array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 106

من الوجود الناعم إلى الوجود العسكري كيف تكون الصين شريكًا أساسيًا في أمن الخليج؟

الأحد، 03 نيسان/أبريل 2016

هل يمكن أن تضطلع الصين بدور عسكريفي أمن الخليج؟ وهل يتجه التفكير الاستراتيجي لدول الخليج لإحلال الصين محل الولايات المتحدة؟ وهل نشهد في يوم ما قواعد عسكرية صينية في دول المنطقة؟ وهل تمتلك الصين الاستعداد لتحمل تكاليف في أمن الخليج بعد أن ظلت راكبة مجانًا على إجراءات الأمن الأمريكية؟

هذه الأسئلة أصبحت مشروعة؛ فعلى الصعيد العملي، قامت الصين بتحركات عسكرية بشكل متواتر في منطقة الشرق الأوسط؛ في مايو 2015م، أجرت مناورات بحرية مع روسيا في البحر المتوسط تحت اسم “بحر التعاون"، وجرت عمليات إعادة تزويد الطائرات الصينية العسكرية بالوقود في إيران، وهي أول وحدات عسكرية أجنبية سمح بها على الأراضي الإيرانية منذ الثورة الإسلامية عام 1979م، وتوقفت السفن الحربية الصينية في موانئ في الإمارات وإيران، وفي 2017م، سوف تنتهي الصين من بناء قاعدة "بحرية لوجيستية" في جيبوتي لمكافحة القرصنة ولضمان أمن السفن الصينية التي تمر عبر مضيق باب المندب وبالمحيط الهندي.

مع ذلك فإن تحولات العقيدة السياسية والعسكرية الصينية بطيئة للغاية، صحيح أنها غيرت سياستها في المنطقة من عدم التدخل إلى التوسط النشط، وساهمت في مهام حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في بعض دول المنطقة، مع ذلك، فلازالت الشكوك في دول مجلس التعاون وداخل دوائر صنع السياسة الصينية بخصوص المدى الذي يتعين على الصين الانخراط فيه استراتيجيا في الخليج. ولا تسعى الصين إلى تحدي الولايات المتحدة أو استبدال دورها الأمني. مع ذلك، فإن البرجماتية النشطة أصبحت هي الاستراتيجية الدبلوماسية الموجهة للصين. وتلك هي الخلاصة التي توصل إليها تقرير المعهد البولندي للدراسات الدولية Danish Institute for International Studies الذي صدر في عام 2014م، بعنوان "النفط، والأمن والسياسة، هل تتحدى الصين الولايات المتحدة في الخليج (الفارسي).

بالتأكيد إن هذا التقرير الذي أكد أن الصين سوف تكثف وجودها السياسي والاقتصادي في الخليج مع احتمال توسيع وجودها العسكري عبر مهام حفظ السلام، ودعا إلى فتح حوارات متعددة الأطراف معها لوضع قواعد ومعايير السلوك للشراكات والكيانات السياسية في المنطقة، ودعا الدول الغربية إلى استخدام المصالح التجارية للشركات الصينية في أجزاء أخرى من العالم كأوراق مساومة عند التفاوض مع الصين في شؤون الخليج، لم يكن يتوقع أن تفصح الولايات المتحدة عن نواياها التراجعية عن أمن الخليج في 2015م، على النحو الذي أكدته إدارة أوباما.

أولًا: الموازنة بين الاستراتيجيا والاقتصاد:

على الرغم من سياسة الصين المعهودة للنأي بالنفس عن صراعات الإقليم وفصل الاقتصاد وأنشطة الأعمال عن السياسة، إلا أن ظروف الإقليم سوف تدفعها إلى الانخراط فيه، كما ستدفعها إلى عمل مفاضلات ضرورية، وسوف تترسخ سياساتها البرجماتية في الشرق الأوسط لاعتبارات تتعلق بالاهتمامات النفطية، وذلك في ضوء اتجاه بكين إلى الحلول محل واشنطن في سوق الطاقة الشرق أوسطي، حيث أن 52% من وارداتها النفطية تأتي من منطقة الخليج.

