المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، التي تتخذ من مدينة ستراسبورغ الفرنسية مقرًا لها، هي محكمة فوق وطنية تأسست عام 1959م، بموجب الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان المنوط بها تلقى الشكاوى المرفوعة إليها بشأن انتهاك أي من الدول الأعضاء حقوق الإنسان الواردة في الاتفاقية وبروتوكولاتها وهي الشكوى التي يمكن أن يحركها أفراد أو دول من الدول الأعضاء. كما تُعد المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان-ملجأ العدالة الأخير دفاعاً عن حقوق الإنسان في أوروبا، وقد جاءت فكرة إنشاء هذه المحكمة مع نهاية الحرب العالمية الثانية، رغبة في ألا يكون هناك "هتلر" مرة أخرى وألا تكون هناك معسكرات اعتقال مثل "أوشفتيس" من جديد. وبالتالي فقد خطى مجلس أوروبا، باعتباره أول منظمة أوروبية في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، خطوة مهمة في طريق رفع شعار العدالة من خلال تأسيسه للمحكمة. فمنذ نشأته سعى المجلس، الذي يضم 47 دولة، إلى إيجاد اتفاقية لضمان حقوق الإنسان بشكل أفضل من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي تبنته الأمم المتحدة عام 1948م، وبدأ بالفعل العمل بالاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان عام 1953م، مخصصاً لجنة لمراقبة تنفيذ تلك الاتفاقية، وفي عام 1959م، أتت الخطوة الثانية من خلال إنشاء محكمة أوروبية لضمان عدم انتهاك حقوق الإنسان على المستويات المحلية.
وفتحت المحكمة أبوابها لكل مواطن يشعر بانتهاك حقوقه داخل بلده وأن يتقدم بشكواه إليها. ويقوم 600 موظف من جميع الدول الأوروبية تقريباً بدراسة القضايا المقدمة سعياً لتحري الحقائق وتحقيق العدالة. وتتعدد هذه القضايا في تفاصيلها انطلاقاً من جرائم الحروب وانتهاءً بالتعذيب مروراً بالقيود الموضوعة على حرية التعبير. وكان بعض من تقدموا بشكواهم من المتهمين بالإرهاب أو الإسلاميين المعتقلين، الذين يقدمون شكاوى ضد بلدانهم لما يتعرضون له من ظروف سجن "غير إنسانية".
تجسد الاتفاقية بعضاً من الحقوق والحريات المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وقد تم التوقيع عليها في الرابع من نوفمبر 1950م، ودخلت حيز التنفيذ في الثالث من سبتمبر 1953م، كما أسست هيئة قضائية مختصة بإدانة الدول التي لا تفي بالتزاماتها في مجال الحفاظ على حقوق الإنسان.
لكن الاتفاقية كانت تحقق أيضًا هدف مجلس أوروبا المتمثل في تحقيق وحدة أكبر بين الدول الأعضاء، لأن الحفاظ على حقوق الإنسان والحريات الأساسية وزيادة إعمالها كانت طرقًا لتحقيق هذا الهدف.
تعد أحكام المحكمة مصدرًا مهمًا للقانون الدولي لحقوق الإنسان (IHRL)، وتسهم أنشطة المحكمة في توسيع التعاون في مجال حماية حقوق الإنسان بين الدول وتطوير تعزيز المؤسسات الديمقراطية، وهو أمر ذو أهمية خاصة في أوقات النزاع المسلح. مثل هذه النزاعات، التي تشكل تهديدًا خطيرًا لحقوق الإنسان، تؤدي إلى انتهاكات لمجموعة من هذه الحقوق، مما أدى إلى عدد كبير من الطلبات المقدمة بين الدول والأفراد إلى المحكمة، والتي دفع النظر فيها المحكمة إلى البحث عن مناهج فعالة لا تسمح بتطبيق الاتفاقية فحسب، بل أيضًا القانون الإنساني الدولي (IHL) الذي يحكم مجرى النزاعات المسلحة.
