تصعب الإحاطة بتفاصيل ومراحل تدهور العلاقة بين إيران وحماس، لكن المتابعات تشير إلى أنها بدأت مطلع عام 2012م، بالتزامن مع تباعد مواقف الطرفين من ثورات الربيع العربي مع وصولها إلى المحطة السورية، وقتها ظهر تباين لا تخطئه العين بين حماس التي ابتعدت بلا ضجيج عن نظام الرئيس بشار الأسد، وإيران التي ألقت بوزنها كاملاً خلفه، وظهر خلاف الطرفين إلى العلن مع مغادرة رئيس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل دمشق – التي أقام بها سنوات – إلى جانب وقف إيران دعم الحركة الفلسطينية وجناحها العسكري، وتعزز خلاف إيران وحماس مع انتقال الحوثيين في اليمن نهاية عام 2014م، إلى مرحلة السيطرة على مؤسسات الدولة، فوقفت إيران علناً إلى جانب الحوثيين، في حين أعلنت حماس دعمها شرعية نظام الرئيس عبد ربه منصور هادي.
ولعل من أبرز ما يمكن تسجيله بشأن قراءة الحالة الراهنة لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، التحولات النوعية التي طرأت على العلاقات والتفاعلات المتبادلة بين الحركة والبيئة الجغرافية السياسية المحيطة بها، وخاصة مع سوريا وإيران وحزب الله، وما أفرزته من واقع جديد ضغط على الحركة في المجالات الأيديولوجية والسياسية والاقتصادية والأمنية، بالترافق مع نمو احتجاجات شعبية ضد "حماس" في قطاع غزة في عام 2013م، وتصاعد التأييد الشعبي في غزة لمواقف قيادة "فتح" والسلطة في رام الله وتوجهاتها.
وتُعد حماس وسوريا وإيران وحزب الله، عناصر أساسية ضمن مكونات الحالة السورية الراهنة، كما يصح أيضاً القول بأن لا علاقة واحدة تجمع الجمهورية الإسلامية الإيرانية بالقضية الفلسطينية، بل هناك علاقات عدّة تخضع لحيثيات القضية نفسها الموزعة بين فصائل، وسلطة، واحتلال، ودول اعتدال، ومحاور مقاومة، وغيرها، فضلاً عن تحديات المصالح الوطنية والخطوط الحمر للأمن القومي.
حيث تختزن الأزمة السورية المتصاعدة في طياتها ملفات شائكة وقضايا معقدة تتداخل تفاصيلها وتتشعب مساراتها لتنتج حالة غريبة تشترك فيها الأضداد والمتناقضات، وتبدو فيها لغة الحسم أكثر كلفة قياساً بما تحمله إمكانات التسوية وفرص الوفاق.
ويبدو أن ما يجمع إيران بالفلسطينيين وقضيتهم هو عبارة عن علاقات وخطوط اتصال كثيرة تتقاطع أحياناً عند نقطة اشتراك واضحة تتمثل بالإجماع على العدو التاريخي والمشترك متمثلاً بإسرائيل، لكن هذه الخطوط قد تتفرع وتختلف عند نقاط أخرى تطغى عليها لغة المصالح، وأحياناً تتصادم فيما بينها، كما جرى مع حركة حماس على خلفية الأزمة في سوريا.
لكن إيران وجدت نفسها – وفي أحيان كثيرة – أمام معضلة حقيقية تجسدت في صعوبة الجمع بين الثوابت الثورية والمصالح الوطنية خلال التعامل مع قضية كالقضية الفلسطينية، وبين الثوابت والمصالح وجد النظام الإيراني نفسه يحاول صك معادلة توازن تبقيه لاعباً أساسياً في القضية الفلسطينية من جهة، ومن جهة أخرى لا تضر بمصالحه الخاصة المرتبطة بملفات إيرانية خالصة ذات أبعاد داخلية، واليوم تبدو هذه المعادلة هشة بفعل عوامل جديدة فرضت نفسها على المنطقة وبدأت تؤثر وبشكل مباشر على قدرة طهران بشأن الجمع بين القضية الفلسطينية وثوابتها الثورية ومصالحها الداخلية.
