array(1) { [0]=> object(stdClass)#13477 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 200

القضية الفلسطينية أمام محكمة العدل الدولية

الإثنين، 29 تموز/يوليو 2024

يعتبر مبدأ التسوية السلمية للنزاعات الدولية أحد المبادئ الأساسية للقانون والعلاقات الدولية وهو مكرس في المادة (2) وفي الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة وكذلك في العديد من الصّكوك الدّوليّة.

وإذا ما كانت الدول تلجأ غالبًا إلى الأساليب السياسية لتسوية نزاعاتها، لاسيما عبر التفاوض أو اللجوء إلى المنظمات الدولية، فإن اللجوء إلى الهيئات القضائية الدولية، يشكّل الطريقة الأمثل لتسوية النزاعات ذات الطابع القانوني، لاسيّما تفسير الاتفاقيات الدولية وطرق تطبيقها.

ويمكن أن يكون للهيئات القضائية الدولية أشكالًا مختلفة: فقد تكون ذات طابع عامّ، كما هي محكمة العدل الدولية، أو متخصّصة مثل المحكمة الدولية لقانون البحار، والمحكمة الإدارية للأمم المتحدة، أو أكثر تخصّصًا على غرار المحكمة الجنائية الدولية، مع الإشارة إنها ليست جهازًا لحل النزاعات، بل هيئة قضائية لقمع أخطر الجرائم الدولية.

وبخصوص القضيّة الفلسطينية فإنّها، ولفترة طويلة، بقيت من اختصاص الهيئات والمنظّمات السياسية، وتحديدًا عصبة الأمم، والأمم المتّحدة. ففي سنة 1922م، تم إخضاع أرض فلسطين، إلى الانتداب البريطاني، وقد تم تأكيد الانتداب رسميا من عصبة الأمم في 24 يوليو 1922م، ودخل حيز النفاذ في 29 سبتمبر 1923م، وكان الغرض منه إنفاذ المادة 22 من ميثاق عصبة الأمم وقرارات مؤتمر "سان ريمو" في 25 أبريل 1920م، التي تعترف ديباجتها بمسؤولية المملكة المتحدة في تنفيذ إعلان بلفور الصادر في 2 نوفمبر 1917م، بالاتفاق مع القوى الرئيسية المتحالفة، من أجل تيسير إقامة "وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين"[1].

 وفي سنة 1937م، دعت دولة الانتداب -بريطانيا -إلى تقسيم فلسطين إلى كيانين: ثلث فلسطين للدولة اليهودية، التي تمتد من الجليل على ساحل البحر الأبيض المتوسط وصولاً إلى "يافا" و "تل أبيب" من جهة، وثلثان لدولة عربية مرتبطة بالمملكة الهاشمية شرق الأردن، تضم الضفة الغربية ومنطقة النقب وساحل غزة.

إثر الحرب العالمية الثانية، انفردت الأمم المتحدة بهذه القضّية، وتصوّرت الجمعيّة العامّة ذاتها خطّة تقسيم، تم إضفاء الطابع الرسمي عليها في 29 نوفمبر1947م، وهكذا تمّ بموجب هذه الخطة إنشاء دولتين (يهودية وعربية) والقدس خاضعة للإدارة الدولية. ومنذ ذلك، احتكرت الأمم المتحدة القضية الفلسطينية. وفي هذا السياق، توجّهت لمحكمة العدل الدولية طالبة رأيها الاستشاري في مناسبتين اثنتين (الجزء الأوّل). وبالتّوازي، كانت القضية الفلسطينية موضع نزاعين دوليين لدى محكمة العدل الدولية على المستوى النّزاعي (الجزء الثاني).

 

الجزء الأوّل: المسار الاستشاري للقضيّة الفلسطينيّة أمام محكمة العدل الدّوليّة

وفقا للمادة 96 من ميثاق الأمم المتحدة، يتمّ طلب رأي استشاري من المحكمة عن طريق رفع دعوى بطلب رأي استشاري يتم إيداعها لدى المحكمة، من قبل الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة أو مدير الهيئة المدعيّة أو أمينها العام. ويجوز للمحكمة، أن تعقد إجراءات للمرافعات الكتابية والشفهية. ويمكن مبدئيًا للمنظّمات والّدول التي يسمح لها بالمشاركة في الإجراءات، أن تقدم مذكرات كتابية، وأن تقدم، إذا رأت المحكمة ضرورة لذلك، تعقيبات كتابية على تلك المذكرات.

خلافًا للقرارات، لا تكون الآراء الاستشارية للمحكمة ملزمة، باستثناء الحالات النادرة التي ينص فيها صراحة على أن لها قوة الإلزام. والأمر متروك للمؤسسات أو الهيئات الدّولية التي تقدمت بالطلب أن تقرّر، بوسائلها مآل هذه الآراء.

وعلى الرّغم من أن الآراء الاستشارية للمحكمة ليست ملزمة، إلا أنها تتمتّع بقيمة قانونية عاليّة وسلطة أخلاقيّة. وكثيرًا ما تكون أداة للدبلوماسية الوقائية ولها القدرة على إرساء السلام، كما تساهم، وبطريقتها الخاصّة، في توضيح القانون الدولي وتطويره، ومن ثم، في تعزيز السلام الدولي.

تميّزت القضية الفلسطينية بطلبي رأيين استشاريين، تم رفعهما من الجمعية العامة للأمم المتحدة. يتعلق الطلب الأول بالآثار القانونية الناشئة عن بناء جدار في الأرض الفلسطينية المحتلة. وأدى إلى صدور الرأي في 9 يوليو 2004م، (أ). أما الثاني فهو يتعلق بالآثار القانونية لسياسات إسرائيل وممارساتها في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية. (ب).

 

  • الرأي الاستشاري حول الآثار القانونية الناشئة عن بناء جدار في الأراضي الفلسطينية المحتلة (9 يوليو 2004)

 

قرّرت الجمعية العامة، بموجب القرار ES-10/14الذي تم اعتماده في 8 ديسمبر 2003م، خلال دورتها الاستثنائية الطارئة العاشرة، إحالة السّؤال التالي إلى جهازها القضائي الرئيسي لإصدار رأي استشاري بشأنه:

"ما هي الآثار القانونية الناشئة عن بناء الجدار الذي تقوم إسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، بتشييده في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك داخل مدينة القدس الشرقية وحولها، مع مراعاة قواعد ومبادئ القانون الدولي، لاسيما اتفاقية جنيف الرابعة؟ "

ودعا القرار المحكمة إلى إصدار رأيها بشكل "استعجالي". وقرّرت المحكمة أن الدول التي سمح لها بالمثول أمامها، فضلًا عن فلسطين والأمم المتحدة وجامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي بناء على طلبها، قادرة على تقديم معلومات عن المسألة، وفقًا لنصّ الفقرتين 2 و3 من المادة 66 من النظام الأساسي.

وقد تمّ تقديم مرافعات كتابية من 44 دولة وفلسطين و4 منظمات دولية. وخلال الإجراءات الشفوية التي جرت من 23 إلى 25 فبراير 2004م، قدّمت 12 دولة وفلسطين ومنظمتان دوليتان مرافعات شفوية. وأصدرت المحكمة رأيها الاستشاري 9 يوليو 2004م.

ولاحظت المحكمة أنّ الجمعية العامة، وهي التي تقدمت بطلب الرأي الاستشاري، يجوز لها القيام بذلك بموجب الفقرة 1 من المادة 96 من الميثاق.

