array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 96

كامب ديفيد 2015.... في الميزان - حذر خليجي وطمأنة أمريكية

الإثنين، 01 حزيران/يونيو 2015

سبق وتلا انعقاد قمة كامب ديفيد بين قادة دول مجلس التعاون الخليجي، والرئيس الأمريكي باراك أوباما في منتجع كامب ديفيد الأمريكي يومي 13 و14 مايو 2015م، الكثير من التوقعات وأيضا الكثير من التعليقات، حيث توقع من أبناء مجلس التعاون الخليجي منها نتائج كثيرة تناسب ظروف المرحلة الراهنة، خاصة فيما يصب بمصلحة الدول الخليجية في هذه المرحلة التي تعد من أهم مراحل التحول التاريخية التي تشهدها المنطقة في التاريخ المعاصر.

ولذلك توقع الكثير من أبناء دول الخليج ضرورة مناقشة القمة عدة ملفات رئيسية أهمها الملف النووي الإيراني مع قرب التوصل إلى اتفاق نهائي بين الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ( مجموعة 5 +1) مع إيران من جهة  حول هذا الملف الشائك، إضافة إلى أمن الخليج، والوضع في اليمن ، وسبل مواجهة الإرهاب، والسلام في منطقة الشرق الأوسط بصفة عامة وكذلك الأوضاع التي تشهدها العديد من الدول العربية التي عصفت بها أحداث ما يسمى بثورات الربيع العربي وفي مقدمتها العراق وسوريا ، وتناقلت وسائل الإعلام قبيل القمة مطالب الرأي العام الخليجي وأيضا الحكومات الخليجية من الولايات المتحدة الأمريكية في المرحلة الحالية والمستقبلية، وكذلك ما يعبر عن الرأي العام والنخب الخليجية التي تتحدث دائماً قبل المواقف الرسمية والتصريحات الحكومية حيال العلاقات الخليجية ـ الأمريكية، فالرأي العام ونخب المثقفين في  دول مجلس التعاون الخليجي يعتقدون ، إلى حد كبير، أن واشنطن تخلت ـ على الأقل جزئياً ـ عن تحالفها التقليدي مع دول الخليج العربية، الذي بدأ منذ منتصف القرن العشرين وبعد جلاء بريطانيا عن بعض دول المنطقة مطلع سبعينيات القرن العشرين، بل تقاربت مع إيران وهو تقارب يراه البعض تشوبه الكثير من التحفظات، وهم في ذلك يستشهدون بتصريحات ومواقف الرئيس الأمريكي باراك أوباما .

ويرى بعض الخليجيين الأكثر تشاؤماً حيال المواقف الأمريكية أن أوباما حسم موقفه وقرر التقارب مع إيران، ويستشهدون على ذلك بأقواله منذ أن تولى سدة الرئاسة ودخل البيت الأبيض حاكماً والتي ازدادت حدتها في زمن ولايته الرئاسية الثانية ومن بين ذلك وصفه للسلوك الإيراني في السابع عشر من فبراير 2014م، بأنه استراتيجي وقال تحديداً (عندما ننظر إلى السلوك الإيراني سنجد أن الإيرانيين استراتيجيون وليسوا متهورين يملكون رؤية عالمية، وينظرون إلى مصالحهم ويستجيبون لعوامل الكلفة والفائدة .. وإيران ليست كوريا الشمالية، إيران دولة كبيرة وقوية، وترى نفسها لاعبا مهماً على المسرح العالمي ولا تملك رغبة انتحارية، بل تمكنها الاستجابة للحوافز)، وعاد أوباما في مطلع العام الحالي وأعتبر إيران لا تمثل الخطر الأكبر لدول الخليج العربية وأن مشكلة دول الخليج الرئيسية ليست في إيران.

ثم جاءت قمة كامب ديفيد الأخيرة بعد الإعلان عنها بوقت مقبول ، وقد استمرت ثلاث جلسات عمل على مدار يومين بين ممثلي دول مجلس التعاون الخليجي والرئيس الأمريكي باراك أوباما، ثم جاء في اختتام هذه القمة بيان ختامي كان هام ودقيق في صياغته و معبر إلى حد كبير عن الرغبة الخليجية ، و بالقدر نفسه مهم للرئيس الأمريكي الذي كان يسعى جاهداً لمباركة دول الخليج العربية للاتفاق النووي بين إيران والقوى الكبرى للاستفادة من هذه المباركة في مواجهة الداخل الأمريكي خاصة الكونجرس ذو الأغلبية الجمهورية المعارضة لهذا الاتفاق، في وقت تبدو فيه هذه المباركة ليست ضد قناعات دول الخليج العربية التي لم تعترض على امتلاك إيران برنامجاً نووياً للأغراض السلمية من حيث المبدأ، وكل اعتراضها على عسكرة هذا البرنامج باعتبار أن عسكرته سوف تقود المنطقة إلى حالة من السباق النووي بعد أن تتحول إيران إلى قوة نووية في الوقت الذي تمارس فيه إيران دور الدولة الطامعة والطامحة والتي تغذي الصراعات الطائفية وتتدخل في الشؤون الخليجية والعربية دون مواربة، وبالفعل قال أوباما بعد انتهاء قمة كامب ديفيد إن هذه القمة حملت مؤشرات مهمة وإيجابية من الدول الخليجية التي ستدعم اتفاقاً نووياً في حال حصلنا عليه مع إيران، وتابع لا يمكنني أن أطلب من قادة دول الخليج مثلما لا يمكنني الطلب من الكونجرس الموافقة على اتفاق لم يتم التوصل إليه بعد، لكنه حصل على دفعة معنوية مهمة جداً على هذا الصعيد.

