array(1) { [0]=> object(stdClass)#13479 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 200

تحديات محكمة العدل العربية: ميثاق الجامعة وإسرائيل والميليشيات وتحديد الأولويات

الإثنين، 29 تموز/يوليو 2024

ترجع الإرهاصات الأولى لإنشاء سُلطة قضائية يُسند إليها حسم النزاعات القائمة وفقًا لسياقات قانونية عادلة إلى الحقبة اليونانية، ثم عادت تلك الفكرة للظهور إبان الفترة ما بين القرنين الثاني عشر والسابع عشر مع تنامى حالة السجال بين أمراء سويسرا وإيطاليا. ثم بدأت تُهيكل الخطوات الإيجابية في عام 1794م، خلال توقيع "اتفاقية جاي" بين الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا. إذ نصت تلك الاتفاقية على تشكيل لجنة مختلطة لحل عدد من الخلافات المستحكمة بين البلدين آنذاك. وتألفت هذه اللجنة من عدد متساو من المحكمين جرى تعيينهم من قبل كل من الطرفين المتنازعين برئاسة فصيل انتخبه المحكمون المعينون. إذ أن "التحكيم" كان الوسيلة القانونية المفضلة لحل النزاعات في أواخر القرن التاسع عشر. غير أن اللجوء إلى التحكيم عندئذ اعتمد على اتفاقية خاصة توقع فيما بين الدول المعنية. بمعنى أن الهيئة التحكيمية المتفق عليها لحل نزاع معين كانت تنتهي مهمتها بانتهاء النزاع، فإذا نشب نزاع جديد لجأ الفرقاء إلى اعتماد هيئة تحكيم أخرى. وظلت تلك الآلية مُتبعة حتى مؤتمري لاهاي، إذ أقر المؤتمر الأول في عام 1899م، الاتفاقية المعروفة بـ "حل النزاعات الدولية بالطرق السلمية" التي نصت على إنشاء محكمة التحكيم الدولية الدائمة والتي ما زالت قائمة نظريا حتى هذا اليوم. وتم توثيق تلك الفرضية عبر مخرجات مؤتمري فرساي عام 1919م، حيت التوافق على أهمية إحياء مشروع اللجوء إلى سلطة قضائية لحل النزاعات بين الدول. وما تلي ذلك في عام 1920م، من إصدار "مجلس العصبة" البروتكول المتضمن لما عُرف فيما بعد بـنظام "محكمة العدل الدولية". 

اتساقًا مع ذلك، تأتى التطلعات العربية نحو استصدار النسخة الإقليمية من مشروع المحكمة الدولية كمحاولة لاحتواء النزاعات العربية-العربية واستكمالًا للتطوير المؤسسي وإصلاح جامعة الدول العربية على المستوى القانوني، لإثارة عدد من التساؤلات حول ماهية المشروع، وفرص النجاح ومحددات الإخفاق، فضلًا عما يمكن أن يضيفه إلى أجندة العمل العربي المشترك. 

أولًا– دوافع النشأة: 

تحتل منطقة الشرق الأوسط صدارة أقاليم العالم في كثافة الصراعات المسلحة في العالم، إذ ينطوي الإقليم ومحيطه الجغرافي على 8 من بين أكثر 10 صراعات حدة على مستوى العالم، في: الأراضي الفلسطينية المحتلة، سوريا، ولبنان، والعراق، واليمن، والسودان، وليبيا، وفي محيطه الإفريقي في جنوب السودان، والصومال. وتحيط بهذه البؤر الصراعية دوائر مضطربة تضم صراعات متوسطة الحدة، كالصراع الأهلي في ليبيا، وصراعات أخرى أكثر حدة، مثل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي وما لحق به من سيناريوهاتا الجبهات الصراعية في لبنان وسوريا، بالإضافة إلى التوترات دون مستوى الصراع في مناطق متفرقة من الإقليم، ويمكن بيان المعايير الرئيسية لتسكين ماهية الأزمات على خريطة الصراعات بالشرق الأوسط، حيث:  

