array(1) { [0]=> object(stdClass)#13382 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 92

الدفاع الذكي سمة الحروب المقبلة

الثلاثاء، 01 أيار 2012

يدخل العالم مرحلة عصيبة تتسم بالانفلات الأممي والانفراط القومي والتشظي الحربي والاندثار المهني والهوس الأمني، وأضحت الأزمات المركبة التي خلّفتها حروب المغامرة التحالفية في الشرق الأوسط تلقي بظلالها على النسق الدولي والتوازن الجيو-قاري والأمن والسلم الدوليين، وأصبح الهيكل الدولي عاجزاً عن أداء مهامه.

باتت الحكومات حزاماً ناقلاً للمال العام للشركات القابضة التي تهيمن على الإدارة السياسية والحربية في العالم، وتنعكس سلباً على الشعوب التي تعاني بطش الحروب وتداعياتها الاقتصادية والإنسانية، وقد وظفت الحكومات المترهلة الحرب على الإرهاب لتصفية خصومها السياسيين، والبعض منها استند إلى مسالكها القمعية وطوّعها لممارسة التطهير الطائفي كما جرى في العراق.

ألقت المتغيرات الحربية وخصخصة الحرب وعسكرة العولمة بظلالها على طبيعة الصراع الدولي وشكله، وأضحت الدول المتمركزة تتنافس على الصدارة والمنافع المالية للأقلية الحاكمة في تلك الدول، وقد غيبت القيم السياسية والأعراف القانونية ومنظومات القيم، مما خلّف انفلات منصات الصراع وتغولها بالدول المتاخمة كابتلاع إيران للعراق، وفي الوقت نفسه وسّع من دور دول الوخز لترسم وجودها في خريطة الصراع الدولي، ولعل كل تلك التداعيات نتاج واقعي ملموس لحروب المغامرة في الشرق الأوسط، وتخوض الأوساط العسكرية الأمريكية حروب ترميم للقدرة العسكرية لإعاده توظيف القوة واستعادة المبادأة الاستراتيجية.

حرب الجيوش انكفأت وتحولت إلى حرب النجوم والغرف وباستخدام الأصابع الذكية
مجالات الإنفاق العسكري الأمريكي تتركز حالياً على قوات العمليات الخاصة والتكنولوجيات الجديدة
وظفت الحكومات المترهلة الحرب على الإرهاب لتصفية خصومها السياسيين

دراسة الرؤية المشتركة 2010

حددت الاستراتيجية العسكرية الأمريكية للقرن الحادي والعشرين - دراسة الرؤية المشتركة 2010 (joint vision 2010 ) وزارة الدفاع الأمريكية-الخطوط العامة للقيادة العسكرية والمسالك الحربية الثابتة، ويجري كالعادة تحديد البيئة الاستراتيجية وقائمة الأهداف والمهام، وتشدد على تنمية قدرات القوات المسلحة بمختلف عناصرها وفروعها وكيفية استخدامها، بالتزامن مع سيولة التقدم التقني في الشؤون العسكرية، وتوظيف التكنولوجيا والمعلومات للمهام الحربية، وتوسيع عمل أنظمة التسليح والمتفجرات الذكية، وركزت على مبدأ التقنين البشري والحربي وذلك باستخدام الروبوت والمركبات الآلية والطائرات من دون طيار (حرب الأصابع والغرف المرفهة)، ولعل أبرز مرتكزاتها الاستراتيجية : حماية المصالح الحيوية للولايات المتحدة الأمريكية، منع انتشار التسلح النووي والصاروخي وأسلحة الدمار الشامل، أمن إسرائيل وتفوقها العسكري في منطقة الشرق الأوسط، توفير الحماية لمنطقة أوروبا بالتعاون مع حلف الناتو، تعزيز الدور الأمريكي في منطقة الباسيفيك، تنمية الاستثمارات في المجالات العسكرية والأمنية، الحفاظ على الدور العالمي للولايات المتحدة. وعندما نقارب الغايات الاستراتيجية والمسالك الحربية والسلوكيات الأمنية وتضخيم التهديدات سنجد أن التخطيط يبتعد كلياً عن التنفيذ، وأن أمريكا الدولة فقدت توازنها واخترق سياسيوها وجنرالاتها غالبية المعايير الاستراتيجية والقيم السياسية والإنسانية لصالح الشركات القابضة التي جعلت من الولايات المتحدة والعالم تدور في فلك الأزمات المركبة والمستعصية.