وقد حمل البيان الختامي للقمة وتصريحات الجانبين الخليجي والأمريكي عبارات قوية ومهمة تأتي جميعها في إطار الوفاق والتوافق حول مجمل القضايا  التي كانت محل التباحث والنقاش، فقد أكد الجانبان على ما أسمياه (الشراكة الاستراتيجية الأمريكية ـ الخليجية) وهذه الشراكة حسب البيان ستكون أساساً لتطوير علاقات مجالات التعاون بين الدول الخليجية والولايات المتحدة الأمريكية، وجاء في البيان الختامي أيضاً  ما هو مهم بشأن إيران حيث جاء ما نصه " اتفقت الدول المجتمعة على منع إيران من امتلاك السلاح النووي"، وكان قد عرض في جلسات القمة كل من وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، وزميله وزير الطاقة ارنست مونيز شرحاً مستفيضاً للمفاوضات النووية التي يشرفان عليها مع إيران ضمن الفريق الدولي المفاوض في هذا الملف من الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن إضافة إلى المانيا وذلك بهدف توضيح حقيقة هذا الملف وأبعاده وكيفية إدارته فيما بعد تحت إشراف المنظمة الدولية للطاقة النووية بما لا يسمح لطهران بامتلاك السلاح النووي أو عسكرة هذا البرنامج.

ولقد تحدث الرئيس الأمريكي بعد القمة عن إيران بلهجة متشددة غير التي يستخدمها أحياناً ضد إيران حيث تبدو تصريحات أوباما بشأن إيران تحكمها عوامل ومؤثرات مختلفة، فقد قال بعد قمة كامب ديفيد " إن إيران تشكل تهديداً أوسع من التهديد النووي، وغالبية الأعمال التي تزعزع الاستقرار في المنطقة التي تقوم بها إيران قليلة التكلفة والتقنيات، في إشارة إلى أن إيران التقليدية أخطر من إيران النووية، وهو في ذلك يعطي إشارة غامضة لكنه أكد على ضرورة مكافحة الإرهاب الذي يأتي من دول مثل إيران وتنظيم داعش الإرهابي.

 ومع ذلك حافظ أوباما على إرسال رسائل مهدئة لإيران فقال في هذا الصدد أنه من الضروري أنه سيكون التوصل إلى حوار أوسع يشمل دول الخليج وإيران، وهذه الجهود ليست لتهميش إيران، فنحن نرحب بإيران لكي تبنى الثقة وتنهي الخلافات في المنطقة، وتنهي التوتر وهذا يتطلب حواراً أوسع يشمل إيران ودول الخليج، وأن الدعم الأمريكي لدول الخليج هدفه أن يكون الحوار مع إيران من موقع الثقة والقوة في صالح دول مجلس التعاون الخليجي.

 وبعد هذه الإشارات المتداخلة ذكر الرئيس الأمريكي أن منطقة الخليج تشهد تحديات استثنائية وسوف تعمل الولايات المتحدة الأمريكية على استمرار التنسيق والتعاون الكامل مع دول مجلس التعاون الخليجي، وإننا ملتزمون في كل الأحوال بأمن هذه الدول.

وجاء البيان الختامي متضمناً العديد من النقاط المهمة التي يمكن إيجاز أهمها فيما يلي:

ـ التأكيد على الشراكة الوثيقة بين الجانبين الخليجي والأمريكي.

ـ التعاون بين الجانبين في مواجهة ممارسات إيران لزعزعة استقرار المنطقة.

ـ ضمان التوريد السريع للأسلحة الأمريكية التي تحتاجها دول الخليج وإنشاء مكتب مشتريات للمبيعات العسكرية الخارجية مخصص لعمليات البيع لدول مجلس التعاون الخليجي.

ــ إجراء تدريبات عسكرية ووضع برنامجاً زمنياً لها، وزيارة وفود عسكرية أمريكية لدول مجلس التعاون.

