array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 93

المجتمع المدني في البحرين ودوره في تحقيق التحولات الثقافية والاجتماعية

الجمعة، 01 حزيران/يونيو 2012

تحاول هذه الورقة الكشف عن الدور الذي يلعبه المجتمع المدني في البحرين (الذي سبق في نشوئه وتطوره مثيلاته في دول خليجية عديدة) في عملية التحولات الاجتماعية والسياسية والثقافية التي يعيشها المجتمع البحريني، ولابد من القول ان اي مؤسسة من مؤسسات المجتمع المدني بحاجة ماسة الى برنامج سياسي واقتصادي واجتماعي من اجل الاستمرار بعملية الاصلاح السياسي والذي يفترض ان لا يقتصر على اجراء اصلاحات فوقية وانما يكون نابعا من جهود مجتمعية حثيثة، ومثل هذه الجهود سوف تفضي لتحولات اكبر على صعيد السلوك الثقافي المجتمعي والذي سيكون طوعيا وبالتالي سوف يترك اثاره بشكل اكبر مما لو كان عن طريق املاءات وفرض خارجي.ولابد من التذكير بان المجتمع المدني يمثل الاستجابة لجملة من التحولات الاجتماعية والثقافية والفكرية والتي يمر بها مجتمع من المجتمعات وفي ذات الوقت الاداة الفاعلة لاحداث التغييرات المنشودة في مسيرة هذا المجتمع.

تعيش الساحة البحرانية جملة من  التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والحضارية والثقافية والأخلاقية، فعلى المستوى الاجتماعي برزت قوى وطبقات جديدة واندثرت أخرى قديمة كالجمعيات السياسية في البحرين، بالإضافة إلى ذلك، برزت قوى جديدة تتمثل في العمالة وانتقال مجتمعات الخليج من اقتصادات تقليدية معتمدة على الغوص والزراعة إلى مجتمعات قائمة على الانتاج الحديث في مجال الخدمات والصناعة وإعادة الصناعة والخدمات المالية والمصرفية.

المجتمع المدني هو الاداة الفاعلة لاحداث التغييرات المنشودة في مسيرة أي مجتمع

بعض مؤسسات المجتمع المدني في البحرين بحاجة إلى إصلاح و إدخال دماء وطروحات جديدة

هناك ضرورة للتعاون بين الدولة و مؤسسات المجتمع المدني لكي تسيرالبحرين في الطريق السليم

بالاضافة إلى ذلك، هناك قيم ثقافية غيرت قيماً قديمة وبرزت أخرى جديدة، كاندثار قيم كانت تمثل التضافر والتكامل والتضامن بين الناس، وبات الجانب الشخصي والفردي يطغى على الجانب التضامني والتعاوني، وأصبح التكافل والتضامن يوجدان من خلال مؤسسات حديثة كالمؤسسات الخيرية، التي تقدم خدمات للمحتاجين والمعوزين، إلى جانب برامج رعائية مقدمة من قبل وزارتي العمل والشؤون الاجتماعية حلت محل المؤسسات التقليدية، وهذا جزء من المتغيرات الحديثة التي حدثت بفعل الاقتصاد والسياسة في دول الخليج.

تحولات المجتمع البحريني

لابد من التذكير بحقيقة أساسية وهي ان التغيرات في المجتمع البحريني كثيرة، فاكتشاف النفط في البحرين في ثلاثينيات القرن الماضي أوجد طبقتين.. عاملة وأخرى متوسطة والكثير من التصنيع - على سبيل المثال- ونوّع من الاقتصاد القائم على أساس مورد النفط أو مصدر النفط، كتكريره واستخراجه وتصنيعه، وهذا ما أدى إلى اتساع القطاعات الاقتصادية بعد أن كانت منحصرة في قطاع الغوص من أجل الحصول على اللؤلؤ والزراعة والتجارة، وبات النفط عصب الاقتصاد وبقية القطاعات، بشكل أو بآخر، مرتبطة به.

وقد ظهر أيضاً نظام إداريُ حديث للبلد يتواكب مع التطورات والتغيرات الاقتصادية المتمثلة في النفط وتأثيراته، وحدثت هناك أيضاً نهضة في مجال التعليم بالبحرين، إلى جانب نهضة ثقافية تمثلت في نشوء عدد من الأندية والمؤسسات الثقافية وكذلك مؤسسات المجتمع المدني.