تتلقى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان (ECtHR) بشكل متزايد طلبات تتعلق بالنزاع المسلح أو أنواع أخرى من حالات العنف. في الماضي، كانت أبرز القضايا تتعلق بأيرلندا الشمالية أو الصراع بين قبرص وتركيا الذي أدى إلى إصدار العديد من الأحكام خلال الثمانينيات والتسعينيات. في الوقت الحالي، تتمثل إحدى أصعب القضايا التي تواجهها المحكمة في إشراك القوات التابعة للدول الأعضاء في مجلس أوروبا في البلدان الأجنبية. تنبع المشاكل بشكل أساسي من السيناريو الذي خلفته الحرب في يوغوسلافيا السابقة ومن الصراع في العراق. كما نظرت المحكمة في عدد من القضايا الناشئة عن نزاعات روسيا مع الشيشان وخلافات تركيا مع حزب العمال الكردستاني. من أجل التعامل مع هذه القضايا، تعتمد محكمة ستراسبورغ بشكل حصري تقريبًا على تفسير الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان والحريات الأساسية (ECHR)، وبالتالي أصبحت الأداة القانونية المعمول بها لهذه الأنواع من حالات العنف.
أولًا: اختصاص المحكمة
يوجد مقرّ المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في ستراسبورغ بفرنسا، وهي مسؤولة أساسًا عن كفالة مراعاة حقوق الإنسان وإعطاء حكمها في انتهاكات الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان 1950م، (الموادّ 32، 33 و34 من قانون المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان)، والتي يدّعى أن دولة عضوًا في مجلس أوروبا ارتكبتها.
وأسندت هذه المهمة أولاً إلى هيئتين هما: المفوضية الأوروبية ومحكمة حقوق الإنسان. وبعد ذلك، في 1 نوفمبر 1998م، دخل البروتوكول 11 الملحق بالاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان حيز النفاذ، وبهذا عدل النص الصادر سنة 1950م، وأدخل إصلاحات على كامل النظام الأوروبي لحماية حقوق الإنسان. وقد استعيض عن النظام الأصلي الثنائي المستوى بمحكمة واحدة دائمة لحقوق الإنسان، ولها سلطة اختصاص على جميع الدول الأعضاء في مجلس أوروبا. وتتلقى المحكمة شكاوى خاصة بوقائع انتهاكات لحقوق الإنسان من كيان الدول وغير الدول (سواء كان هذا من أشخاص أو منظمات غير حكومية أو من مجموعات من الأفراد).
وفي أيار/مايو 2004م، اعتمدت الدول الأعضاء في مجلس أوروبا البروتوكول 14 الملحق بالاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، ومن ثم الشروع في إجراء إصلاح ثان للمحكمة. ودخل هذا البروتوكول حيز النفاذ في 1 يونيو2010م.
ومن الناحية الرسمية، كان القصد من هذين الإصلاحين المتتاليين استتباب وتعزيز كفاءة النظام الأوروبي لحماية حقوق الإنسان ومساعدة المحكمة على مواجهة زيادة كبيرة في أعبائها من القضايا وتزايد عدد أعضاء مجلس أوروبا. وكان الغرض من الإصلاح الثاني، على وجه الخصوص، تبسيط عملية فحص الالتماسات الفردية وتيسير دراسة حيثيات هذه الشكاوى.
وبالإضافة إلى اختصاصها في التعامل في قضايا التفاقم، تتولى المحكمة مهام استشارية (المادتان 32 و47 من قانون المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان). وبناءً على طلب اللجنة الوزارية لمجلس أوروبا، يجوز لها الإفتاء بإبداء وجهات نظرها بشأن تفسير الاتّفاقيّة الأوروبية لحقوق الإنسان وبروتوكولاتها.
