أصبح لا يخفى على أحد دور الميليشيات الشيعية وتأثيرها في الصراع الدائر اليوم في العراق على وجه التحديد، حيث شهد العراق طفرة في ولادة الجماعات المسلحة الشيعية، منذ ما قبل الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003م، بعضها هادن الاحتلال، وبعضها الآخر حاربه، وجميعها تتتع بقدرات مالية وعسكرية وعددية كبيرة، ومعظمها بدعم من "فيلق القدس" الإيراني، الذي يتولى ملفها بشكل مباشر منذ الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003م، وقد سطع نجمها أكثر بعد العام 2006م، مع اندلاع الحرب الطائفية، وانخرط بعضها في ماسُمّي "فرق الموت" التي تبادلت صناعة الموت مع بعض الجماعات المسلحة التكفيرية من الجبهة المذهبية المقابلة، ومنذ سيطرة الجماعات المسلحة على مناطق واسعة في المحافظات ذات الغالبية السنية العربية، تعود هذه الميليشيات إلى سطح الأحداث مع فتح باب "التطوع" في صفوفها، مايثير مخاوف كبيرة من انتقال الاشتباك إلى المستوى الأهلي المذهبي.
ويلاحظ أن تلك الجماعات المسلحة تشترك في نقطة واحدة، وتختلف في نقاط عدة، فهي تتفق على أهمية الاحتفاظ بالحكم في يدها ويد حلفائها، وتختلف في التوجهات من حيث التقليد الديني بين المراجع الأربعة الرئيسة للمذهب الشيعي، وبين تقاسم النفوذ في المناطق ،وغالباً ماتشهد محافظات الجنوب ومدينة الصدر شرقي بغداد، اشتباكات بين عدد من هذه المجموعات المسلحة لأسباب تتعلق بتقاسم أموال الخُمس، وعوائد الأضرحة المقدسة والهبات أو حتى التنافس على التقرب من طهران، وتتحد اليوم هذه المجموعات إزاء ما تصفه "الخطر الخارجي" الذي يهددها، لكن ذلك لم يلغِ تلك الخلافات التي بدت واضحة من خلال الاستعراضات المنفصلة التي ينظمونها، وعبارات التشكيك المتبادل التي يطلقونها عبر وسائل الإعلام التابعة لهم.
الميليشيات الشيعية في العراق
يعود تاريخ بعض الميليشيات الشيعية إلى مرحلة ماقبل الغزو الأمريكي للعراق عام 2003م، عدد آخر من الميليشيات جاء في فترة الأوضاع المضطربة التي عاشتها العراق في مرحلة سقوط نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين، مما كان سببًا كافيًا لخروج هذه الميليشيات إلى النور، وتتجاوز أعداد هذه الميليشيات الـ 40 ميليشيا، وتختلف في تشكيلها وتسليحها وأعدادها وحتى تنظيمها ومدى قدرتها على القتال، وتتصدر قائمة هذه الميليشيات الأكثر تأثيرًا في العراق:
فيلق بدر: الذي تأسس في طهران عام 1981 م، من قِبل المجلس الأعلى الإسلامي العراقي على يد محمد باقر الحكيم الذي أغتيل في العراق عام 2003م، ويتزعمه حاليًا هادي العامري، نائب في البرلمان ووزير النقل ومسؤول ملفدي الى الأمني وقائد عمليات الزحف على المحافظات، ويقدر عدد مقاتليه بـ 12 ألف مقاتل، انخرط معظمهم في مؤسسات الدولة الأمنية "وزارة الداخلية والدفاع وجهاز الاستخبارات"، وبالتالي يتحركون الآن بصفتهم الرسمية.
وبعد سقوط نينوى بيد قوات "تنظيم الدولة" تولى هادي العامري وبأمر من رئيس الوزراء السابق نوري المالكي الإشراف على العمليات العسكرية في محافظة ديالى، وظهر العامري عدة مراتب مرافقة قائد الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، وهما يخوضان المعارك ضد "تنظيم الدولة"، في حين يُتهمان بأنهما يعملان على إحداث تغيير ديموغرافي في محافظة ديالى من خلال تهجير سكانها وحرق المساجد والبيوت.
جيش المهدي: تأسس في 2003م، وبعد الاحتلال الأمريكي للعراق، ويُعد الجناح المسلح للتيار الصدري، ويتزعمه مقتدى الصدر، ويقدر عدد أعضائه بـ 60 ألف شخص، اشتهر عنه سابقًا معاركه ضد القوات الأمريكية في محافظة النجف، وانتهت بتسليم أسلحته للجنة عراقية أمريكية، كذلك نشط في الأحداث الطائفية التي مر بها العراق عام 2006م، وأتهم بأنه مارس القتل على الهوية، واستهدف الأئمة والخطباء و المساجد في بغداد وغيرها.