إيران وحماس والأزمة السورية
في ظل التحولات الإقليمية على ساحة الصراع في الشرق الأوسط بدأت تظهر ملامح مد وجزر خفي بين حركة حماس وإيران، ففي الماضي كانت إيران تقدم الدعم اللامتناهي لحركة حماس وعلى كافة الصُعد من السياسي مروراً بالعسكري ووصولاً إلى الإعلامي واللوجستي، ولم يكن هذا خفياً، لكن ما كان الخفي هو ما السبب الحقيقي وراء هذا الدعم.
حركة حماس تنظر لهذا الدعم على أنه واجب ديني وأخلاقي يفرضه الوضع الحالي لفلسطين وغزة خصوصا، وإيران تنظر إليه على أنه دعم لحركات الممانعة والمقاومة في وجه قوى الظلم والاستبداد، لكن هذه ليست حقيقة الدعم الإيراني لحماس، ومنذ اندلاع الثورة السورية تقـدم إيران وحليفها الاستراتيجي حزب الله الدعم الكبير والمتواصل واللامحدود بالأموال والسلاح والأرواح لنظام بشار الأسد، في محاولة منها لمساعدته على البقاء قائماً في ظل موجة الغضب الشعبي التي يواجهها الأسد، بينما التزمت حركة حماس سياسة النأي بالنفس وعدم التدخل في الشؤون الداخلية السورية.
علاقة طهران بحماس تأتي ضمن معادلة هشة طرفيها المصالح الثورية الإيرانية والقضية الفلسطينية
ويُعد الموقف الذي أبدته حركة حمـاس بالتنصـل من دعـم نظـام الأسـد خلافاً لما فعله حزب الله وغيره ممن تدعمهم إيــران كـان دافعاً لتحـول مهـم في علاقـة حـركة حمـاس بـــإيران حيث تظهر التقاريـر فقـدان حـركة حمـاس للدعـم الإيـرانـي الذي كـان يصلهـا مسبقـاً، وأصبحـت حـركـة حمـاس تعيـش في ضائقـة ماليـة واضحـة بعـد توقـف الدعـم الإيـرانـي لهـا علـى خلفيـة مـوقـفـها من الثورة السوريـة، وما يدل على ذلك هو حالة الاختناق التي يعيشها أهـل غزة بسبب كثرة الأعبـاء الماليـة مـن الضرائـب والرسـوم والجمـارك وغيرها، التي أصبحـت وسيـلة جديدة لحكـومـة غـزة لجمـع الأمـوال.
وفي محـاولـة لملء الفـراغ المـالي الذي سببـه توقـف الدعـم الإيـراني، والذي حاولـت حـركة حمـاس مـن خـلال الزيـارات العديدة التي أجـراها قادتـها وعلى رأسهـم رئيـس الحكومـة في غـزة إسماعيـل هنيـة للعديـد من الدول العربية خاصـةً دول الخليـج العربي كالمملكة العربية السعودية والبحريـن وقطـر والكويـت، حاولت من خلالها استبـدال الدعـم الإيـراني المفقـود بدعـم عـربي وشـعبي.
كما أن إعلان حركة حماس أنها مع التحرك الشعبي في سوريا لم يُترجم إلى هجوم على نظام الرئيس بشار الأسد، بينما أعلنت إيران رسمياً أنها تقف مع النظام وتبنّت رؤيته بالكامل وشنّت هجوماً شرساً على المعارضة والجيش الحر، متهمة إياهما بأنهما مجموعات مسلحة تمارس الإرهاب ضد الدولة ومؤسساتها المدنية، كما وقفت إيران بشكل عملي مع النظام السوري من خلال مساعدات ضخمة شملت الاقتصاد، والاستشارات العسكرية، وبتسيير رحلات جوية يومية باتجاه سوريا تحمل معدات عسكرية لمساعدة النظام السوري في حربه مع المعارضة المسلحة.
كما نجد أنه حتى بعد أن أغلق النظام مكاتب حركة حماس في سوريا معلناً حالة القطيعة معها، بقي الإعلام المرئي والمكتوب والإلكتروني التابع لحركة حماس ينأى بنفسه عن شنّ هجوم مضاد على نظام الرئيس بشار الأسد خاصة في العام الأول بعد الثورة، أمّا الإعلام الإيراني الناطق بالفارسية والإنكليزية والعربية، فقد سخّر كل أدواته ومنذ اللحظة الأولى ضد المعارضة السورية والجيش الحر من خلال اتهامهم بأنهم حلفاء لتنظيم القاعدة مدعومون من دول إقليمية كتركيا وقطر والسعودية.