ثانيًا: تشكيل المحكمة
تضمّ المحكمة في عضويتها عددًا من القضاة بقدر عدد الدول الأطراف في الاتفاقية. يتم انتخاب هؤلاء القضاة من قبل الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا من بين قائمة تشتمل على أسماء 3 أشخاص ترشحهم كل دولة من الدول الأعضاء. يكون القضاة من الأشخاص المستقلين (أي أنهم أعضاء في المحكمة بصفتهم الشخصية ولا يمثلون أي دولة)، ويشغلون مناصبهم لمدة 9 سنوات غير قابلة للتجديد. يقوم هؤلاء بانتخاب رئيس للمحكمة ونائبين للرئيس (يكونان أيضًا رئيسَي قسم)، وأمين سجل، ونائبين لأمين السجل. يتولى القضاة وضع مسودة النظام الداخلي للمحكمة.
تمّ إقرار مجموعة جديدة من القواعد بعد إصلاح نظام حماية حقوق الإنسان، وقد اعتمد أحدث نظام داخلي في أبريل 2012م، ودخل حيز التنفيذ في سبتمبر 2012م.
تتكوّن المحكمة من 4 أقسام ودائرة كبرى. ويكون تشكيل كل قسم ثابتا لمدة 3 سنوات ويستند إلى معايير التمثيل العادل، بحيث تكون متوازنة من الناحية الجغرافية ووفقًا للجنس، وتأخذ في الحسبان الأنظمة القانونية المختلفة للدول الأعضاء في مجلس أوروبا.
ضمن كل قسم، يتمّ تشكيل لجان تتكوّن كل منها من 3 قضاة (لفترات مدة كل منها 12 شهرًا) والدوائر تتكون من 7 أعضاء بالتناوب.
تتشكل الدائرة الكبرى من 17 قاضيًا يتمّ اختيارهم لمدة 3 سنوات. وبالإضافة إلى الأعضاء بحكم الوظيفة (رئيس المحكمة، نائبًا للرئيس، ورئيسا القسمين الآخرين)، تتكوّن الدائرة الكبرى من قضاة من مجموعتين يتناوبون المنصب كل 9 شهور.
تكون الدائرة الكبرى مسؤولة عن فحص طلبات الرأي والمشورة بشأن مسائل تفسير الاتفاقية الأوروبية. ويمكنها التدخل، بشكل استثنائي، في تسوية القضايا المثيرة للنزاع.
هل قراراتها ملزمة؟
القرارات الصادرة عن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان ملزمة، لأن الدول وافقت على الخضوع للاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان من خلال التصديق عليها.
تنفيذ قرارات المحكمة يتم بمراقبة لجنة الوزراء، وهي هيئة دبلوماسية داخل مجلس أوروبا تتكون من ممثلين عن الدول الأعضاء.عندما تصدر المحكمة حكمها، يُحال الحكم إلى لجنة الوزراء، التي تصبح مسؤولة عن التواصل مع الدولة المعنية لتنفيذ القرار.
في حالات نادرة، من الممكن أن تكون الدولة مترددة في تنفيذ قرار ما، كما حدث مع المملكة المتحدة التي استغرقت أكثر من 10 سنوات لمنح حق التصويت لسجنائها.
وفيما يتعلق بمن يحق له التقدم بطلب للمحكمة، يمكن لأي شخص استنفد سبل الاستئناف في المحاكم الوطنية، أن يتقدم بطلب إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان وذلك ينطبق على المواطنين والمقيمين في الدول الـ 47 الأعضاء في مجلس أوروبا.
يمكن أيضًا أن يستفيد من ذلك القاصرون الأجانب غير المصحوبين بذويهم والذين ليس لديهم مأوى مثلًا، أو طالبو اللجوء الذين لا يستطيعون الحصول على حقوقهم كشروط الاستقبال المنصوص عليها في القانون الفرنسي. قد تستغرق الإجراءات في المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان مدة تتراوح بين 3 و5 سنوات.
ثالثًا: نماذج للقضايا التى فصلت فيها المحكمة
رغم أن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أنشئت لكفالة احترام الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، نصبت نفسها مختصة بتلقي الطلبات بشأن انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الإنساني في حالات النزاع المسلح والاحتلال العسكرى.