  • الانتقال للمراكز الحضرية: حيث انتهت استراتيجية الأطراف، وأصبحت المدن والمراكز الحضرية ساحات للصراعات المسلحة في الإقليم. فبالنظر للإقليم الشرق أوسطي، نجد أن الصراع السوري يُعد نموذجاً على تصاعد استهداف المدن، وتزايد تدفقات اللاجئين نحو المناطق الحضرية؛ حيث استقر 90% من اللاجئين السوريين في المدن بدول الجوار بعد عدم قدرة معسكرات اللجوء على استيعاب الأعداد الضخمة من اللاجئين.
  • تزايد النزوح الداخلي: حيث لم تختصر الأزمات في عدد ضحايا الصراعات من اللاجئين والنازحين، ولكن هناك إشكالية تتمثل في "النزوح الداخلي"، وهو ما تم رصدة في الأحداث الأخيرة في قطاع غزة حيث الانتقال من شمال غزة إلى الجنوب والوسط ثم إلى منطقة رفح الفلسطينية كمحاولة لتفادى الهجمات الإسرائيلية، كذلك الحال بالنسبة لحالة النزوح الداخلي في سوريا والعراق واليمن فيما بعد عام 2016م.
  • انتشار "حروب الحصار": فقد تزايدت أنماط حروب الحصار خلال الآونة الأخيرة، فعلى سبيل المثال: يتم حاليا حصار إسرائيل لقطاع غزة فيما بعد أحداث 7 أكتوبر2023م، وذلك في إطار عملية "السيوف الحديدية"، كذلك قامت القوات العراقية المدعومة بفصائل الحشد الشعبي الشيعية والولايات المتحدة الأمريكية بمحاصرة المدن التي يسيطر عليها تنظيم داعش، وبدء العمليات التمهيدية لتحرير الموصل. وفي ليبيا تم تحرير مدينة سرت من قبضة تنظيم داعش بعد حصار تخللته مواجهات عسكرية كثيفة داخل المدينة.
  • تهديدات تفكك التنظيمات المسلحة: عادة ما يُنهي تفكك وانهيار التنظيمات المسلحة تهديداتها للأمن الداخلي، غير أنه يترتب على ذلك انتشار لعمليات أكثر دموية في مناطق متفرقة من الدولة بعيداً عن مناطق التمركز التقليدية للتنظيمات المسلحة. فعلى سبيل المثال على الرغم من فقدان تنظيم داعش جانباً كبيراً من الأقاليم التي يسيطر عليها في سوريا والعراق، وتراجع عدد عناصر التنظيم بصورة ملحوظة خلال الآونة الأخيرة، إلا أن عمليات التنظيم لا تزال تشكل تهديداً للأمن في سوريا والعراق ودول الجوار.

ومن ثم، ففي ظل استمرار القضايا العربية الكبرى دون حل خاصة "القضية الفلسطينية"، وعدم بلورة موقف عربي موحد تجاه العديد من الأزمات الإقليمية في كل من سوريا واليمن والعراق وليبيا وغيرهم، وتباين التوجهات السياسية بين الدول المختلفة، الأمر الذي دفع إلى إعادة الحديث عن آليات تسوية المنازعات-سياسًا وقضائيًا -بالجامعة العربية.

ثانيًا -ماهية مشروع "محكمة العدل العربية":

نصت المادة الخامسة من ميثاق جامعة الدول العربية على أنه "لا يجوز الالتجاء إلى القوة لفض المنازعات بين دولتين أو أكثر من دول الجامعة، فإذا نشب بينهما خلاف لا يتعلق باستقلال الدولة أو سيادتها أو سلامة أراضيها ولجأ المتنازعون إلى المجلس لفض هذا الخلاف كان قراره عندئذ نافذاً وملزماً، وفي هذه الحالة لا يكون للدول التي وقع بينها الخلاف الاشتراك في مداولات المجلس وقراراته، ويتوسط المجلس في الخلاف الذي تخشى منه وقوع حرب بين دول الجامعة فيما بينها، أو بين دولة من دول الجامعة وأخرى غيرها للتوفيق بينهما، وتصدر قرارات التحكيم والقرارات الخاصة بالتوسط بأغلبية الآراء"، ومن نص المادة المذكورة نستنبط القواعد والأسس التي ينظر من خلالها مجلس الجامعة العربية في المنازعات وتتلخص بما يأتي:

