array(1) { [0]=> object(stdClass)#12958 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 86

أهمية التوجه نحو الاستثمار في التعليم

الثلاثاء، 17 حزيران/يونيو 2014

اتجهت المملكة العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز إلى تنمية التعليم فقفز عدد الجامعات في ست سنوات من 8 جامعات إلى 32 جامعة حكومية وأهلية، وارتفع عدد الجامعات الحكومية إلى 24 جامعة تضم 494 كلية تتوزع على 76 مدينة ومحافظة إلى جانب 8 جامعات أهلية تضم عشرات الكليات.

ركزت الدولة في تعزيز تنمية التعليم على اعتبار أن التعليم ركيزة مهمة من الركائز التي تعتمد عليها الدولة في تحقيق التقدم ومواكبة التطورات العلمية والتقنية في العالم وتحويل مؤسساته إلى مراكز تنموية شاملة. أي أن لدى خادم الحرمين الشريفين رؤية ثاقبة لمستقبل التعليم التي دعمها باستراتيجية بعيدة المدى خصوصاً في التعليم العالي، ووضعت وزارة التعليم العالي تنفيذ (آفاق 1450) من أجل أن يحظى التعليم في تلك الفترة بالاعتراف والتقدم الإقليمي والعالمي كي يسهم في توليد المعرفة ونشرها واستخدامها.

والملك عبدالله لا يقود تطور التعليم في بلاده، بل إنه يشعر بأن دول الخليج منظومة متكاملة فتقدم بـ (وثيقة التعليم) لقادة دول مجلس التعاون الخليجي وتمحور حولها اللقاء السادس للحوار الوطني الذي عقد تحت إطار (التعليم... الواقع وسبل التطوير).

تطوير التعليم بحاجة إلى بناء مؤسسات وأطر قادرة على توسيع التعليم النوعي

صحيح أن أول خطوة في تطوير التعليم هي الاهتمام بالجانب الكمي فبلغ عدد طلاب وطالبات التعليم العالي في السعودية نحو مليون طالب وطالبة في 24 جامعة حكومية ونحو 42 ألف أستاذ للعام الدراسي 1430/1431 بالإضافة إلى 33 ألف مدرسة للبنين والبنات بإجمالي عدد طلاب وطالبات أكثر من خمسة ملايين طالب وطالبة يقوم على تعليمهم أكثر من 482 ألف معلم ومعلمة.

ومن أجل أن يحفز خادم الحرمين الشريفين تطوير التعليم ونقله نحو جودة التعليم اتخذ خطوة جريئة بابتعاث أكثر من 120 ألف طالب وطالبة لسد الفجوة العلمية التي يعاني منها التعليم المحلي الذي يفتقد نوعية التعليم وجودته لنقله من تعليم تقليدي إلى تعليم نوعي يمكن استثماره في التنمية المحلية والخليجية لتخرج دول الخليج من التنمية المحلية الضيقة التي تعتمد على الدخل الريعي إلى التنمية الواسعة الشاملة التي تعتمد على سد فجوة الميزان التجاري والاعتماد على الصادرات غير النفطية، لكن تستثمر عوائد النفط كمميزات نسبية من أجل توليد مميزات نسبية جديدة لتوسيع قاعدة التصنيع المعتمدة على التنافسية العالمية.

فالابتعاث الخارجي يحفز ويتكامل مع عملية تطوير التعليم المحلي والخليجي، لأن تطوير التعليم بحاجة إلى بناء مؤسسات وأطر قادرة على توسيع التعليم النوعي والقادر على اكتشاف القدرات والمواهب وتمكينها من القيادة، لأن التعليم التقليدي غير قادر على اكتشاف المواهب والقدرات وتمكينها من تعزيز فرص الاستثمار في التعليم، وهناك أمثلة كثيرة لطلاب وطالبات تم اكتشاف مواهبهم في الخارج، ولم يعر التعليم التقليدي المحلي أي اهتمام لتلك المواهب والقدرات مثال على ذلك الدكتورة عبير عبداللطيف النمنكاني التي تفوقت على 200 طبيب في الجامعات البريطانية وحصلت على المركز الأول وجائزتين عينية ونقدية من الكلية الإسكتلندية للأطباء والجراحين والجمعية البريطانية لطب أسنان الأطفال في حفل أقيم في مدينة غلاسكو، وسبق أن عرضت الطبيبة السعودية الفائزة بالمركز الأول اختراعها على المسؤولين في السعودية، لكن تم تجاهل اختراعها ليس تعمداً بل لعدم وجود المؤسسات التي تقود إلى اكتشاف مثل هذه الاختراعات والقدرات حتى نتجه نحو الاستثمار الفعلي في التعليم.

