصلف من قبل الحكومات اليمينية المتطرفة في إسرائيل وعدم إيمانها بالسلام والمفاوضات.

        ولا تزال الدول العربية تؤكد على أهمية مبادرة السلام العربية التي طرحتها المملكة واعتمدتها القمة العربية في بيروت عام 2002م، بالرغم من عدم القبول الإسرائيلي بها. كما أن عقد مؤتمر دولي للسلام أمر غاية في الأهمية، خاصةً في ظل إسقاطات الحرب في غزة وما نتج عنها من تداعيات بشرية ومادية، وكذلك سياسية، بجانب خطورة الوضع والضرر الذي يحدثه الجمود في عملية السلام. ويمكن الإشارة هنا إلى أن الرؤية الأمنية الخليجية لم تغفل أهمية القضية الفلسطينية وضرورة العمل مع المجتمع الدولي للدفع بآفاق الحل السلمي لها. وقد سعت الدول الخليجية بشكل مستمر إلى التأكيد على موقفها الثابت في هذا الشأن وسعت لإبرازه في كافة المحافل والمنابر والاجتماعات الإقليمية والدولية. كما في القمة الخليجية مع رابطة دول الآسيان التي عقدت بالرياض في أكتوبر 2023م. ولعل من الآليات الهامة التي يمكن من خلالها تحريك عجلة السلام مبادرة السلام التي تم إطلاقها من قبل السعودية والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية، بالتعاون مع مصر والأردن في سبتمبر 2023م، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، حيث عقد اجتماع وزاري حضره أكثر من 50 وزير خارجية من مختلف دول العالم لهذا الغرض. وترتكز عناصر المبادرة الرئيسية على الحفاظ على حل الدولتين واحترام القانون الدولي والحفاظ على قرارات الأمم المتحدة والحفاظ على الوضع القانوني للأماكن المقدسة وتعظيم المكاسب المشتركة من السلام الشامل. وهذا بطبيعة الحال يتطلب إجراء مفاوضات ذات مصداقية ووضع حد للإجراءات الإسرائيلية أحادية الجانب التي تقوض من حل الدولتين.

        ولابد من الإشارة هنا إلى الأهمية البالغة للانتخابات الأمريكية المرتقبة وما ستفضي إليه نتائجها النهائية في شهر نوفمبر القادم، وذلك نظراً لأن الولايات المتحدة الأمريكية هي الدولة التي تملك التأثير الأكبر على إسرائيل. وإذا كان من السابق لأوانه الحديث عن هذا الأمر إلا أن غياب دور أمريكي فاعل في هذا الصدد قد يشكل عائقاً كبيراً في أي تحرك إيجابي على صعيد القضية الفلسطينية. وقد رأينا الدور السلبي الذي أحدثه استخدام حق النقض (الفيتو) من قبل واشنطن على محاولات التوصل إلى هدنة إنسانية في غزة. بالرغم من الجهود التي بذلتها الدول الخليجية والعربية، بل والإسلامية، من خلال اللجنة الوزارية المنبثقة من القمة العربية الإسلامية التي عقدت في شهر نوفمبر الماضي في الرياض برئاسة المملكة.

سبل تعزيز الأمن الإقليمي

        نخلص مما سبق إلى القول بأهمية التعامل مع التهديدات والمخاطر الأمنية في منطقة الخليج من خلال ما يعرف بمظلة الأمن الجماعي Collective Security التي تقوم على ترابط الأمن العضوي لمجموعة من الدول وإمكانية التصدي من خلال ذلك لمصادر التهديد المحتملة أو الفعلية. هذا يتطلب تعزيز دول الخليج لقدراتها الذاتية في كافة المجالات من ناحية، وتوظيف العمل الدبلوماسي للوصول إلى تفاهمات فاعلة مع الدول الإقليمية المعنية من ناحية أخرى. بالإضافة إلى زيادة التنسيق الأمني مع القوى الدولية الصديقة، للتعامل مع مصادر التهديد التي تتجاوز القدرات والإمكانيات العسكرية لدول الخليج. مع الأخذ في عين الاعتبار أن عسكرة المنطقة وتزايد التواجد الأجنبي لا يخدم قضايا الاستقرار الإقليمي لأنه مبني حسب الشواهد على مقتضيات المصلحة الوطنية لهذه القوى الدولية دون مراعاة واضحة لمقتضيات الاستقرار الإقليمي. وأن يكون هذا التعاون في إطار مؤسسي كما في التعاون الخليجي الأمريكي وتفعيله بشكل يخدم المصلحة الخليجية. كما يتطلب الأمر تبني سياسات أمن تعاونية Cooperative Security مع القوى الإقليمية ترتكز على تعزيز إجراءات بناء الثقة، وإيجاد آليات للحوار والحد من سياسات التسلح بما يجنب المنطقة سباق تسلح في مجال الصواريخ البالستية أو التسلح النووي. وكذلك تفعيل الدبلوماسية لحل الخلافات الإقليمية، وتعزيز التعاون الأمني الاقتصادي في أطر مؤسسية بين جميع الدول المطلة على الخليج. وقد يبدو من المهم أيضاً الدخول في شراكات فاعلة مع القوى الدولية الأخرى وتفعيل هذه الشراكات لدعم الاستقرار الإقليمي كما تم من خلال الدور الصيني في المصالحة السعودية الإيرانية، خاصةً وأنه بالرغم من أهمية المظلة الأمنية الأمريكية وفاعليتها إلا أن التغير في أولويات السياسة الخارجية الأمريكية في السنوات الماضية يجب أن يشكل جرس إنذار حول مدى موثوقيتها وديمومتها، في ظل تبلور بعض الخيارات مع القوى الدولية الأخرى ولو بشكل مبدئي.

مقالات لنفس الكاتب