تمر منطقة الشرق الأوسط بتحولات متلاحقة منذ السابع من أكتوبر عام 2023م، حيث بدأت إسرائيل في تنفيذ عمليات عسكرية ممنهجة تتجاوز الاشتباكات المعتادة مع المقاومة الفلسطينية، لتتحول إلى حرب شاملة على قطاع غزة قتلت خلالها البشر ودمرت الحجر، ثم امتدت خارج فلسطين وارتفعت وتيرتها في جنوب لبنان لتتجاوز الرد المعتاد على عمليات حزب الله ، وقتلت معظم قيادات الحزب ودمرت بنيته العسكرية، ووصلت إلى سوريا بعد إزاحة بشار الأسد، وامتدت يدها إلى الحوثيين باليمن في إشارة واضحة لتقليم أظافر الميليشيات المسلحة المدعومة من إيران، أو الجماعات التي كانت تخوض حروبًا بالوكالة عن إيران تجاه إسرائيل ، وفي المنطقة عامة حيث أن أجندة إيران واسعة وتشمل أهدافًا كثيرة في الشرق الأوسط وإفريقيا، وعليه فقد كانت حروب إسرائيل على أذرع طهران تمهيدًا للحرب على إيران نفسها لإجهاض أي عمليات قد تقوم بها انتقامًا من إسرائيل، وهذا يؤكد أن نية تل أبيب للهجوم على إيران كانت مبيتة ومخطط لها بعناية بزراعة الجواسيس في العمق الإيراني، والدور الإسرائيلي المحتمل في اغتيال الرئيس الإيراني السابق إبراهيم رئيسي في مايو من العام الماضي في حادث تحطم طائرة بسبب سوء الأحوال الجوية كما قالت طهران، لكن أرادت إسرائيل تسويق الحادث على أنه رسالة منها لإيران، إضافة إلى اغتيال إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحماس وهو في ضيافة الحرس الثوري الإيراني بطهران خلال مشاركته في مراسم تنصيب الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان في 31 يوليو 2024م، ومن خلال ذلك كله أرادت إسرائيل توجيه رسائل واضحة لطهران مؤداها أنها قادرة على الوصول للعمق الإيراني بالقصف الجوي، أو الاختراق من خلال الجواسيس الموجودين في مفاصل الدولة الإيرانية، أو باستخدام تقنيات الأسلحة الحديثة والاختراقات السيبرانية.
الحرب الإسرائيلية / الإيرانية أو حرب الاثني عشر يومًا كما أطلق عليها الرئيس الأمريكي ترامب، هي مواجهة مسلحة من منطلق أيديولوجي وصراع نفوذ، بدأت في ساعات الفجر الأولى من يوم 13 يونيو 2025م، حين شنت إسرائيل هجوماً مفاجئاً بغارات جوية مكثفة على عشرات الأهداف الإيرانية بغرض وقف ما وصفته إسرائيل التقدم السريع لطهران في برنامجها النووي، وهذه حرب تحمل دلالات ولها تداعيات على منطقة الشرق الأوسط، كما أنها تمثل سابقة في الحروب الحديثة من حيث طريقة الهجوم وتوقيته والأسلحة المستخدمة فيه، وموقف الولايات المتحدة منها . تسعى إسرائيل لكسر شوكة إيران وإجهاض مشروعها النووي، وبذلك تكون القوة النووية الوحيدة في المنطقة ؛ وما يصاحب ذلك من هيمنة وتغول في الإقليم، في المقابل كانت إيران تسعى منذ قيام الثورة الإسلامية ـ نهاية سبعينيات القرن الماضي ـ لتنفيذ مشروعها القومي الذي يرتدي عباءة إسلامية شيعية على حساب دول المنطقة أيضًا، أما القوة الثالثة وهي الدول العربية فهي لا تريد هذه الحرب وتباعاتها ولا ترغب في تغول وهيمنة هذه القوة أو تلك، بل تسعى للسلام والاستقرار واستكمال خطط التنمية التي انطلقت في منتصف العقد الماضي (2030)، وإصلاح خلل ما اصطلح على تسميته بثورات الربيع العربي التي حولت أغلب الدول العربية إلى دول هشة، وأيضًا الدول العربية لها طموح بالمشاركة في النظام الدولي والإقليمي الجديد الذي يتشكل الآن، خصوصًا مع قيادة واشنطن لهذا النظام الذي تبدو فيه القوة هي العنوان الرئيسي للعلاقات الدولية وليس القانون الدولي في المرحلة الحالية وفي المستقبل المنظور على الأقل.
لذلك على الدول العربية أن تكون جاهزة بمشروعها لمواجهة هذه التداعيات، وأن يكون لهذا المشروع أهداف وأدوات ليضمن للمنطقة حيادها، ويعزز مشاركتها في التحولات الإقليمية والعالمية، وأن يسير في خطوط متوازية لا متقاطعة على أن يكون عنوانه الرئيسي بناء قوة ذاتية لمشروع دفاعي متوازن، والاستفادة من المزايا النسبية لكافة الدول العربية في تنفيذ الخطط التنموية، وتضميد الجروح التي تنزف من جسد الأمة والتي تفتح الطريق أمام التدخل الخارجي في شؤونها الداخلية بعد ما خلفت ثورات الربيع العربي خللًا كبيرًا في كثير من دول المنطقة، خاصة أن المؤشرات تنبئ بإمكانية تجدد الحرب الإسرائيلية / الإيرانية بدعم أمريكي معلن لإسرائيل، وأن المنطقة مرشحة للمزيد من التصعيد والتوتر، في ظل معادلات دولية غير متوازنة وتحالفات جديدة غير معلنة أو قيد التشكيل في إطار مساومات ومقايضات لم تتضح معالمها بعد، كل هذا يؤكد أهمية التحوط والحياد الاستراتيجي العربي وقراءة مشهد المتغيرات بدقة والوقوف في وجه أي قوة إقليمية غير عربية تحاول الهيمنة على الإقليم العربي .