array(1) { [0]=> object(stdClass)#13112 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 198

دول الخليج .. بناء الذات في مواجهة الصراع التجاري

الأربعاء، 29 أيار 2024

بدأ الصراع التجاري بين القطبين التجاريين الأكبر في العالم وهما الولايات المتحدة الأمريكية وجمهورية الصين الشعبية منذ أكثر من ست سنوات، حيث اتخذ هذا الصراع منذ ذلك الوقت  يظهر إلى العلن ويتخذ أدوات وإجراءات صريحة منها فرض التعريفات الجمركية على الصادرات والواردات، الحمائية وفرض العقوبات، الحظر والتضييق على مكونات الصناعة والإنتاج بما في ذلك التكنولوجيا والتقنيات الحديثة والرقائق والوسائط المختلفة، وباعتبار أن العالم يعيش في ظل العولمة واقتصادات السوق، وقوانين منظمة التجارة العالمية، فإن جميع دول العالم وبدون استثناء سوف تتأثر بتداعيات هذه الحرب التجارية، سواءً بشكل مباشر أو غير مباشر، وتكون التداعيات على قدر حجم اقتصاد كل دولة ومدى ارتباطها التجاري مع طرفي الصراع.

ولأهمية هذه القضية خصصت مجلة (آراء حول الخليج) هذا العدد عن " تأثير الحرب التجارية الأمريكية ـ الصينية على المنطقة العربية ودول مجلس التعاون " واستكتبت نخبة من المتخصصين في الشأن الاقتصادي من الدولتين المتصارعتين ومن مختلف دول العالم لمناقشة هذه القضية والوقوف على أبعادها بدقة ، وتقديم معلومات دقيقة لمتابعي المجلة حول حقيقة هذا الصراع وتداعياته على اقتصادات دول العالم خاصة الاقتصادات الناشئة مع التركيز على دول مجلس التعاون الخليجي والمنطقة العربية، والمهم في نتائج هذا الطرح أن ما يدور بين واشنطن وبكين لم يكن مباغتًا أو مفاجئًا لدول مجلس التعاون، بل إنها كانت تعي جيدًا ما يدور في دهاليز أسواق العالم، وتتحسب له وتتعامل معه بعقلانية وحياد وعدم انجرار خلف شعارات يرددها هذا الطرف أو ذاك، فدول المجلس لديها من الخبرات والتجارب ولدى قادتها من الرؤية والحنكة ما يجعلها تدرك مسبقًا قواعد اللعبة الدولية والتعامل معها بما يحفظ لها مصالحها ومواردها وسيادتها ورفاهية شعوبها، لذلك تنبهت لما يدور في أروقة الاقتصاد والمال والتجارة العالمية حتى قبل أن تبدأ ملامح الصراع التجاري الأمريكي ـ الصيني في عهد الرئيس الأمريكي السابق ترامب واتخاذه تدابير ضد الصين عام 2018م، فقد استبقت دول مجلس التعاون هذه الأحداث منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008م، التي خرجت منها بسلام ودون خسائر تذكر ، وبعدها وضعت الخطط التنموية إلى عام 2030م، أو إلى ما يصل في بعض الدول إلى 2040م ، وهذه الخطط تهدف إلى تحصين اقتصادات دول المجلس من الهزات  الدولية أو الإقليمية أو تكرار الأزمات المالية، بل وضعت أهدافًا أكثر طموحًا تتركز حول تنويع مصادر الدخل وتوسيع القاعدة الاقتصادية وتوفير متطلبات ذلك بعدة وسائل منها، تنويع الشراكات الدولية، وتوطين التكنولوجيا الحديثة واستخدامها في الصناعة المدنية والعسكرية، والاهتمام بمخرجات التعليم وتوطين الوظائف مع وضع برامج للابتعاث والتدريب والتأهيل ، وبالمجمل الاستفادة من الموارد الاقتصادية المتاحة لتحقيق نهضة شاملة متكاملة لبناء الإنسان وتطوير المكان وتحقيق أعلى معدلات للتنمية، حيث تدرك دول مجلس التعاون أن الموارد الطبيعية قد تنضب، أو تتغير أنماط الاستهلاك في أسواق الطاقة، أو تتحول معادلة العلاقات الدولية ومن ثم تلقي بظلالها على العلاقات الاقتصادية، لذلك وضعت دول المجلس أسسًا للتنمية المستدامة قائمة على الاعتماد على الذات على ضوء الإمكانيات المتاحة وتطويرها وتنميتها والاستفادة من مخرجاتها في بناء المستقبل.

