رغم اتساع رقعة العالم الإسلامي، وتعدد لغات ومذاهب أبنائه، وكثرة سكانه، إلا أن الدول الإسلامية استطاعت تأسيس منظمة تجمعها جميعًا، وهي منظمة المؤتمر الإسلامي التي تحولت فيما بعد إلى منظمة التعاون الإسلامي، ويمكن القول إنها حققت بعض النجاحات كما انبثق عنها عدة مؤسسات، وأخذت المنظمة على عاتقها الدفاع عن قضايا العالم الإسلامي وفي مقدمتها القضية الفلسطينية والمسجد الأقصى المبارك ومدينة القدس، وأسست لجنة خاصة للقدس يتولى رئاستها منذ تأسيسها العاهل المغربي، بل أن المنظمة نفسها نشأت بسبب الاعتداء الإرهابي الآثم على المسجد الأقصى المبارك وتعرضه لحريق هائل على يد صهيوني متطرف عام 1969م، وهو العام نفسه الذي شهد ولادة المنظمة كرد فعل سريع على هذه الجريمة، أي إنها نشأت للدفاع عن المسجد الأقصى والحفاظ على هوية القدس الإسلامية وعدم تهويدها.
ولعل ما يقوم به البنك الإسلامي للتنمية ـ أحد مؤسساتها ـ الذي يمول مشاريع عملاقة وتنموية وخدمية وإنسانية في الدول الأعضاء خاصة الفقيرة في إفريقيا جنوب الصحراء، يعد من إنجازات المنظمة، كما إنها حافظت على دورية انعقاد القمة الإسلامية كل 3 سنوات، إضافة إلى القمم الطارئة، واجتماعات مجلس وزراء الخارجية، واجتماع مجلس المحافظين للبنك الإسلامي للتنمية، وغيرها من الاجتماعات المتخصصة، وأنشأت مرصد الإسلامو فوبيا الذي تأسس بعد ضراوة موجات الكراهية للإسلام والمسلمين إثر أحداث 11 سبتمبر 2011م، وزادت أهميته مع زيادة موجات اليمين المتطرف في الغرب المعادي للإسلام والمسلمين خاصة المهاجرين في الغرب.
كما أن مجرد وجود المنظمة في حد ذاته حدث مهم خاصة أنها تأسست في ظل اشتعال الحرب الباردة والاستقطاب العنيف من القطبين الكبيرين آنذاك الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، كما أنها تدافع عن قضايا أكثرها يواجه الفيتو الأمريكي والاعتراض الغربي كما يحدث تجاه إسرائيل، وأيضًا تواجه تعسف الدول الكبرى ضد امتلاك الدول النامية التكنولوجيا والتقنيات الصناعية.
ومع هذه الإنجازات نجد الرأي العام في الدول الإسلامية غير راض عن أداء المنظمة كما هو عدم رضا الرأي العام العربي على أداء جامعة الدول العربية، وربما نجد مبررات لمشاعر عدم الرضى عن أداء المنظمتين بسبب ما تعانيه دول الأمتين من تشرذم وخلافات واستقواء الدول المعادية عليها، إضافة إلى هامشية العمل الجماعي للأمتين العربية والإسلامية ، وضعف التنسيق والتعاون ناهيك عن فقدان التكامل المنشود، ويرى أبناء الأمتين أن ما تقوم به المنظمتان مجرد أعمال السكرتارية وتكتفي بوضع قضايا الأمة أمام زعماء الدول الأعضاء الذين يتخذون القرار الذي يرونه مناسبًا، لذلك تظل الإرادة السياسية لصناع القرار هي الفاعل الوحيد في كل ما يصدر عن المنظمتين، ومن هنا يجب تفعيل دور المنظمتين.
والآن، يجب أن تستفيد منظمة التعاون الإسلامي من المتغيرات الدولية وظهور تكتلات فاعلة، مع ملاح تهاوي النظام الدولي المتعسف الذي ساد العالم منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، لتفعيل دورها وإعادة هيكلتها لتنسجم مع معطيات العالم الجديد ومع مطالب الأمة الإسلامية، وعليها أن تبدأ بخدمة الشعوب، مثل الاهتمام بقضايا التنمية خاصة أن العديد من الدول الإسلامية تعاني من الفقر، ونقص الغذاء وشح المياه العذبة، وانتشار الأمية والهجرة والنزوح وانتشار الأوبئة والأمراض، ولتحقيق ذلك يمكن أن تبدأ بمشاريع توفير الغذاء باستزراع أراضي الدول الإسلامية في إفريقيا وآسيا لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء، وأن تضع خطة لمحو الأمية ونشر التعليم عبر منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (الإيسيسكو)، وتتوسع في افتتاح المستشفيات وتوفير الدواء، ثم تتسع دائرة الاهتمام إلى فض النزاعات والوساطة بين الدول الإسلامية، ومواجهة التدخل في شؤونها، وإيقاف العدوان على بعض دولها والتصدي لليد الطولى لإسرائيل، وحماية الأقليات الإسلامية في الخارج، ودعم التكامل الحقيقي بين دول الأمة والنهوض بقطاعات الصناعة والاستفادة من التكنولوجيا والتقنيات الحديثة وتوطينها، وإنشاء مؤسسات يطالب الكثير مثل محكمة العدل الإسلامية، و تشكيل قوة لفض النزاعات ومساعدة ضحايا الحروب، ودور فاعل للوساطة، وإطفاء الصراعات المذهبية خاصة بعد قرار مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن المنظمة الخاص بالاعتراف بجميع المذاهب الإسلامية، وكل ذلك لن يتحقق إلا بوجود منظمة قوية وعلى سدتها جهاز أمانة عامة قوي يتم اختياره وفقًا لآلية جديدة.
وتوجد مقترحات كثيرة لتطوير أداء منظمة التعاون الإسلامي ونأمل الأخذ بها لتنفيذ التطوير المنشود لخدمة شعوب ودول الأمة الإسلامية والحفاظ على استقلالها وعدم الزج بها في أتون الحروب وتجويع شعوبها.