array(1) { [0]=> object(stdClass)#13183 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 199

لدول الخليج سلطة اختيار المشاريع الراغبة في تنفيذها مع الناتو وهذه ركيزة التعاون

الخميس، 27 حزيران/يونيو 2024

قبل 20 عامًا تحديدًا، اتُخذ قرار المشاركة في مبادرة للتعاون مع البلدان الخليجية والتي شكلت في حينها ارتباطًا دبلوماسيًا كبيرًا لا يضاهيه شيء. فعلى مدى فترات طويلة، ظل تاريخ حلف شمال الأطلسي "الناتو" مرتبطًا بالحرب الباردة وقوة الردع ضد الاتحاد السوفيتي. ولكن مع بدايات القرن الحالي، بدا المشهد العالمي مغايرًا تمامًا، إذ بدأت تحديات جديدة تلوح في الأفق، متمثلة في الإرهاب الدولي، والحكومات الهشة، والجهات الفاعلة غير حكومية. وبات واضحًا أن النماذج والأنماط القديمة أضحت بالية وعفا عليها الزمن، ولم يعد ممكنا إغفال الأهمية الاستراتيجية التي تمثلها المنطقة التاريخية لشمال إفريقيا والشرق نظرًا لقربها الجغرافي من أوروبا ومنطقة اليورو-الأطلسي.

وبرغم أن الخبرات في هذا الصدد لم تكن وفيرة من حيث النهج العملي، إلا أن الأولوية السياسية حظيت باعتراف الجميع، حيث كان هناك إجماع واسع النطاق داخل الحلف الأطلسي. وفي عام 2003م، أصبحت المشاورات السياسية بين الحلفاء تعقد مرارًا وتكرارًا، ومع مرور الوقت اكتسب هذا الشأن أهمية ملحة. وبطبيعة الحال، كان النقاش الدائر يتمحور حول ما هي البلدان التي ينبغي مخاطبتها؟  ووفقًا لأية شروط، وأي نوع من المقترحات ينبغي تقديمه؟ ومع بداية عام 2004م، عُقد مؤتمر قمة لوزراء الخارجية في مقر الناتو، وحضر عن الجانب الأمريكي حينذاك كوندوليزا رايس التي كان لديها إصرار وتصميم شديدين للسير في هذا الاتجاه.

 نجاح التعاون العملي 

توصلت الأطراف إلى استنتاج حاسم يتمثل في استهداف دول مجلس التعاون الخليجي. وهدفت المبادرة إلى بناء علاقة تعاونية خاصة مع هذه المجموعة المتجانسة التي تمثل شريكًا منطقيًا. وتمحور النقاش حول تحديد منهجية عمل واضحة ومجالات التعاون المشترك. وظل التساؤل الواقعي يدور حول كيفية العمل وتحديد الاختصاصات. وقد جرت نقاشات مكثفة كنا نطمح خلالها أن يحالفنا التوفيق في صياغة مقترحات تحظى بالقبول. دعونا نتذكر أنه في هذه الفترة تمت صياغة مقترحات مختلفة ولكن لم يبصر أيا منها النور بشكل واقعي.

ولضمان نجاح الشراكة، تم اعتماد مبدأ مبتكر يتمثل في بناء "شراكة ذات اتجاهين". ويعني ذلك ضمان تكافؤ الفرص والمشاركة الفاعلة من قبل جميع الأطراف المعنية. وبعبارة أخرى، سيكون لدول مجلس التعاون الخليجي سلطة اختيار المشاريع التي ترغب في تنفيذها بالتعاون مع الناتو، على أن يعطي الحلف موافقته عليها. ويشكل هذا المبدأ الركيزة الأساسية التي تستند إليها صيغة التعاون برمتها.

ولكي تكون الأمور أكثر سلاسة ويسرًا، قررنا عدم الحاجة إلى وجود معاهدة أو التزام قانوني، وأن التعاون ينبغي أن يكون "عمليًا" قدر الإمكان، ويستند على برنامج عمل مشترك للقضايا محل الاهتمام المتبادل. على أن يواصل الشركاء في الخليج اتباع سياساتهم الوطنية كما يحلو لهم دون تدخل. كذلك تأخذ مجالات التعاون بعين الاعتبار الاحتياجات الفردية لكل دولة خليجية ضمن إطار شامل للقضايا الاستراتيجية والدفاعية. ويرتكز النهج على تعاون ثنائي بصفة أساسية بهدف الاستجابة للاحتياجات المحددة بشكل أكثر فاعلية. وإجمالاً، نحن نتحدث عن مشروع سياسي عملي جدًا في تنفيذه، ولا يفرض أية التزامات، ويتيح أقصى قدر من المرونة. مع تفادي التصريحات السياسية عديمة الجدوى والتركيز على الجوهر عوضًا عن ذلك. 

