array(1) { [0]=> object(stdClass)#13179 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 199

4 معوقات تعترض طموح قادة "الناتو" والمُبادرة قائمة لكن الضوء انحسر عنها

الخميس، 27 حزيران/يونيو 2024

في 4 أبريل 1949م، اجتمع ممثلو 12 دولة في مدينة واشنطن العاصمة الأمريكية، ووقعوا اتفاقية تأسيس حلف شمال الأطلنطي والذي اشتهر باسم "الناتو"، أصبح رمزًا للتكامل العسكري والأمني بين أوروبا وأمريكا عبر الأطلنطي. كان ذلك في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وتبلور معالم الحرب الباردة بين المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة، والمعسكر الشرقي بقيادة الاتحاد السوفيتي، والذي قام كرد فعل على إقامة "الناتو" بإنشاء حلف وارسو في 14 مايو 1955م.

كان الهدف الأساسي من حلف الأطلنطي، هو احتواء الاتحاد السوفيتي وضمان أمن دول غرب أوروبا في مواجهة أي تهديد سوفيتي محتمل. فكان اعتماده الرئيسي على استراتيجية الردع والدفاع الجماعي، وفقًا للمادة الخامسة من ميثاق الحلف، والتي تنص على أن أي عدوان مسلح ضد واحدة أو أكثر من الدول الموقعة على المعاهدة يعد عدوانا ضدها جميعًا.

وعلى مدى الحقب الأربعة التالية، كان الشغل الشاغل للحلف هو الحفاظ على الأمن الأوروبي. ولكن مع ثورات دول شرق أوروبا ضد حكم الأحزاب الشيوعية في عام 1989م، وانهيار حائط برلين في نوفمبر من نفس العام، وإعادة توحيد ألمانيا في أكتوبر 1990م، وسقوط الاتحاد السوفيتي في عام 1991م، تغيرت البيئة الأمنية في أوروبا والعالم. وصارت الغلبة للتحالف الغربي وذراعه العسكري حلف الأطلنطي، الذي زاد عدد أعضائه في ذلك الوقت إلى 16 دولة.

ولفترة بدى أن الحلف فقد مبررات وجوده، بتفكك حلف وارسو وانهيار الاتحاد السوفيتي، وأنه لم يعد هناك تهديدات ذات حيثية للأمن الأوروبي. لم يقبل مسؤولو الحلف هذا الرأي، وقاموا بمراجعة عقيدته وإعادة تفسير رسالته ومهامه وذلك في اتجاهين. أولهما، الاهتمام بالقضايا والتحديات السياسية الجديدة العسكرية وغير العسكرية التي تؤثر على أمن دول الحلف، والتي ناقشتها قمة واشنطن عام 1999م. وعبر البيان الصادر عن القمة عن تحول دور الحلف من منظمة دفاعية إلى تنظيم عسكري سياسي، وركز على نهج يعتمد على إدارة الأزمات والنزاعات الإقليمية في العالم قبل استفحالها، وقام بإرسال قوات حفظ سلام إلى كوسوفو.

 وثانيهما، توسيع النطاق الجغرافي لاهتمامات الحلف وأنشطته، فتبنى مبادرات لتوسيع هذا النطاق، وبناء شراكات وعلاقات مع دول من غير أعضاء الحلف في مناطق الجوار الجغرافي لأوروبا، ولكن تربطها بها مصالح اقتصادية وجيوسياسية. في هذا السياق، انفتح الحلف على دول "حوض البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط الموسع"، فيما سمى بمبادرة إسطنبول للتعاون، التي تم إقرارها في مؤتمر قمة "الناتو" الذي انعقد بتركيا في يونيو 2004م.