 وحيث أن المحكمة غضّت النظر عن عدد من الاعتراضات الإجرائية، فقد لاحظت بأن الشروط المنصوص عليها في القرار استوفيت عند توجيه الدعوة بانعقاد الدورة الاستثنائية العاشرة، لاسيما في اللحظة التي قررت فيها الجمعية العامة أن تطلب من المحكمة هذا الرأي، بما أن مجلس الأمن لم يتمكن من اتخاذ قرار بشأن تشييد الجدار لاستخدام (الفيتو). وقد رفضت المحكمة، الحجج القائلة بأنه لا يمكن إبداء الرأي في قضية الحال، على أساس أن الطلب لا يتعلق بمسألة قانونية أو أن السؤال المطروح مجرد أو سياسي.

وبعد أن أعلنت المحكمة اختصاصها، أشارت إلى أن عدم قبول دولة ما لولايتها القضائية ليس له أي تأثير على اختصاصها في مجال الآراء الاستشارية، وأن إصدار الرأي لا يؤدّي إلى تحول في مبدأ القبول بالنظام القضائي. حيث أن المسألة موضوع الطّلب، تندرج ضمن إطار أوسع نطاقًا من مسألة النزاع الثنائي بين إسرائيل وفلسطين وهي موضع اهتمام مباشر لمنظمة الأمم المتحدة. كما أن المحكمة لم تقبل الحجة القائلة بأنه كان ينبغي لها أن تمتنع عن إعطاء الرأي الاستشاري المطلوب، لأن ذلك قد يشكل عائقًا أمام التوصل إلى تسوية سياسية تفاوضية للصراع الإسرائيلي -الفلسطيني. كما ذكرت المحكمة أيضًا، بأن لديها معلومات وأدلة كافية تمكنها من إبداء الرأي وأن الأمر متروك للجمعية العامة لتقييم فائدة الرأي الاستشاري. وخلصت المحكمة، إلى أنه لا يوجد أي سبب يمنعها من إصدار الرأي المطلوب.

وإذ لاحظت المحكمة أن الجدار يضم حوالي 80 % من المستوطنين في الأرض الفلسطينية المحتلة، فقد ذكرت، بأن هذه المستوطنات وأن مسار الجدار من شأنه أن يحكم مسبقًا على الحدود المستقبلية بين إسرائيل وفلسطين، فقد رأت أن تشييد الجدار والنظام المرتبط به خلقا "أمرًا واقعًا" على الأرض قد يصبح دائمًا، وبالتالي فهو يرقى إلى مستوى الضم الفعلي (بحكم الأمر الواقع). ولاحظت المحكمة أيضًا أن المسار الذي اختير يكرس على أرض الواقع التدابير غير القانونية التي اتخذتها إسرائيل فيما يتعلق بالقدس والمستوطنات، قد أدى إلى مزيد من التغييرات في التركيبة الديمغرافية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وخلصت إلى أن تشييد الجدار، بالإضافة إلى التدابير السابقة، يشكل عائقًا خطيرًا أمام ممارسة الشعب الفلسطيني لحقه في تقرير المصير وبالتالي ينتهك التزام إسرائيل باحترام هذا الحق.

ولدى النظر في أثر تشييد الجدار على حياة السكان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، خلصت المحكمة إلى أن تشييد الجدار والنظام المرتبط به يتعارضان مع الأحكام ذات الصلة من قواعد لاهاي لعام 1907م، واتفاقية جنيف الرابعة، علاوة على كونهما يعيقان حرية تنقل السكان، على النحو الذي يكفله العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ويمنعانهم من التمتع بحقوقهم في العمل والصحة والتعليم ومستوى معيشي لائق، وفق ما نصت عليه أحكام العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية واتفاقية حقوق الطفل. وخلصت المحكمة كذلك إلى أن تشييد الجدار، المقترن بإنشاء المستوطنات، والنظام المرتبط به، ينحوان إلى تغيير التركيبة الديمغرافية للأراضي المحتلة، وبناء على ذلك فإنهما منافيان لاتفاقية جنيف الرابعة وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة.

وإذ ترفض المحكمة شروط التقييد أو عدم التقيد التي تم تقديمها لها، والواردة في صكوك القانون الإنساني وقانون حقوق الإنسان، حيثما تقتضي ذلك الضرورات العسكرية أو مقتضيات الأمن القومي أو النظام العام، فقد ذكرت المحكمة، أنها لم تقتنع بأن السعي إلى تحقيق الأهداف الأمنية التي تطرحها إسرائيل يتطلب اعتماد مسار الجدار، وأن إسرائيل انتهكت بعض التزاماتها بموجب القانون الإنساني وقانون حقوق الإنسان. وفي الأخير، رأت المحكمة أنه لا يمكن لإسرائيل أن تعتمد على حق الدفاع عن النفس وحالة الضرورة، باعتبارهما نافيين لعدم مشروعية بناء الجدار، لتخلص إلى أن الجدار والنظام المرتبط به يتعارضان مع القانون الدولي.

ولدى النظر في عواقب هذه الانتهاكات، أشارت المحكمة إلى التزام إسرائيل وواجبها باحترام حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، والتزامات إسرائيل بموجب القانون الإنساني وقانون حقوق الإنسان. ورأت المحكمة أنه ينبغي على إسرائيل، فوريًا، أن تضع حدًا لانتهاك وقف تشييد الجدار، وتفكيك أجزاء الجدار في الأرض الفلسطينية المحتلة، وإلغاء جميع القوانين التشريعية والتنظيمية المعتمدة لغرض بناء الجدار والنظام المرتبط به ووقف سريانها. وشددت على التزام إسرائيل بجبر الأضرار التي لحقت بالأشخاص الطبيعيين أو الاعتباريين المتضررين من تشييده.

 وفيما يتعلق بالآثار القانونية بالنسبة للدول الأخرى، أشارت المحكمة إلى أن جميع الدول ملزمة بعدم الاعتراف بالوضع غير القانوني الناشئ عن تشييد الجدار، كما ينبغي على هذه الدول أن تمتنع عن تقديم أي عون أو مساعدة في الحفاظ على الوضع الناشئ عن ذلك البناء. وقد ولاحظت، أن من مسؤولية كل دولة عضو، وفقًا لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي، أن تحرص على وضع حد للعقبات الناجمة عن تشييد الجدار أمام ممارسة الشعب الفلسطيني لحقه في تقرير المصير. كما ذكرت المحكمة أيضًا بالتزام الدول الأطراف في اتفاقية جنيف الرابعة، بإلزام إسرائيل باحترام للقانون الإنساني الدولي المتضمن في هذه الاتفاقية. وفيما يتعلق بالأمم المتحدة، وتحديدًا الجمعية العامة ومجلس الأمن، رأت المحكمة أنه ينبغي لهذه الهيئات أن تأخذ في الاعتبار الرأي الاستشاري الصادر، مع النظر في التدابير الأخرى التي ينبغي اتخاذها لوضع حد للوضع للحالة غير المشروعة قيد النظر.

ووضعت المحكمة مسألة بناء الجدار ضمن سياق أعم، فقد خلصت، مشيرة من جهة، إلى التزام إسرائيل وفلسطين باحترام القانون الإنساني الدولي والتنفيذ الضروري بحسن نية لجميع قرارات مجلس الأمن، ولافتة انتباه الجمعية العامة إلى ضرورة تشجيع الجهود الرامية إلى التوصل إلى حل تفاوضي للقضايا العالقة، على أساس القانون الدولي وإنشاء دولة فلسطينية.

 

  • الرّأي الاستشاري حول الآثار القانونية الناشئة عن سياسات إسرائيل وممارساتها في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية (19 يوليو 2024)

في 30 ديسمبر 2022م، اعتمدت الجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة القرار A/RES/77/247، الذي طلبت فيه من محكمة العدل الدوليّة، بالإشارة إلى المادة 65 من النّظام الأساسي للمحكمة، إصدار رأي استشاري حول سؤالين يتعلقان بسياسات إسرائيل وممارساتها في الأراضي الفلسطينية المحتلّة.