وفي عام 2014 م، عاد جيش المهدي إلى الواجهة ولكن باسم "سرايا السلام"، وأقام استعراض عسكري كبير في بغداد شارك فيه الآلاف وهم يحملون الأسلحة الثقيلة والمتوسطة والخفيفة، والمفاجأة كانت بحمله لصواريخ "مقتدى واحد" والتي يُعتقد أنه تلقاها من إيران.
عصائب أهل الحق: أول تشكيل لها كان تحت اسم "المجاميع الخاصة" كفصيل منضوي تحت جيش المهدي، كان يقودها القيادي في التيار الصدري قيس الخزعلي، وفي عام 2006م، عملت "المجاميع الخاصة" بشكل مستقل عن التيار الصدري - خاصة بعد قرار تجميده - وفي عام 2007م، انشق الخزعلي عن تياره الصدري مكونا "عصائب أهل الحق" وتبعه في ذلك نحو 3000 من المقاتلين.
على إثر ذلك تأزمت العلاقة بين الخزعلي والصدر وطالب الأخير إيران بوقف تمويله بعد أن اتهمه بـ"ارتكاب جرائم طائفية"، وخاطبهم: "كفاني وكفا الصدر شر أعمالكم فلست ملي ولا لآبائي تنتمون"، وفي عام 2011 م، أعلنت "العصائب" تخليها عن العمل المسلح والانضمام للعملية السياسية، وكان الخزعلي ذا حظوة عند رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، إلا أن "العصائب" عادت من جديد لتمارس نشاطها العسكري في بغداد وديالى على وجه الخصوص ،وتمتاز "العصائب" بتسليحعالوإمكانياتماديةمتفوقةتصللخمسةملاييندولارًاشهريًابسبب - كمايرىمراقبون - قربها من قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، وكما ذكر ذلك أيضًا رئيس أركان الجيش الأميركي راي أوديرنو.
يُقدر عدد أعضائها الآن بنحو 10.000 مقاتل يتوزعون بين العراق وسوريا، وتوصف بأنها من أشد الجماعات تشددًا على مخالفيها، ويضم هذا الفصيل أربعة تشكيلات عسكرية هي: كتائب الإمام علي، كتائب الإمام الكاظم، كتائب الإمام الهادي، وكتائب الإمام العسكري.
لواء أبو الفضل العباس: تأسس عام 2011 م، بالتزامن مع اندلاع الثورة السورية ضد نظام بشار الأسد، وأعلن عن تأسيسها لمرجع الشيعي قاسم الطائي ويقوده علاء الكعبي، وكان الهدف من تأسيسه هو مساعدة النظام السوري والدفاع عن مرقد السيدة زينب بدمشق وحمايته.
ركز عمله في بداية تأسيسه على سوريا، ولكن انسحب جزء كبير من مقاتليه إلى العراق للقتال ضد "تنظيم الدولة"،يضم هذا الفصيل المسلح مقاتلين يتميزون بدافع عقائدي ولهذا فإنهم خليط منعدة فصائل مثل التيار الصدري وعصائب أهل الحق وغيرهم، ويضم "لواء أبو الفضل العباس" إلى جانب المقاتلين العراقيين القادمين من العراق، مقاتلين عراقيين كانوا مقيمين في سوريا، إضافة إلى مقاتلين من لبنان وسوريا وإيران.
بث هذا الفصيل فيديو يُظهر مقاتليه يتنقلون بطريقة محترفة وبلباس موحد، ويتقنون القنص والقصف بمدفعية المورتر، وقذائف صاروخية من طراز "آر بي جي" ورافق ذلك إنشاد قصيدة عنوانها "يازينب" بلهجة عراقية صافية، كما يضم الفصيل 12 تشكيلاً عسكريًا يطلق عليها أسماء أئمة الشيعة الاثنى عشر.
حزب الله العراقي: بدأ عمله منضويًا تحت كتائب "أبي الفضل العباس" وليس "لواء أبو الفضل العباس"، فالكتائب سبقت اللواء، وكانت تضم الكثير من فصائل المليشيات الحالية ولكن على شكل أفراد وقبل أن تتبلور الأشكال الحالية لها.
اتحد عدد من المجاميع التي كانت منصهرة في كتائب أبي الفضل العباس "كتائب كربلاء، كتائب السجاد، وكتائب زيد بن علي" وشكلوا كتائب "حزب الله"، وقائد هذه الميليشيا وأمينها العام واثق البطاط الذي قتل بتاريخ 22 ديسمبر 2014 م، في مدينة العظيم بمحافظة ديالى، في المعارك الدائرة هناك، والبطاط الذي ولد عام 1973 م، في منطقة الأهوار، عاش فترة طويلة في إيران وانخرط في تنظيمات قاتلت الجيش العراقي في عهد صدام حسين.
البطاط الذي كان يجاهر بارتباطه بالمخابرات الإيرانية، انضم إلى جيش المهدي وبقي فيه حتى 2006م، ثم سافر إلى لبنان وشكّل هناك حزب الله العراقي المرتبط بالولي الفقيه في إيران، في إشارة إلى تكرار تجربة "حزب الله" اللبناني في العراق، كما أن دلالة لبنان جاء تمنأن قائد حزب الله اللبناني عماد مغنية قدس اهم في تأسيس الجناح العسكري له، ويقدر أتباعه بنحو 40 ألف مقاتلً.