كما يظـهر أيضاً الاختـلاف المذهبي بين حـركة حمـاس وإيـران عامـلاً رئيسيـاً آخـراً لوصـول العلاقـات بين الأخيرتيـن إلى عـلاقة مـد وجـزر، وقد تتطـور هذه العلاقة إلى أسـوأ من ذلك حيث أن من المعـروف أن إيران هي الأم والحاضنـة للمذهب الشيعي على مستـوى العالـم أجمـع ومن المعـروف أيضـاً أن حـركة حمـاس هي حـركة منبثقةٌ عـن جماعة الإخـوان المسلمـين التي هي بطبيعة الحـال "جماعة سُنية بحتة"، كما أن محـاولات إيــران لدس التشيـع في غـزة باستـخدام الوسائـل الناعمة مع حـركة حمـاس قوبـلت بالرفـض الشعبي التـام في غزة ولا أدل على ذلك من رفـض حـركة حماس مبـادرةً إيرانيـة لإنشـاء مستشفى في غزة يحمـل اسـم "مشفى الخمـيني"، ورفـض إسماعيـل هنيـة أداء الصـلاة بالكيفيــة "الإيرانيـة أو الشيعيـة"، حينمـا كـان يصلي في مسـاجـدها أثناء زياراتـه لإيــران.
وقد بلـغ الخـلاف حداً أصبـح فيـه ظاهـراً وجليّاً للمتابعـين, حيث أصبـح لـ "يوم القدس العالمي" قصته الخاصة بين حماس وإيران، فبينمـا كانت حركة حماس تشارك بشكل واسع على الصعيد الشعبي والرسمي في احتفالات ومسيرات "يوم القدس العالمي" في الأعوام الماضية، فــإن هذا العـام شهـد تحولاً واضحاً من جهة حركـة حماس, فقد غاب الحضور الشعبي والرسمي كلياً عن هذه الاحتفالات والمسيرات هذا العـام، ومن المعروف أن ما يسمى بـ "يوم القدس العالمي" الذي يصادف الجمعة الأخيرة من رمضان من كل عـام هو يومٌ دعا إليه الزعيم الإيراني "الخميني" إبـان ثورته على نظام الشاه عام 1978م.
وقد بدت العقدة في هذا الموضوع أوضح حينما أعلنت حركة حماس عن تنظيم مهرجان خاص بالقدس والمسجد الأقصى على غرار احتفالات "يوم القدس العالمي" في الثلاثين من أغسطس من العام 2012م، وبدا الأمر وكأنه تحدٍ بين حماس وإيران, كما رفع علم الثورة السورية لأول مرة في مهرجانات حركة حماس في هذا المهرجان, ولم يقف الأمر على هذا فحسب، بل ما زاد من هذا هو واقعة "دعوة مؤتمر عدم الانحياز" التي وجهتها إيران لحركة حماس للمشاركة في مؤتمر قمة عدم الانحياز في الثلاثين من أغسطس 2012م، حيث قالت حكومة غزة بأن رئيس الوزراء إسماعيل هنية قد تلقى دعوةً للمشاركة في المؤتمر وأنها حظيت بالترحيب والقبول لدى هنية, ولكن سرعان ما كذبت المصادر الرسمية الإيرانية حماس وأعلنت أنها لم تدعُ هنية للمشاركة في المؤتمر، إلا أن حماس تداركت الأمر وقالت بأن هنية قد اعتذر عن حضور المؤتمر حفاظاً على المصالحة الفلسطينية وعدم تكريس الانقسام وأيضاً بسبب ما يجري على الساحة السورية.
الخلاف بين حماس وطهران يتسع لتغير الموازين والمصالح وتقارب إيران مع الولايات المتحدة الأمريكية
مشهد التقارب الإيراني مع حماس
لعل الانتفاضة في سوريا، التي تعتبر حليفة استراتيجية ومهمة لإيران في العالم العربي، أثرت تأثيراً سلبياً على تماسك "معسكر المقاومة" بقيادة إيران، ففي الوقت الذي زادت فيه إيران من تدخلها في سوريا، وقامت بدعم نظام الرئيس الأسد، تعاملت حركة حماس مع الموقف بصورة معاكسة وأعلنت عن دعمها للمعارضة السورية.
