array(1) { [0]=> object(stdClass)#13440 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 97

«عاصفة الحزم» وتوازن القوى الإقليمي

الأربعاء، 01 تموز/يوليو 2015

أحدثت عملية «عاصفة الحزم» التي انطلقت يوم 26 مارس 2015م، تحولا جوهريا في معادلة الأمن بمنطقة الشرق الأوسط، وساهمت في بلورة نظام إقليمي جديد ينهي حالة "السيولة" العربية، ويضع حدا للتدخلات الخارجية القائمة على تأجيج الطائفية والصراعات الداخلية.
وجاءت «عاصفة الحزم» استجابة لطلب الرئيس اليمني للتصدي للميليشيات الحوثية والقوات التابعة لحليفها علي عبد الله صالح والمدعومة من قوى خارجية، وإحباط مخططاتها لبسط هيمنتها على اليمن وجعله قاعدة لنفوذها مما يهدد المنطقة بأسرها والأمن والسلم الدوليين، فضلا عن تقديم المساندة واتخاذ كافة الوسائل والتدابير اللازمة لحماية اليمن وشعبه بعد الانقلاب على العملية السياسية برمتها وفقا لمقررات المبادرة الخليجية.
وكان من أبرز أهداف العملية القضاء على المخطط الرامي لحصار المملكة العربية السعودية وتهديد الأمن الحيوي لدول مجلس التعاون الخليجي سواء بالتواجد على الحدود الجنوبية للمملكة أو السيطرة على مضيق باب المندب والتحكم في حركة الملاحة الدولية وإمدادات الطاقة.
والمؤكد أن تداعيات ونتائج «عاصفة الحزم» تخطت كونها عملية عسكرية إلى التأثير على مجريات الأحداث الجارية في المنطقة وتحديد مستقبل النظام الإقليمي وفي هذا الصدد، تساءلت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية "كيف هز الملك سلمان الشرق الأوسط"؟! مشيرة إلى أن قلة من الناس كانت تتوقع حدوث تغييرات قوية في فترة قصيرة يضع فيها المملكة على زعامة المنطقة المضطربة، ويؤسس مملكة المستقبل بتصعيد جيل الشباب، وأكدت أن العاهل السعودي واجه التحديات وقلب الأوضاع في المنطقة، من خلال سياسة خارجية قوية دشنها منذ توليه مقاليد الحكم.