استهدف "حزب الله" معكسر "ليبرتي" الذي يضم قوات منظمة مجاهدي خلق الإيرانية المعارضة بنحو 50 صاروخًا، كما اتهم بقصف مناطق على الحدود السعودية وتنفيذ أعمال عسكرية ضد الكويت؛ مما أثار تساؤلات ومخاوف من امتلاكه قوة عسكرية كبيرة، شارك "حزب الله" في المعارك الجارية في سوريا وسيطر على طريق بغداد دمشق، إضافة إلى بعض الأماكن المهمة داخل سوريا.
يتحدث "حزب الله" عن أن مقاتليه استخدموا جميع أنواع الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والثقيلة في معاركهم مثل الهاون ذو العيار الثقيل، الصواريخ، القنص، القاذفات، وصواريخ "سترله" المضادة للطائرات،وأن كوادره الهندسية استحدثت سلاح "أشتر" الذي يمتلك قدرة تدميرية وإحراقية عالية، وكانت الولايات المتحدة الأمريكية قد أدرجت حزب الله العراقي على قوائم الإرهاب عام 2009 م.
الحشدالشعبي: التطور الأبرز الذي ظهر على الساحة العراقية في هذا الإطار العسكري الميليشياوي هو "الحشد الشعبي" الذي تشكل في 13 يونيو 2014م،بعد فتوى "الجهاد الكفائي" التي أطلقها المرجع الشيعي علي السيستاني، بعد سيطرة قوات "تنظيم الدولة" على محافظة نينوى.
اعتبرت كل الفصائل والأحزاب الشيعية "الحشد الشعبي" مؤسسة عليا ينضوي الجميع فيها،وأنها تمثل توجهًا شيعيًا مسلحًا، ولهذا فإن أعضاء "الحشد الشعبي" انقسموا إلى فئتين:
الأولى: هي الفصائل الكبيرة والمنظمة مثل كتائب "حزب الله وسرايا السلام ومنظمة بدر وغيرهم، وهؤلاء في معظمهم مدربين ويملكون خبرة قتالية متراكمة.
الثانية: هم من استجابوا "لنداء المرجعية" من الشباب وكبار السن، وهؤلاء في غالبهم لا يُجيدون القتال وليس لديهم خبرة عسكرية ،ويعدون المحرقة الرئيسية في القتال مقابل "تنظيم الدولة"،ويقدر عدد مقاتلي الحشد الشعبيبين 350 - 400 ألف مقاتل.
ولاءات الميليشيات الشيعية في العراق
كانت إيران حاولت منذ الحرب الإيرانية تشكيل تلك الميليشيات بهدف زعزعة الاستقرار في العراق، حيث إن تلك الميليشيات لم تنشأ في العراق، بل نشأت في إيران وأصبح لها وجود راسخ بعد الاحتلال، وتأسس نشاطها بشكل كبير منذ العام 2007م، بعد مجيء رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي، لتكون بيده ضد ميليشيات شيعية أخرى كجيش المهدي، في الوقت الذي كان فيه زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر يناصب المالكي العداء، وكذلك لاستخدامها في مواجهة ميليشيات سنة.
ويمكن تقسيم نمو تلك الميليشيات قبل يونيو 2014م، إلى ثلاث مراحل، هي:
المرحلة الأولى: كانت قبل العام 2003م، عندما دعمت إيران سلسلة من الفصائل الإسلامية في سياق حربها مع العراق خلال الحكم البعثي، وقد كانت كل تلك الفصائل منبثقة، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، عن حزب الدعوة الذي يُعتبَر التنظيم الأم لجميع الإسلاميين الشيعة، والذي تأسّس في العام 1958م، ويتولّى رئاسة الوزراء في العراق منذ العام 2005م، الفصيل الأقوى بينها كان منظمة بدر، الجناح المسلّح لما يُعرَف الآن بالمجلس الأعلى الإسلامي العراقي، في حين أن المجلس كان أداة بيد إيران في تلك المرحلة، حافظت بعض الفصائل، مثل حزب الدعوة، على شيء من الاستقلال عن إيران.
وقد تأسست منظمة بدر في طهرانعام 1981م،من قبل المجلس الأعلى الإسلامي العراقي الذي كان يسمى في ذلك الوقت "المجلس الأعلى للثورة الإسلامية"، على يد عالم الدين الشيعي محمد باقر الحكيم الذي اغتيل في العام 2003 م، بعد أشهر من الاحتلال الأميركي للعراق، وكان الفيلق يتلقى الدعم والتدريب من إيران، ويشن عمليات عسكرية ضد نظام صدام حسين.