لم يأت إقرار هذه المبادرة من فراغ أو بدون مقدمات، بل كانت تتويجًا لحوار مع هذه الدول استمر لعشر سنوات. كانت المحطة الأولى انطلاق الحوار المتوسطي في 1994م، بمشاركة خمس دول هي: مصر وإسرائيل وموريتانيا والمغرب وتونس، والتي شجعها توقيع اتفاقية أوسلو والآمال المتزايدة وقتذاك للوصول إلى تسوية سلمية للمشكلة الفلسطينية، وانضم الأردن إلى الحوار في 1995م، وتم وضع أول برنامج عمل سنوي لأنشطة للحوار في 1997م، واتخذت قمة الحلف في واشنطن في 1999م،عدة قرارات لدعم الحوار،  ثم انضمت الجزائر إليه في 2000م، وقام رئيسها عبدالعزيز بوتفليقة بزيارة مقر الحلف في بروكسل في 2001 م، وأقرت قمة الحلف في براغ  في 2002م، توسيع الأبعاد السياسية والعملية للحوار. وأثمرت هذه الخطوات في دعوة دول الحوار لحضور قمة الحلف في إسطنبول في 2004م، لتدشين المرحلة الجديدة وهي التحول من الحوار إلى المشاركة، والتي تضمنت دعوة هذه الدول إلى بناء علاقات وشراكات أقوى فيما بينها ومع الحلف.

ومع أن مبادرة إسطنبول أشارت إلى هذه الدول السبع بالاسم، فقد دعت القمة دول المنطقة الأخرى الراغبة للانخراط في المبادرة، وكان الهدف من هذه الإشارة هو دول الخليج العربية.

أولًا: أهداف المبادرة

من واقع تحليل النص الذي تبنته قمة إسطنبول للمبادرة، يتضح أنها نبعت من إدراك الحلف للتحديات الأمنية التي تربطه بدول المتوسطية والشرق الأوسط عمومًا. والتي حددها في، الإرهاب، وانتشار أسلحة الدمار الشامل، والدول الفاشلة، وشبكات الجريمة المنظمة. مما يتطلب، التنسيق لتطوير ردود فعل مشتركة.

ومن وجهة نظر الحلف، فإن التنمية المتعثرة في عديد من دول حوض البحر المُتوسط وما يرتبط بها من عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي، يمثل مصدرًا لتهديد الأمن الأوروبي، بما يؤدي إلى انتشار التنظيمات المُتطرفة، والهجرة غير الشرعية. وتشير رؤية الحلف أيضًا إلى الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وتأثيرات استمراره على حالة الأمن في المنطقة. ومن ثم، أهمية العمل على الوصول إلى حل عادل وشامل ودائم، وأن يحتل موقعًا متقدمًا في اهتمامات دول المنطقة والعالم. أضف إلى ذلك، أمن الطاقة وذلك باعتبار أن 65% من واردات النفط الأوروبية تمر عبر البحر الأبيض المتوسط. كان من شأن هذه الاعتبارات، تأكيد الاعتقاد بالعلاقة الوثيقة بين الأمن الأوروبي وأمن الجوار الجنوبي، فهما يتداخلان ويتقاطعان مع بعضهما البعض.

وبناء على ذلك، سعت مُبادرة إسطنبول إلى تحقيق عدة أهداف سياسية وعسكرية وإعلامية. فمن الناحية السياسية، تسعى المبادرة إلى دعم الاستقرار والأمن الإقليمي، وتحسين علاقات الصداقة بين هذه الدول بعضها والبعض الآخر، وتطوير العلاقات الثنائية مع الحلف على أساس المنافع المتبادلة. ومن الناحية العسكرية، تهدف المبادرة إلى تشجيع التعاون في مجال مكافحة الإرهاب، وتبادل المعلومات الاستخباراتية، والحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل، والتعاون في مجال التدريبات العسكرية والدورات التعليمية، وتسهيل قدرة الجيوش في دول المبادرة على العمل المشترك مع "الناتو". ومن الناحية الإعلامية، سعت المبادرة –من وجهة نظر الحلف-إلى تبديد الأفكار الخاطئة والتصورات المسبقة عن الحلف، وشرح "ما هو الناتو وما يفعله ودوافعه"، وبناء الثقة والتفاهم بين دول المبادرة. وذلك من خلال أنشطة الدبلوماسية العامة وتنظيم الندوات والمؤتمرات، التي يدعو إليها "الناتو" أو منظمات غير حكومية أو مراكز بحثية، واستخدام الصحافة ووسائل التواصل الاجتماعي.

