في مطلع نوفمبر الماضي استضافت المملكة العربية السعودية القمة العربية مع دول أمريكا اللاتينية في إطار التناوب بين الكتلتين على استضافة هذه القمم الأمر الذي زاد من حجم التبادل التجاري ليبلغ حوالي 34 مليار دولار، فيما لم يتجاوز 6 مليارات دولار عند انعقاد القمة الأولى عام 2005م، لتأتي قمة الرياض التي اختتمت أعمالها في 11 نوفمبر 2015م، لترسخ هذا التعاون وتؤكد على هذا التوجه العربي الجديد في تنويع العلاقات مع دول العالم وفق منطق المصالح المتبادلة، واستثمار الإمكانيات العربية لبناء علاقات ندية وتبادل المنافع.
تشكل قمة الرياض برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، عاملا هاما في نجاحها وتحقيق نتائج جيدة تلبي تطلعات قادة وشعوب هذه الدول، لما تتمتع به المملكة من ثقل روحي واقتصادي واستراتيجي، وتنامي دورها الريادي في مكافحة الإرهاب وتعزيز ثقافة الحوار والعمل من أجل نشر ثقافة التسامح والوسطية والاعتدال.
رغم التباعد الجغرافي بين الكتلتين، إلا أن هناك العديد من العوامل التي تدعم التقارب والتعاون في مقدمتها أن غالبية تلك الدول وقعت ضحية للغزو الاستعماري، كما يجمعها الانتماء إلى مجموعة الدول النامية التي نجحت العديد منها في الانتقال إلى مصاف الدول الصاعدة Emerging Powers، و تنتمي ثلاثة من هذه الدول – وهي السعودية والبرازيل والأرجنتين – إلى مجموعة العشرين، إضافة إلى الثقافية و في مقدمتها الجذور الحضارية المشتركة، كما أن وجود جاليات عربية كبيرة في مختلف دول القارة اللاتينية يعد من عناصر التكامل والوفاق بعد أن توطنت هذه الجالية وأصبحت جزءا لا يتجزأ من نسيج شعوبها (نحو 10% من السكان)، ويعتبر التنسيق السياسي بين الدول العربية وأمريكا الجنوبية أحد أبرز محاور التعاون المشترك، فبحكم انتمائهما إلى دول الجنوب يحتاج كلا الطرفين إلى تنسيق المواقف في المحافل الدولية والتكتلات الاقتصادية الدولية
فرص استثمارية وعلاقات متنامية
التعاون الاقتصادي يأتي في مقدمة مجاﻻت التعاون بين التكتلين، لذلك ركز المشاركون في القمة على ضرورة تحرير التجارة وتشجيع الاستثمارات وزيادة الرحلات الجوية وإنشاء شركتين للنقل والخدمات اللوجستية، و إنشاء شركة قطاع خاص مشتركة للنقل البحري، وأخرى للخدمات اللوجستية بين الدول العربية ودول أمريكا الجنوبية، وحث المشاركون على زيادة الرحلات الجوية المباشرة بين الجانبين، وتسهيل منح تأشيرات الدخول للسياحة والأعمال، بالإضافة إلى تعزيز مستوى التمثيل التجاري المتبادل و تشجيع إنشاء مجالس وجود أعمال ثنائية في دول المنطقتين، و الإسراع في تحرير التجارة، وتهيئة البيئة الملائمة لتشجيع وضمان الاستثمارات تفادياً للازدواج الضريبي.
وترغب دول أمريكا اللاتينية في استغلال القدرات الاستثمارية التي تتوفر لدى الدول العربية خاصة صناديق الاستثمار، كما تسعى هذه الدول إلى اكتساب موطئ قدم في أسواق الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وهي أسواق واعدة وتحظى بنسب نمو مرتفعة، وتوفر فرص استثمار مهمة، خاصة أن المبادلات التجارية بين الجانبين تسير في اتجاه تصاعدي ، وقد ازدادت العلاقات عمقاً على مدى العشر سنوات الأخيرة – منذ انعقاد القمة الأولى في البرازيل – والتي يعتبر من أهم مظاهرها زيادة حجم التبادل التجاري من 8 مليارات دولار عام 2005 م، إلى 21 مليار دولار عام 2009م، ووصل إلى 34.7 مليار دولار في عام 2014م، وتضاعف الميزان التجاري العربي – اللاتيني بنسبة 183% خلال الفترة ما بين عامي 2005 – 2014م.