ومن ثم أصدرت أحكاماً في حالات بشأن الحرب في أيرلندا الشمالية وقبرص والشيشان وتشريعات تركيا المناهضة للإرهاب والتشريعات والممارسات المناهضة للإرهاب بعد الهجمات الإرهابية سنة 2001م، في نيويورك (الولايات المتحدة). كما أنها أصدرت حكمها بشأن شروط التدخل العسكري من جانب المملكة المتحدة في العراق في سنة 2003م، كجزء من القوة المتعددة الجنسيات التي تقودها الولايات المتحدة. وتعالج الأحكام القضائية الصادرة من المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان عدداً معيناً من النقاط القانونية موضوع المناقشات الدولية.
وتدرك المحكمة التطبيق الفوري والتكميلي في حالات تنازع قواعد ناشئة من القانون الدولي الإنساني. وهي تصف بالتحديد أن تطبيق قانون حقوق الإنسان مقيد في حالات النزاع فحسب باستثناءات رسمية تنفذها الدول وفقاً لإجراءات قانونية وتحت إشراف المحكمة. وفي الواقع، تفحص المحكمة كلاً من الضرورة والتناسبية بين التقييدات لحقوق الإنسان والأخطار التي تهدد الأمن القومي الذي تتذرع به الدول لتبرير حالات عدم التقييد بالاتفاقية الأوروبية.
وتؤكد المحكمة أيضاً التطبيق خارج الإقليم للالتزامات الخاصة بحقوق الإنسان في حالات حيث تمارس الدولة رقابة محكمة فعلية على شخص أجنبي /أو أرض أجنبية. وتتخذ المحكمة موقفاً خاصاً بشأن التطبيق الفوري والدور التكميلي لقانون حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني . وعلى النقيض من أولئك الذين يظنون أن القانون الدولي الإنساني ينبغي أن تكون له الأسبقية على حقوق الإنسان في حالات النزاع لأنه أكثر دقة في مثل هذه الحالات (قاعدة التخصيص)، تتخذ المحكمة موقفاً آخر. فهي تعطي أسبقية للالتزامات ذات الصلة بالقانون الدولي الإنساني عندما تتيح هذه مزيداً من الحماية للأفراد (وتعتبر ملزمة للدول بدرجة أكبر) وفي الحالات حيث لا تكون في تناقض مباشر مع التزام مخالف يتوخاه القانون الدولي الإنساني. وقد تخلق هذه الأحكام القضائية بعض البلبلة، نظراً لأن مضمون وتفسير القواعد ذات الصلة بحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني مستندان إلى أفكار ليست دائماً متكافئة، مثل الحق في الحياة. ومع ذلك، فهي تساعد على منع تطبيق انتهازي للقانون الأقل إلزاماً وإصراراً من جانب الدول في حالات الأزمة والنزاع. ومن أمثلة هذة القضايا:
- وفي قضية اكسوي ضد تركيا (الطلب رقم 21987/39، حكم الدائرة)، (18 ديسمبر 1996م)، باشرت المحكمة القضية وفحصت حالات عدم التقيد بحقوق الإنسان التي تستطيع أية دولة أن ترتكبها لأسباب تتعلق بالنظام العام، وخصوصاً باسم مكافحة الإرهاب داخل أراضيها، ونصت كذلك على الالتزام بالمنع والتحقيق بشأن سوء معاملة وتعذيب أشخاص محتجزين داخل هذا الإطار القانوني الاستثنائي.
وأقرت المحكمة أن الأمر متروك لكل دولة متعاقدة في حدود مسؤوليتها عن الحياة لأمتها أن تحدد ما إذا كانت الحياة لديها معرضة للخطر من حدوث طارئ عام وإذا كان الأمر كذلك، فإلى أي مدى من الضروري الانطلاق في محاولة للتغلب على الظرف الطارئ. ورغم ذلك، أشارت المحكمة إلى أن الأطراف المتعاقدة لا تتمتع بحرية تقدير غير محدودة، والأمر متروك للمحكمة للبت فيما إذا كانت الدول قد تجاوزت (الحد المطلوب بشكل صارم بسبب الضرورات الخاصة) بالأزمة (الفقرة 68).