ثانيًا: تنفيذ المبادرة

اشتملت آلية الحوار المتوسطي مبادرة إسطنبول على عدد 26 مجالًا للتعاون تشمل دائرة واسعة من الموضوعات، كإصلاح نظم الدفاع بكل جوانبها التسليحية والفنية والاقتصادية والتمويلية، ونزع السلاح ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل، وتأمين الحدود وإدارة المجال الجوي، والجوانب الفكرية والتخطيطية والعملياتية لعمليات حفظ السلام، والأمن والسلام من خلال العلم والتدريب، وغيرها. ويكون من حق كل دولة اختيار المجالات الأكثر مناسبة لها للتعاون مع الحلف بشأنها.  

بدأ تنفيذ المبادرة في سنة الإعلان عنها. ففي نوفمبر 2004م، اجتمع رؤساء أركان حرب جيوش دول المبادرة، أو ممثليهم مع نظرائهم في "الناتو" بمقر الحلف في بروكسل. وفي ديسمبر، اجتمع وزراء خارجية دول المبادرة مع نظرائهم في "الناتو" في بروكسل. وقام سكرتير عام الحلف "ياب دي هوب سخيفر" في نهاية 2004، وبداية 2005 م، بجولة شملت زيارات للدول السبع، التقى فيها بقادتها، وكبار المسؤولين فيها للاتفاق على برامج وخطط التعاون.

وفي عام 2005م، أيضًا، نظم المغرب مناورة بحرية مع الحلف، شارك فيها ما يقرب من ألف جندي وسفن حربية وغواصات، ونظمت الجزائر مناورة بحرية مع الحلف وشاركت في أنشطة الحلف في مكافحة الإرهاب في جنوب المتوسط والتي تسمى "المسعى النشط". وفي أكتوبر، استقبل وزيرا الدفاع والخارجية في مصر الأمين العام السابق للحلف.

ترافق مع اهتمام "الناتو" على توثيق العلاقات مع الدول السبعة الشريكة في المبادرة، عمل مماثل لتشجيع دول الخليج على الانضمام إليها. وفي شهر أبريل 2004م، -قبل الإعلان الرسمي عن المبادرة في يونيو-نظم الحلف مؤتمرًا في قطر بعنوان "تحولات الناتو والأمن في الخليج"

 وفي مارس 2005م، نظمت إدارة الدبلوماسية العامة بالحلف وكلية الدفاع التابعة للحلف في روما، مؤتمرًا كبيرًا بالعاصمة الإيطالية، شارك فيه مسؤولون وأكاديميون وبرلمانيون وعسكريون من دول الحلف ودول مجلس التعاون، كان من بينهم ولي عهد البحرين، وذلك لشرح مزايا التعاون مع الحلف لهذه الدول، والمزايا التي يمكن أن تجنيها من جراء ذلك. وجديرًا بالذكر، أنه في حديثه إلى المؤتمر، ولتشجيع الدول الخليجية على الانخراط في المبادرة، ذكر سكرتير عام الحلف أن هناك حكمة عربية قديمة مفادها أنه "في صحراء الحياة، يسافر الرجل الحكيم مع القافلة، بينما يفضل الأحمق أن يسافر وحده".

تقدم "الناتو" بدعوات إلى هذه الدول للانضمام إلى مبادرة إسطنبول. ومع حلول عام 2007م، كانت أربع دول وهي الكويت والإمارات وقطر والبحرين قد انضمت. ووقعت ثلاث دول اتفاقيات أمنية مع الحلف وهي قطر في فبراير 2004م، والكويت في ديسمبر 2006م، والبحرين التي أبرمت اتفاقية التكامل الأمني والازدهار الاقتصادي في سبتمبر 2023م. كما استضافت قطر المؤتمر الاستراتيجي للشراكة العسكري في مارس 2023م.