وحسب إحصائيات غرفة التجارة البرازيلية -العربية فإن حجم المبادلات التجارية بلغ نحو 8,2 مليار دولار عام 2004م، وارتفع حجم التبادل التجاري بنسبة 3.26 % ليصل إلى قرابة 26 مليار دولار في العام 2012م، بعد أن سجّل 25,11 مليار دولار في عام 2011م، كما بلغ إجمالي قيمة الواردات البرازيلية من الدول العربية 11,10 مليار دولار في عام 2012م، بزيادة قدرها 11%، مقارنةً بـ 9,98 مليار دولار في عام 2011م، وبالمقابل، سجّلت الصادرات البرازيلية إلى الدول العربية قيمة 14,83 مليار دولار في العام 2011م.
وكشفت الغرفة عن قائمة الصادرات العربية إلى البرازيل والتي تصدرها المحروقات بقيمة 9,11 مليار دولار، ثم الأسمدة بقيمة 1,32 مليار دولار، والملح والكبريت بقيمة 180 مليون دولار، فيما حلّ السكر في المرتبة الأولى في قائمة الصادرات البرازيلية إلى الدول العربية بقيمة 4,24 مليار دولار، يتبعه اللحوم بقيمة 3,93 مليار دولار، والخامات بقيمة 2,44 مليار دولار، كما ذكرت الغرفة أن الواردات البرازيلية من الدول العربية شهدت ارتفاعا ملحوظاً في معظم الدول العربية، على رأسها لبنان 491% وقطر 214% والكويت 148% والبحرين 103%،في حين سجلت قيمة الصادرات العربية إلى البرازيل 3.37 مليار دولار خلال النصف الأول من عام 2015م، حيث سجّلت دولة قطر ارتفاعاً ملحوظاً في حجم صادراتها إلى البرازيل بواقع 87.96% لتصل إلى 424.50 مليون دولار خلال الأشهر الستة الأولى من عام 2015 م، بالمقارنة مع 226 مليون دولار في الفترة نفسها من العام 2014م.
وتصدّرت السعودية قائمة الدول العربية الأعلى تصديراً إلى البرازيل بقيمة 776 مليون دولار، فيما بلغت صادرات الكويت 243 مليون دولار، تليها الإمارات العربية المتّحدة بـ 239 مليون دولار، ووصل حجم الصادرات من مصر 54.36 مليون دولار، وسلطنة عُمان 41.45 مليون دولار، والبحرين 33.36 مليون دولار، وجاءت "المعادن والوقود والنفط ومشتقاته" في أعلى قائمة المنتجات العربية المصدّرة إلى البرازيل خلال النصف الأوّل من العام 2015م، وذلك بقيمة 2.530 مليار دولار، تلتها "المبيدات" بقيمة 445 مليون دولار، وسجّلت منتجات الألمنيوم أعلى نسبة نمو بواقع 184% لتصل 50.38 مليون دولار، وارتفع حجم الصادرات من منتجات "الملح والكبريت والتربة والحجارة" بنسبة 37% إلى 60 مليون دولار، واشتملت القائمة أيضاً على منتجات اللدائن والمواد الكيماوية غير العضوية والمعادن الأرضية النادرة والآلات الكهربائية والسمك والمأكولات البحرية.
فيما سجلت قيمة صادرات البرازيل إلى الدول العربية حوالي 13.40 مليار دولار خلال العام 2014م، حيث أن الطائرات والمعدات الفضائية كانت أبرز هذه الواردات وبزيادة كبيرة بلغت نسبتها نحو 7.321%، فيما وصلت واردات مصر إلى 2.31 مليار دولار خلال 2014 مقارنة بـ 2.2 مليار دولار خلال 2013.
وبالنسبة إلى صادرات الأرجنتين نحو الدول العربية فقد تجاوزت قيمتها نحو 3.2 مليار دولار عام 2011م، بعد أن كانت 1,3 مليار عام 2004م.
وفي السياق نفسه، تمكنت عدة دول عربية من تطوير الإطار القانوني لفتح آفاق التجارة الحرة مع تجمع المركوسور وهو أبرز اندماج اقتصادي في أمريكا الجنوبية يضم كلا من البرازيل والأرجنتين والأوروغواي ومؤخرا فنزويلا ، واستطاعت مصر التوقيع على اتفاقية للتبادل الحر مع المركوسور عام 2010م، ويسير كل من المغرب والأردن في نفس الاتجاه، كما أن دول مجلس التعاون الخليجي وقعت عام 2005م، على اتفاق للتعاون مع المركوسور يضمن للأخير تسهيلات مباشرة لدخول سوق دول المجلس مقابل تسهيل دخول الاستثمارات الخليجية إلى المركوسور.