علاوة على ذلك، تتمثل المصالح الجيوبوليتيكية للصين في الخليج والشرق الأوسط في: رفض الهيمنة الانفرادية لأي قوة على المنطقة، ومنع ظهور أي نظام معاد للصين فيها، وعدم تقديم الدعم لأي قوى انفصالية داخل الصين، ومعارضة أي تأييد رسمي من دول المنطقة لاستقلال تايوان، مع كسب التأييد الرسمي من حكومات المنطقة لسياستها ضد "تايبيه"(عاصمة تايوان)، والحصول على تأييد دول الخليج للاستراتيجية الصينية الخاصة بمواجهة الإرهابيين والإنفصاليين الويجور، وتأمين إمدادات النفط، وتوفير أسواق للصادرات الصينية من السلع والخدمات.  

ولا شك في أن مكانة الصين العالمية ستفرض عليها الانخراط أكثر في المشكلات الدولية خلال العقود المقبلة، لكن المؤكد أنها لن تكون نموذجًا مستنسخًا من النموذج الأمريكي في علاقته بدول الخليج. إذ يغلب على المدخل الصيني للعلاقات الدولية الشق الاقتصادي والعلاقات التجارية والمصالح المشتركة، وليس في الأفق احتمال أن تلعب الصين دورًا عسكريًا أمنيًا لمصلحة طرف على حساب الآخر، ويدفعها نموذجها الثقافي والحضاري إلى الاتكاء على علاقات متوازنة مع الجميع.   

وعلاوة على حجم الارتباطات الاقتصادية الكثيفة بين الصين ودول الخليج فإن أمن الخليج يميل أيضًا ناحية الشرق، ليس فقط بسبب تراجع الضمانات الأمريكية، وإنما للاعتبارات الجيو- اقتصادية الجديدة؛ فحجم التجارة بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي في تزايد مستمر، ويكفي الإشارة إلى أن الرياض زودت بكين عام 2013 م، بنحو 19% من حاجاتها من الطاقة، وأن حجم التبادل التجاري بين الرياض وبكين منذ 2004 إلى 2013م، بلغ 390 مليار دولار، وحجم التجارة بين دول الخليج والصين تجاوز 175 مليار دولار عام 2014 م، فقط، ويتوقع أن يبلغ 350 مليار دولار في 2020م، بينما سيصل حجم التجارة بين الصين والإمارات وحدها 100 مليار دولار سنويًا بحلول تلك السنة. وفضلا عن أن شرايين الاقتصاد الخليجي تمتد شرقا نحو آسيا والصين، فإن مشاريع ضخمة مثل مشروع "طريق الحرير الجديد" سوف يربط الاقتصاد الخليجي أكثر بالعملاق الآسيوي، حيث سعت الصين إلى دمج المنطقة في مبادرة “حزام واحد طريق واحد” التي أعلن عنها الرئيس الصيني في 2013م، وكل ذلك سيجعل الصين نقطة تلاقي لمصالح عالمية هائلة، ما يتطلب تأمين خطوط التجارة الجديدة بين الصين والخليج.

وكانت زيارة الرئيس الصيني إلى السعودية في يناير 2016م، مهمة من ناحية ما أعلن فيها عن قرار الجانبين الارتقاء بالعلاقات الثنائية إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية الشاملة، والذي ترجم ببنود تعاون في المجال السياسي ومجال الطاقة ومجال التعاون العلمي (تفعيل دور آلية اللجنة السعودية ـ الصينية المشتركة)، والتعاون في مجالات الفضاء وإطلاق الأقمار الاصطناعية والاستخدام السلمي للطاقة النووية، والتعاون في بناء "الحزام الاقتصادي لطريق الحرير وطريق الحرير البحري في القرن الـ "21"، لدفع التنمية والنهضة في منطقة آسيا، والتعاون الأمني (الإرهاب)، والتعاون في المجالات الثقافية والإنسانية، والشؤون الإقليمية والدولية.