وليست منظمة بدر - التي تأسست في الثمانينيات في إيران التي تمنحها الدعم المستمر - التنظيم الأهم وحسب بين المجموعات التي تتشكّل منها قوات الحشد الشعبي، بل ترمز أيضاً إلى تبدُّد آمال العراقيين بقيام دولة عراقية تحكمها سيادة القانون، وظهور منظومة سياسية مذهبية بكل وضوح تشبه أكثر فأكثر الدولة الحامية، وقد كانت منظمة بدر الحزب السياسي الميليشياوي الأفضل جهوزية لاستغلال انهيار القوى الأمنية العراقية في شمال العراق في يونيو2015 م.
المرحلة الثانية: من نمو الميليشيات كانت بعد العام 2003م. الميليشيا الأساسية التي تحدّت منظمة بدر كانت جيش المهدي، الجناح المسلّح للتيار الصدري، لقد انبثق الصدريون عن تيار أنشأه محمد صادق الصدر الذي أصبح نجله مقتدى الصدر رمزاً للتيار،وخلال الحرب الأهلية بين عامي 2005-2006م، حارب البدريونوالصدريون على السواء المقاتلين السنّة، في حين قتلت فرق الموت آلاف المدنيين السنّة، وفي جانب أساسي أتاح تقدّم منظمة بدر على صعيدَي القوة العسكرية والتنظيم، للمجلس الأعلى الإسلامي العراقي الحصول على حصة أكبر من حجمه في الانتخابات، وقد تسلّل عدد كبير من عناصر منظمة بدر إلى الأجهزة الأمنية، وبات العراقيون يربطون الصدريين بالإجرام، ماأثار رد فعل قويً ضدهم سمح لرئيس الوزراء نوري المالكي بأن يُقدّم نفسه في صورة القومي عبر خوض حرب ضد الصدريين في العام 2008م.
المرحلة الثالثة:وتمحورت حول الانتخابات النيابية، على الرغم من أن ائتلاف دولة القانون برئاسة المالكي فاز بغالبية من الأصوات في المناطق الشيعية، حقّق ائتلاف العراقية العلماني الذي يتألف في شكل أساسي من السنّة، أكثرية ضئيلة على الصعيد الوطني، تحوّل المالكي نحو إيران للحصول على المساعدة، فكانت هذه بداية تحالف بين الطرفَين، صحيح أن كلاً من الولايات المتحدة وإيران دعم المالكي، لكن إيران فقط استخدمت إعادة انتخابه لتشكيل تحالف مستمر معه.
في حين رعى المالكي ميليشيات متعددة، برز في شكل أساسي ارتباطه بمجموعتين اثنتين، تمثّل الارتباط الأول في تحالف جديد مع منظمة بدر بقيادة العامري الذي وضع مقاعد المنظمة في مجلس النواب بتصرّف المالكي في العام 2010م، وانشق رسمياً عن المجلس الأعلى الإسلامي في العام 2011م، وانضم إلى ائتلاف المالكي في انتخابات المحافظات في العام 2013، أما الارتباط الثاني والذي يحمل مضامين أبعد فتمثّل في رعاية المالكي لعصائب أهل الحق المنبثقة عن التيار الصدري والتي لم يكن لها حضور قوي قبل أن تبدأ إيران بدعمها، ففي العام 2010، كانت لاتزال مجموعة صغيرة، لكن حضورها أصبح واضحاً في بغداد خلال ولاية المالكي الثانية (من ديسمبر 2010 إلى سبتمبر 2014م)، يبدو أن كمال الساعدي، النائب عن ائتلاف دولة القانون، يؤمّن الارتباط السياسي بين المالكي والمجموعة، في عرض عسكري نظّمته عصائب أهل الحق في يونيو 2012م، ألقى الساعدي كلمة حذّر فيها من أن المالكي هو هدفٌ لمؤامرة تستهدف العراق برمته، ثم شارك في فعاليات مماثلة أقامتها عصائب أهل الحق في مايو 2013م.
بحلول يونيو 2014م، عندما انهارت فرق الجيش التي كانت تدافع عن الموصل، وتراجعت أمام الهجوم الذي شنّه تنظيم داعش، كان قد أصبح لمنظمة بدر وعصائب أهل الحق وميليشيات شيعية أصغر حجماً حضور راسخ في العراق، وفي لحظة من الإحباط الوطني، في 13 يونيو 2014م، بعد ثلاثة أيام من سقوط الموصل، ألقى عبد المهدي الكربلائي، ممثل آية الله العظمى علي السيستاني، خطبة ذات أهمية بالغة، وأصدر فتوى اعتبر فيها أن القتال ضد داعش جهادٌ في سبيل الله، وناشد المؤمنين التطوع في القوات الأمنية بأعداد كافية، لكن اللغة التي استخدمها ("من هنا فإن على المواطنين الذين يتمكنون من حمل السلاح ومقاتلة الإرهابيين دفاعاً عن بلدهم وشعبهم ومقدساتهم... عليهم التطوع للانخراط في القوات الأمنية") فضلاً عن التوضيحات اللاحقة تُظهر أن السيستاني لم يمنح الشيعة تفويضاً لشنّ حرب ضد السنّة في شكل عام، بل من أجل دعم الدولة، بيد أن الفتوى أمّنت غطاء لصعود الميليشيات ماأدّى إلى انتشار ذهنية الدولة العسكرية وسيطرة الميليشيات على بغداد والمناطق المحيطة بها.