العلاقات الخليجية – اللاتينية: آفاق واعدة
أتاحت القمم العربية اللاتينية فرص تعزيز العلاقات، وعلى الأخص دول مجلس التعاون فقد شهدت القمة الأولى إعلان إنشاء أول خط طيران مباشر بين الدول الخليجية وأمريكا الجنوبية، من دبي إلى ساو باولو، كما تم توقيع اتفاق تجاري بين دول المجلس وتكتل (الميركوسور والذي يشكل الأساس لبدء المفاوضات بين الجانبين بشأن إبرام اتفاق للتجارة الحرة.
وعلى الرغم من أن دول الخليج العربية تمثل سوقًا للعديد من المنتجات اللاتينية – والبرازيلية - كما تعد مورداً مهماً للنفط إلى الأسواق اللاتينية – إلا أن حجم التبادل التجاري بين الجانبين لا يزال منخفضاً إلا أنه أمكن تحقيق تحسن ملموس، فقد تضاعفت تجارة البرازيل مع دول الخليج أربع مرات خلال هذه الفترة، وتشكل التقنيات البيولوجية والزراعات المقاومة للجفاف مجالًا للتقارب بين الجانبين ، حيث يمكن للدول الخليجية الاستفادة من الخبرة البرازيلية في مجال التقنيات البيولوجية لتعزيز الزراعات في الأراضي القاحلة وشبه القاحلة.
وتمثل دول الخليج بالنسبة لدول أميركا الجنوبية سلة من الفرص الواعدة حيث تلعب المصالح الاقتصادية الدور الأكبر في توجهات دول أميركا الجنوبية لفتح أسواق جديدة في الدول العربية، كبديل عن الأسواق الأوروبية التي تعاني من أزمة اقتصادية طاحنة.
في حين تخطط الشركات اللاتينية الاستثمار في دول العالم العربي، عبر الاستفادة من اتفاقيات التجارة الحرة التي تربط العديد من الدول العربية مع الولايات المتحدة والشراكة مع الاتحاد الأوروبي، ومنطقة التجارة الحرة بين الدول العربية والتي تشمل سوقا واسعة وتزخر بالموارد الطبيعية والقوى البشرية المدربة، إضافة إلى رغبتها في الاستفادة من قرار خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في فتح الاستثمار أمام الشركات الأجنبية بنسبة تملك تصل إلى 100% في عدد من المجالات، إلى جانب تطوير استراتيجيات التعاون والتكامل في الأنشطة الاقتصادية المختلفة، وتفعيل دور النقل البحري والخدمات اللوجستية، من خلال استعراض الصعوبات والمقترحات الرامية للنهوض بهذا المجال، وواقع السياحة والخدمات المالية لدى الجانبين.
وأوضحت الغرفة التجارية العربية البرازيلية أن القيمة الإجمالية للمنتجات المستوردة من البرازيل إلى الإمارات قد ارتفعت خلال العام 2014 م، إلى 2.84 مليار دولار بزيادة نسبتها 9.96% مقابل 2.58 مليار دولار خلال عام 2013م، وجاءت السعودية بعد الإمارات في ارتفاع وارداتها من المنتجات البرازيلية إلى 2.54 مليار دولار، أما قطر فقد سجلت ارتفاعا بنسبة 10.59% في وارداتها من المنتجات البرازيلية التي بلغت 369 مليون دولار خلال عام 2014، مقارنة بـ 334 مليون دولار خلال عام 2013م.
و في أكتوبر 2012م، اجتمعت وفود من دول الخليج العربي بنظيرات لها في بيرو لبحث العلاقات الثنائية وإيجاد أرضية مشتركة للتعاون، هذا الاجتماع أطلق عليه خبراء اقتصاديون "نقلة" في موازين الجغرافيا السياسية وفرصة لشعوب المنطقتين للتعرف على بعضهما واقتناص فرص الاستثمار في الطاقة والبنى التحتية والأمن الغذائي، حيث يُعد المزيد من الاستثمارات في مجال الأمن الغذائي في المساحات الشاسعة في أمريكا الجنوبية عامل جذب لبلدان الخليج، كما تتشارك المنطقتين أيضا الاهتمام بتطوير تكنولوجيا جديدة في مجالات مثل الطاقة المتجددة وحماية البيئة.
وتحت عنوان "دول الخليج تبني علاقات في أمريكا اللاتينية"، نشرت الـ"فايننشال تايمز" في ديسمبر 2012م، تقريراً كشف عن تحرك سريع لدول الخليج لتقوية علاقاتها مع دول أمريكا اللاتينية، وذكر التقرير أن دول الخليج وأمريكا اللاتينية قد تبنيا في الوقت نفسه الاتجاه لبناء علاقات قوية مع الصين المتعطشة لموارد الطاقة وعلى رأسها البترول.