حيث عندما اندلعت الانتفاضة الشعبية في سوريا كان من الطبيعي أن يطلب النظام تأييد حركة حماس كجزء مما يراه رداً للجميل على استضافتها في سوريا منذ عقد ونيف، تحديداً منذ إبعاد قادتها من عمان نهاية التسعينيات، لكن الحركة لم يكن بوسعها أن تفعل ذلك، ليس فقط لأن التحالف مع سوريا كان ضد الكيان الصهيوني وليس ضد الشعب السوري، بل أيضاً لاعتبارات الوفاء للسوريين الذين منحوها الحاضنة الدافئة، ومعها الكثير من الدعم المالي السخي من دون حسابات سياسية غير حسابات المبادئ الدينية والقومية.
ولم يكن بوسع حماس أن تبدد رصيدها ولو أخذت الحركة موقفاً مؤيداً للنظام لخسرت خسارة رهيبة، ويكفي أن ندرك حجم خسارة حزب الله (رغم كونه شيعياً) في هذه المعركة لكي ندرك ما كان يمكن أن يترتب من خسائر على حركة حماس (السنية)، حيث أدى انكشاف حزب الله، كإطار طائفي – مذهبي، وكذراع للنفوذ الإيراني، وتحوله إلى قتال السوريين، دفاعاً عن نظام الأسد الاستبدادي والوراثي، إلى إضعاف صدقية المقاومة، وتأكيد أنها كانت تستخدم كمجرد تغطية على طبيعة هذا الحزب، وعلى دوره الوظيفي، وعلى تبعيته لإيران.
لا شك أن القرار (الحياد ورفض التدخل لصالح النظام) كان بالغ الصعوبة، لأن الثمن المترتب عليه ليس سهلاً بحال، ولا يستبعد كثيرون أن يتورط الجناح المتطرف في مؤسسة النظام الأمنية في استهداف بعض رموز الحركة، سواءً مباشرة أم عبر تسريب معلومات عنهم للكيان الصهيوني.
كما أن الأمر بات يبحث عن الوضوح في ضوء عودة حماس إلى مربع العلاقات مع ايران وحزب الله، حيث أن تصاعد الحصار ضدها وعدم وجود أي طرف عربي داعم لها وهو أمر لاشك يلقى بظلاله على علاقات حماس مع دول الخليج في ضوء التعقيدات الخطرة في العلاقات الخليجية مع ايران، لقد وصل الحال بالرئيس السوري لإعلان مواقف شديدة العدائية ضد حماس ومحاولات الاقتراب الجارية معها من قبل حزب الله وإيران، إذ تحدث عن أن حماس هي من طالبته بتوجيه ضربات ساحقه ضد تحركات الشعب السوري، وأن الأسد رفض طلبها وانها حاولت من بعد القيام بوساطة بينه والإخوان المسلمين وانه رفضها أيضاً، وهو هنا استهدف بالدرجة الأولى زرع الفتنة بين حماس والأوساط السنية رسمية كانت أو شعبية، في سوريا أو في المنطقة العربية.
صحيح أن التقاء المصالح بين إيران وحماس يخلق فرصة للتقارب من جديد بينهما، لكن من الصعب أن يكون هذا الالتقاء في المصالح كاف من أجل "ردم الهوة" بين مواقف الطرفين، فاختلاف الآراء والمواقف بين إيران وحماس على خلفية الأزمة السورية سيتواصل في المستقبل القريب، كما أن أي تقارب مع إيران قد يؤثر سلباً على علاقات حماس الإقليمية، خاصة وأن الحركة حريصة على المحافظة على صورة الحركة في الساحة الإقليمية والدولية، ففي الوقت الذي تحاول وتسعى فيه إيران إلى إعادة حماس إلى معسكر المقاومة، ترى حماس أن هناك أهمية كبيرة لحفاظها على حرية العمل ومن المستبعد أن تكون حماس على استعداد للموافقة على "احتضان إيراني" بشكل يضر باستقلالية نشاطها، لكن من غير المستبعد أن يكون هناك تقارب إيراني – حمساوي، لكن هذا التقارب سيمتاز بالبطء والتدرج وستعمل حماس بالمحافظة على حرية عملها ونشاطها وستسعى إلى تحسين علاقاتها مع عناصر قوة أخرى في المنطقة، بمعنى أن العلاقة التي ظهرت معالم لإعادة ترميمها بين حماس وإيران أواخر عام 2014، باتت تأخذ ضوابط تختلف عن تلك التي كانت قبل أربع سنوات.