وقالت "واشنطن بوست": "إن العرب ينظرون اليوم إلى السعودية على أنها الدولة الأكثر استقراراً والرائدة في المنطقة، بعد أن استفادت إيران في الفترة الماضية من الاضطرابات في المنطقة، وحاولت توسيع نفوذها الأمر الذي جعل السعودية تتحرك مجبرة على اتخاذ سياسة أكثر حزماً"(1).
وكان الوضع السائد قبل «عاصفة الحزم» ينذر بعواقب وخيمة على الأمن الخليجي والعربي ولذلك كان قرار بدء العملية ونجاحها في تنفيذ أهدافها هو الأكثر تأثيرا على مسار النظام العربي منذ عقود طويلة، وكان أبرز نتائج العملية ما يلي:
أولاً: وقف التمدد الإيراني في الفراغ العربي عبر مشروع توسعي وسيلته الطائفية وهدفه السيطرة والهيمنة، حيث دأبت قيادات طهران الإعلان صراحة بأنها تسيطر على أربع عواصم عربية، وهي بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء، وأن "الصحوة الإسلامية" ستمتد إلى بقية دول المنطقة، وتأكيد علي يونسي، مستشار الرئيس الإيراني، بأن بغداد عادت عاصمة للإمبراطورية الإيرانية العائدة والمتمددة.
ولم يكن بمستغرب أن يشير خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في كلمته بالقمة التشاورية التي استضافتها الرياض يوم 5 مايو 2015 م، إلى أن قرار التدخل في اليمن جاء لوقف التدهور بعدما رفض الانقلابيون في اليمن المبادرة الخليجية جراء ما تتعرض المنطقة من أطماع خارجية. كما أكد وزير الخارجية السعودي السابق، الأمير سعود الفيصل، خلال مؤتمر صحفي يوم 23 مارس 2015م، أن إيران تمارس سياسات عدائية في المنطقة وتحاول إثارة النزاعات الطائفية فيها، وتتدخل في دول المنطقة.
ويجمع الخبراء على أن عملية «عاصفة الحزم» ليست إنقاذا لليمن فحسب، بل هي إنقاذا غير مسبوق للمنطقة ككل، وبقيادة خادم الحرمين الشريفين الذي دشن مرحلة جديدة عنوانها أن بمقدور دول المنطقة التصدي لمن يستهدف أمنها، وأن بمقدور دول المنطقة تغيير الواقع السيئ إذا ما تحققت الرؤية والإرادة. ولذا فعندما انطلقت «عاصفة الحزم» فإنها كانت بمثابة فجر جديد للمنطقة، وبقيادة سعودية أدارت بكل حكمة تشكيل تحالف خليجي عربي وإسلامي، ودعم دولي، لإيقاف عملية النزيف غير المسبوقة بمنطقتنا، ومن أجل وقف محاولات هدم دولنا، وبعبث إيران، وعملائها بالمنطقة. وأولى نتائج عاصفة الحزم هذه أنها حققت فكرة لطالما كانت حلما، وهي إقرار العرب تشكيل قوة ردع عربية للتدخل السريع(2).
ثانيًا: القضاء على مصادر التهديد المسلح قرب حدود المملكة العربية السعودية بعد استيلاء الحوثيين على الأسلحة الثقيلة وصواريخ سكود من مخازن الجيش اليمني، والقيام بإجراء مناورات عسكرية كبيرة بالذخيرة الحية قرب الحدود السعودية يوم 12 مارس 2015م، مما فضح نوايا الميليشيات الحوثية في تكرار عدوانها السافر حين هاجمت أراضي المملكة خلال شهر نوفمبر عام 2009م.
وكشف الناطق باسم التحالف لعمليات «عاصفة الحزم» عن قيام إيران بدعم الحوثيين بالأسلحة والذخائر، وجرى تخزينها في أماكن مختلفة داخل الأراضي اليمنية، بعد توقيع اتفاقية بين طهران والحوثيين تقضي بتسيير 14 رحلة جوية أسبوعية أواخر فبراير 2015م، مشيرًا إلى امتلاك ميليشيات الحوثي وقوات على عبد الله صالح لما يقارب من 300 صاروخ سكود قبل بدء العمليات (3).
وتمكنت الغارات الجوية بجهد استخباراتي مميز من تدمير معظم القدرات العسكرية للحوثيين خاصة الصواريخ البالستية وقواعد الدفاع الجوي ومخازن الأسلحة والذخيرة ومراكز القيادة والسيطرة.
ثالثًا: وقف الانتهاكات المتواصلة لميليشيات الحوثي في تدمير اليمن كدولة عربية ذات سيادة تتمتع بمؤسسات وطنية مستقلة بهدف تحويلها لمركز تهديد إقليمي على غرار "حزب الله" اللبناني حيث رفض قادة الحوثيين دعوات الحوار المتكررة وأصروا على الاستيلاء على كامل الأراضي اليمنية بقوة السلاح رغم التحذيرات المتكررة من دول مجلس التعاون ومنظمة الأمم المتحدة.