المكاسب السياسية من قمة الرياض
جاءت استضافة الرياض للقمة العربية اللاتينية الرابعة، امتداداً للجهود التي تبذلها في دعم السعودية للقضايا العربية، وأكد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في كلمة استهل بها القمة على أهمية العلاقات بين الدول العربية ودول أميركا الجنوبية، وحرص السعودية على تنميتها وتعزيزها في المجالات كافة، وقال "إننا نشعر بالارتياح للتوافق والتقارب بين وجهات نظرنا تجاه عدد كبير من القضايا والمسائل الدولية"، وأشاد بالمواقف الإيجابية لدول أميركا الجنوبية المؤيدة للقضايا العربية، وخصوصاً القضية الفلسطينية. وقال: "نتطلع إلى تنسيق مواقفنا تجاه القضايا المطروحة على الساحة الدولية، ومكافحة الإرهاب، والتطرف، ونشر ثقافة السلام والحوار".
واكتسبت هذه القمة أهمية خاصة لجهة مكان انعقادها وفي ظل تفاقم أزمة علاقات الدول العربية وخاصة الخليجية بإيران، التي تحظى بنوع من تعاطف دول القارة اللاتينية التي يحكمها يساريون ينظرون، تقليدياً بإيجابية نحو خصوم واشنطن، وعملت السعودية على الحديث باسم الدول العربية من خلال مظلة الجامعة العربية ما مكنها من الوقوف في موقع مريح أمام الدول الجنوب أمريكية، وانتزاع مواقف سياسية من هذه الدول التي ترتبط بعلاقات وثيقة بإيران "خاصة البرازيل وفنزويلا" لكن هذا لم يمنعها من إدانة التصرفات الإيرانية في المنطقة العربية، ونجحت السعودية في إطار سياسة التصدي إلى الدور الإيراني في المنطقة من استقطاب دول أمريكا اللاتينية نحو مواقفها من مختلف القضايا العالقة في المنطقة.
يذكر أن حجم التبادل التجاري بين السعودية ودول أميركا اللاتينية بلغ 37.5 مليار ريال، ما يعادل 10 مليارات دولار خلال العام الماضي 2014م، مقابل 42.4 مليار ريال، ما يعادل 11.3 مليار دولار خلال عام 2013م، وقد بلغت قيمة الصادرات السعودية لدول أميركا الجنوبية خلال العام 2014م، نحو 14.7 مليار ريال، ما يعادل 3.9 مليارات دولار، فيما استوردت المملكة من دول أميركا الجنوبية سلعًا بقيمة 22.8 مليار ريال، ما يعادل 6.1 مليارات دولار، وتشمل السلع المستوردة من البرازيل، الحليب والذرة الصفراء وفول الصويا والسكر وعصير البرتقال والخشب وجرارات زراعية، ومحركات طائرات دوارة أو يتم الاشتعال فيها بالشرر، وأجهزة أخرى.
لقد أدانت القمة ما اعتبرته التدخل الإيراني في شؤون الدول العربية، باعتباره انتهاكا لقواعد القانون الدولي ومبدأ حسن الجوار، وسيادة الدول، وطالب إعلان الرياض إيران بالكف عن الأعمال الاستفزازية ، كما رحّب البيان بنتائج مؤتمر فيينا الدولي من أجل التوصل لحل سياسي للأزمة السورية، يضع حدا لمعاناة الشعب السوري، وأكد الإعلان الحاجة الماسة للتنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن رقم 2216، كما طالب جميع الأحزاب الشرعية في اليمن باحترام قرارات مؤتمر الحوار الوطني وفقاً لمبادرة مجلس التعاون الخليجي، وجميع قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وأشار إلى جهود موريتانيا من أجل إحلال الأمن والسلام في جمهورية مالي، ضمن الوساطة الدولية، كما دعا الإعلان دول القمة إلى الحث على تشجيع المفاوضات الثنائية ,تشجيع التجارة وتدفق الاستثمار ،إضافة إلى دعم الاستثمار .