كما أن حاجة إيران لحماس تتلخص في إثبات مصداقيتها الإسلامية والمقاومة، وفي إعادة بناء السمعة في منطقة تعد بحراً سنياً أخذ ينظر بسلبية إلى شعارات "الثورة الإسلامية الإيرانية، وذلك بسبب الحرب التي اتخذت طابعاً مذهبياً في سوريا والعراق، والاصطفاف المذهبي في البحرين واليمن.
وتعي إيران أن استنفاد الطاقة الكامنة في توظيف ورقة غزة يتطلب بالأساس تحسين العلاقات مع الفصيل الفلسطيني المقاوم صاحب الحضور القوي فيها: حركة حماس، فاستعادة العلاقة مع حماس ستعزز المحور الإقليمي الذي تقوده إيران، والذي تراهن على تماسكه في تحقيق مصالحها الاستراتيجية، حيث أن إيران معنية كثيراً باستعادة "الضلع السني" الذي تمثله حماس لكسر الطابع المذهبي لهذا المحور، ولإضفاء شرعية على وجوده وفاعليته.
إلى جانب ذلك، فقد ثبت أن إيران قد حاولت توظيف ورقة حماس لتعزيز مكانتها الدولية، من خلال تقديم نفسها للغرب كطرف صاحب تأثير على الحركة، وأنه بالإمكان الاعتماد عليها في دفع الحركة نحو مواقف محددة، كما أن هناك مصلحة إيرانية واضحة في تعزيز القوة العسكرية لحماس، حيث إن إيران معنية بوجود عدد أكبر من الأطراف التي تهتم بمشاغلة إسرائيل عسكرياً، على اعتبار أن ذلك يقلص قدرة تل أبيب على التفرغ لمواجهة البرنامج النووي الإيراني.
لا توجد مصالحة فلسطينية على الأرض وحماس غير مستعدة للتخلي عن غزة والسلطة تريد السيطرة
حماس: بين سلطة الضفة وإيران الشيعية في غزة
تشهد العلاقة بين حماس والسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية مدّاً وجزراً منذ اندلاع اقتتال عنيف بينهما في 7 يونيو 2007، أخذ شكل الحرب الأهليّة لأيّام، ونجمت عنه سيطرة حماس على كلّ مؤسّسات السلطة الأمنيّة والسياسيّة في غزّة، وسيطرة السلطة على الضفّة الغربيّة، كما أسهمت الاعتقالات والتهديدات في تعميق الواقع الفلسطيني الداخلي الذي يتجه يوما بعد أخر إلى اتساع هوة الانقسام، الذي يبدو تجاوزه مهمة فلسطينية مستحيلة، إذ لم تكن هناك وحدة وطنيّة لمواجهة إسرائيل، لكن مع الأسف حوّلت الاعتقالات البوصلة من الوحدة إلى الخلاف الداخليّ، إذ أنه خلاف قديم جديد وصل إلى لغة التهديد بين الحركة والسلطة الفلسطينية، ملقية في الوقت ذاته بظلالها على المصالحة الفلسطينية التي لم يستطع الفلسطينيون تحقيقها، وتبدو مهمة شبه مستحيلة.
وأخذ الانقسام الفلسطيني يبدو أكثر تعقيداً، اتهام السلطة الفلسطينية عناصر من حماس بتشكيل خلايا مقاتلة لاستهداف الأجهزة الأمنية للسلطة الفلسطينية كجزء من مشروعها للسيطرة على الضفة الغربية في يوليو 2015 الحالي، لكن حماس تنفي ذلك وتعتبر الاتهامات ذريعة لاستمرار اعتقال عناصرها واستجابة لمتطلبات التنسيق الأمني مع إسرائيل، وتأتي حملة السلطة الفلسطينيّة ضدّ حماس، بعد أن شهدت الضفّة الغربيّة في يونيو 2015 سلسلة هجمات فلسطينيّة مسلّحة ضدّ الإسرائيليّين، واحدة في 29 يونيو بشمال رام الله، والأخرى في 27 يونيو بوسط الضفّة، والثالثة في 21 يونيو بمدينة القدس، والرابعة في 19 يونيو بغرب رام الله.