وعلى ضوء الفلسفة الخليجية المتوازنة، تتعامل دولنا مع الغرب والشرق على مسافة واحدة، وتفصل بين المصالح الوطنية، والصراعات الدولية أو الإقليمية، وتتعامل بانفتاح دون أيدولوجيات عقائدية أو مذهبية أو سياسية، وتدرك أنها ترتبط بعلاقات ذات طبيعة استراتيجية وثيقة مع الولايات المتحدة خاصة والغرب عامة ممتدة لأكثر من 75عامًا تشمل شراكة استراتيجية وتعاون اقتصادي وأمني وعسكري وتسليحي وعلمي وثقافي وغير ذلك من أوجه التعاون والشراكة التي تعد الأطول عمرًا بين الشرق والغرب، وفي المقابل ومع المتغيرات الاقتصادية والتحولات في أسواق الطاقة زادت المبادلات التجارية الخليجية ـ الصينية وظهرت مصالح اقتصادية جديدة، خاصة مع زيادة اعتماد الصين ودول شرق آسيا على النفط الخليجي، وأيضًا زيادة أحجام المبادلات التجارية بين الجانبين، فتعاملت دول الخليج بواقعية مع هذه المصالح الاقتصادية المتزايدة، وبين هذا وذاك تعتبر النفط والغاز سلعة تجارية بحتة وليست ورقة سياسية، أي إنها تقدم النفط لمن يحتاجه للمساهمة في التنمية والاستقرار العالميين، وأيضًا  تتعامل مع المبادلات التجارية بما يحقق الفائدة إضافة إلى المفاضلة من حيث الجودة والكلفة والتوريد في إطار التنافسية العالمية في ظل السوق المفتوح.

كما سعت دول الخليج للتعاون مع التكتلات التجارية العالمية والإقليمية من باب الاقتصاد فقط حتى تستفيد من إمكانيات الدول التي قطعت شوطًا كبيرًا في التقدم الاقتصادي والتطور العلمي والتكنولوجي، بعيدًا عن التحالف السياسي أو العسكري، وفي الوقت نفسه اتجهت إلى تقوية أواصر اللحمة الاقتصادية الخليجية الداخلية بالمزيد من تيسير التشريعات واللوائح المنظمة لحركة التجارة والاستثمار البينية وكذلك مع الدول العربية وبقية دول العالم، وأخذت في تنفيذ مشروعات البنية التحتية والمدن الاقتصادية وزيادة الاعتماد على الطاقة الجديدة والمتجددة، وزيادة الاستثمارات في قطاع الخدمات والعقارات والسياحة والفنون ومجالات الترفيه والرياضة وغير ذلك، وكذلك استضافة المؤتمرات الموسعة والمعارض ومنها ما تشهده المملكة العربية السعودية من طرح الفرص الاستثمارية في مختلف المجالات، ويواكب ذلك مساع حثيثة لزيادة التبادل التجاري مع جميع دول العالم دون استثناء ، وارتياد أسواقًا جديدة لزيادة أحجام وقيم المبادلات التجارية.  

ومع  كل ذلك، ومن باب المسؤولية الأخلاقية لدول مجلس التعاون تجاه العالم، فإنها  تعتبر أن الحرب التجارية الأمريكية ـ الصينية تهدد الاستقرار الاقتصادي العالمي، وتعيد أجواء الحرب الباردة بما فيها من استقطابات وتحيزات تؤثر على سلاسل الإمداد وتضع العوائق أمام انسياب حركة التجارة العالمية، خاصة أن العالم به ما يكفي من صراعات مسلحة وتوترات، لذا تأمل دول الخليج في عودة طرفي الصراع التجاري إلى الاحتكام لقوانين منظمة التجارة العالمية والاتفاقيات المبرمة بينهما حتى لا تتعرض الاقتصادات الناشئة للمزيد من الهزات التي تعترض مسيرتها التنموية خاصة أن الدراسات تفيد بأن أكثر من 20 اقتصادًا ناشئًا سوف يتضرر من جراء هذه الحرب التجارية التي تتخطى تداعياتها الحدود الجغرافية للطرفين المعنيين بهذه الأزمة مباشرة. فدول الخليج العربية رفضت الضغوط الامريكية المطالبة باحتواء الصين، في نفس الوقت لا تجد مصلحة في استعداء الولايات المتحدة والعالم الغربي عموما. لذا فان مبدأ الحياد الصارم في حلبة الصراع الامريكي – الصيني المتصاعد سيكون هو المبدأ الاساسي الذي تستدل به دول مجلس التعاون في هذه المرحلة ومستقبلا.


 

مقالات لنفس الكاتب