وبطبيعة الحال فانالمجتمع المدني له تاريخ عريق في البحرين، فإذا كان النفط قد لعب دوراً كبيراً في التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فإن المجتمع المدني أسبق من النفط، في إحداث مثل هذه التحولات ،وبدأ في العقد الاول من القرن العشرين من خلال الاندية والمؤسسات واللقاءات والمؤتمرات، التي ينظمها قادة المجتمع، ففي عام 1923، وهي السنة التي عزل فيها حاكم البحرين الاسبق عيسى بن علي آل خليفة من قبل البريطانيين، عقد مؤتمر وطني بقيادة الشيخ عبد الوهاب الزياني، وذلك للمطالبة بإجراء إصلاحات سياسية من قبيل إنشاء مجلس تشريعي، وتنظيم التعليم، وشؤون البلدية، وهذا المؤتمر يدل على أن هناك نمواً ووعياً من قبل قوى اجتماعية جديدة ظهرت في تلك الحقبة في البحرين ، وهي نواة المجتمع المدني، الذي سيستمر في أداء دوره خلال العشرينيات، ثم ازدهر أكثر فأكثر في الثلاثينيات عبر الاندية الثقافية والرياضية والاجتماعية والفنية، ثم جاءت الاحداث السياسية التي تلت اكتشاف النفط، وظهرت هناك حركة تسمى حركة 1938، وهي حركة سياسية كانت نتاجا للمجتمع المدني وقواه في البحرين، وتطالب أيضاً بإصلاحات سياسية، حيث نمت في تلك الفترة قوى عاملة وقوى مجتمع وقوى البرجوازية الوطنية التي قادت العمل الوطني في البحرين، وقامت بعملية الدعوة إلى الاصلاح، وبلغ المجتمع المدني ذروته في حركة 1954 و1956، وهي الحركة التي يطلق عليها هيئة الاتحاد الوطني، وتمثل نوعاً من الجبهة الوطنية ونواة لحزب سياسي حقيقي ليس في البحرين وحدها إنما في منطقة الخليج العربي ككل.

وفي منتصف الخمسينيات، بعد أن انتهت هذه الهيئة، نستطيع أن نقول إن المجتمع المدني في البحرين أصيب بركود، وذلك حتى الستينيات، حيث بدأ ينهض شيئاً فشيئاً، واستمر حتى الاستقلال عام 1971، إذ بدأت البحرين في هذه المرحلة تجربة جديدة تمثلت في التصويت على الدستور وإنشاء مجلس وطني، لكن سرعان ما تم حله عام 1976.

وكان هذا المجلس وهذه الاصلاحات السياسية  نتيجةٍ لكل هذه الانشطة والفعاليات التي قام بها المجتمع المدني من خلال مؤسساته الحزبية والاجتماعية والثقافية على امتداد عشرات السنين منذ عام 1910 حتى1971، حيث سيطرت الدولة بعد ذلك، بشكل أو بآخر، على المجتمع المدني ولم يعد له ذلك الدور الكبير حتى مطلع التسعينيات.

ولقد كان الوضع في البحرين مختلفاً بشكل كبير عما هو موجود في بلدان الخليج بل وحتى في بلدان عربية كانت قد دخلت مضمار التقدم الفكري والثقافي قبل المجتمع البحراني، فالمجتمع المدني هناك كان له دور كبير، فحتى في السبعينيات، أي المرحلة التي كان فيها قانون أمن الدولة مسيطراً وشبيها لقانون الطوارئ، اتخذ المجتمع المدني شكلاً آخر، وبدلا من العمل السياسي المباشر اتخذ العمل الاجتماعي والخيري، أي عمل بواجهة اجتماعية وخيرية أكثر منها سياسية، لكن في الحقيقة كان يعمل بشكل أو بآخر بالسياسة رغم الضغط والمنع، وبعد غزو العراق للكويت انطلقت مطالبات من قبل المجتمع المدني لأمير البحرين الراحل الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة بعودة الدستور، الذي حل عام 1973 والحياة النيابية الديمقراطية، ولم تتم الاستجابة لهذه الدعوات، وأعيدت المطالبة بها مرة أخرى في عام 1994، الذي غلب عليه طابع الحوادث والاضطرابات التي استمرت حتى عام 2000، وهي أحداث سياسية، وبالتأكيد كان للمجتمع المدني دور في هذه الاضطرابات والمطالبات الهادفة للاصلاح السياسي في البحرين، وبعد مجيء جلالة الملك الحالي الشيخ حمد بن عيسى بن سلمان آل خليفة، قرأ المرحلة قراءة جيدة وسليمة، وقام بمشروع اصلاحي تمثل في عودة الحياة البرلمانية وصياغة دستور جديد رغم الاختلاف حوله عما إذا كان يعد دستورا جديدا أم أنه تعديل لدستور 1973، وهذا الامر كان مثار جدل كبير، لكن الوضع اليوم مختلف، حيث حدث انفراج للمجتمع المدني الذي كان يعيش فترة ممتازة قياساً بفترة السبعينيات والثمانينيات، وهناك جمعيات هي في الحقيقة أحزاب سياسية لا يقل عددها عن اربعة عشر  جمعية أو منظمة سياسية غير المؤسسات والجمعيات الاخرى في مختلف مجالات الحياة من البيئة إلى الاعمال الخيرية والجمعيات النسائية.