أثار بيان الكربلائي الكثير من الجدل لأسباب عدة منها أن السيستاني كان دائماً قوة تعمل من أجل الوحدة الوطنية وترفض ممارسة الشيعة للأمن الذاتي في مواجهة السنّة، لم يأتِ البيان في ذاته على الإشارة تحديداً إلى المواطنين الشيعة، على الرغم من أن الخطبة التي سبقته مباشرةً تضمّنت بطريقة غير معهودة تعليقات عن الاستعدادات الميدانية للحرب تحت قيادة "الإمام المهدي"، ماأضفى على النداء طابعاً أكثر شيعية، (تُقسَم خطبة الجمعة عادةً إلى شقَّين: ديني وسياسي)، وقد عزّز التجاوب الشعبي، مع تدفّق المتطوعين للانخراط في الميليشيات، هذا الشعور.
بعيد ذلك، أنشأ المالكي المنظمة الجامِعة للميليشيات المسمّاة الحشد الشعبي، والتي تُعرَف اختصاراً بالحشد، وقد عرض المالكي نحو 750 دولاراً في الشهر على المتطوعين تشمل الراتب وتعويض المخاطر وبدل الطعام، مع العلم بأنه خلال الجزء الأكبر من العام 2014م، لم يحصل سوى قلة من المتطوعين على رواتبهم، لم يكن لديه أي أساس قانوني للقيام بذلك، ماعدا منصبه الدستوري كقائد أعلى للقوات المسلحة.
قيادة الحشد هي المسألة الأكثر إثارة للجدل في السجال المستمر حول تكاليف الحرس الوطني، على الرغم من نية السيستاني الواضحة بتشجيع الشيعة على الانضمام إلى القوات المسلحة، انخرط السواد الأعظم من المتطوعين في القوات غير النظامية، وأبرزها المجموعات التي تدين بالولاء لإيران والتي تشمل منظمة بدر بقيادة العامري، العرّاب السياسي لقوات الحشد، وعصائب أهل الحق،ويبدو أن أبو مهدي المهندس، قائد كتائب حزب الله الذي تصنّفه الولايات المتحدة (والكويت) على لائحة الإرهاب، والذي اتّخذه المالكي مستشاراً له في ولايته الثانية، يتولّى الآن القيادة العسكرية لقوات الحشد،وعقد في 31 ديسمبر 2014م، مؤتمره الصحافي الأول بصفته "نائب رئيس" الحشد، الرئيس الاسمى لقوات الحشد الشعبي هو مستشار الأمن القومي فالح الفياض، وهو إسلامي خاضع وغير كاريزماتي مرتبط برئيس الوزراء الأسبق (ووزير الخارجية الحالي) إبراهيم الجعفري، إلا أنه ليس واضحاً إذا كان يمارس أية سيطرة فعلية.
لكن على الرغم من بروز المجموعات الموالية لإيران، ثمة مجموعة أخرى من القوات الشيعية التطوعية التي تتماهى بوضوح مع الدولة الإسلامية، إنها مرتبطة إما بمؤسسة السيستاني في كربلاء وإما بالأحزاب الشيعية الراسخة، لاسيما الصدريين والمجلس الأعلى الإسلامي العراقي، لقد أنشئت ميليشيا الصدر الأساسية، "سرايا السلام"، خلفاً لجيش المهدي، وقد انتهج الصدريون خطاً قومياً مشيرين إلى أنه يجب حل قوات الحشد الشعبي بأسرع وقت ممكن وانضمام المتطوعين إلى وحدات تخضع لسلطة رئيس الوزراء المباشرة،ولديهم مصلحة واضحة في هذا الإطار: فاز مرشحو التيار الصدري بـ34 مقعداً في الانتخابات البرلمانية العام الماضي، في حين لم تفز عصائب أهل الحق سوى بمقعد واحد، ومع ذلك ازداد نفوذها بفعل الدعم المشترك من إيران والمالكي، أما المجلس الأعلى الإسلامي فقد تبنّى موقفاً أكثر التباساً، لكنه أقرب إلى العبادي منه إلى العامري على المستوى السياسي.
تأثير الميليشيات الشيعية
زرعتالميليشيات الشيعية نفسها بحيث صارت جزءًا لا يتجزأ من هياكل الحكومة العراقية التي أصبحت تعتمد أيضًا عليهم بشكل أساسي في عملها، الحكومة والميليشيات معًا، ارتكبوا انتهاكات مروعة لحقوق الإنسان، في يونيو 2014م، على سبيل المثال، أعدمت قوات الأمن العراقية بالتعاون مع الميليشيات الشيعية حوالي 255 سجينًا بينهم أطفال، تقرير منظمة العفو الدولية يكشف بالتفصيل كيف قامت الميليشيات الشيعية بعمليات إعدام مستمرة خارج نطاق القضاء، ذكر التقرير أن عشرات السجناء السنة قُتلوا في المباني الحكومية.