وفيما يلي نصّ الجزء ذي الصّلة من القرار:

     "إن الجمعية العامة

تقرر، وفقًا للمادة 96 من ميثاق الأمم المتحدة، أن تطلب إلى محكمة العدل الدولية، بموجب المادة 65 من النظام الأساسي للمحكمة، أن تصدر رأيًا استشاريًا بشأن المسائل التالية، آخذة في اعتبارها قواعد القانون الدولي ومبادئه، بما في ذلك ميثاق الأمم المتحدة، والقانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان والقرارات ذات الصلة الصادرة عن مجلس الأمن ومجلس حقوق الإنسان وقراراتها الخاصة، ورأي المحكمة المؤرخ في 9 يوليو 2004م:

(أ) ما هي الآثار القانونية لاستمرار إسرائيل في انتهاك حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير واحتلالها لفترة طويلة للأراضي المحتلة الفلسطينية واستعمارها منذ 1967م، بما في ذلك التدابير الرامية إلى تغيير التركيبة الديمغرافية للقدس وطابعها ووضعها، واعتماد إسرائيل لقوانين وتدابير تمييزية؟

(ب) ما هو أثر سياسات إسرائيل المشار إليها في الفقرة 18 (أ) أعلاه على الوضع القانوني للاحتلال، وما هي الآثار القانونية المترتبة على ذلك بالنسبة لجميع الدول والأمم المتحدة؟

وأحال الأمين العام للأمم المتحدة طلب الرأي الاستشاري إلى المحكمة، بخطاب في 17 يناير 2023م، وتم استلامه من قلم المحكمة في 19 يناير 2023م.

في أمرها في 3 فبراير 2023م، قررت المحكمة "أنه من المرجح أن تقدم الأمم المتحدة والدول الأعضاء، وكذلك دولة فلسطين المراقبة، معلومات حول المسائل المعروضة على المحكمة للحصول على رأي استشاري بشأنها".

وحددت المحكمة 25 يوليو 2023م، موعدًا لانقضاء الأجل الذي يمكن خلاله تقديم المذكرات إلى المحكمة وفقًا للفقرة 2 من المادة 66 من نظامها الأساسي ا، وحددت 25 أكتوبر 2023م، لانقضاء الآجال التي يمكن خلالها للدول أو المنظمات التي قدمت مذكرة أن تقدّم ملاحظات وتعقيبات كتابية، على المرافعات الكتابية التي أدلت بها دول أو منظمات أخرى بموجب الفقرة 4 من المادة 66 من النظام الأساسي.

قررت المحكمة وفقًا للمادة 66 من نظامها الأساسي، أنه يمكن لجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي والاتحاد الإفريقي تقديم معلومات عن المسائل التي أحالتها الجمعية العامة إلى المحكمة. لذلك فقد سمح لهذه المنظمات بأن تقدم، في غضون الآجال التي حددتها المحكمة في أمرها المؤرخ في 3 فبراير 2023، أي بحلول على التوالي، 25 يوليو 2023 و25 أكتوبر 2023، أن تقدم مرافعات مكتوبة حول هذه المسائل وملاحظات مكتوبة على أي مرافعة أو بيانّ مكتوب تقدمه دولة ما أو منظمة.

وبتاريخ 23 أكتوبر 2023م، قررت محكمة العدل الدولية عقد جلسات سماع علنية مخصصة لطلب الرأي الاستشاري بشأن الآثار القانونية لسياسات إسرائيل وممارساتها في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، وافتتحت هذه الجلسات يوم الاثنين 19 فبراير 2024م، في قصر السلام في "لاهاي".

وفي يوم 19 يوليو 2024م، أصدرت محكمة العدل الدّوليّة رأيها الاستشاري الذي جاء مؤكّدا ومؤيّدا لما كانت أبدته المحكمة من رأي في مسألة الجدار سنة 2004م، داحضًا مزاعم إسرائيل وبعض الدّول الموالية لها وعلى رأسها أمريكا وبريطانيا.

 وقد جاء في منطوق الحكم علاوة المحكمة باختصاصها بإعطاء الرّأي المطلوب وأنه لا توجد.وعدم وجود أسباب حاسمة تبرّر رفضها إعطاء الرأي، ما يلي:

"3-استمرار وجود دولة إسرائيل في الأرض الفلسطينية المحتلة غير قانوني،

4-دولة إسرائيل ملزمة بوضع حد لوجودها غير المشروع في المنطقة الفلسطينية المحتلة في أسرع وقت ممكن؛

5-دولة إسرائيل ملزمة بالتوقف الفوري عن أي نشاط استيطان جديد، وإجلاء جميع المستوطنين من الأرض الفلسطينية المحتلة؛

6ـ دولة إسرائيل ملزمة بجبر الأضرار التي لحقت بجميع الأشخاص الطبيعيين أو المعنويين في الأرض الفلسطينية المحتلة؛

  • جميع الدول ملزمة بعدم الاعتراف بشرعية الوضع الناشئ عن الوجود غير القانوني لإسرائيل في الأرض الفلسطينية وعدم تقديم المساعدة في الحفاظ على الوضع الناشئ عن استمرار وجود إسرائيل في الأرض الفلسطينية المحتلة؛
  • إنّ المنظمات الدولية، ملزمة بعدم الاعتراف بشرعية الوضع الناشئ عن الوجود غير المشروع لدولة إسرائيل في الأرض الفلسطينية المحتلة،
  • ويجب على الأمم المتحدة، التي طلبت الرأي، ومجلس الأمن، أن يدرسوا الطرائق الدقيقة والتدابير الإضافية لوضع حد في أسرع وقت ممكن للوجود غير المشروع لدولة إسرائيل في الأرض الفلسطينية المحتلة".

ثمّ بحثت المحكمة نطاق ومعنى السؤالين اللذين طرحتهما الجمعية العامة

ثمّ قامت المحكمة بتقييم مدى توافق سياسات إسرائيل وممارساتها في الأرض الفلسطينية المحتلة، كما هو محدد في السؤال أ)، مع الالتزامات التي تقع على عاتق تلك الدولة بموجب القانون الدولي. وتناولت على وجه الخصوص، مسائل الاحتلال الطويل الأمد، وسياسة الاستيطان الإسرائيلية، وضم الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، فضلاً عن اعتماد إسرائيل للقوانين والتدابير ذات الصلة التي من شأنها أن تكون تمييزية.

    وفيما يتعلق بمسألة الاحتلال المطوّل للأرض الفلسطينية المحتلّة والذي دام أكثر من 57 عامًا، لاحظت المحكمة أنّ الدّولة التي تتصرّف كسلطة احتلال تمتلك، بهذه الصفة، مجموعة من السّلطات والمسؤوليّات فيما يتعلّق بالإقليم الذي تمارس عليه السّيطرة الفعليّة، واعتبرت المحكمة انّ طبيعة هذه الصلاحيّات ونطاقها والمسؤوليّات ترتكز على نفس الافتراض، وهو أن الاحتلال هو حالة مؤقّتة جاءت استجابة لضرورة عسكريّة، وأنّه لا يمكن أن يترتّب عن تمادي الاحتلال في الزمن تحويل السّيادة إلى قوّة الاحتلال.

    ووفقاً للمحكمة، فإن استمرار الاحتلال لا يغيّر من طبيعته القانونية وذلك بموجب القانون الدولي الإنساني. وعلى الرغم من بناء القانون على أنّ الاحتلال وضع مؤقت فإنّ نفس القانون لا يضع في المقابل حدودًا زمنية يمكنها، في حدّ ذاتها، تغيير طبيعة الاحتلال.