هنالك سؤال يطرح نفسه وهوما التحديات التي تواجه المجتمع المدني بشكل عام والمجتمع المدني في البحرين؟

والواقع يدلُ على ان  التحديات كثيرة وتعود للمجتمع المدني نفسه، وتتمثل في المنافسة بين مؤسساته، حيث لا تتفق على برنامج مشترك وخصوصاً المؤسسات والجمعيات الفاعلة، التي تمثل القلب للمجتمع المدني وبينها حساسيات تاريخية ونوع من عدم القدرة على مواكبة مستجدات المرحلة والتفكير بعقلية قديمة في زمن جديد، وهذه من الاشياء التي تعيق المجتمع المدني.

كما اننا نجد أيضا أن مؤسسات المجتمع المدني أحياناً، وخصوصاً السياسية منها، في الوقت الذي تطالب فيه بالاصلاح هي بحاجة إلى إصلاح وإدخال دماء وطروحات جديدة، بالاضافة إلى عدم وجود برنامج شامل ومتكامل من قبل المؤسسات الفاعلة في حين أنه يجب عليها في الوقت الراهن طرح برنامج سياسي واقتصادي واجتماعي مقنع لعملية الاصلاح والاستمرار بها.

ومما لاشك فيه أن المجتمع المدني في البحرين قد لعب دوراً كبيراً في تحقيق الكثير من الاصلاحات السياسية والاقتصادية التي ظهرت في السنوات الاخيرة والتي كانت نتيجة ضغط ومطالبات سياسية استمرت قرناً من الزمان.

 يلاحظ أنه خلال العقد الاول  من بداية الالفية الجديدة ، حصلت تطورات عديدة في دور وفاعلية المجتمع المدني البحراني  لكن فيما يبدو في النصف الثاني بدأت تظهر بعض القيود على مؤسسات المجتمع المدني، خصوصاً القيود الرسمية من خلال قانون يسمى بقانون عام 1989 وكُرس في العام 2006 وهو قانون فيه تقييد كبير لعمل الجمعيات بمعناها العام والسياسي.

ولابد من القول ان بامكان المجتمع المدني البحراني احداث جملة من التحولات على صعيد الفكر والثقافة سيما من جهة انفتاح منظمات المجتمع المدني على جميع مكونات المجتمع البحراني وامكانية مساهمة جميع المواطنين في دعم ورفد النشاطات التي تقوم بها هذه المؤسسات والجمعيات وتطوير ثقافة من التعايش المشترك والتي يكون عمادها الجهد المشترك وبالتالي تكون منظمات المجتمع المدني بديلاً عن الاحزاب والتيارات التي قد تحمل توجهات تجعلها بعيدة عن تمثيل كافة المواطنين او تكون بمثابة تيارات منفصلة عن الواقع الاجتماعي الذي يميز البلاد.

 ومما يأمله اي متتبع للاوضاع السياسية والتحولات الاجتماعية في البحرين  أن يكون هناك تعاون بين الدولة ومؤسسات المجتمع المدني لكي تسير البحرين في الطريق السليم والصحيح من أجل مزيد من الاصلاح والديمقراطية والتقدم.كما يفترض ان تتخلص مؤسسات المجتمع المدني من الاطر المذهبية الضيقة التي يحول دون ادائها لعملها وواجباتها في احداث تحولات اجتماعية وثقافية في مجتمعها وبنحو صحيح.

مقالات لنفس الكاتب