وفق ذلك، فإن مدخل الصين إلى أمن الخليج بحسب المفهوم الجديد يصبح ممهدا؛ يساعد على ذلك أنه ليس للصين ميراث من السياسات التدخلية أو الاستعمارية، وهي لا تعمل على إذكاء الصراعات لأجل تعظيم المكاسب ومبيعات السلاح، وهي من الدول التي لا تبرز عضلاتها في العلاقات الدولية، وترجح الحوار على الصدام، ومن المؤكد أنها سوف تستفيد من أخطاء التجربة الأمريكية، ومن ثم يمكنها فعل الكثير لأجل استقرار العلاقات بين ضفتي الخليج، وتوظيف علاقاتها الخاصة مع إيران في تقليص مساحات الخلاف بينها ودول الخليج العربية.

الفلسفة الصينية والأمن الخليجي:

تلتزم الصين مجموعة من المبادئ والقيم في سياستها الخارجية تشكل قاعدة يمكن أن تبني عليها علاقة استراتيجية مهمة مع دول مجلس التعاون، وتنبني استراتيجية الأمن القومي الصينية بالأساس على أن المخاطر على الأمن القومي تأتي من الداخل وليس من الخارج، ومن ثم تتجه إلى تعزيز الحكم المركزي والاستقرار الداخلي من خلال القبضة القوية للدولة، والإمساك بشبكة الحكم من خلال الحزب الحاكم. وهو اتجاه يعزز سلطات الدول والسيادة بمفهومها التقليدي، وهو ما يتماشى مع حاجات دول الخليج.

ولقد تخلت الصين منذ عقود عن النهج الأيديولوجي الذي يسعى إلى زعزعة الاستقرار الإقليمي عبر تشجيع الحركات الثورية الشيوعية المعارضة للأنظمة، حيث كانت تدعم حركات المعارضة المحلية وتراها من خلال العدسات الثورية الخاصة، بينما تتبنى السياسة الصينية حاليًا نهجًا برجماتيًا، وتسعى إلى تحقيق التكامل والاستقرار الإقليمي، ولا تتدخل في الشؤون الداخلية للدول، وتنحاز لصيغ الأمن الجماعي.

والأساس في الفلسفة السياسية الصينية هو دعم الوحدة الوطنية وتعزيز سلطان الدولة وكيانها، فالصين ضد الانفصال الذي يعرض سلامة الدولة للخطر، وضد استثارة تمرد الأقليات، وبعد أن عانت من مشكلتي انفصال هونج كونج وتايوان واضطرابات مزمنة في إقليم شينجيانج فإنها ترفض النزعات الانفصالية، ومن ثم تشكل المبادئ والقيم الصينية الخاصة بتعزيز قوة الدولة واحترام الكيانات السياسية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، أهم مكسب في تعزيز الأمن الخليجي.

أسس وأصول الشراكة الأمنية:

ثمة الكثير من الملفات التي يمكن للصين من خلالها المساهمة في أمن الخليج؛ ففيما يتعلق بإيران ورغم العلاقة الصينية مع الجمهورية الإيرانية، تتفق الصين مع دول مجلس التعاون بشأن الخطر النووي الإيراني، فهي تسلم بحق إيران في حيازة تكنولوجيا نووية سلمية، ومع أن تعريفها لكلمة "سلمية" متسع مقارنة بالتفسير الضيق للولايات المتحدة، لكنها ترفض حيازة إيران للسلاح النووي، وهو أمر تتوافق فيه مع دول مجلس التعاون، فضلا عن ذلك، فإن التقارب الأمريكي مع إيران سيعيد ترتيب علاقات إيران مع كل من الصين وروسيا، وهو أمر يجعل الظروف أكثر مناسبة لتطوير علاقات صينية خاصة مع دول التعاون الخليجي. وتستطيع دول الخليج من خلال جهدها الدبلوماسي وعلاقاتها الاقتصادية مع الصين تطوير موقف صيني ضد تدخلات إيران في الشؤون الداخلية لدول المجلس، وهو ما يتوافق مع الرؤية الصينية للعلاقات الدولية.