            وفيما يتعلق بسياسة الاستيطان الإسرائيلية، تؤكد المحكمة ما جاء في رأيها الاستشاري في 9 يوليو 2004م، بشأن "الآثار القانونية الناشئة عن تشييد جدار في الأراضي الفلسطينية المحتلة"، أي أن المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلّة وفي الضفّة الغربيّة والقدس الشّرقيّة، والنّظام المرتبط بهما، والحفاظ عليهما تشكل انتهاكًا للقانون الدولي. وتلاحظ المحكمة بقلق بالغ أن المعلومات التي بحوزتها تشير إلى أن سياسة الاستيطان التي تنتهجها إسرائيل تصاعدت منذ الرأي الصادر عام 2004 م.

    أمّا فيما يتعلق بمسألة ضمّ الأرض الفلسطينيّة المحتلّة (الفقرات 157-179)، فإنّ المحكمة ترى أن محاولة بسط السّيادة الإسرائيلية على الأرض المحتلّة، هو أمر غير مقبول. وتقول "ومهما كانت الظّروف التي أدّت إلى الاحتلال، فإن مجرّد الاحتلال لا يمكن أن يمنح حقّ السيادة لقوّة الاحتلال". وبالتّالي، فإن سلوك قوّة الاحتلال، الذي يعكس نيّة ممارسة السيطرة الدائمة على الأراضي المحتلة "تتعارض مع حظر استخدام القوة في العلاقات الدولية وما يترتب عليه من مبدأ عدم استخدام القوة وقرينه مبدأ الاستيلاء على الأراضي بالقوّة".

إثر ذلك نظرت المحكمة في مسألة العواقب القانونية المترتبة على اعتماد إسرائيل للقوانين والتدابير التمييزية المتّصلة بها وخلصت إلى أن مجموعة واسعة من القوانين والتّدابير التي اعتمدتها إسرائيل باعتبارها القوّة المحتلّة تخصّ الفلسطينيين بمعاملة تمييزية تقوم على أسس يحددها القانون الدولي. وتشير المحكمة إلى أن هذا الاختلاف في المعاملة لا يمكن تبريره على أساس معايير موضوعية ومعقولة، ولا على أساس هدف مشروع يتعلّق بالمصلحة العامة. وبالتّالي، فهي ترى أن نظام القيود العامّة الذي تفرضها إسرائيل على الفلسطينيين في الأرض الفلسطينيّة المحتلّة يشكل تمييزًا منهجيًا يعتمد، بشكل خاصّ، على العرق أو الدين أو الأصل العرقي.

    بعد ذلك تناولت المحكمة فرع السؤال (أ) المتعلق بآثار السياسات والممارسات الإسرائيلية على ممارسة الشعب الفلسطيني لحقه في تقرير المصير. وفي هذا الصدد، رأت أنه نتيجة للسّياسات والممارسات الإسرائيليّة، منذ عقود، فقد حرم الشعب الفلسطيني من حقه في تقرير المصير لفترة طويلة، وتوسيع نطاق هذه السياسات والممارسات يعرض ممارسة هذا الحق للخطر في المستقبل. ولهذه الأسباب، رأت المحكمة أن سياسات إسرائيل وممارساتها غير المشروعة تشكل انتهاكًا لهذا الالتزام وعليها احترام حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره.

فيما يتعلق بالجزء الأول من السؤال (ب)، تتناول المحكمة مسألة ما إذا كانت سياسات إسرائيل وممارساتها تؤثّر-وإذا كان الأمر كذلك كيف تؤثر على الوضع القانوني للاحتلال، في ضوء قواعد ومبادئ القانون الدولي ذات الصّلة. وفي هذا الصّدد، ترى المحكمة أولاً، أن الجزء الأول من السؤال (ب) لا تتعلق بمعرفة ما إذا كانت سياسات إسرائيل وممارساتها لها تأثير على الوضع القانوني للاحتلال في حدّ ذاته، بل ترى أن الجزء الأول من السؤال الثاني يتعلّق بالطّريقة التي تؤثّر بها سياسات إسرائيل وممارساتها على الوضع القانوني للاحتلال، وبالتّالي على شرعيّة استمرار وجود هذه الدّولة، باعتبارها السلطة القائمة بالاحتلال في الأراضي الفلسطينيّة. ويجب تحديد هذه الشّرعيّة في ضوء قواعد ومبادئ القانون الدولي العام.

وتلاحظ المحكمة كذلك أن آثار سياسات إسرائيل وممارساتها، وممارستها للسيادة على أجزاء من الأرض الفلسطينية المحتلة، تشكل عقبة أمام ممارسة الشعب الفلسطيني لحقه في تقرير المصير. وتشمل هذه الآثار ضم إسرائيل لأجزاء من الأرض الفلسطينية المحتلة، وتفتيتها، مما ينال من سلامتها، وممارسات إسرائيل المتمثلة في حرمان الشعب الفلسطيني من التمتع بالموارد الطبيعية للأرض المذكورة، وإعاقة حق هذا الشعب أن يتابع بحرية تنميته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

وترى المحكمة " إن آثار السياسات والممارسات الإسرائيلية الموصوفة أعلاه، بما في ذلك إنكار حقّ الّشعب الفلسطيني في تقرير المصير منذ فترة طويلة، تشكّل انتهاكًا لهذا الحقّ الأساسي. ولهذا الانتهاك تأثير مباشر على شرعيّة وجود إسرائيل، باعتبارها القوّة المحتلّة، في الأرض الفلسطينية المحتلة. وتنطبق هذه اللاشرعية على كامل الأراضي الفلسطينية التي احتلتها إسرائيل عام 1967م، وهذا هو الكيان الإقليمي الذي فرضت فيه إسرائيل ممارسات تهدف لتقويض وإعاقة قدرة الشعب الفلسطيني على ممارسة حقه في تقرير المصير،

وخلصت المحكمة إلى أن سياسات إسرائيل وممارساتها المشار إليها (أ) تنتهك القانون الدولي. فالإبقاء على هذه السياسات والممارسات يشكّل عملاً غير مشروع ومستمرّ تترتّب عنه المسؤولية الدولية لإسرائيل. تقول المحكمة " إنّ الاستنتاج بأن استمرار وجود إسرائيل في الأرض الفلسطينية المحتلّة غير قانوني لا يعفي تلك الدولة من الالتزامات والمسؤوليات التي يفرضها عليها القانون الدولي، وعلى وجه الخصوص قانون الاحتلال، تجاه السّكان والدّول الأخرى فيما يتعلق بممارسة صلاحّياتها فيما يتعلق بالإقليم المعني حتى إنهاء وجودها فيه.

وخلصت المحكمة أيضًا، ردًا على الجزء الأول من السؤال (ب)، إلى استمرار وجود إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة غير قانوني. ولذلك فهو يبحث في العواقب القانونية الناشئة عن سياسات وممارسات إسرائيل المشار إليها في السؤال (أ)، وكذلك، لأغراض السؤال (ب)، تلك الناجمة عن عدم شرعية الوجود الإسرائيلي المستمر في الأرض الفلسطينية المحتلة ولإسرائيل والدول الأخرى والأمم المتحدة (الفقرات 267-281). العواقب القانونية بالنسبة لإسرائيل.

ففيما يتعلق باستنتاجها بأن استمرار وجود إسرائيل في الأرض الفلسطينية المحتلة غير قانوني، "ترى المحكمة أن هذا الوجود يشكل عملاً غير قانوني يستلزم المسؤولية الدولية لتلك الدولة"’ فبالتالي، "يقع على عاتق (إسرائيل) واجب إنهاء وجودها في الأرض الفلسطينية المحتلة في أقرب وقت ممكن".