التعليم التقليدي غير قادر على اكتشاف المواهب والقدرات وتمكينها من تعزيز فرص الاستثمار في التعليم

وهناك قصص أخرى كثيرة يخسر من خلالها الوطن نتيجة لهذا التجاهل أو نتيجة لغياب مؤسسات قادرة على كشف مثل هذه المواهب، لا بل في بعض الأحيان تعاني مثل هذه المواهب تهميشاً وإقصاء، فمثلاً هناك أستاذة جامعية عملت في الجامعة أربعة عشر عاماً وهي على ملاك التعليم العام وتقدمت باكتشاف لها، ولم تقدم اكتشافها الجامعة وحصلت على براءة اختراع من مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية ومن دول الخليج العربية وحصلت على المركز الثالث للاختراعات عام 2010 والآن تتريث الجامعة في قبول انتقالها إلى الجامعة رسمياً من التعليم العام بعد خدمة أربعة عشر عاماً، لأن البوصلة غائبة وتقدير قيمة الاختراعات مهمش وكان يفترض أن تجتذب الجامعة الأستاذة وتطالبها بالانضمام إليها تقديراً لاختراعها.

وفي المقابل هناك إحدى بناتي مبتعثة من إحدى الجامعات السعودية إلى بريطانيا توصلت في بحث الماجستير إلى اكتشاف ثلاث طرق جديدة في سرعة تشخيص سرطان الثدي عند النساء، ورغم أن بريطانيا تعاني بطالة مرتفعة نتيجة الأزمة المالية والديون السيادية التي تمر بها دول أوروبا وأمريكا إلا أن الجامعة عرضت عليها العمل في مركز البحوث إلى جانب مواصلة دراستها براتب مجز حرصاً من الجامعة على استثمار مثل هذه القدرات وتوظيفها في خدمة الجامعة وتطويرها كي تنافس بقية الجامعات الأخرى، هذه هي نظرة الجامعات في العالم المتقدم.

إن الإشكالية الأكبر لدينا أن التعليم الجامعي لا يزال محور القبول الرئيسي لخريجي الثانوية بنسبة 91 في المائة وهي من أعلى معدلات القبول في العالم، بينما لا تزيد نسبة القبول في جامعات العالم على 70 في المائة، وقد تكون أقل ويتجه بقية خريجي الثانوية نحو الكليات التقنية ومعاهد التدريب لسد حاجة السوق ودعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الدولة، والسبب في ذلك أن السوق السعودي مثله مثل مثيلاته في دول الخليج الأخرى تحتكره العمالة الوافدة بنسبة أكثر من 90 في المائة خصوصاً في تجارة التجزئة بينما دول العالم لا تسمح بأكثر من 10 في المائة وهو ما يضاعف من تراكم مشكلة البطالة في دول الخليج، ليس بسبب عدم وجود فرص عمل، ولكن بسبب احتكار الأعمال من قبل العمالة الوافدة التي تحول أكثر من 100 مليار ريال سنوياً يمكن تدويرها محلياً في التنمية لو طبق النظام الدولي بألا تزيد نسبة العمالة الوافدة على 10 في المائة، لكن لوبي رجال الأعمال الخليجيين المدمنين على العمالة الوافدة الرخيصة يقف عقبة أمام تصحيح الأوضاع، وهي مشكلة بحاجة إلى برامج وقرارات مرحلية يشارك فيها رجال الأعمال أنفسهم كي نضمن تطبيق هذه القرارات.

ولدى السعودية توجه نحو رفع عدد كليات التقنية ومعاهد التدريب إلى 250 كلية ومعهداً، وسيتضاعف عدد المتدربين فيها من 100 ألف متدرب إلى 400 ألف متدرب ومتدربة وسيتضاعف أيضاً عدد الخريجين من 40 ألفاً إلى 180 ألف خريج وخريجة سنوياً، لكن يجب أن تكون تلك الكليات والمعاهد أذرعاً للجامعات أو للشركات الكبرى التي تشرف عليها، وأن تجعلها نواة شراكة ما بين القطاعين الخاص والحكومي ونواة تعليمية متفوقة تنافس معاهد التدريب العالمية وتضاهيها في إمكاناتها وقدراتها.