ولعبت الميليشيات أيضًا دورًا رئيسيًا في تحرير البلدة التركمانية الشيعية المحاصرة "أمرلي"،وتعتبر كتائب حزب الله، وهي جماعة إرهابية بحسب تصنيف الولايات المتحدة، ووكيل مباشر لإيران في العراق، واستخدمت الطائرات الحربية العراقية في نقل الأسلحة والإمدادات الأخرى أثناء المعركة، المركبات التي تقدمها الولايات المتحدة والتي حصلت عليها داعش في سوريا، حصلت عليها الميليشيات أيضًا ورفعت عليها أعلامها واستُخدمت في العمليات، نتحدث عن دبابات آبرامز، وعربات همفي المدرعة، والقذائف الصاروخية المرسلة للحكومة العراقية.
وتعتبر إيران هي من قادت عملية تطوير الميليشيات الشيعية منذ مايو 2013م، وعززت شبكتها من الجماعات التي تعمل كوكلاء لها في العراق، لتوفير تدفق مستمر للمقاتلين الشيعة لدعم نظام بشار الأسد في سوريا، وبعض من هذه القوات عادت إلى العراق مرة أخرى وشكلت نواة للميليشيات التي تقاتل حاليًا لصد أعداء الحكومة العراقية.
وبسبب الجهود التي تبذلها إيران في الحشد تجاه سوريا، اضطر وكلاء إيران إلى العمل على سحب مقاتلين جدد إلى الجبهة العراقية في أبريل 2014، وجددت ميليشيات مثل كتائب حزب الله، وفيلق بدر، وعصائب أهل الحق، دعوتها لانضمام مقاتلين جدد على الجبهة العراقية، والعديد من هؤلاء انضموا إلى مجموعات جديدة، في حين أن إنشاء العديد من المجموعات قد يبدو أمرًا معقدًا وبلا داع، إلا أنها بالفعل تساعد على خلق الصورة بأن هناك دعمًا شعبيًا واسع النطاق للميليشيات، وهو ما يعزز سياسات إيران في المنطقة، علاوة على ذلك، يسمح بإنشاء مجموعات جديدة أكثر سهولة بين المتطوعين الجدد والميليشيات الأكثر خبرة ومهنية، فعلى سبيل المثال: كتائب حزب الله، وهي ميليشيا تشكلت بمساعدة من حزب الله اللبناني في 2007م، أعلنت مؤخرًا عن إنشاء مجموعات الدفاع الشعبي، المجموعة الجديدة وُضعت تحت إدارة كتائب حزب الله، واليوم تفتخر بنشرها أعدادًا كبيرة في مدن بغداد وديالى وبلدة أمرلي.
كما أن منظمة بدر، هي جماعة مسلحة وإحدى عملاء إيران الأساسيين في العراق، وهي دعامة أخرى لجهود طهران في تطوير الميليشيات الشيعية، خلال حرب العراق، ومن خلال سيطرتها على المكاتب الحكومية، واجهت المجموعة عددًا من فرق الموت الطائفية، شارك فيلق بدر في القتال في سوريا، وأنشأ قوة "الشهيد باقر الصدر" لهذا الغرض، ولكن من حيث التأثير في بغداد، فإن فيلق بدر هو الأقوى، ونفوذ التنظيم يمتد في عمق قوى الأمن الداخلي في العراق، كماأن الفيلق يدير العديد من أفراد الشرطة ومجموعات العمليات الخاصة، كما أن فيلق بدر لديه أيضًا تأثير كبير في المجال السياسي، لقد حصل عدد من أفراده على مواقع رئيسية في الحكومة العراقية، ويشكل جزءًا من تحالف رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي، لدرجة أن العبادي كان يريد تعيين زعيم الفيلق هادي العامري وزيرًا للداخلية.
وانتشرت كوكبة من أفراد ميليشيا بدر بين وكلاء إيران في العراق، يشمل خريجوها زعيم كتائب حزب الله "جمال الإبراهيمي"، و"علي الياسري" قائد إحدى الجماعات الشيعية المقاتلة في سوريا والتي تسمى وحدة الخراساني، "واثق البطاط" زعيم جيش المختار، وهي ميليشيا شديدة الطائفية هاجمت معارضين إيرانيين بالصواريخ في معسكر ليبرتي.