ــ تعقب المتورطين في عمليات إرهابية في الدول الخليجية ومكافحة تمويل الإرهاب.

ـ عقد اجتماعات فنية وعلى المستوى الوزاري لبحث السياسة الخارجية والدفاع والأمن والاقتصاد في دول الخليج، وتكرار قمة كامب ديفيد خلال العام المقبل 2016م، لتقييم ما تم وبحث ما هو آت.

كما جاءت التصريحات الرسمية من الجانبين الخليجي والامريكي  بعد انتهاء أعمال القمة لعمال  تؤكد على نجاح هذا اللقاء الذي وضع اسساً جديدة تؤدي إلى استمرار التنسيق الشامل لمواجهة الأخطار المحدقة بالمنطقة وفي مقدمتها إيران وداعش، حيث قال وزير خارجية المملكة العربية السعودية عادل الجبير إن هذه القمة شهدت توافقاً تاماً في الرؤية بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية حول قضايا المنطقة، وأن المحادثات بين الجانب السعودي والأمريكي كانت صريحة ومباشرة وتناولت سبل مواجهة التهديدات التي تواجه المنطقة وفي مقدمتها إيران وتنظيم داعش، وفي إطار تعليقه على وصفها عادل الجبير بأنها تاريخية وغير مسبوقة وركزت على بحث تكثيف وتعزيز العلاقات الأمنية والعسكرية والاستراتيجية بين دول مجلس التعاون الخليجي وبين الولايات المتحدة الأمريكية، موضحاً أن المباحثات سارت على ثلاثة خطوط متوازية هي بحث تعزيز التعاون الأمني والعسكري والاستراتيجي بين دول الخليج وأمريكا، والتصدي للإرهاب، ثم التعامل مع التحديات خاصة التدخلات الإيرانية في شؤون دول المنطقة.

 ومن جهته، قال الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبو ظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة في دولة الامارات العربية المتحدة إن أمن منطقة الخليج جزء أساسي من الاستقرار العالمي نظراً لما تمثله منطقة الخليج من أهمية اقتصادية وسياسية واستراتيجية للعالم، وأن دول الخليج مجتمعة تدرك تماماً المسؤولية الملقاة على كاهلها للحفاظ على سلامة وأمن واستقرار المنطقة وأيضا عافيتها، موضحاً أن الدول الخليجية استطاعت تسخير امكانياتها للحفاظ على استقرار المنطقة وتجنيبها المخاطر، مشيراُ إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية شريك استراتيجي مهم لدول الخليج العربي ولها دورها الحيوي والهام في حفظ الأمن والاستقرار في المنطقة بما لها من دور وثقل وبما لنا من علاقات تربطنا بها ومصالح مشتركة وعلاقات شراكة وتعاون مهمة، وأكد على أن المرحلة الحالية تتطلب من دول الخليج والولايات المتحدة وكافة الأصدقاء التعاون بما يؤسس لمرحلة جديدة تراعي التهديدات والمخاطر الجديدة التي طرأت على المنطقة.

 وبعد أن هدأت المؤثرات السياسية التي صاحبت وأعقبت قمة كامب ديفيد ظلت العديد من الأسئلة مطروحة وتنتظر الإجابات حول ترجمة ما تضمنه البيان الختامي وتحويله إلى خطة عمل أو خارطة طريق، خاصة انه جاء في بيان ختامي وليست وثيقة كما هو حال المبادئ الأمريكية الشهيرة السابقة التي انطلقت منذ منتصف القرن العشرين وارتبطت بأسماء زعماء الولايات المتحدة السابقين منذ عهد الرئيس الأمريكي الأسبق هاري ترومان في مارس عام 1947م، مروراً بمبدأ أيزنهاور في الخامس من يناير عام 1957م، ثم مبدأ نيكسون عام 1969م، ومبدأ كارتر في نهاية السبعينيات الميلادية من القرن المنصرم، وكل مبدأ جاء في إطار ظروف دولية وإقليمية معينة وإن كانت جميعها فطنت إلى الأهمية الاستراتيجية لمنطقة الشرق الأوسط ومنطقة الخليج.

 تظل قمة كامب ديفيد مهمة من أجل البناء عليها وخلق قناة أو قنوات لتفعيل الشراكة الاستراتيجية بين دول مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة الأمريكية في ظل المتغيرات السياسية في العالم والمنطقة، وفي وقت مازالت الولايات المتحدة تمثل فيه أمريكا اللاعب الرئيسي وصاحبة العلاقات التاريخية والتواجد المهم سواء التواجد السياسي أو العسكري أو الاستراتيجي، لكن المطلوب توضيح أسس السياسة الأمريكية الجديدة حيال الشرق الأوسط ومنطقة الخليج في المرحلة المقبلة وهذا هو الأهم. 

مقالات لنفس الكاتب