يجب إيقاظ العقول النائمة التي تحلم وتنفخ وتشخر وتتصارع على الكراسي وتحولها إلى مصالح خاصة لها وتحرم الكفاءات والقدرات، بل تغيبها عن قصد لأنها تهدد مراكزها، ولا يمكن أن تستثمر المملكة العربية السعودية ومعها بقية دول الخليج التعليم الا بتحويل مراكزه إلى مؤسسات تعليمية تتنافس القدرات على قيادتها بدلاً من النخب التقليدية التي ليس لديها طموح غير الإدارة من أجل التطوير والاستقرار ونستمر في عنق زجاجة التنمية الضيق الذي يعتمد على الدخل الريعي بعيداً عن التنمية الواسعة الشاملة التي تنقلنا إلى التنمية الحقيقية التي تعزز التنمية المستدامة والشاملة المتوازنة.

وفي الوقت نفسه يجب ألا ننكر بأن طفرة التعليم العالي في السعودية حولت الجامعات من أسوار مغلقة إلى أبواب مشرعة وهو ما يدل على اهتمام الدولة بصناعة المواطن وبدأت السعودية تخترق أبواب الاقتصاد المعرفي، كما بدأت العديد من الجامعات تتبنى شراكات ما بين القطاع الخاص والجامعة لخدمة التنمية واستثمار التعليم، فجامعة الملك سعود مثلاً استطاعت إنشاء 11 شركة تجارية عام 2011 وهو ما يدل على أن الجامعات بدأت تتبنى ثقافة الاقتصاد المعرفي وريادة الأعمال باعتباره الخيار الاستراتيجي للحفاظ على حقوق الأجيال المستقبلية.

كما أن خطط جامعة الملك سعود انتقلت إلى جعل خريجيها قادرين على إيجاد فرص عمل لهم ولغيرهم ولا يكونون أجراء فقط عند الآخرين، وأصبحت لدى الجامعة رؤية مستقبلية واضحة بدأت بإنشاء وادي الرياض للتقنية وشركة (وادي الرياض) ومركز الابتكار، وحاضنة الرياض للتقنية، وبرنامج الملكية الفكرية، وكلها تمثل مبادرات عملية لتحقيق هذه الرؤية.

إن كل دول العالم تهتم بتطوير نوعية التعليم فأمريكا أكبر بلد متفوق في نوعية التعليم والتي تحاول كافة دول العالم أن تصل إلى ما وصلت إليه، نجدها تحذر من خطورة التلقين في المدارس الأمريكية، وتجد أفضل طريقة لاختيار متفوق هي الزج به في وظيفة عالية المخاطر، كما تبحث أمريكا اليوم عن أسباب فشل سياسات إصلاح التعليم ولديها برامج تكشف عن الخلل في التعليم مثل برنامج (إيمباكت) لتقييم المعلمين وتصفية نظام التعليم من المعلمين غير الأكفاء وإبدالهم بالمعلمين الأكثر كفاءة، وهو البرنامج  الذي أثار جدلاً واسعاً في زمن ترتفع فيه نسب البطالة عند مستوى 9,1 في المائة، وينتقد هذا النموذج غياب بنية تحتية موحدة ومشتركة للمدارس نتيجة للانقسام الحكومي بما في ذلك الرقابة المحلية، لكن تركيز النموذج كان بشكل كبير جداً على أداء المعلمين، حيث اعتبر أن المعلمين ضعاف المستوى هم أساس المشكلة.

فالاستثمار في التعليم يعترف بالفوائد الاجتماعية للتعليم، ويشجع الاختيار الذاتي في ما يتعلق بالقدرة المحتملة على دفع عملية التنمية لإدخال منافسة حقيقية على التعليم كي تجعل من المنطقة مركزاً إقليمياً لجذب الطلاب من مختلف أنحاء العالم خصوصاً في ما يتعلق بجوانب تتعلق بصناعة النفط وصناعة بدائل الطاقة والتحلية ودراسات البيئة الصحراوية.

 

مقالات لنفس الكاتب