وبذلك أصبح لا توجد مصالحة حقيقية على أرض الواقع، فهي تًستخدم للاستهلاك الشعبيّ، فمن ناحية نجد أن المواطنون يريدون مصالحة، لكنّ حماس غير مستعدّة للتخلّي عن سلطتها في غزّة، والرئيس والسلطة يريدان سيطرة مطلقة على غزّة والضفّة من جهة أخرى، وأصبح الانقسام بين الطرفين تجذّر خلال السنوات الماضية وبات من الصعب اقتلاعه، تعزّزه القبضة الأمنيّة في الضفّة وقطاع غزّة.
وبالتزامن مع تأزم الأوضاع في فلسطين بين حماس في قطاع غزة والسلطة في الضفة الغربية، نجد أنه يرتبط بشكل وثيق مع تطورات مفاصل الأزمة بين إيران وسوريا من جهة وحركة حماس من جهة أخرى، فقد شهدت غزة خلال يوليو 2015، في سلسلة من التطورات الداخلية على صعيد إدارة حماس للوضع هناك، تمثل أهمها في ذهاب حماس باتجاه وضع حد لتمدد "حركة الصابرين" الحليف الجديد لإيران في الساحة الفلسطينية، بسبب نشرها الفكر الشيعي، حيث أصبحت الأوضاع تزداد لدى حركة حماس أكثر تعقيداً في علاقتها مع السلفيّين لأنّ معظمهم في الأساس من أبنائها، وقد خرجوا من الحركة بعد خلافهم معها حول قضايا فكريّة إيديولوجيّة مرتبطة بدخولها الانتخابات التشريعيّة الفلسطينيّة في عام 2006، وعدم تطبيقها الشريعة، ويعتبرون أن حماس حين قررت دخول الانتخابات التشريعية، ولم تطبق الشريعة بعد سيطرتها على غزة أواسط 2007، فقد ارتكبت مخالفات عقائديّة، قد تستحق أن يتم تكفيرها بناء على ذلك.
صحيح أنّ غزّة مرتبطة بالضرورة بالتطورّات المتلاحقة في الإقليم، لا سيّما حالة الاستقطاب المتزايدة بين إيران والسعوديّة، لكن يبدو أنّ أسباب مصالحة حماس مع السلفيّين داخليّة بحتة، مرتبطة برغبة الحركة بضبط الوضع الأمنيّ في القطاع، ووقف ظاهرة التفجيرات، وليس بإرضاء أطراف خارجيّة، كما أنّ توجّه حماس بتحجيم عمل "حركة الصابرين"، جاء عقب ضغوط داخليّة في حماس بضرورة وضع حدّ لتمدّد الحركة في غزّة، ووجود قطاعات واسعة من الدوائر الدينيّة الشرعيّة في حماس ترفض أيّ وجود للمذهب الشيعيّ في غزّة.
حركة الصابرين رأس حربة لنشر التشيع في فلسطين و3 أسباب تعيق الوفاق بين إيران و الجهاد
وبالرجوع إلى بدايات نشاط تلك الحركة نجد إنها بدأت منذ فترة كحركة شيعية تُدعى "حركة الصابرين" نشاطها في قطاع غزة الذي تسيطر عليه حركة حماس الإسلامية، وقد بدا نشاط هذه الحركة مشابها لنشاطات جل حركات الإسلام السياسي التي ترتكز في البدء على العمل الجمعياتي والخيري، بهدف سلاسة التغلغل في تفاصيل الحياة الاجتماعية للناس، وتؤكد التقارير أن حركة الصابرين الإسلامية الشيعية تحظى برعاية إيرانية كاملة، من حيث التمويل المادي ورسم البرامج وكيفية التحرك والتنسيق، ناهيك عن توفير المرجعيات الدينية والسياسية والمادة العقائدية، وتدير حركة "الصابرين نصرا لفلسطين" (حصن)، وهو الاسم الكامل لها، عدداً من المؤسسات والجمعيات الخيرية الشيعية، التي تستفيد من دعم إيراني كامل وتشجع على نشر التشيع بين سكان القطاع.