وأكدت رسالة الرئيس اليمني التي بعث بها إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وقادة دول مجلس التعاون يوم 24 مارس 2015م، أن كافة الجهود السلمية والمساعي المتواصلة قد واجهت الرفض المطلق من قبل الانقلابيين الحوثيين الذين يواصلون أعمالهم العدوانية لإخضاع بقية المناطق وخاصة في الجنوب إلى سيطرتهم، وطلبت الرسالة سرعة التدخل العسكري لتقديم المساندة الفورية بكافة الوسائل والتدابير اللازمة، استناداً إلى مبدأ الدفاع عن النفس المنصوص عليه في المادة (51) من ميثاق الأمم المتحدة، واستناداً إلى ميثاق جامعة الدول العربية ومعاهدة الدفاع العربي المشترك.
رابعًا: رفع الحالة المعنوية للمواطن الخليجي والعربي بعد فترة من القلق والتوجس في ظل استمرار وتيرة التدخلات الإيرانية في الشؤون العربية وضبابية المشهد الإقليمي، فقد أعادت عملية «عاصفة الحزم» الثقة في قدرة العرب على ردع المشاريع المعادية.. ونشهد اليوم تغيراً استراتيجياً كبيراً يُعيد رسم الشرق الأوسط والمشرق العربي بالتحديد، ويُدخل لاعباً جديداً ينضم لمثلث القوى الإقليمية المؤثرة. ليصبح مستطيلاً يضم الطرف الخليجي- العربي، فقد أربكت «عاصفة الحزم» القوى الإقليمية والدولية بأمرين، الأول نجاح السعودية السياسي بتجميع تحالف غير مسبوق ومتماسك. والثاني، وهو الأهم، شن هجمات وغارات منسقة وبقدرات تبرز تطور القوات المشاركة، دون طلب دعم ومشاركة الدول الكبرى وخاصة الولايات المتحدة. فقد بزغ نجم جديد في المنطقة، يشكل أغلبية دولها وأكثرها تأثيراً ونفوذاً وقدرات (4).
الحسم العسكري والاعتبارات الإنسانية
تجلت حكمة القيادة السعودية في طرح المسار الموازي للعمليات الحربية وهو الحوار والسلم لضمان أمن اليمن واستقراره وسيادته، فلم تكن الحرب يوما من ثوابت السياسة السعودية منذ تأسيسها على يد جلالة الملك الراحل عبد العزيز آل سعود، وخيارها كان ولا يزال السلام والاستقرار. ولم يتم اللجوء للقوة إلا بعد استنفاد كافة السبل والوسائل المتاحة والممكنة، وفي هذا الصدد تم الإعلان عن عملية "إعادة الأمل" يوم 21 أبريل 2015 م، بهدف استئناف العملية السياسية، وحماية المدنيين، وتكثيف المساعدة الإغاثية والطبية للشعب اليمني، ومكافحة الإرهاب والتصدي للتحركات والعمليات العسكرية للميليشيات الحوثية ومن تحالف معها.
وفي إطار هذه العملية قدمت المملكة العربية السعودية مبلغ 274 مليون دولار بالإضافة إلى مساعدات إنسانية قدمتها دول المجلس. ثم ضاعفت المملكة حجم المبلغ الذي خصصته للأغراض الإنسانية في اليمن، ليصل إلى 540 مليون دولار.
وقامت الحكومة السعودية بإنشاء مركز إغاثة موحد على أراضيها مهمته تنسيق كافة جهود تقديم المساعدات بين الأمم المتحدة، والمنظمات الإنسانية المعنية، والدول الراغبة في تقديم المساعدات للشعب اليمني. كما قررت بالتنسيق مع دول التحالف، إيجاد مناطق آمنة في أوقات محددة يتم فيها توزيع المساعدات الانسانية، وبما يتماشى مع قرار مجلس الأمن رقم 2216، مع التشديد على ألا يتم استغلالها من قبل ميليشيات الحوثيين وحلفائهم لتحقيق مكاسب على الأرض.
وخلال الفترة من عام 1990م، وحتى منتصف عام 2013م، جاء اليمن في المرتبة الثالثة من حيث حجم نصيبه في الدعم المالي السعودي الخارجي، حيث تعهدت المملكة بتقديم مساعدات للاقتصاد اليمني بنحو 13,5 مليار ريال في صورة جملة من التعهدات بما في ذلك منح الديزل والنفط الخام. وبلغ المنصرف الفعلي منها خلال الفترة من الأول من يناير 2011م، وحتى يونيو 2012م، نحو 1,3 مليار ريال (5).
عاصفة الحزم والأمن الخليجي الجماعي
لم تكن الأزمة اليمنية بعيدة عن بؤرة اهتمام صانع القرار في دول مجلس التعاون الخليجي بالنظر لما يمثله اليمن من أهمية استراتيجية للأمن الجماعي الخليجي وخاصرة مهمة لدول المنطقة. ومنذ اللحظات الأولى لنشوب الأزمة قادت المملكة العربية السعودية ودول المجلس مساعى التهدئة وطرح الحلول الواقعية بهدف لم الشمل وحماية مؤسسات الدولة اليمنية وصولا إلى التوافق على المبادرة الخليجية لترتيب نظام نقل السلطة في البلاد.
وأكد المجلس الوزاري لدول مجلس التعاون في دورته الرابعة والثلاثين بعد المئة، بمدينة الرياض يوم 12 مارس 2015 م، على ما ورد في بياناته الصادرة عن اجتماعه الاستثنائي في (21 يناير 2015 ـ 7 فبراير 2015 ـ 14 فبراير 2015م) من التزام دول المجلس بأمن واستقرار اليمن، واستكمال العملية السياسية وفق المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات الحوار الوطني وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة بما يكفل عودة الأمور إلى نصابها (6). كما رحب البيان الختامي للقمة التشاورية الخليجية الأخيرة بعقد مؤتمر تحت مظلة الأمانة العامة لمجلس التعاون في الرياض تشارك فيه جميع الأطراف والمكونات اليمنية المساندة للشرعية وأمن البلاد.