أثار هذا الرأي، كسابقه حول الجدار، التفاؤل والارتياح لدى الفلسطينيين. وقالت الرئاسة الفلسطينية إنها "ترحب بقرار محكمة العدل الدولية وتعتبره قرارًا تاريخيًا وتطالب بإلزام إسرائيل بتنفيذه"، واعتبرت "قرار المحكمة انتصارًا للعدالة، إذ أكد القرار أن الاحتلال الإسرائيلي غير شرعي". بدورها، قالت وزارة الخارجية الفلسطينية إن "الرأي الاستشاري بات الآن حقيقة قانونية لا يمكن دحضها، ويترتب عليه آثار قانونية". وأن "الحل الوحيد المتوافق مع القانون الدولي هو أن تقوم إسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، بإنهاء احتلالها غير القانوني للأرض الفلسطينية المحتلة من دون قيد أو شرط وفورًا." وأن على كل الدول تحمّل واجباتها في عدم الاعتراف بالوجود غير الشرعي لإسرائيل.

أما الوزير الأوّل الإسرائيلي قرارًا "خاطئا" وأن " الشعب اليهودي لا يحتل أرضه ولا عاصمتنا القدس ولا أرض آبائنا وأجدادنا في يهودا والسامرة. ليس لأي قرار كاذب في لاهاي أن يشوه هذه الحقيقة التاريخية، ولا يمكن التشكيك في شرعية المستوطنات الإسرائيلية في جميع مناطق أراضينا". من جهته، قال وزير الأمن إن قرار محكمة العدل الدولية "يثبت للمرة الألف أن هذه منظمة سياسية ومعادية للسامية بشكل واضح".

إن الآراء الاستشارية لمحكمة العدل الدّوليّة، رغم عدم إلزاميتها وعدم تمتّعها بالسّلطة المطلقة للأمر المقضي به، فهي تتمتع بقيمة قانونيّة كبيرة، إذ توفّر تأويلًا رسميًّا لقواعد القانون الدّولي سواء كانت مكتوبة أو عرفيّة، وتشكّل مرجعيّة قانونية لا محيد عنها لتوجيه القرارات السّياسيّة لطالب الرّأي الاستشاري وللمحاكم وللدّول. وفي هذا المعنى ذهبت المحكمة الدّوليّة لقانون البحار لمّا أقرّت في حكم لها حول تعيين الحدود البحريّة بين موريشيوس والمالديف في المحيط الهادي، بتاريخ 28 يناير 2021م، أنّ الجدل حول السّيادة على أرخبيل تشاغوس حسمها الرّأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية الصّادر في 25 فبراير 2019.

زيادة على ذلك، فإنّ الرّأي الاستشاري لمحكمة العدل الدوليّة تتوفّر فيه جميع مقوّمات وعناصر القرار القضائي (الحكم) سواء من حيث الإجراءات (تبادل المذكّرات، التّرافع، التّحقيق، إلخ) أو من حيث إبراز القواعد القانونيّة المنطبقة أو من حيث الشّكل، إذ لا وجود لفروق في كيفيّة تحرير الحكم القضائي والرّأي الاستشاري.

 

الجزء الثاني: المسار النّزاعي للقضيّة الفلسطينيّة أمام محكمة العدل الدّوليّة

 

حتى الآن، رفعت لدى محكمة العدل الدولية قضيتان تتعلقان بالقضيّة الفلسطينيّة، وكلاهما لا تزالان عالقتان. القضية الأولى رفعتها دولة فلسطين ضد الولايات المتحدة بخصوص نقل السفارة الأمريكية إلى القدس (أ). والثانية، وهي الأحدث، عريضة لافتتاح دعوى، تقدمت بها جمهورية جنوب إفريقيا ضد إسرائيل بشأن تطبيق وتفسير اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية في قطاع غزة والمعاقبة عليها (ب).

 

  • قضية نقل السفارة الأمريكية إلى القدس

 

في 28 سبتمبر 2018م، رفعت دولة فلسطين دعوى ضد أمريكا أمام المحكمة في نزاع يتعلق بانتهاكات مزعومة لاتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية المؤرخة في 18 أبريل 1961م.

ويذكر الالتماس بأنه في 6 ديسمبر 2017م، اعترف رئيس أمريكا بالقدس عاصمة لإسرائيل وأعلن عن نقل السفارة الأمريكية إلى القدس. وتم افتتاح السفارة في القدس في 14 مايو 2018م. وتدّعي فلسطين أنه يترتب على اتفاقية فيينا أن البعثة الدبلوماسية للدولة الموفدة يجب أن تنشأ في إقليم الدولة المستقبلة. وهي ترى (أي دولة فلسطين)، بالنظر إلى الوضع الخاص لمدينة القدس، بأن "نقل سفارة أمريكا في إسرائيل إليها يعدُّ انتهاكا لاتفاقية فيينا".

وفي نهاية عريضة رفع الدعوى، "تطلب فلسطين من المحكمة أن تقول بأن نقل سفارة أمريكا إلى القدس يعد انتهاكًا لاتفاقية فيينا". كما طلبت من المحكمة "أن تأمر واشنطن بسحب البعثة الدبلوماسية من القدس والامتثال للالتزامات الدولية الناشئة عن اتفاقية فيينا". وأخيرًا، فإن المدعي "يطلب من المحكمة أن تأمر واشنطن باتخاذ التدابير اللازمة للامتثال لالتزاماتها.

بموجب الأمر في 15 نوفمبر 2018م، قررت المحكمة أن وثائق إجراء المرافعات الكتابية ستتناول أولًا مسائل اختصاص المحكمة ومقبولية الدعوى. وحددت 15 مايو 2019م، و15 نوفمبر 2019م، كموعدين نهائيين لانقضاء آجال إيداع مذكرة الرد من قبل دولة فلسطين ومذكرة التعقيب من أمريكا.

وقد أشير في الأمر بأن دولة فلسطين تعتزم إثبات انعقاد الاختصاص للمحكمة، استنادًا إلى المادة 1 من البروتوكول الاختياري للتوقيع على اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية بشأن التسوية الإلزامية للمنازعات (1961م). وينص الأمر على أنه في رسالة في 2 نوفمبر 2018م، أبلغت السيدة جنيفر ج. نيوستيد، المستشارة القانونية لكتابة الدولة للشؤون الخارجية الأمريكية، المحكمة أنه في 13 مايو 2014م، إثر "الانضمام المزعوم" للمدعي إلى اتفاقية فيينا، أرسلت واشنطن رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة ذكرت فيها أنها لا تعتبر نفسها ملزمة بعلاقة تعاهدية مع مقدم الطلب بموجب اتفاقية فيينا. كما أضافت أنه في 1 مايو 2018م، إثر "الانضمام المزعوم" للمدعي إلى البروتوكول الاختياري للتوقيع، أرسلت واشنطن رسالة إلى الأمين العام ذكرت فيها أنها لا تعتبر نفسها ملزمة بعلاقة تعاهدية مع مقدم الطلب بموجب البروتوكول الاختياري للتوقيع؛ وقد أشارت السيدة نيوستيد في رسالتها إلى أن المدعي كان على علم بهذه الرسائل قبل رفع دعواه إلى المحكمة؛ وخلصت إلى أنه، وفقًا لما ذكرته واشنطن، فـ "من الواضح أن المحكمة ليس لها اختصاص للنظر في الدعوى " وأنه ينبغي شطب القضية من سجل القضايا المرفوعة أمام المحكمة.

وبالمثل، فقد قامت السيدة نيوستيد، في رسالة مؤرخة في اليوم نفسه بإخطار قلم المحكمة بأن أمريكا لن تشارك في الاجتماع الذي اقترح الرئيس عقده في 5 نوفمبر 2018م، مع ممثلي الأطراف.

وفي نوفمبر 2018م، التقى رئيس المحكمة بممثلي فلسطين. وفي هذا الاجتماع، أشارت فلسطين إلى أنها ترغب في أن تقبل المحكمة طلباتها وأعربت عن تفضيلها الواضح لتقديم مذكرة تتناول في الوقت نفسه كلا من اختصاص المحكمة وموضوع الدعوى، بحجة أن الجانبين في رأيها، مرتبطان ارتباطا وثيقا، ورأت المحكمة، مشيرة إلى الفقرة 2 من المادة 79 من نظامها الداخلي، أنه "في ظل ملابسات قضية الحال، وبالنظر لكون المحكمة ليس لديها وفقًا لأمريكا، الاختصاص للنظر في طلب فلسطين، فمن الضروري إذًا أن يتم في المقام الأول، حسم مسائل اختصاص المحكمة ومقبولية الدعوى، وبناء عليه سيتوجب البتّ في هذه المسائل بشكل منفصل.