الأعضاء السابقون في ميليشيا بدر زُرعوا أيضًا بعمق داخل القيادة السياسية في العراق، الشيخ "عدنان الشهماني" وهو عضو برلمان وعضو في اللجنة الوطنية والدفاع، كان مقاتلاً سابقًا في بدر وهو زعيم حزب التيار الرسولي، الذي يمتلك ميليشيا أيضًا، وفي وقت مبكر من سبتمبر 2013، كان الرجل قد دعا الميليشيات إلى حماية الشيعة الذين يعيشون في المناطق السنية، وأحزاب التيار الرسولي والحزب الأب لوحدة الخراساني كلاهما عضو في ائتلاف دولة القانون، جزء من تحالف المنظمات والأحزاب التي أُنشئ بهدف تنفيذ الإرادة الإيرانية في العراق.
وعمل وكلاء إيران الأكثر نفوذًا في العراق معًا بشكل وثيق لدعم نظام الأسد في دمشق، كتائب حزب الله، وفيلق بدر، شكلا معًا كتائب سيد الشهداء في 2013 م، للقتال في سوريا، يقود الكتائب "أبو مصطفى الشيباني" بشكل جزئي، وهو قائد مرتبط بفيلق بدر وبفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، الأمين العام للمجموعة "مصطفى الخزعلي" كان في سوريا وجُرح في ضواحي دمشق.
الآن، الأشخاص الذين يُصابون في سوريا يعودون للعراق للعب دور سياسي وعسكري، حيث قام الخزعلي بالفوز بمقعد في البرلمان خلال الانتخابات البرلمانية العراقية عندما شاركت قائمته في مدينة البصرة نيابة عن تحالف رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، ويشارك قادة كتائب سيد الشهداء أيضًا في قتال أعدائهم المحليين في العراق، "أبومجاهد المالكي" عاد من سوريا ليُقتل في العراق، كان المالكي قائد حملة الخزعلي.
عصائب أهل الحق، وكيل إيراني آخر في العراق، بدأت المجموعة خلال حرب العراق كمجموعة منشقة عن جيش المهدي الذي يقوده مقتدى الصدر ومدعومة من إيران، وسرعان ما نمت بشكل هائل إلى مجموعة قتالية قوية، خلال الحرب، اشتهرت العصائب بعمليات خطف وإعدام المتعاقدين البريطانيين والجنود الأمريكيين، وقد أرسل الفريق العديد من المقاتلين إلى سوريا، وفي بداية عام 2014م، بدأت بالانتشار في محافظة الأنبار المضطربة في العراق لمحاربة السنة المعارضين للحكومة.
نمو هذه الميليشيات الموالية لإيران، وغيرها الكثير، يساعد على إظهار أهداف إيران للهيمنة على شيعة العراق، هذه المجموعات لا تستفيد فقط من رعاية إيران التنظيمية، لكنها أيضًا تتواءم مع أيديولوجية طهران، إنهم موالون تمامًا للمرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران "آية الله خامنئي" والفكرة القائلة بولاية الفقيه، التي تمنح السلطة السياسية والدينية للمرشد الأعلى وحده، كما أنهم يتبعون نموذج الوكيل الإيراني في لبنان، حزب الله، أي أنهم عازمون على تنفيذ إرادة إيران في المنطقة وتعزيز الثورة الإسلامية.
وتمامًا كما تهدف داعش إلى محو الحدود التي تم رسمها في الشرق الأوسط بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، تفكر الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران في الأمر نفسه، التجنيد والانتقال المتبادل بين الميليشيات الشيعية السورية والعراقية ساهم في تآكل الحدود الوطنية تمامًا كما فعلت داعش، ومنذ بداية مشاركتهم في كل الصراعات في المنطقة، اعتمدت الميليشيات الشيعية السردية التي تقول إنها "تدافع عن المقدسات" أو تدافع عن "الشيعة" بغض النظر عن الجغرافيا السياسية.
أقدم وأبرز الميليشيات الشيعية التي قاتلت بجوار نظام دمشق، وجلبت الأجانب إلى سوريا، هو لواء "أبو الفضل العباس" الذي لعب دورًا رئيسيًا في تعزيز فكرة نهاية الحدود، حيث أعلنت المنظمة الموالية لإيران إنشاء فرع لها في العراق، والتي تزعم أنها تنتشر فيها في جنوب بغداد وبالقرب من بلدة أرملي، بدأ "أبو علي الدراجي" أحد قادتها السابقين من دمشق، إلى العمل مع مقاتلين له سبق لهم أن عملوا في سوريا، في كثير من الأحيان، كانت فروع لواء أبو الفضل العباس تلتزم أيديولوجيتها الخاصة، لكن صلتهم بإيران تؤكد سلطة طهران عليهم.
بينما تمتلك إيران مع معظم، إن لم يكن كل، الميليشيات العراقية الشيعية، وحتى العناصر الشيعية الأخرى التي لا تشترك مع إيران في الأيديولوجية باتفاق مطلق تستثمرها إيران بشكل أو بآخر.