وعموما فقد طرحت الأزمة اليمنية العديد من الدروس المستفادة يأتي في مقدمتها أن أمن الخليج "خط أحمر"، وفي الوقت ذاته أن دول مجلس التعاون لا يمكن تصمت أو تتهاون إزاء التحركات المعادية والتدخلات الإقليمية الرامية لتهديد مستقبل الأمن والاستقرار في المنطقة.
وحدد الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي عبد اللطيف الزياني، الخطط المستقبلية لمجلس التعاون في خمسة أهداف استراتيجية رئيسية، أولها تحصين وحماية دول المجلس ضد كافة التهديدات والمخاطر سواء أكانت العدوان الخارجي أو الإرهاب أو الجريمة المنظمة أو التخريب، وغيرها من المخاطر.. ثانيا تحقيق النمو الاقتصادي المستدام حيث شرعت دول المجلس في التخطيط وتأسيس العديد من المشاريـع التكاملية المشتركة مثل السوق الخليجية المشتركة، والاتحاد الجمركي، والاتحاد النقدي، وإنشاء شبكة السكك الحديدية لدول المجلس، وربط الشبكات الكهربائية. أما الهدف الثالث فهو السعي إلى تطويـر الموارد البشرية وتنميتها والارتقاء بقدرات الإنسان الخليجي وتحقيق طموحاته واحتياجاته. والرابـع فيتمثل في التوعية بإدارة المخاطر والأزمات والكوارث. وأخيرا يأتي الهدف الخامس وهو تعزيز المكانة الدولية لمجلس التعاون، فدول التعاون مستعدة وحريصة على أن تسهم قدر المستطاع في المساعدة على مواجهة التحديات الدولية (7).
وحسب «نظرية التحالفات» ينبغي أن يحقق أي تحالف بين طرفين أو أكثر مكاسب تعزز منافع ومكاسب للأعضاء في مواجهة الخصوم، ويظل التحالف قائما طالما استمر التوازن في القوى. ومن هنا فقد أعادت القضية اليمنية إلى الواجهة مجددًا مسألة "الاتحاد الخليجي" لإعادة بناء توازن استراتيجي على أسس ثابتة ووفق منظور شامل لأمن الخليج لمواجهة طموحات القوى الإقليمية ومكافحة الإرهاب وتحقيق وحدة خليجية سياسية واقتصادية وعسكرية وأمنية متقدمة.
ويرى مراقبون أن «عاصفة الحزم» أعادت الحسابات السياسية في المنطقة ومهدت الطريق نحو قيام الاتحاد الخليجي حيث من المتوقع أن تمر دول مجلس التعاون في السنوات القادمة بمرحلة صعبة في علاقاتها الإقليمية والدولية بعد رفع الحصار الاقتصادي عن إيران، مما يصبح لزاماً عليها أن تبحث عن صيغة ملائمة لترتيب بيتها في الداخل والعلاقات البينية، فالنظام الأساسي لمجلس التعاون الموقَّع قبل أكثر من ثلاثين عاماً يحتاج إلى تجديد وذلك بإعداد نظام أساسي جديد يقوم على تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية ينسجم ومصالح وجودها كقوة إقليمية مهمة في المنطقة يحسب لها حساب (8).
ولعل أهم الدروس المستفادة من عملية «عاصفة الحزم» أن الأمن الخليجي كل لا يتجزأ، والوحدة والتضامن باتت ضرورة ملحة وليست خيارا كما أن التغريد خارج السرب لحسابات خاصة أو مصالح آنية لن يجدى نفعا، فهناك تحديات قائمة، وتطورات متلاحقة يصعب التنبؤ بها. ويبقي الاتحاد الخليجي كضمانة حقيقية وواقعية للاستقرار والتنمية، والسياج المناسب لمواجهة التحديات الأمنية التي تتعرض لها المنطقة.

المصادر:
1) ايرين كانينجهام وبراين مورفي، صحيفة "واشنطن بوست"، 2 يونيو 2015.
2) طارق الحميد، السعودية أنقذت المنطقة، صحيفة "الشرق الأوسط"، 28/03/2015.
3) العميد ركن أحمد عسيري لقاء مع فضائية "العربية"يوم 6 يونيو 2015.
4) د. عبدالله الشايجي، «عاصفة الحزم» .. نظام عربي جديد، صحيفة الاتحاد، 30 مارس 2015.
5) صحيفة الرياض الاقتصادي، مساعدات المملكة وإعاناتها الخارجية، 15 يوليو 2013.
6) أنظر موقع الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، https://www.gcc-sg.org/
7) حوار مع الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، صحيفة عكاظ، 7 ديسمبر 2014.
8) حمد العامر ، عاصفة الحزم.. تفتح الطريق للاتحاد الخليجي، صحيفة الأيام البحرينية، 21 أبريل 2015.

 

مقالات لنفس الكاتب