وبناء على ذلك، قررت المحكمة أن تتناول وثائق إجراء المرافعات الكتابية، أولا مسائل اختصاص المحكمة ومقبولية الدعوى وحددت المواعيد النهائية لإيداع هذه الوثائق على النحو التالي: مذكرة دولة فلسطين، 15مايو 2019م؛ مذكرة الرد للولايات المتحدة الأمريكية، 15 نوفمبر 2019م. وإلى تاريخ اليوم، لا تزال القضية كما هي.

 

  • تطبيق وتفسير اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية في قطاع غزة والمعاقبة عليها

 

في 29 ديسمبر 2023م، تقدمت جنوب إفريقيا بعريضة لافتتاح دعوى أمام محكمة العدل الدولية ضد دولة إسرائيل بشأن انتهاكات مزعومة من قبل دولة إسرائيل لالتزاماتها، بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها لسنة 1948فيما يتعلق بالفلسطينيين في قطاع غزة.

  • طلب الأمر بتدابير احترازية

تضمنت عريضة رفع الدعوى، طلبًا بإصدار أمر بتدابير احترازية بموجب المادة 41 من النظام الأساسي للمحكمة والقواعد 73 و74 و75 من نظامها الداخلي.

ووفقًا لاجتهاد قضائي ثابت، فإن "الغرض من سلطة إصدار الأوامر بتدابير احترازية، التي تستمدها المحكمة من نص المادة 41 من نظامها الأساسي، هو حماية الحقوق التي يطالب بها كل طرف من الطرفين، ريثما تبت المحكمة في موضوع الدعوى. ويترتب على ذلك أن المحكمة يجب أن تعتني من خلال هذه التدابير، بحماية الحقوق التي قد يعترف بها القرار الذي ستصدره لاحقًا لصالح هذا الطرف أو ذاك".

وتلتمس جنوب إفريقيا في ذلك من المحكمة أن تأمر بتدابير مؤقتة "كحماية من المزيد من الضرر الجسيم الذي لا يمكن إصلاحه، لحقوق الشعب الفلسطيني التي تكفلها له اتفاقية الإبادة الجماعية"، و "ضمان امتثال إسرائيل لالتزاماتها بموجب الاتفاقية بعدم ارتكاب الإبادة الجماعية ومنع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها". ووفقًا للمادة 74 من النظام الداخلي للمحكمة، فإن "طلب الأمر بتدابير مؤقتة يحوز على الأولوية على جميع القضايا الأخرى".

موقف جنوب إفريقيا

" إن جنوب إفريقيا، بصفتها دولة طرفًا في اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، تلتمس من المحكمة بكل احترام أن تأمر بشكل مستعجل، وريثما تبت في موضوع الأسس الموضوعية لقضية الحال، بالتدابير المؤقتة التالية فيما يتعلق بالشعب الفلسطيني بوصفه جماعة محمية بموجب أحكام الاتفاقية المذكورة.

ترتبط هذه التدابير ارتباطًا مباشرًا بالحقوق موضوع الخلاف بين جنوب إفريقيا وإسرائيل:

موقف إسرائيل

" وفقا للفقرة 2 من المادة 60 من النظام الداخلي للمحكمة، وللأسباب المبينة في جلسة الاستماع في 12 يناير 2024، وكذلك لأي أسباب أخرى قد تراها المحكمة مناسبة، تلتمس دولة إسرائيل من المحكمة:

(1) رفض طلب جنوب إفريقيا بالأمر بتدابير مؤقتة.

(2) شطب القضية من سجل القضايا المرفوعة أمامها"

 

 

  • الأمر بتدابير احترازية المؤرخ في 26 يناير 2024

 

وبعد 14 يومًا من اختتام المرافعات الشفوية، أصدرت محكمة العدل الدولية أمرها بتدابير مؤقتة بتصويت يقترب من الإجماع. لم يسجل أي اعتراض باستثناء القاضية الأوغندية سيبوتيندي والقاضي الإسرائيلي الخاص باراك الذين صوتا ضد الفقرات 1 و 2 و 5 و 6 من منطوق القرار، بينما صوتت السيدة سيبوتيندي وحدها ضد جميع فقرات المنطوق.

 

وقبل الانتقال إلى الطلبات التي تقدمت بها جنوب إفريقيا، حكمت المحكمة أولًا في اختصاصها الظاهر (الاختصاص لأول وهلة prima facie). وللقيام بذلك، كان عليها أن تقتنع بوجود نزاع بين جنوب إفريقيا وإسرائيل، وفقًا للمادة الحادية عشرة من اتفاقية الإبادة الجماعية، التي "تجعل اختصاص المحكمة خاضعًا لوجود نزاع يتعلق بتفسير أو تطبيق أو تنفيذ الصك المذكور" (الفقرة 19). وتحقيقًا لهذه الغاية، "تذكر المحكمة بأنه لغرض تحديد ما إذا كان هناك نزاع بين الطرفين في وقت تقديم عريضة الدعوى، فإنها تأخذ في الاعتبار أي بيانات أو وثائق تم تبادلها بين الطرفين، فضلًا عن أي تبادل جرى في المحافل متعددة الأطراف" (الفقرة 25). وتلاحظ المحكمة، من ناحية، أن جنوب إفريقيا "أدلت، في مختلف المحافل المتعددة الأطراف والثنائية، ببيانات وتصريحات علنية أعربت فيها عن رأيها، في أن أعمال إسرائيل العسكرية في غزة بالنظر إلى طبيعتها ومداها وحجمها تعتبر خرقًا لالتزاماتها بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية" (الفقرة 26) وأنه، ومن ناحية أخرى، بأن إسرائيل " نفت أي اتهام بالإبادة الجماعية في سياق الصراع في غزة" (الفقرة 27). وفي ضوء هذا التضاد، "ترى المحكمة أن للطرفين آراء متعارضة بوضوح حول ما إذا كانت بعض الأفعال أو الإغفالات المزعومة ضد إسرائيل في غزة تشكل انتهاكات من جانب إسرائيل لالتزاماتها بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية" (الفقرة 28). وعلى ضوء ذلك، "[تعين] على المحكمة أن تقرر ما إذا كانت الأفعال والإغفالات التي تشكو منها الدولة المدعية يمكن أن تكون مندرجة ضمن أحكام اتفاقية الإبادة الجماعية []. وترى المحكمة أن بعض الأفعال والإغفالات التي تدعيها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل في غزة، يبدو على الأقل، أنها تندرج ضمن أحكام الاتفاقية" (الفقرة 30). وبناء على ذلك، "تخلص المحكمة إلى أن لها للوهلة الأولى اختصاصًا بموجب المادة التاسعة من اتفاقية الإبادة الجماعية للنظر في قضية الحال".

وفيما يتعلق بأهلية جنوب إفريقيا لإقامة الدعوى، " خلصت المحكمة إلى أنه يجوز لأي دولة طرف في اتفاقية الإبادة الجماعية أن تحتج بمسؤولية دولة طرف أخرى، بما في ذلك من خلال رفع دعوى أمام المحكمة، بغية البت في عدم امتثالها المزعوم لالتزاماتها تجاه الأطراف الكافة erga omnes  بموجب الاتفاقية، بغية إثبات وإنهاء الإخلال المزعوم ".