  1. صلاحية مجلس الجامعة لحل المنازعات لا تقتصر على الدول العربية الأعضاء، بل تشمل الدول العربية غير الأعضاء وكذلك المنازعات بين الدول العربية (الأعضاء وغير الأعضاء) والدول الأجنبية.
  2. لا يمتلك المجلس ولاية إجبارية للنظر في المنازعات، بل يجب موافقة الدول المتنازعة على إحالة النزاع إليه.
  3. أقرت المادة المذكورة وسيلتين فقط لحل المنازعات وهما (التحكيم والوساطة)، دون النظر للوسائل الأخرى كالمساعي الحميدة، والمفاوضات ..الخ، كما أن القرارات في هاتين الوسيلتين تصدر بالأغلبية.
  4. لا يحق للأطراف المتنازعة الاشتراك في مداولات المجلس وقراراته، وكذلك فُرض على الدول الأعضاء التزامًا يتمثل في عدم اللجوء إلى القوة لفض المنازعات فيما بينها، دون أن يفرض على الدول الأعضاء التزامًا آخر (كما فعل ميثاق الأمم المتحدة) بوجوب فض المنازعات بالطرق السلمية.

الجدير بالذكر، أن نص المادة (5) استبعد من اختصاصات مجلس الجامعة ممارسات التسوية السياسية أو شبة القضائية وذلك عند تحليل كلمة "تحكيم" الواردة بالمادة سالفة الذكر، بالمقابل، تضمن نص الميثاق "تصور مستقبلي" ورد في المادة (19) حول: "جواز تعديل ميثاق الجامعة لعدد من الأغراض منها إنشاء محكمة عدل عربية". 

 

وعليه، فقد استشعرت الدول العربية الأعضاء بالجامعة أهمية إنشاء "محكمة عدل عربية" بهدف فض المنازعات القانونية التي قد تنشأ بينها، واستكمال لأطر "التنظيم الإقليمي للجامعة" في سائر فروعة، فضلا عن اجتياز اختبار التطوير المؤسسي وإصلاح جامعة الدول العربية على المستوى القانوني، أخذاً في الاعتبار عاملين:

 

  • العامل الأول: أهمية إنشاء محكمة عدل عربية لتكون المرجع الأول لفض النزاعات العربية ذات الطابع القانوني، نظراً لتحفظ الكثير من الدول العربية على سياقات العمل بمحكمة العدل الدولية، مثل: "قضية الصحراء الغربية، ومسألة الجرف القاري بين تونس وليبيا .. إلخ"، بالإضافة إلى تطبيق ما ورد في مبادئ الجامعة العربية حول: "عدم اللجوء إلى المنظمات الدولية قبل استنفاذ كافة الطرق السلمية التي تقدمها الجامعة، من ثم تظهر أهمية مشروع "المحكمة العربية" كركيزة أساسية لاستكمال خطوات التنظيم العربي.

 

  • العامل الثاني: ما يتعلق برصد حالة تلكؤ الدول العربية في اللجوء إلى الحلول القضائية لمنازعاتها وتفضيلها للحلول السياسية لأسباب تفيض بها أدبيات القانون الدولي والمنظمات الدولية، خاصة وأن الحلول السياسية دوما ما تفضي إلى نتيجة مفادها "اللاحسم"، وهو ما يتعارض مع المرجعيات القانونية والقضائية والتي تمتاز بنتائج الحسم بالقضايا محل الخلاف المعروضة عليها.

