array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 104

الغرب: ضحية الإرهاب أم صانعه؟

الخميس، 11 شباط/فبراير 2016

التفجيرات الإرهابية المُدانة التي جرت في باريس يوم الثالث عشر من نوفمبر الحالي 2015م، ليست الحدث الأول من نوعه، فقبل أيام سقط عشرات الأبرياء في برج البراجنة في لبنان نتيجة تفجيرات تُنسب لنفس الجماعة (داعش) وقبلها بأيام جرى حديث عن عمل إرهابي أسقط طائرة مدنية روسية وسط شائعات غربية حول أنها سقطت بفعل عمل إرهابي، وفي فرنسا نفسها جرت تفجيرات في باريس في السابع من يناير من هذا العام وقبلها تفجيرات 11 سبتمبر 2001م، في الولايات المتحدة وتفجيرات وأعمال إرهاب كانت وما زالت متواصلة في دول عربية ودول أخرى.

 التفجيرات الأخيرة وبالرغم من أنها كانت متوقعة في سياق الدور الواضح والمؤثر لفرنسا في مواجهة وضرب الجماعات الدينية المتشددة سواء في سوريا، أو العراق، أو ليبيا، ونظرا لكثرة عدد المسلمين فيها حيث يصل عددهم 6 مليون مسلم، إلا أنها أثارت مسألة الإرهاب ووضعتها موضع الاهتمام الدولي بشكل غير مسبوق.

هذا العنف الدموي سواء الذي يجري في بلداننا العربية والإسلامية أو يضرب في بعض دول الغرب ويتم نسبته للإسلام والمسلمين، غيِّب في عالمنا العربي قضايا جوهرية كان يفترض أن يكون لها الأولوية كالتنمية الاقتصادية والاجتماعية والديمقراطية وبناء الدولة الوطنية وحمايتها من التفكك، ومواجهة الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية والفلسطينية، ودوليا أوجد التباسا ما بين عنف (الجماعات الإسلامية) المتطرفة، والمقاومة المشروعة للاحتلال، الأمر الذي تستغله إسرائيل لخلط الأوراق لتوحِد ما بين الإرهاب الذي تتعرض له دول أوروبية والعنف المنتشر في سوريا والعراق واليمن وليبيا الخ من جانب، وما يقوم به الفلسطينيون من أعمال مقاومة مشروعة ضد الاحتلال . 

ما يثير التساؤلات ويضع تفجيرات باريس في سياق أكثر شمولية، أن العنف المُعَمَم الذي يضرب في أكثر من منطقة في العالم ،سواء كان تحت عنوان الجهاد أو مقاومة الاستبداد والدكتاتورية، وسواء كان إرهاب أفراد وجماعات أو إرهاب دول، جاء متزامنا مع طرح واشنطن لمشروعها حول الشرق الأوسط الجديد 2004م،  وسياسة الفوضى الخلاقة، مما يدفع لربط الأمور مع بعضها البعض، بل لا يمكن الفصل بين ما يسمى (الربيع العربي) والموجة الإرهابية اللاحقة التي ابتدأت في سوريا ثم تمددت للعراق وليبيا وسيناء، فكأن هذه الجماعات وخصوصا (داعش) جاءت لتستكمل ما عجز عنه (الربيع العربي) من تفكيك الدولة الوطنية وزعزعة الاستقرار في المنطقة.

الخفي في السياسة بشكل عام وخصوصا في الشرق الأوسط قد يكون أكبر وأخطر من المُعلن، وخصوصا إن تعلق الأمر بسياسات الدول الكبرى في المنطقة، لأن السياسة تقوم على المصالح، والمصالح متضاربة ولا تؤسَس دائما على الحق والأخلاق، ولأنه في الشرق الأوسط يتداخل الدين مع السياسة مع الاقتصاد، والماضي مع الحاضر، والحقائق مع الأساطير، والجهل والتخلف مع حداثة مشوهة... لذا فإن أي محلل سياسي لما يجري في المنطقة عليه ألا يعتمد على التقارير والتصريحات الرسمية المًعلنة فقط، بل عليه تحليل الوقائع والأحداث واستحضار التاريخ وقراءة ما بين السطور والربط ما بين الأمور حتى وإن بدت بالنسبة للإنسان العادي غير مترابطة؟ .

ودعونا نتساءل بموضوعية: هل كانت الأمور ستكون على هذه الحال من الدمار والخراب والعنف لو لم يتم التدخل الغربي لإسقاط صدام حسين والقذافي والأسد ومبارك وزين العابدين بن علي، سواء من خلال التدخل العسكري المباشر أو من خلال فوضى الربيع العربي؟ هل كانت الدولة الوطنية والمجتمع سيتفككان وتتفجر الصراعات الطائفية والاثنية لو لم تكن فوضى الربيع العربي ويتم إسقاط قادة وأنظمة هذه الدول؟ وهل حقيقة أن تدخَّل الغرب في دول المنطقة تحت عنوان حماية ودعم (الربيع العربي) كان بهدف نشر الديمقراطية وحماية حقوق الإنسان أم لإيصال الأمور إلى ما وصلت إليه الآن من فوضى؟.

مع كامل تعاطفنا مع الشعب الفرنسي وإدانتنا لجميع الأعمال الإرهابية، فإن هذه الأعمال كانت متوقعة وهي إحدى نتائج وإفرازات (الربيع العربي) كجزء من صناعة الشرق الأوسط الجديد الذي تشارك فرنسا في صناعته، وكنتيجة متوقعة للتدخل الفرنسي والغربي العسكري في الدول العربية وخصوصا في سوريا، وخصوصا بعد أن بدأت تظهر حقيقة التدخل الغربي في مجريات الثورات العربية وفي صناعة جماعات معارضة إسلاموية.