وللأمر بتدابير احترازية، استندت المحكمة إلى تقارير من هيئات الأمم المتحدة المختصة. وأشارت:" إلى أن العملية العسكرية التي نفذتها إسرائيل في أعقاب الهجوم الذي وقع في 7 أكتوبر 2023م، أسفرت عن سقوط عدد كبير من القتلى والجرحى وتسببت في دمار واسع النطاق للوحدات السكنية وأدت إلى التهجير القسري للغالبية العظمى من السكان وألحقت أضرارًا جسيمة بالبنية التحتية المدنية. على الرغم من أنه لا يمكن التحقق من الأرقام الخاصة بقطاع غزة بشكل مستقل، إلا أن معلومات حديثة تشير إلى مقتل 25,700 فلسطيني، وإصابة أكثر من 63,000، إضافة إلى 360,000 منزل دمرت كليًا أو جزئيًا، وحوالي 1.7 مليون نازح داخل غزة.

والتدابير التي أمرت بها المحكمة، حتى وإن لم تؤكد طلبات جنوب إفريقيا حرفيًا، إلا أنها سارت في اتجاهها. وبناء على ذلك، فإن المحكمة أمرت بالتدابير التالية:

 

"1 - يجب على إسرائيل، وفقًا لالتزاماتها بموجب اتفاقية منع ومعاقبة جريمة الإبادة، فيما يتعلق بالفلسطينيين في قطاع غزة، اتخاذ جميع التدابير في وسعها لمنع ارتكاب جميع الأعمال التي تندرج ضمن نطاق تطبيق المادة الثانية من هذه الاتفاقية، لاسيما:

(أ) قتل أعضاء المجموعة؛

(ب) إلحاق ضرر جسيم بالسلامة الجسدية أو العقلية لأعضاء المجموعة؛

(ج) إخضاع المجوعة عمدًا لظروف معيشية من شأنها أن تؤدي إلى تدميرها المادي كليًا أو جزئيًا؛

(د) تدابير تهدف إلى منع الولادات داخل المجموعة؛

(2) بأغلبية خمسة عشر صوتًا مقابل صوتين، أمرت المحكمة أنه يجب على إسرائيل، أن تضمن وبشكل فوري، عدم ارتكاب جيشها أيًا من الأعمال المشار إليها في النقطة 1 أعلاه.

(3) بأغلبية ستة عشر صوتًا مقابل صوت واحد، أمرت المحكمة أنه يجب على إسرائيل اتخاذ جميع التدابير التي في وسعها لمنع التحريض المباشر والعلني على ارتكاب الإبادة الجماعية ضد أعضاء المجموعة الفلسطينية في قطاع غزة والمعاقبة عليه.

(4) بأغلبية ستة عشر صوتا مقابل صوت واحد، أمرت المحكمة أنه يجب على إسرائيل فورًا اتخاذ تدابير فعالة للتمكين من توفير الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية المطلوبة بشكل عاجل للتخفيف من وطأة الظروف المعيشية الصعبة التي فرضت على الفلسطينيين في قطاع غزة.

(5) بأغلبية خمسة عشر صوتًا مقابل صوتين، أمرت المحكمة أنه يجب على إسرائيل اتخاذ تدابير فعالة لمنع التدمير وضمان الحفاظ على الأدلة المتعلقة بالأعمال التي يزعم اقترافها ضد أعضاء المجموعة الفلسطينية في قطاع غزة، والتي تقع في نطاق تطبيق المادتين الثانية والثالثة من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها.

 (6) بأغلبية خمسة عشر صوتًا مقابل صوتين، أمرت المحكمة أنه يجب على إسرائيل أن ترفع لها تقريرًا عن جميع التدابير التي اتخذتها لتنفيذ هذا الأمر في غضون شهر واحد ابتداء من تاريخ النطق به"

للتدبير الأول أبعاده المعتبرة وتترتب عنه تبعات هامة، حيث أن أمر المحكمة لإسرائيل باتخاذ جميع التدابير التي في وسعها لمنع ارتكاب جميع الأعمال التي تندرج ضمن نطاق تطبيق المادة الثانية من هذه الاتفاقية ضد الفلسطينيين في غزة، لاسيما : (أ) قتل أعضاء المجموعة ؛ (ب) إلحاق ضرر جسيم بالسلامة الجسدية أو العقلية لأعضاء المجموعة؛ (ج) إخضاع المجوعة عمدا لظروف معيشية من شأنها أن تؤدي إلى تدميرها المادي كليا أو جزئيا؛ و (د) تدابير تهدف إلى منع الولادات داخل المجموعة" " يعني بحكم الأمر الواقع Ipso facto، أنه على إسرائيل وقف غاراتها الجوية وهجماتها البرية والبحرية، وإلا فمن الصعب أن نرى كيف يمكن تجنب قتل أعضاء المجموعة،...إلخ. مع استمرار الهجوم العسكري الإسرائيلي. وينطبق الشيء ذاته على التدبير الثاني، الذي يأمر إسرائيل وبشكل فوري، أن تضمن عدم ارتكاب جيشها أيا من هذه الأعمال المشار إليها. ويعطي التدبير الثاني لمبادرة الأمين العام للأمم المتحدة كامل مغزاها، وهو الذي تحمل مسؤولياته بمجرد صدور الأمر بإحالته إلى مجلس الأمن. الأمر نفسه نافذ، ولكن مبادرة الأمين العام تشير على ما يبدو إلى أنه يريد من مجلس الأمن أن يغتنم هذا الأساس القانوني ليأمر أخيرا بوقف فوري لإطلاق النار. أما التدبير السادس المتعلق بتقديم تقرير في غضون شهر واحد من تاريخ صدور الأمر، فإنه وسيلة ضغط إضافية لضمان فعالية القرار ونفاذه.

  1. طلب تدابير احترازية إضافية (12 فبراير 2024)

في 12 فبراير 2024م، طالبت جنوب إفريقيا من المحكمة أن تأمر بتدابير إضافية وفقًا للمادة 75 من قواعد محكمة العدل الدوليّة.

 وفي قرارها (Décision)  المؤرّخ 15 فبراير2024م، أشارت المحكمة إلى:

 " أن الأحداث الأخيرة في قطاع غزة، ولا سيما في رفح، "ستؤدي إلى تفاقم هائل لما هو بالفعل كابوس إنساني له عواقب إقليمية لا يمكن فهمها"، كما ذكر الأمين العام للأمم المتحدة (ملاحظات أمام الجمعية العامة بشأن أولويات عام 2024م، (7 فبراير 2024). ويتطلب هذا الوضع المقلق التنفيذ الفوري والفعال للتدابير المؤقتة التي أشارت إليها المحكمة في أمرها الصادر في 26 يناير 2024م، والتي تنطبق على قطاع غزة بأكمله، بما في ذلك رفح، ولا تتطلب الأمر بتدابير إضافية. وتؤكد المحكمة أن دولة إسرائيل لا تزال ملزمة تمامًا بالوفاء بالتزاماتها بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية وتنفيذ اتفاقية الإبادة الجماعية، ولا سيما من خلال ضمان سلامة وأمن الفلسطينيين في قطاع غزة."

  1. طلب اتخاذ تدابير احترازية (4 آذار 2024)

في 4 مارس2024م، طالبت جنوب إفريقيا للمرة الثالثة أن تأمر المحكمة بتدابير احترازية إضافية. وذكرت جنوب إفريقيا في طلبها الجديد أنها:

"مضطرة للعودة إلى المحكمة في ضوء الوقائع والتطورات الجديدة في غزة -ولا سيما حالة المجاعة الواسعة النطاق -الناجمة عن الانتهاكات الصارخة والمستمرة لاتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها من قبل دولة إسرائيل ... وانتهاكاتها الواضحة والمستمرة للتدابير المؤقتة التي أشارت إليها المحكمة في 26 يناير 2024م. وتطلب من المحكمة أن تشير إلى تدابير تحفظية أخرى و/أو أن تعدل التدابير المؤقتة المبينة في أمرها المؤرخ 26 كانون الثاني/يناير 2024م، وفقا للمادة 41 من النظام الأساسي للمحكمة والفقرتين 1 و3 من المادة 75 من نظام روما الأساسي والفقرتين 1 و3 من المادة 75 والمادة 76، الفقرة 1 من لائحة المحكمة، على التوالي، من أجل ضمان السلامة والأمن العاجلين لـ 2.3 مليون فلسطيني في غزة، بمن فيهم أكثر من مليون طفل".