في يناير 2007م، نظم الناتو في السعودية ندوة بعنوان " الناتو ودول مجلس التعاون الخليجي: التعاون ضمن إطار مبادرة إسطنبول"، افتتحها وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل ونائب الأمين العام للحلف. وفي مارس من هذا العام، صرح الأمير سعود الفيصل، أن السعودية طلبت توضيحًا من الحلف حول سياسة دوله حيال قضايا المنطقة قبل اتخاذ القرار بشأن انضمامها للمبادرة، وأن مثل هذا التعاون يعتمد على أكبر درجة من الشفافية، والثقة المتبادلة وعدم ازدواجية المعايير. وظلت المملكة وسلطنة عمان خارج المبادرة. وفي يونيو من نفس العام، نظم الناتو بالتعاون مع وزارة الإعلام في البحرين مؤتمرًا بعنوان " الإعلام في عالم متغير بين رؤيتي الخليج والناتو".

وهكذا، فقد أصبح لمبادرة إسطنبول مساران لحركة الناتو في المنطقة العربية، مسار حوض البحر الأبيض المتوسط والذي يشمل خمس دول عربية وإسرائيل، والمسار الخليجي الذي يضم أربعة دول من أعضاء مجلس التعاون الخليجي.

بخصوص المسار المُتوسطي، فقد سبق الإشارة إلى التعاون العسكري المُبكر للمغرب والجزائر، نظم الحلف عددًا من الدورات التدريبية التي دُعي إليها إعلاميون وباحثون من دول المُبادرة للتعرف على تنظيم الحلف وأنشطته وأهدافه. وحصلت تونس في عام 2015 م، على وصف "حليف مُميز" خارج الناتو.  وفي عام 2022م، تم تجديد الاتفاقية الخاصة ببناء القُدرات الدفاعية للأردن والتي وقعت أصلًا في عام 2014 م، وتم تجديدها لأول مرة في 2017م، وكانت الأردن وموريتانيا هُما الدولتان الوحيدتان من غير أعضاء الحلف اللذين تم دعوتهما للمشاركة في قمة مدريد عام 2022م، هذا في الوقت الذي ارتبطت فيه إسرائيل بعلاقة خاصة مع الناتو الأمر الذي يسر لها الحصول على وصف حليف رئيسي من خارج الحلف.

أما بالنسبة للمسار الخليجي، استضافت دولة الإمارات اجتماعًا رفيع المُستوى لممثلين من دول حلف الأطلنطي في عام 2009م، وذلك لدراسة إمكانات التعاون المشترك مع الحلف في إطار مُبادرة إسطنبول. وفي يناير 2017م، تم افتتاح المركز الإقليمي لحلف الناتو ومبادرة إسطنبول للتعاون في الكويت، وذلك في ضاحية العبد الله الجابر وحضر حفل الافتتاح رئيس الوزراء وزير الخارجية الكويتي والسكرتير العام للحلف. كما استضافت الكويت في عام 2019م، الاحتفال الذي أقيم بمناسبة مرور 15 عامًا على تدشين المبادرة. وبخصوص السعودية التي لم تنضم إلى المُبادرة، فقد استقبلت السكرتير العام للحلف في عام 2023م، ضمن جولة له في المنطقة وكانت هذه أول مرة يزور فيها الأمين العام للحلف المملكة.