قائمة واسعة من المجالات المطروحة تعتمد على النهج التشاركي

تتيح المبادرة قائمة شاملة من الأنشطة الأمنية يتم تحديدها من خلال نهج تشاركي ("من القاعدة إلى القمة"). وهذا يعني أن الأطراف يشاركون بفعالية في اختيار المجالات التي تتماشى مع أولوياتهم الأمنية. وهي تشمل أنشطة مثل: تبادل المعلومات، وحماية الحدود، ومكافحة الإرهاب، وإصلاح المنظومة الدفاعية، والتعاون العسكري، والتخطيط الدفاعي والميزانية الدفاعية، وأسلحة الدمار الشامل، وتحقيق قابلية التشغيل البيني، ومكافحة الاتجار غير المشروع.  وفي السنوات التي تلت عام 2004م، تم تنفيذ أكثر من ألف نشاط سنويًا، كما تم في كثير من الحالات إتاحة إمكانية المشاركة أمام الشركاء الجدد في مشروعات كانت مخصصة في السابق للدول الأعضاء في حلف الناتو. وفي حالات أخرى، تم تخطيط وتنفيذ أنشطة مبتكرة جديدة تلبي الاحتياجات الأمنية المتطورة.

يعد حلف شمال الأطلسي (الناتو) المنظمة الأمنية الرائدة عالميًا، حيث يمتلك تاريخًا عريقًا من الخبرة في مجال العلاقات المدنية-العسكرية. ويتيح العدد الكبير للدول الأعضاء في الحلف للشركاء اختيار الأنشطة التي تلبي احتياجاتهم الأمنية من مجموعة واسعة من الخيارات. ويجدر بنا في هذا السياق توضيح سوء فهم شائع حول دور الناتو في الشرق الأوسط حيث يربط البعض الناتو بالتدخل العسكري المباشر. وقد يُساء فهم التعاون الوثيق مع الناتو على أنه "وجود عدواني".

وقد أثبتت التجربة أن هذا الاعتقاد مغلوط، إذ يركز الناتو على تعزيز التعاون وبناء القدرات الأمنية للدول الشريكة، وليس التدخل العسكري المباشر. ويعد حلف الناتو الخيار المُفضل للحصول على المشورة والمساعدة في المجالات التقنية، وبناء المؤسسات، والتدريب، والتعليم، والعلاقات الدفاعية مع المجتمع المدني، وقابلية التشغيل البيني. وخلال الحوار المستمر مع شركائنا الخليجيين، لم يطرأ أي خلاف يُذكر حول المبادئ الجوهرية للتعاون، مثل التشاور المستمر، ومكافحة الإرهاب، وتحديث أنظمة الدفاع، ومواجهة التحديات الأمنية المشتركة، وتعزيز التعليم المشترك حول القضايا الاستراتيجية.

ولقد كان الهدف هو تعزيز الأمن والاستقرار الإقليمي من خلال مشاركة جديدة عبر الأطلسي في المنطقة. فمن عساه أن يكون أكثر تأهيلًا من حلف الناتو للمشاركة في مجال الدفاع الواسع مع الجيوش العربية وأن يمد لها يد الصداقة بطريقة عملية؟