وفيما يتعلق بقضية الإرهاب، هناك قدر كبير من التقارب الصيني مع وجهة النظر الخليجية، حيث تواجه الصين أعمال عنف من قبل مجموعات وفصائل إسلامية في منطقة شينجيانج التي تقطنها أقلية مسلمة من الويغور، في أقصى غرب البلاد، وفي مايو 2014م، أعلنت الدولة القيام بعمليات لمكافحة الإرهاب لمدة عام في هذه المنطقة، بعد سلسلة هجمات دموية من قبل الانفصاليين الإسلاميين. وخلال عام 2015م، نشرت معلومات عن فرار العديد من الويغور من الصين وانضمامهم إلى معسكرات تدريب إرهابية خارجية، كما تزايدت العمليات الإرهابية التي شنها مواطنون من إقليم شينجيانج، وبالمقابل أوردت بعض التقارير معلومات تشير إلى نجاح عناصر من داعش في الدخول إلى الأراضي الصينية تمهيدًا لتنفيذ عمليات إرهابية، ولقد انتهى كل ذلك بإعلان الصين رسميًا في 20 نوفمبر 2015م، عن دخولها الحرب على "تنظيم الدولة". ويمكن لهذا الملف أن يشكل مجالًا مهما للتعاون الخليجي الصيني.

ويبقى ملف حقوق الإنسان والديمقراطية أحد الملفات التي تتقارب فيها مواقف دول الخليج مع الهموم الصينية، حيث دأبت المنظمات الحقوقية الأمريكية والدولية على توجيه انتقادات إلى الجانبين معًا، وتحمل التقارير الرسمية الصادرة عن وزارة الخارجية الأمريكية الكثير من هذه التهم، وهو جانب تستطيع فيه الصين ودول الخليج تنسيق الخطى والتحرك على نحو جماعي، من أجل طرح وجهة نظر حقوقية تمثل عالم الشرق، تنطلق من رؤية واقعية حول نتائج السياسات الأمريكية في العالم والنتائج الكارثية لانهيار الكيانات السياسية على حقوق الإنسان. وتستطيع دول مجلس التعاون والصين تطوير منطق حوار ووجهات نظر حقوقية مشتركة والترويج لها على المنابر الدولية، وهو ما يعد أحد أهم اللبنات في جدار الأمن الخليجي، ويقدم الصين كسند أساسي لدول الخليج بعدما تحولت الولايات المتحدة إلى عبء بضغطها المستمر في الملف الحقوقي.

ولا يستبعد التفكير الصيني بناء قواعد عسكرية في الخارج، وإن كان الهدف منها مختلف، وهو التخديم على طرق مرور التجارة والمصالح والاستثمارات، ففي ظل مهددات التجارة الدولية من قبل أعمال القرصنة وجماعات الجهاد وجيوش الإرهاب، فإن السعي الصيني لبناء قواعد عسكرية في الخارج سوف يكون في فترة ما ضروريًا ومرتبطًا بتأمين الخدمات في محطات النقل والعبور البحري والبري والجوي، ولعل ذلك يفسر تشييد الصين لقاعدة عسكرية في جيبوتي. وهو الأمر الذي يمكن أن تقدم عليه الصين في الخليج مع ازدياد مصالحها مع دوله، مما يشير إلى إمكان تطور عقيدة الدفاع الصينية لتقدم في وقت تال خدمات عسكرية أكثر شبهًا بالخدمات التي كان يوفرها الوجود الأمريكي.

مدارس وشراكات الأمن بين النخب الثقافية:

في سياق الحديث عن دور الصين في أمن الخليج، من المهم الدفع بمبادرات وأفكار جديدة، من ذلك تعزيز العلاقات وتوسيعها على الصعيد المجتمعي والنخبوي، وتأسيس منتديات حوار أمنية، والقيام بزيارات علمية متبادلة، فما ينقص العلاقات الخليجية الصينية اقتصارها على الجانب الرسمي وعدم ازدهار المنابر النخبوية بعد، على خلاف العلاقات الخليجية الأمريكية التي تعززت مجتمعيًا سواء من خلال الدارسين الخليجيين في الولايات المتحدة أو الأمريكيين العاملين بدول الخليج، وهؤلاء يشكلون جسور تواصل مهمة، وكما هناك لوبيات وبؤر تفكير ومراكز بحثية معنية، وندوات وورش عمل منتظمة بين الجانبين الخليجي والأمريكي، من المهم الاستثمار في علاقات مماثلة مع الصين، والتفكير في الاستثمار في كيانات داخل الصين تلعب دور اللوبي المؤثر في صناعة القرار نحو منطقة الخليج، فضلا عن ضرورة التأسيس لنخبة علمية متخصصة في الصين لغة وثقافة واقتصادًا وسياسة، وهذا متاح وممكن في ضوء الإقبال السياسي والبحثي الملموس للصين على المنطقة.   