ثالثًا: تقييم المبادرة

تعددت الأنشطة التي نظمها الحلف مع الدول المشاركة في المبادرة، ربما نجحت هذه الجهود في تطوير التعاون في مجالات مثل تبادل المعلومات عن الأمن البحري في المتوسط، ومكافحة الإرهاب والاتجار في البشر، والاستفادة من البرامج والدورات التعليمية التي يقدمها الحلف، وتنظيم تدريبات مشتركة في إدارة الأزمات، وأمن الحدود وخدمات الطوارئ، وعمليات الإغاثة الإنسانية والبحث والإنقاذ. ولكن هذه الجهود واجهتها بعض المعوقات، كنقص الموارد المتاحة لدى الحلف، وبطء تنفيذ بعض مشروعات التعاون العملي، وعدم وضوح أهداف المبادرة لدى الأطراف الأخرى.

قد تكون الإشارة إلى هذه المعوقات صحيحة، ولكن الملاحظة الرئيسية على هذه الجهود، هي أنها لم تؤد إلى تكامل أو التقاء في الرؤى الاستراتيجية بين حلف "الناتو" وأغلب الدول المشاركة في المبادرة، باستثناء إسرائيل. والأرجح، أن أي تقييم موضوعي لحصيلة أنشطة المبادرة على مدى عشرين عامًا، سوف يصل إلى أن "الحصيلة" أو "العائد" من المبادرة كان أقل من الوقت والموارد التي استثمرت فيها.

هذه النتيجة لا ينبغي أن تكون مفاجئة لأحد. فقد أدركها مسئولو الحلف مبكرًا، وحتى قبل تدشين المبادرة. ففي قمة إسطنبول2004م، وهي لحظة الانتقال من آلية الحوار المتوسطي الذي استمر عشر سنوات إلى آلية المبادرة والشراكة، كان تقدير السكرتير العام للحزب في خطابه، بأن عملية الحوار لم تكن مثمرة بقدر كاف وكان "ينبغي أن تتمخض عن أكثر من ذلك".

فلماذا لم تتحقق النتائج التي طمح إليها قادة "الناتو" على مدى ثلاثين سنة –عشرة في آلية الحوار المتوسطي، وعشرين في آلية المبادرة-؟ وهل يرجع ذلك إلى معوقات فنية، أم إلى أسباب أعمق تتعلق بطبيعة الحوار والاختلاف في الأهداف والتطلعات بين الحلف من ناحية والدول المنخرطة في المبادرة من ناحية أخرى؟

أولًا، اختلاف جوهري بشأن طبيعة التهديد الموجه إلى دول المبادرة ومصدره، فوفقًا لوثائق "الناتو" فإن مصدر التهديد الرئيسي يكمن في السياسات العسكرية، التي تتبعها روسيا والاقتصادية التي تنتهجها الصين، وتعتبرها في حالة الأولى عدوانًا وتهديدًا مباشرًا للأمن الأوروبي، وفي حالة الثانية مصدرًا لعدم استقرار العلاقات التجارية والمالية في العالم. أما كل الدول العربية المشاركة في المبادرة فإنها تتبني موقفًا مختلفًا، ولا تعتبر روسيا والصين مصدرين رئيسيين لتهديد أمنها. وبينما صوتت أغلب الدول العربية لصالح إدانة روسيا لتدخلها العسكري في أوكرانيا في فبراير 2022م، فإنها لم تتماشَ مع موقف دول حلف الأطلنطي في تجميد عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وحافظت على علاقاتها الاقتصادية والتجارية والتكنولوجية معها. وينطبق نفس الشيء على علاقات الدول العربية مع الصين، والتي نمت العلاقات التجارية معها بشكل متزايد، حتى أن الصين أصبحت ابتداءً من عام 2022م، هي أكبر دولة شريك تجاري للدول العربية.

ثانيًا، الاختلاف بين الطرفين بشأن الصراع الإسرائيلي / الفلسطيني. فبينما تدعم أغلب دول الحلف وعلى رأسها أمريكا وبريطانيا مواقف إسرائيل عمومًا، وتوفر لها الغطاء العسكري والسياسي لممارساتها، فإن الدول العربية تعتبر إسرائيل أحد المصادر الرئيسية للتوتر وعدم الاستقرار ولتهديد الأمن الإقليمي. وكانت هناك مخاوف لدى الرأي العام في دول المبادرة، أن هدف الحلف منها هو إيجاد منصة للتعاون بين الدول العربية وإسرائيل دون أن تفي الثانية بالتزاماتها الدولية وتطبق قرارات الشرعية الدولية.