ودعا الإعلان إلى النظر في توقيع اتفاقيات ثنائية للتجارة الحرة، وتفادي الازدواج الضريبي، بالتوافق مع قواعد وأنظمة الضرائب الوطنية، وحماية وتشجيع الاستثمار، بما يتيح الإطار القانوني لتحفيز الاستثمار والتدفق التجاري للإقليمين، وتبادل الخبرات مع دول أمريكا الجنوبية في مختلف المجالات السياحية والتراث العمراني، وتنظيم الرحلات والفعاليات السياحية، والتنقيب عن الآثار، وإقامة أسابيع إعلامية سياحية. كما رحب الإعلان، بتوقيع الاتفاقية الإطارية للتجارة والتعاون الاقتصادي، والتأكيد على رغبة الطرفين بتقوية العلاقات التجارية والتعاون الاقتصادي بين الدول العربية ودول أمريكا الجنوبية.
ورحب الإعلان أيضا، باتفاقية التوأمة الموقعّة بين كراكاس عاصمة فنزويلا البوليفارية، والقدس الشرقية عاصمة دولة فلسطين في مايو 2015م، وأعرب عن قلقه إزاء الأوضاع المتردية في اليمن، وما يتعرض له الشعب اليمني من تحديات، نتيجة الانقلاب الحوثي، وتورط الرئيس السابق علي عبدالله صالح ، والاعتماد على قوى خارجية بهدف الاستيلاء على السلطة، ما نتج عنه تهديد خطير لأمن واستقرار ومستقبل اليمن، و انتهاك حقوق الإنسان، ووقوع ضحايا من المدنيين، إضافة إلى صعوبة وصول المساعدات الإنسانية لمستحقيها.
قمة الرياض وفرت الفرصة لبناء علاقات شراكة استراتيجية بين الجانبين لا سيما في مجالات التكنولوجيا، والاستخدام السلمي للطاقة النووية، وصناعة الطائرات، وموارد المياه، ومكافحة التصحر، إلى جانب تعزيز العمل المشترك في مجال مكافحة الإرهاب وحل قضايا العالم والمنطقة من خلال المرجعيات الدولية، وما يتطلبه ذلك من ضرورة تفعيل القرارات الدولية والاتفاقيات الثنائية، وعليه فإنه من الضرورة بمكان التركيز على تقوية التعاون الاقتصادي بين الطرفين، فدول أمريكا اللاتينية وإن كانت مازالت نامية فإن لها تجارب ناجحة مازالت مستمرة للقفز من تصنيف الدول النامية للدول الأكثر تقدماً كما هو الحال في التجربتين البرازيلية والأرجنتينية حيث ينمو الاقتصاد بسرعة وبتطور واضح في كافة المجالات، ويمكن من خلالهما نقل تجاربهما إلى الدول العربية للاستفادة من تجاربهما في تعزيز التنمية المستدامة لبناء اقتصاد سليم قادر على المنافسة وله القدرة كذلك على استحداث وظائف باستمرار، وكذلك بقيمة مضافة تتلخص في المرونة على التغلب على الأزمات الاقتصادية مهما استفحلت. ويعزز تفاؤل إمكانية نجاح التعاون الاقتصادي بين المجموعة العربية واللاتينية هو أن كل من دولة الفكرة البرازيل ودولة الانطلاق الحقيقي للتعاون والتكامل الاقتصادي المملكة، كلاهما عضو لأهم مجموعة اقتصادية دولية وهي مجموعة العشرين، التي تضم الدول الأكثر تأثيراً في اقتصاد العالم.
ولجعل التعاون الاقتصادي حقيقة واقعة فلابد من ضخ استثمارات مهمة بين الجانبين، ومثلاً في الحالة السعودية ــ البرازيلية، يمكن لهما التعاون في قطاع البتروكيماويات والذي استثمرت فيه المملكة مبالغ ضخمة وبخبرة واسعة يحتاجها الاقتصاد البرازيلي، وفي مقابل ذلك يمكن للمملكة الاستفادة من خبرة البرازيل في إقامة مشاريع الصناعات الصغيرة والمتوسطة والتي يحتاجها أي اقتصاد يرغب في خلق تنمية مستدامة وفي تنويع مصادر إيرادات ميزانيته. ويمكن تطبيق نموذج التعاون السعودي البرازيلي على أوجه التعاون بين دول المجموعة العربية اللاتينية كل دولة حسب احتياجاتها وما تتميز به.
كذلك فمن الأهمية أن يواكب اللقاءات السياسية بين مسئولي المجموعتين معرض اقتصادي يقام بالتناوب في أحد دول المجموعتين لتعريف رجال الأعمال والشركات العاملة في دول المجموعتين بفرص التعاون والاستثمارات بينهما، على أن يقام هذا المعرض كل سنتين على أقل تقدير لإعطاء المناخ المناسب والضروري للدفع بالتعاون الاقتصادي بين دول المجموعتين نحو أفق أرحب وبالسرعة المرجوة.