تقرير المراجعة الدفاعية ( 2010- 2014)

أصدرت وزارة الدفاع الأمريكية في فبراير2010 تقرير (المراجعة الدفاعية 2010-2014) (Quadrennial Defense Review) الذي يتكون من 128 صفحة، وحدد التقرير إطار العمل الاستراتيجي لوزارة الدفاع، وكيفية استخدام الموارد لتحقيق ما يطلق عليه (النصر في الحرب)، وكيفية التعامل مع التهديدات الآنية والوشيكة، وتطوير القدرات العسكرية المختلفة للحروب المقبلة، كما رشق التقرير من قائمة الأهداف الاستراتيجية، وأغفل المخاطر والتهديدات المحتملة وتداعيات ما بعد الحرب ونزيف الأمن والسلم الأهلي.

جرت الإشارة إلى القوة اللامتماثلة أو ما يطلق عليه (اللاعبين غير الحكوميين) وهم يشكلون سمة الحرب الشبحية المقبلة، ويشير تقرير المراجعة الدفاعية إلى أن ما تسميهم (الإرهابيين)، كما تقول الوثيقة، أصبحوا يشكلون تهديداً دائماً للولايات المتّحدة وشركائها، ويتطلب ذلك استعمال كافة عناصر القوة الأمريكية والدولية، ويقصد بها مزواجة القدرة الصلبة والناعمة والذكية، ويبدو أن التطبيق مختلف تماماً عن التخطيط خصوصاً في العراق، حيث جرى انتشار وانشطار الميليشيات والجماعات المسلحة الطائفية المرتبطة بإيران في ظل الوجود العسكري الميداني، ولم نشهد كوابح أمنية وقانونية تنفذ لمعالجة ظواهر اللاعبين غير الحكوميين.

وأكد التقرير على الاستمرار بالمهارشة الاستراتيجية (تعني استمرار التماس المباشر ووضع الخصم في حالة استنفار واستخدام وسائل مختلفة حربية وشبحية وسياسية) وتعزيز الوجود الذكي وترشيق القطعات النظامية التي أنهكت وتراجعت جاهزيتها في حربي العراق وأفغانستان، وشدد على إدامة العمل بمسالك (الحرب العالمية على الإرهاب) في ظل تهديدات قائمة ووشيكة وانفلات ميليشياوي مسلح مع فقدان التوازن الحربي في الشرق الأوسط.

استراتيجية الدفاع لعام (2012- 2022م)

أعلن الرئيس الأمريكي باراك اوباما عن استراتيجية دفاعية جديدة ستنتهجها وزارة الدفاع الأمريكية، وذلك في ندوة صحفية في البنتاغون بحضور وزير الدفاع ليون بانيتا، ورئيس الأركان في الجيش الأمريكي مارتن ديمبسي، وتمثل هذه الاستراتيجية خطة لإعاده بناء القوة المشتركة لعام 2020م، وقد صدرت الوثيقة تحت عنوان (الإبقاء على القيادة العالمية للولايات المتحدة- أولويات الدفاع للقرن الحادي والعشرين)، وتحدد استخدام القوة وترشيق التكاليف الحربية، وتحاكي المتغيرات السياسية وانفراط النظام الرسمي العربي والتمدد الإيراني وبمنحى طائفي يتجه إلى حرب طائفية شاملة في المنطقة انطلاقاً من العراق كما يتوقع، وقد سحب أوباما القوات الأمريكية من العراق مخلفة خريطة عنف مخيفة وبلداً ممزقاً وسلطة طائفية ونظاماً سياسياً مهترئاً ودولة فاشلة من كافة المعايير وينخرها النفوذ الإيراني. إذن ما هو الإنجاز الأمريكي العسكري والسياسي من حرب العراق؟