وارتأت المحكمة أيضاً أنه حيثما تم اقتياد فرد إلى الحجز لدى الشرطة وهو في صحة جيدة، لكنه يوجد عند إطلاق صراحه مصاباً بجروح وقت إطلاق سراحه، يكون لزاماً على الدولة أن تقدم توضيحاً معقولاً لسبب الإصابة، وإلا يفترض أنه تعرض للتعذيب (الفقرة 61).
- وفي قضية إرغي ضد تركيا (طلب رقم 23818/94، قرار المحكمة الصادر في 28 يوليو 1998م)، ارتأت المحكمة أن مسؤولية الدولة في حماية الحق في الحياة لا تقتصر على الظروف عندما يوجد دليل هام في أن نيراناً وجِّهت بالخطأ من عاملين بالدولة لقتل شخصاً مدنياً. ويمكن أن تنشغل المحكمة بهذا أيضاً حيث تخفق الدول في اتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة في اختيار وسائل وأساليب عملية أمنية توجه ضد جماعة معارضة بهدف تجنب والتقليل إلى أدنى حد من وقوع خسائر عارضة بين الأحياء المدنيين (الفقرة 79). وفي ضوء فشل السلطات لدى الدولة المدعى عليها في إيراد حجة مباشرة بشأن تخطيط وارتكاب عملية كمين للخصم، وجدت المحكمة أنه يمكن الاستدلال منطقياً أنه لم تتخذ احتياطات كافية لحماية أرواح السكان المدنيين (الفقرة 81). وعلى النقيض مما أكدته الحكومة التركية لا يقتصر هذا الالتزام على القضايا حيث ثبت أن القتل كان سببه عامل تابع للدولة. وفي القضية موضوع النظر، مجرد العلم بالقتل من جانب السلطات يثير فعل الواقع إلزاماً بموجب المادة 2 من الاتفاقية لإجراء تحقيق فعال في الظروف المحيطة بالوفاة (الفقرة 82)
- وفي حكمين اثنين صادرين في 24 فبراير 2005م، ارتأت المحكمة قبول طلبات تقدّم بها ضحايا جرائم ارتكبها الجيش الروسي في الشيشان.
قضية خاشييف وأكاييفا ضد روسيا، الطلبان رقما 57942/00 و57945/00. قرار المحكمة (24 فبراير 2005م، في هذا الحكم، قررت المحكمة أن روسيا انتهكت المادة 2 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان والمادة 3 من الاتفاقية (حظر التعذيب) و (المادة 13).
قضية شاماييف وآخرين ضد جورجيا وروسيا، الطلب 363778/02، قرار المحكمة (12 أبريل 2005م). في هذا القرار، رأت المحكمة أن جورجيا قد انتهكت مختلف مواد الاتفاقية فيما يتعلق بعدد من مقدمي الطلبات، وكذلك انتهاك التزاماتها العامة المتأصلة في الاتفاقية. ووجدت أيضاً أن روسيا انتهكت بعضاً من التزاماتها بموجب الاتفاقية.
- في عام 1974م، احتلت تركيا شمال قبرص، وأقامت “دولة” جديدة أطلقت عليها اسم جمهورية شمال قبرص التركية، بحضور 30,000 جندي وأنشأت وظائف إدارية مثل المدارس والمحاكم. ولم يعترف المجتمع الدولي بهذا الكيان الجديد كدولة، واعتُبر تابعاً لتركيا. ولكن أثناء سيطرتها على شمال قبرص، اتُهمت تركيا بارتكاب العديد من انتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك مصادرة الممتلكات، وتقليص الحقوق الدينية والتعليمية، وغيرت التركيبة السكانية قسريا. وسمحت بمحاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية، ولم تحقق في مصير المفقودين. وقدمت حكومة قبرص شكوى إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان (ECtHR) نيابة عن مواطنيها المتضررين.