ونجد ذلك يدل على أن حالة الفتور بين حماس وإيران، التي تحرم طهران من ممارسة أيّ ضغوط على حماس، تستطيع بموجبها أن تفرض عليها السماح بنشر الفكر الشيعي في غزة، في ظل تراجع دعمها للحركة، وفي الوقت ذاته يطلق أيدي حماس لوقف أي انتشار لهذا الفكر بين الفلسطينيين.
وما يؤكد ذلك، النموذج هو تفاصيل علاقة طهران بحركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية التي يشوبها الأزمات والتوتر في الوقت الحالي، حيث ترجع تلك الأزمة إلى ثلاثة أسباب، انزعاج طهران من سياسة الحياد التي تتبعها القيادة السياسية للجهاد الإسلامي تجاه عدد من القضايا الإقليمية على رأسها اليمن، ورفض الحركة الاقتراب أكثر من التكييف السياسي الإيراني لها، أما السبب الثاني فيرتبط بـ "التقليصات المالية المتزايدة لدعم الحركة في الفترة الأخيرة، وهو ما تسبب في إشكالات وإحراجات مالية داخلية كبيرة بدأت تصيب مؤسسات وكوادر الحركة، وتمثل السبب الثالث باعتراض شديد قدمته قيادة الجهاد الإسلامي وتمثل بمعلومات حصلت عليها الحركة عن دعم إيراني خفي لمجموعات مفصولة، وأخرى داخل الحركة لتشكيل جيب تنظيمي موازٍ للحركة ومنفصل عنها يطلق عليه اسم "حركة الصابرين" داخل قطاع غزة يكون أكثر ولاء وتبعية والتزاما بسياسة ورؤى طهران في المنطقة.
وإجمالاً، إن مستقبل العلاقات ما بين حركة حماس وإيــران مرهون بعدة عوامل من أهمها الثورة السورية ومآلاتها، وسياسة التقارب بين حركة حماس والوسط العربي المحيط الذي بات واضحاً جداً بعد ثورات الربيع العربي خصوصاً مع دول الخليج العربي, الذي بدأت علاقة حماس به تنمو شيئاً فشيئاً وإن كان هذا النمو بتباطؤ فإن هذا النمو ذو علاقة عكسية مع علاقة حماس بإيران، أي أن نمو علاقة حماس مع دول الخليج العربي هو على حساب علاقتها بإيران على اعتبار الخلاف بين دول الخليج العربي وإيران، كما أن زيادة التقارب مع دول الخليج يزيد التباعد مع إيـــران التي تحاول أن تعبث بــــأمن الخليج العربي من خلال إذكاء نار الفتن في هذه الدول وخصوصاً البحرين والسعودية، كما أن ذلك التقارب بين حماس ودول الخليج له آثار إيجابية أيضاً من جهة تأثير دول الخليج للمصالحة بين حركة حماس والسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، مما يهدىء الأوضاع الداخلية المنقسمة في فلسطين بشكل عام وقطاع غزة بشكل خاص.
وكل هذا يدل على أن العلاقة الإيرانية – الحمسـاويـة مجـرد عـلاقـة تقـارب أهـداف لا أكثر، وأن حمـاس مصممـة على ألا تـكـون ورقـة إيرانيـة في المنطقـة وأن تكـون خاضعـة لهـا علـى الدوام, كمـا هـو حـال حـزب الله وحـركـة الجهـاد الإسـلامـي, كمـا أن هــذه المتغـيرات التي طـرأت علـى علاقـة حمـاس بـــإيران لهـا مـؤشر علـى أن هـذه العلاقـة متـجهـة لأن تـكـون عـلاقـة عـاديـة وليسـت عـلاقـة تـحالـف كمـا في السـابـق، وأن حـمـاس لا تسمـح بـأن تـكـون تـبعـية بــل هي تستفـيـد مـن المتـغـيرات في المنطقـة لصـالـح تـحـقـيـق أهـدافـهـا الأسـاسـيـة وليســت في طـريـقٍ لتغييــر هـذه الأهـداف.
وهذا يبدو واضحاً، بالنظر إلى استفحال خطر إيران، التي تكشف استخدامها لقضية فلسطين، كمجرد أداة استخدامية لإضفاء شرعية على تغلغلها في المجتمعات العربية، وتغطية إنشائها جماعات ميليشياوية، كما حصل في لبنان والعراق واليمن، وتعزيز مكانتها في المنطقة.