وقد شهدت السنوات الماضية جهودًا دؤوبة لتعزيز مبادرة إسطنبول للتعاون وإرساء بنية تعاون دائمة. وشمل ذلك عقد اجتماعات رفيعة المستوى مع قادة دول الخليج. وخلال إحدى الاجتماعات الأولية، كان من دواعي سروري أن ألتقي مع الأمير سعود الفيصل، وزير خارجية المملكة العربية السعودية في ذلك الوقت، وهو الأطول خدمة في ذلك المنصب على مستوى العالم. وكان رجلًا يمتلك من الوضوح والفطنة الكثير. وبفضله، تم عقد مؤتمر كبير بمدينة الرياض في عام 2006م، حول عرض آفاق التعاون المستقبلي. وشهد حضور كافة أعضاء السلك الدبلوماسي. ومنذ ذلك الحين، جرت أحداث ولقاءات في كافة البلدان المعنية، ولم يبد أي منها معارضته. كما أعربت كل من البحرين، والكويت وقطر، والإمارات عن موافقتها للانضمام، وفي حين لم تتخذ المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان قرارًا رسميًا بشأن المشاركة الكاملة في مبادرة تعاون إسطنبول، فإنهما يشاركان في أنشطة معينة، مثل إيفاد ضباط إلى دورات كلية الدفاع التابعة للناتو. وتكتسب هذه المشاركة أهمية خاصة لتعزيز الروابط الشخصية وتبادل الخبرات.

إن الهدف الأساسي للتعاون، كما أراه، هو تحقيق "التوافق البيني بين العقول البشرية". ويمثل هذا التوافق حجر الزاوية لبناء صداقة دائمة بين الناتو ودول الخليج.

ثمة سبل مختلفة لتقييم نتائج مبادرة إسطنبول للتعاون بعد مرور 20 عامًا. حيث ينبغي أن نناقش كلاً من البعد السياسي للحوار والبعد العملي للتعاون الأمني الذي يوظف مجموعة واسعة من الأدوات. وقد حقق التعاون، على مدى سنوات عديدة، تقدمًا ملحوظًا في كلا البعدين، وأسفر عن رضا جميع الأطراف. ورغم تباطؤ الوتيرة في السنوات الأخيرة، تظل النتائج إيجابية بالنظر إلى حجم التبادلات والاتصالات والاجتماعات الفنية الناجحة التي شهدتها المنطقة. عززت هذه الأنشطة الثقة المتبادلة بين الجهات العسكرية والمدنية في كلا الطرفين.

عند تقييم الشراكة بين الناتو ودول الخليج، من الضروري التأكيد على أن العلاقات الرسمية بين الجانبين كانت معدومة قبل إطلاق المبادرة. ويواجه العالم حاليًا مشهدًا دوليًا مختلفًا تمامًا، يتميز بتزايد حدة التهديدات الناشئة. وتتطلب هذه التطورات إعادة تقييم للشراكة لإعادة تعريف اتجاهها الاستراتيجي. وبعد مرور عشرين عامًا، تُعدّ إعادة التقييم خطوة طبيعية في مسار التعاون.

كما يتعين علينا أن نقر بالحقائق الراهنة، والاعتراف بأن الأزمة في أوكرانيا والعدوان الروسي قد أصبحا على رأس أولويات اهتمام الناتو. وفي الوقت نفسه، تواجه دول الخليج تزايداً هائلاً في التهديدات الأمنية المباشرة، بما في ذلك الهجمات الجوية وتكتيكات حرب غير متماثلة، وحرب هجينة يشنها جهات فاعلة غير حكومية.

آفاق الشراكة المتجددة

يمكن أن يصبح هذا العام نقطة فارقة في مجال "الأمن التعاوني". وبحسب ما جاء في بيان قمة الناتو الأخيرة في فيلنيوس (الفقرة 22)". يواجه الجوار الجنوبي لحلف الناتو، وخاصة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تحديات أمنية وسياسية وديموغرافية واقتصادية مترابطة. تتفاقم بسبب........." إلخ. وإدراكًا لتلك التحديات، قررت القمة ما يلي: "استجابة للآثار العميقة لهذه التهديدات والتحديات داخل المنطقة الأوروبية الأطلسية وبالقرب منها، كلفنا اليوم مجلس حلف الناتو بأن يكون في حالة انعقاد دائم من أجل إطلاق العنان للتفكير الشامل والمعمق ... حول فرص الانخراط مع الدول الشريكة لنا".

من الممكن استكشاف سيناريوهات مختلفة لقمة واشنطن القادمة. وبغض النظر عن السيناريو المفضل، فمن الواضح أن نافذة جديدة من الفرص تُفتح الآن من أجل إعادة تحديد الأهداف والاختصاصات والتعاون بين الناتو والخليج. لا يزال الحوار في مراحله المبكرة، والآن هو الوقت المناسب لتقديم الآراء والمقترحات، بحيث يكون صوت المنطقة مسموعًا ومؤثرًا، وهي فرصة لا ينبغي تفويتها بأي حال من الأحوال.

