ثبت بالأدلة والشواهد أن معمر القذافي وعائلته، كانوا يمتلكون أموالاً وثروات هائلة باسمهم، تقدر قيمتها بأكثر من 300 مليار دولار أمريكي، نهبت من الشعب الليبي على مدار اثنين وأربعين عاماً هي مدة حكم القذافي الذي انتهى الآن، تحت ضربات الثورة الشعبية الليبية.
هذه الثروة الضخمة يمتلكها القذافي وعائلته، وعدد محدود من المقربين إليه، وقد حرم الشعب الليبي منها، ولم يحصل من موارده إلا على فتات. ففي الوقت الذي استمتع فيه القذافي ومن حوله بهذه الثروة الطائلة، ظلت غالبية الشعب الليبي تقبع في فقر نسبي أو فقر مدقع، رغم أن بلدهم يعتبر خامس أكبر منتج ومصدر للنفط، ويجني من ذلك التصدير مليارات الدولارات سنوياً كان يذهب جلها للقذافي ورجاله، وينفق جزءاً منها على مغامراته وسياساته العجيبة، وأعماله القمعية ضد شعبه.
كان في ليبيا، قبل تفجر ثورتها الشعبية في 17 فبراير 2011 م، أكثر من 1.5 مليون ليبي عاطل عن العمل، في بلد لا يزيد عدد سكانه على حوالي 6 ملايين نسمة. وحوالي 30 في المائة من الشعب الليبي يعيشون تحت خط الفقر، وحوالي 20 في المائة منهم أميون، وغالبية الشعب لا تجد الرعاية الصحية الضرورية.
وقد تكشفت هذه الحقائق المرة، وهذه الثروة الكبيرة مؤخراً، وعرف جزء من مخابئها، وما زال جزء كبير من المال المنهوب لا تعرف مخابئه. ومع كل هذه الثروة الأسطورية ادعى العقيد بأنه (ثائر من الصحراء.. لا يملك سوى بندقيته وخيمته)! ثم ادعى، في خطب أخرى، أنه (ملك ملوك إفريقيا)، بل معبود الجماهير في كل العالم.. وكل ذلك لا يستقيم وادعاءه (الثورية)، إلا أن كان مصطلح (ثورة) يعني (في عرفه) أنثى الثور – كما علق أحد الليبيين.
وفي كل الأحوال، فإن القذافي أثبت أنه (ثائر) مجنون من أجل السلطة والمال والنفوذ، وأنه لم يستخدم المال لإسعاد شعبه، ولبناء بلاده، وإنما لتدميرها، وقتل أبنائها، وتمويل مشاريعه السياسية العجيبة، ومغامراته المريبة.
وفي الواقع، فإنه يصعب حصر الأموال المسروقة من ليبيا بالتمام، على مدار حكم القذافي، لكن هناك (تقديرات) بأن ما نهبه القذافي وعائلته يزيد على 300 مليار دولار، بينما تقدر سرقات المحسوبين عليه بحوالي 100 مليار دولار. وحسب وثائق (ويكيليكس)، فإن للقذافي وعائلته (استثمارات) تجارية هائلة في قطاعات مختلفة، موزعة في أرجاء عدة في العالم الغربي وغيره. وتشمل هذه المصالح استثمارات في مجالات النفط والفندقة والعقارات وشركات المنتجات الغذائية وغيرها. إضافة إلى ما كان يمارسه القذافي وأعوانه من سيطرة على معظم مفاصل الاقتصاد الليبي بكل قطاعاته.
بعد حوالي أسبوع من فرض الحظر الدولي على القذافي وعائلته والمقربين منه، وتجميد الأموال المودعة في أوروبا وأمريكا، أعلنت كل من بريطانيا وأمريكا والنمسا أنها جمدت أموالاً للقذافي وأقاربه، تصل قيمتها إلى 41 مليار دولار. كما أعلن جون كيري، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي، أن حكومة أمريكا جمدت ثروة للقذافي في أمريكا، تبلغ قيمتها أكثر من 31 مليار دولار. وأعلنت دول أوروبية أنها جمدت أصولاً استثمارية للقذافي وعائلته المتسلطة تصل قيمتها إلى ما يزيد على 13 مليار دولار.
هذا، وهناك استثمارات وإيداعات كبيرة أخرى عائدة للثائر من الصحراء، ساكن الخيمة، القذافي، في دول أخرى غير التي ذكرت، وتم حصرها وتقديرها (بالتقريب).
وليت أذى القذافي وزبانيته، اقتصر على نهب أموال الشعب الليبي، بل إنه حكم ليبيا بالحديد والنار والعبث، لأكثر من أربعة عقود، مستعبداً الشعب الليبي، وسالباً إرادته، وحارماً إياه من حقه في حكم نفسه – كما يشاء. وعندما طالبت غالبية الشعب الليبي بحقوقها، ثم برحيله، استخدم السلاح الذي اشتراه بأموال الليبيين في قتلهم، وتدمير مدنهم وقراهم، رافضاً الرحيل ومدعياً أنه (لا يتولى منصباً، حتى يرحل عنه)، ولولا التدخل الغربي المشبوه (الذي سيدفع الشعب الليبي ثمناً باهظاً له) لارتكب مذابح رهيبة ضد أبناء شعبه الصامد.
وتلك هي جريمته الأكبر، التي تضاف إلى النهب، الأقل فظاعة وخطورة، فسلب الحرية والكرامة أقسى وأمر من سلب المال ولقمة العيش. وبأفعاله هذه أضحى مثلاً صارخاً للدكتاتورية الخادعة والدموية، التي ابتليت بها بعض البلدان العربية في هذا العصر. فما ذكرناه عن القذافي ينطبق (مع اختلاف في الكم والكيف والتفاصيل) على سائر الجمهوريات الدكتاتورية العربية، التي نشهد الآن قرب تداعيها وأفولها، لكن بدائلها لم تتبلور بعد، وما زالت في علم الغيب.
ويجب ألا ننسى أن خطايا الدكتاتور تمتد لما بعد إزاحته، وتتمثل في أمور شتى، منها: مأزق الوصول إلى بديل مناسب للحكم، خاصة عندما يكون الطاغية المزاح قد اختصر (الدولة) في شخصه وأعوانه، وتعمد عدم وجود مؤسسات تدير البلاد، بشكل مناسب، في حالة رحيله.