ومن ثم، اتخذت قمة الإسكندرية في عام 1964م، قرارًا بإنشاء المحكمة. وفي عام 1980م، قرر مجلس الجامعة تشكيل لجنة لوضع النظام الأساسي للمحكمة. وبالفعل أتمت اللجنة مهمتها في عام 1982م، لكن دون أن تحدد مجالات الولاية الإلزامية للمحكمة. ونزولاً على قرار قمة فاس في عام 1982م، تشكلت لجنة أخرى قامت بإعداد مشروع عرض على مجلس الجامعة عام 1994م. وفي عام 1995م، تم تحويل المشروع إلى اللجنة القانونية الدائمة التي انكبت على صياغة مشروع متكامل، أهم عناصره متمثلة في:

  • تتشكل المحكمة من سبعة قضاة بالانتخاب السري لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد، مع تغيير ثلاثة منهم. يتم تحديدهم عن طريق القرعة كل ثلاثة أعوام.
  • تختص المحكمة بالفصل في المنازعات التي تحيلها لها أطرافها، أو تنص على إحالتها لها اتفاقيات ثنائية أو متعددة، أو تصرح الدول بولاية المحكمة عليها دون حاجة لاتفاق خاص.
  • تحكم المحكمة وفق مبادئ ميثاق الجامعة العربية وبمقتضى قواعد القانون الدولي، كما تراعي المصادر الأخرى بموافقة الأطراف.

ثالثًا -فرص النجاح .. وتحديات الإخفاق: 

استنادا إلى مُجمل التفاعلات العربية -العربية، فثمة أصوات تنادى بإعادة الدفع بمشروع محكمة العدل العربية لدعم وتعزيز "العمل العربي المشترك"، واستكمال المنظومة القانونية لجامعة الدول العربية، وعلى الرغم من وجود فرص لنجاح المشروع المشار إليه، إلا أنه بالمقابل ثمة عدد من التحديات قد تدفع بالإخفاق.

  1. فرص النجاح: تُبنى تلك الفرضية على عدد من المحددات، أبرزها: تقارب الأولويات العربية خاصة بعد الأحداث الأخيرة فيما بعد 7 أكتوبر على نحو ما يدفع بفرص تعزيز العمل العربي المشترك، كذلك الرغبة في تصفر المشكلات وذلك استنادًا لتحليل السلوك بين الكتلة العربية والقوى الإقليمية المتاخمة، فضلًا عن الدعوات العربية لإعادة النظر في ميثاق الجامعة بما يتسق مع حجم التحديات والتهديدات القائمة والمُحتملة التي تحيط بالإقليم العربي.

 

  1. تحديات الإخفاق: أبرزها على الإطلاق ما يتعلق بغياب الأفق السياسي للمنطقة، مع استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة منذ 7أكتوبر 2023م، وحتى وقتنا هذا دون التوصل لحل، فضلا عن تنامى سيناريو اتساع الجبهات الصراعية وامتدادها لمناطق الجوار، وذلك بالنظر إلى حالة الحراك لحزب الله في جنوب لبنان، والحوثيين في اليمن، والميليشيات المسلحة في سوريا والعراق مقابل ضعف الدول الوطنية المأزومة سياسيًا ومؤسساتها الرسمية. بالإضافة إلى عدد من الملاحظات المُدرجة على مشروع النظام الأساسي لمحكمة العدل العربية حول: "مبدأ القاضي المؤقت، ماهية المتقاضون أمام المحكمة العربية، الولاية الاختيارية للمحكمة، وما يتعلق بكيفية تنفيذ الأحكام ومدى إلزاميتها من عدمه"، على نحو ما قد يدفع بعرقلة إتمام المشروع.

إجمالًا لما سبق .. يبدو أن القادة العرب، والجامعة العربية يواجهون تحديات وصراعات إقليمية نوعية غير مسبوقة تهدد منظومة العمل العربي المشترك، وهوما دفع بإعادة النظر مرة أخرى لبحث مشروع محكمة العدل العربية –المطروح منذ عام 1995م– كإحدى الرهانات محل الاختبار نحو استكمال الهيكل التنظيمي للجامعة العربية بمسارها القانوني، وتعزيز العمل العربي المشترك في ظل إقليم يموج بالاضطرابات الأمنية والسياسية والعديد من التهديدات النوعية والحيوية القائمة والمحتملة.

مقالات لنفس الكاتب