في السياق ذاته، تعد الذكرى السنوية الـ 75 لتأسيس حلف الناتو علامة فارقة في مسار أطول تحالف سياسي عسكري في التاريخ. مع انتقاله من معاهدة موقع عليها في الأساس من قبل 12 عضوًا إلى منظمة تضم 32 عضوًا.

نرى الآن أكثر من عامل “لتغيير قواعد اللعبة". هكذا صرح مارك روته، رئيس الوزراء الهولندي السابق والأمين العام الجديد للحلف الذي بإمكانه بلا شك أن يمنح دفعة جديدة للتحالف الغربي. جاء روته ليخلُف سلفه ينس ستولتنبرغ، الذي يغادر منصبه بعد قضاء 10 سنوات. وركز الأمين السابق على الأزمة في أوروبا الشرقية في مرحلة ربما بدا فيها الشرق الأوسط أقل أهمية.

 يفتح تولي السيد روته لهذا المنصب الباب أمام عقد تحالفات مبتكرة وتعزيز أمن الممرات الملاحية الاستراتيجية بالمنطقة، وهو ما يصب في مصلحة التجارة العالمية. ومع ذلك، لا يغفل حلف الناتو عن التحديات الأمنية الراهنة، ولا سيما تلك التي تُلقي بظلالها على منطقة البحر الأحمر.

ويملك حلف الناتو سجلاً حافلاً بالنجاح في مجال العمليات البحرية، بما في ذلك عملية "المسعى النشط" التي أُطلقت في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر لمكافحة الإرهاب وتهريب الأسلحة في البحر الأبيض المتوسط، وكذلك عملية "درع المحيط" التي تصدت للقرصنة في خليج عدن والمحيط الهندي، والتي تعد الثانية من نوعها في هذا المجال.

في اعتقادي أن المنطقة الخليجية لا تزال تمثل أولوية في حسابات حلف الناتو، نظرًا لأهميتها الاستراتيجية الدائمة، والتهديدات القادمة من إيران وطموحاتها النووية، وانعدام الأمن الذي تمثله حرب غزة المأساوية، ووجود الجهات الفاعلة العدوانية غير الحكومية، وهشاشة دول في المنطقة مثل العراق ولبنان. وبينما يمكن أن يكون لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ شركاء محتملون، إلا أن الخليج يتمتع بميزة قربه من المنطقة الأوروبية الأطلسية، وخاصة مع وجود تجربة تاريخية قوية مثل مبادرة إسطنبول للتعاون.

 وبما أنني قمت شخصيًا بالعديد من الجولات داخل المنطقة طوال سنوات عدة من أجل بناء هيكل لصداقة دائمة، فإنني ما زلت مقتنعًا بأن ذلك يمكن أن يصبح واقعًا ملموسًا يصب في مصلحة البلدان المعنية مباشرة. على أن يتم تدعيمه من خلال التعاون بأشكال مختلفة مع مجموعة قوية من الحلفاء.

بالنسبة للمملكة، فإن إبرام اتفاقية دفاع محتملة مع الولايات المتحدة، مماثلة على سبيل المثال، لتلك التي وقعتها مع اليابان، سيكون نتيجة منطقية مترتبة على الشراكة مع حلف الناتو. وسيكون ذلك مكملًا طبيعيًا من المنطلق العملي والسياسي على حد سواء.

وختامًا يمتلك الجانبان كليهما، حلف الناتو ودول الخليج العربي، تاريخًا طويلاً من التعاون المشترك، مما يُشكل أرضية صلبة لبناء شراكة استراتيجية أوثق. هذه هي اللحظة المناسبة لاتخاذ الخيارات الصحيحة لأنه من الصعب إيجاد حلول وسط بيئة دولية مجزأة ومحفوفة بالمخاطر. إنني على يقين أن الحلف الأطلسي وجميع أعضائه سيكونون على استعداد لمد يد الصداقة. ولكن لا ينبغي أن يكون هناك أي تردد من قبل دول مجلس التعاون الخليجي الست، لجعل أصواتهم مسموعة، أكثر مما كانت عليه في الماضي. إن بناء شراكة قوية يُمثل خطوة جوهرية نحو عالم أكثر أمنًا وازدهارًا.


 

مقالات لنفس الكاتب