تنوي الولايات المتحدة بعد حربي المغامرة في العراق وأفغانستان ترشيق قواتها البرية التقليدية تماشياً مع المتغيرات الجوهرية في الصراع، خصوصاً أن الجيوش النظامية المترهلة لم تعد تماشي التطور الحربي الذكي، وأن حرب الجيوش قد انكفأت وتحولت إلى حرب النجوم والغرف وباستخدام الأصابع الذكية، ناهيك عن الاضطرابات والمتغيرات السياسية التي يشهدها الشرق الأوسط وحرب العروش المتهاوية. ويتوقع أن تركز استثمارات الدفاع المستقبلية على الاستخبار والمراقبة والاستطلاع، ومواجهة أسلحة الدمار الشامل، وإجراء عمليات محدودة في بيئة مجافية، وتتركز مجالات الإنفاق العسكري الأمريكي على قوات العمليات الخاصة، والتكنولوجيات الجديدة التي تشمل النظم غير المأهولة، وفضاء الإنترنت والنظم الفضائية.

المهارشة بالعمليات الخاصة و(الشبحية)

شرح وزير الدفاع الأمريكي ليون بانيتا جوهر الاستراتيجية وهو الاقتصاد بالقوة والتعامل بنظرية (الاستهداف الذكي) وتوسيع خصخصة الحرب أو عسكرة التكنولوجيا، حيث سيتم خفض عديد الجيش البري من 565 ألفاً حالياً إلى 520 ألف جندي عامل بعد 2014م، وربما حتى ينخفض العدد إلى 500 ألف وفقاً لمراقبين، وفي حين سيتم خفض عدد مشاة البحرية البالغ 202 ألف حالياً بنحو 15 إلى 20 ألفاً تؤكد الاستراتيجية اتباع فلسفة (الاستهداف الذكي) المهارشةبالعمليات الخاصة والشبحية، وتعشيق عمل الدوائر المخابراتية والمعلوماتية، وكذلك ممارسة سياسة الاحتواء على المدى المتوسط للأهداف الاستراتيجية لتلافي حجم التكاليف والإنفاق العسكري المتزايد، مما يدل أن الأزمات المالية وشكل البيئة الحربية المقبلة هي التي تحدد شكل ونوع وحجم ونمط الوسائط وآليات عمل القوات العسكرية في السنوات المقبلة وما يطلق عليه (الدفاع الذكي).

يبدو أن السلوكيات الحربية المغامرة وخصخصة الحرب أفقدت المؤسسة العسكرية الأمريكية مهنيتها وحرفيتها، ويلاحظ تلاشي (النصر بالحرب) وهو الهدف النهائي من أي حرب وفقاً للمعايير والقيم العسكرية، وعندما نقارب حروب الخصخصة في الصومال والبلقان وأفغانستان والعراق وليبيا نشهد حروباً بلا نتائج سياسية أو حوافز استراتيجية تحقق الأمن والسلم الدولي وهو محور توظيف القوة الدولية، ولعل الاستراتيجية الدفاعية لهذا العقد تجسد الأزمات المركبة التي تعانيها الولايات المتحدة بشكل عام والقوات المسلحة بشكل خاص. ويمكن وصف استراتيجية الدفاع الذكي المتقشفة حربياً بالمتغير الجوهري في حروب العقد المقبل في ظل تحديات وتصدعات مختلفة أبرزها الانفراط القومي وشيوع الظواهر المسلحة وملامح الحرب الطائفية الشاملة التي تلوح في الأفق العربي. ويبدو أن الرئيس الأمريكي أوباما وأركان دفاعه يدركون حجم المعضلات التي خلفتها حروب المغامرة والتي انسحبت بشكل سيال على شكل القوة وجاهزيتها والإنفاق الذي بات يهدد تماسك الولايات، خصوصاً أن شعارات الديمقراطية ونشر الحرية ليس لها وجود في العراق والمنطقة إلا في الشعارات الانتخابية وعلى لسان الطائفيين الجدد والدكتاتوريات الطائفية الناشئة في العراق وغيرها من دول التوازن العربي التي تقود العالم العربي إلى المجهول.

مقالات لنفس الكاتب