أسس مقتدى الصدر "سرايا السلام" في يونيو من العام 2014 م، وفي نفس الوقت تقريبًا أصدر "آية الله العظمى علي السيستاني" فتوى تدعو إلى الجهاد ضد داعش، فتوى السيستاني تم توضيحها لاحقًا لتعني دعوة العراقيين إلى الانضمام للجيش العراقي، لكن أتباع الصدر بشكل عام لا يدينون بشيء للسيستاني، كما أن فتوى السيستاني لن تحرمهم من المقاتلين إذ أن أنصار الصدر يُقدرون بعشرات الآلاف، وعلى الرغم من التقارير التي تفيد بتعاون الصدر مع إيران في بعض المستويات، لكن أتباعه خاض سنوات من الصراع مع عصائب أهل الحق وفيلق بدر والجماعات الأخرى، بالإضافة إلى ذلك فإن حزبه السياسي قد دخل في ائتلاف معارض لتحالف دولة القانون.
وعندما تشكلت سرايا السلام من البداية، دعا الصدر إلى أن تكون مهامها دفاعية فحسب، واستُثمرت قدرات المجموعة بشكل أكبر في العمليات الهجومية، واليوم، تمتد "السرايا" في جميع أنحاء العراق، من ضريح سامراء إلى أمرلي إلى مدينة جرف الصخر وإلى ديالى في الشرق، والأعداد الكبيرة لسرايا السلام ونشاطها المتزايد يطرح أسئلة عما إذا كان أتباع الصدر قد عادوا للانخراط في عمليات القتل الجماعي على أسس طائفية.
بعد فتوى السيستاني، أنشأ المجلس الأعلى الإسلامي الذي يقوده "عمار الحكيم" كتائب عاشوراء، تعمل المجموعة للحشد باستخدام قدرات المجلس الأعلى الإعلامية وجهازه السياسي ونشرت قواتها في بغداد وسامراء، في يوليو 2014 م، وتعرضت المجموعة لخسائر فادحة في اشتباكات محافظة الأنبار.
ورغم التوافق التام بين المجموعات الشيعية، إلا أنه حدثت استثناءات، رجل الدين "محمود الصرخي" كان واحدًا من أكثر الحالات غير الاعتيادية في المجتمع الشيعي العراقي، اشتبك أنصاره مع أفراد من قوات الأمن الداخلي العراقية في جنوب العراق؛ مما أدى إلى سبع وفيات، المثال فريد من نوعه، لكن خطر الصراعات الشيعية البينية لا يزال قائمًا.
الميليشيات الشيعية أيضًا تمضي في مسار تصادمي مع المجتمع الكردي، حليف الولايات المتحدة في الحرب ضد داعش، فحركة حزب الله، وكيل إيراني آخر خرج من رحم العصائب، وكتائب حزب الله اتهما رئيس كردستان العراق "مسعود برزاني" بالتنسيق مع البعثيين وداعش، وأصدروا تحذيرات صارمة ضد أي تحركات كردية في كركوك، ووصلوا إلى حد التصريح بأن "صواريخ المقاومة الإسلامية ستضرب أربيل" إذا واصل البارزاني التنسيق مع الجهاديين السنة.
وفيالمحصلة، فإن تنامي قوة هذه الميليشيات هو علامة أنه على الرغم من إزالة نوري المالكي من موقعه، إلا أن الحكومة العراقية لا تزال تدين بالفضل لميليشياتها الطائفية، هذه الميليشيات تحتفظ باستقلاليتها عن بغداد، لكنها تستغل النظام الديمقراطي الناشئ في البلاد لكسب التأييد من خلال سيطرتهم على الجهات الرسمية، فهم ليسوا إضافة على الدولة، ببساطة، إنهم الدولة! إنهم لا يستجيبون لأي من السلطات في بغداد، ولا يستجيبون سوى لزعمائهم وقادتهم في طهران.
ويمكن اعتبار أنّ خطوط المعركة الجديدة في بلاد اعتادت على الموت والدمار منذ12عاماً، ستكون معركة ميليشيات حقيقية، بعيدة عن الواقع الذييح او لرئيس الحكومة السابق نوري المالكي رسمه، عن أنها حرب نظامية قانونية ضد مايصفه بـ"الإرهاب"، كون الجيش الحكومي أثبت هشاشة في أو لأيام المعارك، بشكل يجعلهم ستبعداً من دخول معارك استنزاف طويلة، وسيكون سيناريو معركة الميليشيات والجماعات المسلحة، هو الذي ينتظر العراق على الأرجح، في حال لم تنجح القوى السياسية في إيجاد حل سريع.
وسيعني هذا في المحصلة ازدياد فرص إيران في التحول إلى قطب إقليمي رئيسي، يتم التعامل معه على أنه شريك في مكافحة الإرهاب ،وراعٍ للمصالح الغربية في المنطقة في ظل السياسة الأميركية الجانحة للسلم ولعدم التدخل العسكري، وإعلان الرئيس الإيراني حسن روحاني في ١٤ يونيو 2014م، خلال مؤتمر صحفي، عن استعداده للتنسيق مع الولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب يمكن فهمه في هذا السياق.