هذه المرة، أصدرت م ع د أمرًا ثانيًا، أشد لهجة من الأول أيدت في بدايته التدابير التي أمرت بها في 26 يناير 2024م،

.4. طلب اتخاذ تدابير احترازية10 مايو 2024

 مرة أخرى، لجأت جنوب إفريقيا في 10 مايو 2024م، إلى الهيئة القضائية الدولية وأودعت لديها "طلبًا مستعجلًا بتعديل التدابير الاحترازية وإصدار تدابير جديدة".

في 24 مايو 2024م، قبلت محكمة العدل الدولية الطلب الجديد لجنوب إفريقيا، الذي نظرت فيه باعتباره طلبًا لتعديل الأمر المؤرخ في 28 مارس ومن ثم أصدرت المحكمة أمرها الثالث في قضية الحال.

في 6 مايو 2024م، وبعد أسابيع من القصف العسكري المكثف لـ"رفح"، حيث لجأ أكثر من مليون فلسطيني خضعوا لأوامر إسرائيلية بإخلاء مناطق تغطي أكثر من ثلاثة أرباع مساحة قطاع غزة، أمرت إسرائيل نحو 100 ألف فلسطيني بإخلاء الجزء الشرقي من رفح والانتقال إلى مناطق "المواصي" و"خان يونس" تحضيرًا لهجوم عسكري.

 ولا تزال الهجمة العسكرية البرية على رفح التي بدأتها إسرائيل في 7 مايو 2024م، مستمرة حتى اليوم وأدت إلى أوامر إخلاء جديدة. ونتيجة لذلك، ووفقًا لمعلومات جمعتها الأمم المتحدة، فقد نزح من رفح بحلول 18 مايو 2024 م، قرابة الـ 800 ألف شخص ".

واعتبرت المحكمة أن هذه التطورات "التي تتسم بخطورة استثنائية، ولاسيما الهجوم العسكري على "رفح" وما نتج عنه من نزوح متكرر وواسع النطاق لسكان قطاع غزة من الفلسطينيين، الموجودين أصلا في حالة هشاشة قصوى، تمثل تحولا في الوضع بمعنى المادة 76 من النظام الداخلي للمحكمة". وبناء عليه فقد رأت المحكمة أن "التدابير الاحترازية المشار إليها في أمرها الصادر في 28 مارس 2024م، كما تلك التي تم تجديد التأكيد عليه فيه، لا تغطي بشكل كامل العواقب الناجمة عن التغيير في الوضع الموضح أعلاه، وهو ما يبرر تعديل هذه التدابير".

بعد أن ثبت لدى المحكمة تغير الوضع، ووجود ضرر لا يمكن إصلاحه وبأن الحالة مستعجلة، أمكنها الانتقال إلى تحديد تدابير التعديل لأمرها السابق المؤرخ في 28 مارس، 2014م، وفق ما تقتضيه الظروف الجديدة للقضية:

أولاً، محكمة العدل الدولية خطت خطوة إلى الأمام، وأمرت بوقف إطلاق النار: "ترى المحكمة أنه ينبغي على إسرائيل، طبقًا لالتزاماتها بموجب الاتفاقية بعدم ارتكاب الإبادة الجماعية ومنع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، ينبغي عليها أن توقف على الفور هجومها العسكري وأي إجراء آخر تقوم به في محافظة "رفح"، والذي قد يؤدي إلى إخضاع الجماعة الفلسطينية في غزة، لظروف معيشية يراد بها تدميرها/إهلاكها المادي كليًا أو جزئيًا". يبدو أن وقف الهجوم العسكري لا يتعلق، من حيث المبدأ، إلا بـ"رفح"، ولكن كما أشرنا إليه في تعليقنا على الأمر الأول، فإن التدبير الأول "يستدعي بحكم الواقع أن وجوب وقف إسرائيل لضرباتها الجوية وهجماتها البرية والبحرية،". وإلا فمن الصعب تصور كيف يمكن تجنب قتل أفراد الجماعة،  مع استمرار الهجوم العسكري الإسرائيلي".

"يتمثل التدبير الثاني المبتكر والمتضمن في الأمر الصادر في 24 مايو، يتمثل في إلزام إسرائيل بـ «اتخاذ تدابير تكفل بشكل فعال إمكانية الوصول إلى قطاع غزة وبدون عوائق لأي لجنة تحقيق أو بعثة لتقصي الحقائق أو أي هيئة أخرى مكلفة من قبل الأجهزة المختصة للأمم المتحدة بالتحقيق في ادعاءات الإبادة الجماعية»".

 وأخيرًا، ألزمت المحكمة إسرائيل بتقديم تقرير عن تنفيذ الأمر. وقد فعلت ذلك في الأمرين السابقين، ولكن الأمر المؤرخ في 24 مايو، كان أكثر حزما وصرامة حيث "ترى المحكمة أنه ينبغي على إسرائيل أن تقدم لها، في غضون شهر واحد من تاريخ صدور هذا الأمر، تقريرًا عن جميع التدابير التي اتخذتها لتنفيذ هذا الأمر. وسيتم بعد ذلك إحالة التقرير المقدم إلى جنوب إفريقيا، التي ستتاح لها فرصة إبداء ملاحظاتها عليه وتقديمها إلى المحكمة". بالتالي فقد منحت جنوب إفريقيا حق الرد، وفي حال إصرار إسرائيل على مواصلة هجومها التدميري واسع النطاق، فإن جنوب إفريقيا تحتفظ بحقها في طلب تدابير جديدة.

تم اعتماد جميع هذه التدابير بأغلبية ساحقة. لم يصوت ضدها سوى القاضي الخاص باراك المعين من قبل إسرائيل، والقاضية الأوغندية سيبوتيندي، نائبة رئيس المحكمة حاليًا.

يُعد الأمر الصادر في 24 مايو 2024م، عنصرًا جديدًا ذا أهمية حاسمة في الملف القانوني للوضع في غزة وللقضية الفلسطينية بشكل عام. إن التطورات القانونية التي تصدق على الحقوق الفلسطينية على الساحة الدولية، تساهم في تعزيز الملف السياسي وتضع إسرائيل وداعميها، لاسيما الولايات المتحدة، في موقف يزداد صعوبة. ومع تكثيف الملف القانوني، فإن الحل السياسي سيفرض نفسه، ولن يصبح بالإمكان تجاهل حقوق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره لفترة طويلة.

 

 

هذه هي حالة القضية الفلسطينية أمام الجهات القضائية الدولية. وستتضح هذه المسألة بشكل أكبر وستأخذ بعدًا جديدًا كلما صدرت الأوامر والقرارات والآراء الاستشارية. فالحصول على قرارات قضائية يعزز النضال السياسي والدبلوماسي ويضفي عليه اتساقًا قانونيًا قويًا.

إثر الأحداث التي أعقبت 7 أكتوبر 2023م، وأمري محكمة العدل الدولية، عادت القضية الفلسطينية إلى عناوين الأخبار الدولية. لقد تم إعادة حل الدولتين إلى جدول الأعمال باعتباره الحل الوحيد القادر على ضمان السلام والأمن الدوليين في المنطقة، وحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير وإقامة دولة مستقلة. وحتى الولايات المتحدة دعمت هذا الحل علناً ورسمياً.

 

 

مقالات لنفس الكاتب