أسقط الغرب نظام صدام حسين واحتلت واشنطن العراق بشكل مباشر أو غير مباشر طوال اثنا عشر عاما ومع ذلك لم يتم لا استعادة وحدة العراق ولا بناء الديمقراطية بل تم إثارة الانقسام الطائفي بشكل ممنهج ومدروس، وتدمير وإضعاف مؤسسات الدولة الجامعة للكل العراقي!، وفي ليبيا تم إسقاط نظام القذافي الذي حافظ على وحدة الدولة الليبية، بتدخل عسكري غربي مباشر، ثم ترك الغرب الشعب الليبي يتخبط في الفوضى! وحرض الغرب الشعب السوري على نظام الأسد، ثم دعم ومول جماعات مجهولة التوجهات لا تؤمن بالديمقراطية ولا بحقوق الإنسان، لتعيث خرابا وفسادا في سوريا، في حين أن الشعب السوري بين مشرد ولاجئ أو قتيل وجريح ومازال بشار الأسد في السلطة والضحية هو الشعب لا غيره.

ليس هذا دفاعا عن أنظمة استبدادية نعرف مساوئها وأخطاءها، ولكن الغرب لم يتدخل في هذه الدول من أجل نشر الديمقراطية وقيم حقوق الإنسان، ولا لأنها أنظمة تدعم الإرهاب. فقد كان من الممكن حل إشكال تعثر عملية الانتقال الديمقراطي بوسائل أخرى غير تدمير الدولة وتفتت الشعب وإثارة الحرب الأهلية، كما اعترف مسؤولون غربيون بعدم وجود علاقة بين الإرهاب وجماعاته من جهة وصدام حسين والحكام العرب الآخرين الذين تم إسقاطهم من جهة أخرى، بل بالعودة لتاريخ هذه الأنظمة سنجدها الأكثر مواجهة للجماعات الدينية المتطرفة.

في (مؤتمر حول المخابرات) نظمته جامعة جورج واشنطن يوم 27/ 10/ 2015م، تحدث كل من مدير المخابرات الفرنسية برنار باجوليه ومدير الاستخبارات المركزية الأمريكيةجون برينان عما يجري في الشرق الأوسط وتوصلا لنتيجة أن الشرق الأوسط لن يعود كما كان، وان دولا ستتفكك ويتم إعادة بنائها من جديد. مدير المخابرات الفرنسية قال إن شرق أوسط جديد يتشكل ستكون حدوده "مختلفة عن تلك التي رسمت بعد الحرب العالمية الثانية"، نفس الفكرة أكد عليها مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية قائلاً: إن "الشرق الأوسط الذي نعرفه انتهى وأشكُّ بأن يعود مجدداً". أليست هذه الحصيلة والنتيجة هي جوهر مشروع الشرق الأوسط الجديد وسياسة الفوضى الخلاقة التي بشرت بها كونداليزا رايس منذ عام 2004 م، وقبل أن يبدأ ما أطلقت عليه واشنطن اسم (الربيع العربي)؟ّ

ولكن مَن أوصل الأمور في المنطقة لهذا المصير – تقسيم المنطقة – أليس الغرب وسياساته في المنطقة؟ الجماعات الإرهابية المتطرفة التي تدَمِر وتُخَرب الدول الوطنية، من تنظيم القاعدة إلى تنظيم دولة الخلافة هي صناعة غربية، أو على الأقل يتم السكوت على تأسيسها وتسليحها وتمويلها من جهات استخباراتية غربية وعربية تابعة للغرب.

عندما يتم تفكيك الدولة الوطنية ومحاصرة وإضعاف القوى التحررية والديمقراطية ، وعندما يغيب مشروع قومي عربي وتتمدد مشاريع إقليمية، كالتركي والإيراني والإسرائيلي ،على حساب المشروع القومي العربي وتُوغِل إسرائيل في إرهابها وعدوانها وتدنيسها للمقدسات دون رادع من دول الغرب الذي يتدخل في كل مناطق العالم ما عدا إسرائيل، فلا نستغرب أن يستقطب مشروع دولة الخلافة الخيالي، المدجج بخطاب ديني سلفي جهادي وبمغريات مالية وبتسهيلات لوجستية، آلاف الشباب السنيين، المُحبطين والمقهورين والمغامرين من كل الجنسيات والطبقات، كالخيار الوحيد والبديل لكل المشاريع السابقة، دون أي تفكير عقلاني من غالبية هؤلاء الشباب في أصول هذه الجماعة المتطرفة وارتباطاتها وعلاقاتها ومن يقف وراءها ؟ .

وأخيرا قد يتساءل البعض كيف يستقيم القول بأن الغرب أنشأ تنظيم دولة الخلافة أو ساعد على تأسيسه، مع القول بقيام هذا التنظيم بتفجيرات باريس؟! نفس التساؤل تم طرحه عندما حدثت تفجيرات 11 سبتمبر 2001م، في الولايات المتحدة، حول القول بعلاقة واشنطن بتأسيس ودعم تنظيم القاعدة في بداية تأسيسه لمواجهة الاتحاد السوفيتي، وقيام هذا التنظيم بالتفجيرات في الولايات المتحدة نفسها؟!أسئلة كثيرة لا يعرف الإجابة عنها إلا القادة الكبار في الأجهزة الاستخباراتية الغربية، وأسئلة أخرى ستبقى دون إجابة لحين من الوقت؟ .

مجلة آراء حول الخليج