- ومؤخرًا، رفعت مجموعة منظمات حقوقية دعوى أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان(ECtHR) ضد مجموعة فاجنر الروسية بسبب انتهاكاتها في سوريا. إلّا أن روسيا قد أعربت بالفعل عن عزمها الانسحاب من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان (ECHR) وبالتالي من الولاية القضائية للمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان. ويثير هذا تساؤلاتٍ حول ما إن كان سيتاح للمحكمة أصلًا فرصةٌ للفصل في هذه القضية، وما سيعنيه انسحاب روسيا لجهود المساءلة والسعي لملاحقة مجموعة فاجنر الروسية. بعد أن رفضت محكمة مدينة في موسكو القضية في مطلع عام 2022م، تقدمت المنظمات غير الحكومية بطلب إلى المفوضية الأوروبية لحقوق الإنسان في ستراسبورج.
إلّا أن هذه العريضة جاءت بعد يوم واحد فقط من تمرير البرلمان الروسي، مجلس الدوما، مشروعا قانونين ينصان على انسحاب روسيا، بناء على توقيع الرئيس بوتين، من الولاية القضائية للمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان ولن تنفذ أي قرارات أصدرتها المحكمة بعد 15 مارس 2022كان هذا هو التاريخ الذي أعلنت فيه روسيا انسحابها من مجلس أوروبا بالتزامن مع إعلان المجلس عن طرد روسيا. وهذا مهم من حيث اختصاص المحكمة القضائي، حيث أن مجلس أوروبا لا يشرف على المحكمة فحسب، بل إن العضوية في مجلس أوروبا شرط أساسي للانضمام إلى الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان والتي تمنح بدورها هذا الاختصاص إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.
- في سابقة هي الأولى من نوعها أصدرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في ستراسبورغ حكماً ضد سويسرا يوم الثلاثاء في 9 نيسان 2024م، محملة إياها مسؤولية الفشل في تنفيذ سياسة فعّالة لمكافحة التغير المناخي، وهو قرار ملزم قانونًا يشكل سابقة اجتهادية. حيث قضت المحكمة أن سويسرا انتهكت المادة 8 التي تكرّس الحق في حماية فاعلة توفرها الدولة للمواطنين للحدّ من الآثار الضارة والخطيرة للتغير المناخي على الصحة ونوعية الحياة، والمادة 6 التي تنصّ على الحق في اللجوء إلى المحكمة.
أهمية متزايدة على المستوى الأوروبي
على الرغم من أن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان تفتقد إلى السلطة التنفيذية التي تمكنها من فرض أحكامها، إلا أن قراراتها تتمتع بثقل وبقدر كبير من الاحترام من معظم الدول الأعضاء، فعلى سبيل المثال تدفع هذه الدول على الفور أغلب ما يتم فرضه من غرامات. ومع أن بعض الدول، التي لا تلتزم بقرارات المحكمة، إلا أن أكثر ما يؤكد نجاح هذه المحكمة هو عدد الشكاوى التي تصلها، والتي تتزايد بشكل مستمر على مر السنوات. فلقد أصدرت المحكمة 837 حكماً منذ نشأتها وحتى عام 1998م، ونطقت كذلك حكمها رقم 10 آلاف في سبتمبر من عام 2008م، ووصل عدد الشكاوى المقدمة لها حتى ذلك الوقت إلى نحو 100 ألف شكوى. وهو علامة إيجابية على ثقة المواطنين فيها. كذلك تتضح أهمية تلك المحكمة، في القيمة التي تعطيها المفوضية الأوروبية لتقييم تلك المحكمة. فرأي محكمة حقوق الإنسان يشكل الخطوة الأولى، التي تتخذ لقبول انضمام دولة ما للاتحاد الأوروبي قبل بدء المفاوضات معها.