زاد هذا الخلاف مع تطور أحداث الحرب على غزة من أكتوبر 2023م، والتي تُعتبر نموذجًا صارخًا لاستخدام القوة المفرطة، وقتل المدنيين، وتدمير المباني والبنية التحتية، ومنع وصول إمدادات الإغاثة الإنسانية والطبية إلى المدنيين. هذا في الوقت الذي استخدمت فيه الولايات المتحدة حق النقض في مجلس الأمن أربع مرات على الأقل، للحيلولة دون إصدار قرار وقف إطلاق النار، ولمنع إصدار قرار بقبول فلسطين عضوًا كامل العضوية في المنظمة الدولية، وقدمت لإسرائيل الأسلحة المتقدمة التي احتاجتها لاستمرار حربها في غزة شملت القنابل الارتجاجية والذكية، والصواريخ الاعتراضية التي يطلقها نظام القبة الحديدية، إضافة إلى المعلومات الاستخباراتية ذات الحساسية العالية، وكذلك ألمانيا التي زودت إسرائيل بمُعدات مُتقدمة للاتصالات، ومُكونات لأنظمة الدفاع الجوي، وكميات هائلة من الذخائر.

ثالثًا، اختلاف في التوقعات بين أطراف المبادرة، فبينما ركز "الناتو" على موضوع الحوار السياسي والتقارب بين العرب وإسرائيل، تطلعت الأطراف الأخرى إلى الاستفادة التقنية من الخدمات التي قدمها الحلف في المجالات المتنوعة التي سبق الإشارة إليها.

رابعًا، مشكلة التوفيق بين الالتزامات الثنائية لبعض الدول أطراف المبادرة مع دول أعضاء في الحلف مثل أمريكا وبريطانيا وفرنسا ترتب عليها إقامة قواعد وتسهيلات عسكرية على أراضيها، وبين الموافقة على التزام جديد مع الحلف في إطار المبادرة. وهكذا، فإن الأمر يتطلب التوفيق بين الالتزامات القائمة وأية التزامات جديدة مع الحلف.

أضف إلى ذلك، استمرار الصورة السلبية للحلف بين قطاعات من الرأي العام العربي، والتي ارتبطت تاريخيًا بالسياسات الاستعمارية للدول الأوروبية في المنطقة، وصعوبة الاقتناع بأن الحزب قد تغير دوره، وذلك في ضوء الأدوار التي قام بها الحزب في أفغانستان2001م، والعراق 2003م، وليبيا 2011م، وترتب على ذلك، استمرار المخاوف من الأهداف الحقيقية للحلف في طرحه لآليتي الحوار المتوسطي ومبادرة إسطنبول، والضغط على الحكومات العربية لعدم التوسع في هذه العلاقة، إلا بالحد الأدنى الذي يسمح لها بالاستفادة في الأمور الفنية واللوجستية.

المُبادرة ما زالت قائمة ولكن الضوء انحسر عنها بسبب اختلاف الظروف والسياق، والاختلافات التي ظهرت بين الحلف ودول المُبادرة من حيثُ الأهداف، وخصوصًا بعد تفاقُم الصراع الإسرائيلي / الفلسطيني وعودة القضية الفلسطينية إلى تصدر قائمة الاهتمامات العربية وفي كثير من دول الحلف. أبرزت هذه الأزمة الانقسامات في مواقف الدول أعضاء الحلف، ما بين الولايات المُتحدة والدول الأوروبية.

 وباليقين، فإن هذه الظروف أبعد ما تكون مُحبذة أو مُشجعة للاحتفال بالذكرى العشرين لمبادرة إسطنبول.


 

مقالات لنفس الكاتب