ومن الأمور اللافتة، أنه على الرغم من الانتقادات العلنية اللاذعة التي توجهها الولايات المتحدة إلى دول الخليج، وعلى الرغم من تراجع الالتزام الأمريكي بأمن الخليج، لا زال أغلب النشاط البحثي الخليجي الخاص بأمن الخليج متأثرًا بالرؤية الأمريكية ومركزًا على مراكز صنع القرار في واشنطن، وهو أمر أصبح بعيدًا عن تطورات الواقع الراهن للولايات المتحدة مع المنطقة، حيث يتحول مجال العقل الاستراتيجي والبحثي الأمريكي نحو تحقيق كشوفات جديدة مع آسيا وأفريقيا تمهيدًا للرسو الأمني والسياسي الأمريكي الفعلي هناك، ويصعب أن تعود الولايات المتحدة مع الخليج كما كانت، سواء في ظل أي إدارة جمهورية أو ديمقراطية، بينما لازال العقل البحثي والسياسي في المنطقة متمسكًا بالمناظير وأنماط التفكير الأمريكية لأمن الخليج.

لذلك لابد من التنبيه إلى ضرورة الاستدارة الفكرية والعلمية والبحثية الخليجية شرقًا أيضًا، وذلك يتطلب الاستثمار في نخبة تهتم بدراسات الصين من كل النواحي، فنسج خيوط الثقافة والفكر هو أهم ما يدعو إلى نسج مصالح السياسة ورسم خطوط الاستراتيجيا والأمن، وتلعب الكتائب البحثية والفكرية أدوارًا استطلاعية تفوق بمراحل أدوار الكتائب العسكرية، وصحيح أن لدول الخليج أفكارها وشراكاتها الأمنية التي أثبتت قدرة متميزة على بنائها بسرعة تعويضًا عن التراجع الأمريكي، مثل التحالف العسكري الإسلامي، مع ذلك فإن وقوف الصين إلى جانب هذا التحالف سيكون مكسبًا كبيرًا للأمن الخليجي.

ويبقى أن توازنات المصالح الصينية مع كل من إيران ودول الخليج، فضلا عن النظام الدولي المغاير تمامًا لفترة الحرب الباردة، يفرضان أن يكون المدخل الأمني للصين مع الخليج مدخلًا بنائيًا وليس صراعيًا، حيث لم يعد الوضع الدولي مدفوعًا بالصراع على مناطق النفوذ، وإنما بدوافع حماية المصالح، والتي لم تعد متعارضة بين القوى الكبرى بالضرورة. وذلك ما سيجعل المدخل الصيني يختلف عن المدخل الأمريكي. ومن المؤكد أنه حين تترجم مضامين الثقافة الصينية والعقل السياسي الصيني في قضايا الأمن الخليجي فإنهما سوف يفرزان نتائج مختلفة عن ما أفرزته التجربة الأمريكية.

وهناك مجالات كثيرة للشراكة الأمنية الصينية من هذه النوعية مع دول الخليج؛ لعل أهمها تعزيز قدرات الحرب المشتركة على الإرهاب والقرصنة، وتبادل أنماط المعارف وقواعد السلوك بين الأكاديميات الأمنية والشرطية، وتعزيز الأمن الجيو – اقتصادي عبر ابتكار أدوات وآليات جديدة لتأمين ممرات النفط والممرات البحرية وممرات طريق الحرير الجديد من خلال هياكل أمنية وعسكرية مشتركة ومتعددة المستويات، وترسيخ أصول الأمن الإنساني عبر منظومة مفاهيمية جديدة لحقوق الإنسان تعبر عن القيم الشرقية، وتروج لها مدارس ومعاهد الأمن في المنظومتين الصينية والخليجية، وتستهدف تعزيز الدولة الوطنية، بخلاف تلك الغربية التي تهدد الوحدة السياسية للدول والكيان الآمن للمجتمعات، فضلا عن تأسيس صيغ ومنتديات للحوار بشأن الأمن الإقليمي مع الصين. 

مجلة آراء حول الخليج