array(1) { [0]=> object(stdClass)#13490 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 86

جودة التعليم ودروب التنافسية

الثلاثاء، 01 تشرين2/نوفمبر 2011

إن التأكيد على أن التعليم هو طريق الأمم للرقي والتقدم والانتقال بها من حال إلى حال أصبح مكرراً ولم يعد يجهله أحد سواء أولئك العاملين في الحقل التربوي أو صانعي السياسات التعليمية أو حتى أولئك المعنيين بالسياسات العامة لأي بلد وخاصة السياسات الاقتصادية، حيث إن الاعتماد على التعليم يأتي بناءً على قناعات أثبتتها التجربة وأيدها الواقع بأنه الطريق الأمثل والأقصر وهو كذلك الأكثر ثباتاً ونجاحاً لأي مشروع تنموي حقيقي لأية أمة.

بيد أن التعليم ليكتسب هذا التأثير ويتقلد هذا الدور المحوري يجب أن يكون تعليماً ذا جودة، يحقق الأهداف ويلبي الطموحات وتكون مخرجاته ذات جودة عالية تستطيع أن تنافس في سوق العمل العالمي، ويتمتع خريجوه بالحد الأدنى من الكفايات والمهارات والمعارف وليس تعليماً يؤدي دوره التقليدي في محو الأمية ويخرّج موظفين يحتاجون إلى سنوات بطول سنوات دراستهم من التأهيل والتدريب حتى يستطيعوا مواكبة استحقاقات العمل ومتطلباته.

التنافسية وجودة التعليم لا يقصد بهما التعليم العالي فقط ولكن التعليم بشكل عام

لم يظهر مفهوم التنافسية في التعليم إلا حديثاً ولم تكن الجامعات ونظم التعليم هي أول من نادى به وأول من تبناه، لكنه مفهوم كغيره من المفاهيم التي دخلت مجال التعليم من بوابات كثيرة عادة ما تكون من البوابة الاقتصادية، والتي اهتمت بجودة المنتج وركزت على تحقيق الأفضل حتى يكون للمنتج سوق وزبائن تثق به وتشتريه دون غيره من السلع المنافسة. ورغم أن إسقاط المفاهيم الاقتصادية البحتة على النظم التعليمية يشوبه كثير من عدم الضبط كون المنتج والعمليات مختلفة كلياً في الحالتين إلا أن الاستفادة من هذه المفاهيم الاقتصادية واردة في تطوير النظم التعليمية رغم تعقيد النظام التعليمي كونه يتعاطى مع طلاب ومعلمين وأولياء أمور وليس مع سيارات أو برامج كمبيوتر. ويقدم الدكتور محمد نصحي إبراهيم(1) تعريفاً لمفهوم التنافسية في التعليم العالي، حيث يعتقد أنه (قدرة الجامعة على تقديم خدمة تعليمية وبحثية عالية الجودة مما ينعكس إيجابياً على مستوى خريجيها وأعضاء هيئة التدريس فيها، الأمر الذي يكسبهم قدرات ومزايا تنافسية في سوق العمل بمستوياته المختلفة، وفي الوقت نفسه يعكس ثقة المجتمع فيها ومن ثم التعاون معها، وزيادة إقبال الطلاب على الالتحاق بها، وهكذا تتحقق الغاية المنشودة بحيث تصبح الجامعة في خدمة المجتمع، والمجتمع في خدمة الجامعة، ويمكن تعريف التنافسية في التعليم الجامعي أيضاً بأنها تسابق الجامعات من أجل تحقيق الأفضل في وظائفها الثلاث (التعليم- البحث- خدمة المجتمع) والوصول إلى المستويات العالمية. وفي حقيقة الأمر فإن المتأمل في ما يقدمه التعليم العالي في الوطن العربي بشكل عام لا يكاد يقترب كثيراً من التنافسية العالمية في المجالات الثلاثة وهي التعليم، البحث العلمي، وخدمة المجتمع، حيث تعاني أساليب التدريس في كثير من الجامعات العربية من التقليدية والتلقين وعدم مشاركة الطالب بالرأي والتفكير ويعتمد تقويمها في غالب الأحيان على الامتحانات التقليدية، حيث يسترجع الممتحن ما حفظه لورقة الامتحان من دون فهم صحيح في غالب الأحيان للمفاهيم والأفكار التي ينبغي أن يقيسها ذلك الامتحان.

وهو التعليم الذي أطلق عليه التربوي البرازيلي باولو فيريري التعليم البنكي، حيث يجمع المتعلم كماً من المعلومات حتى يتم إفراغها في ورقة الامتحان ويبقى ذهنه بعد ذلك خاليا ً من كل هذه المعلومات حيث إنه نظام التعليم والتقويم في العالم الثالث بحسب رأيه يقوم على هذا الأساس وهو شحن الطالب بكميات من المعلومات بغرض إفراغها في ورقة الامتحان في نهاية العام الدراسي وبعدها يصبح ذهنه خالياً للعام المقبل حتى يستقبل معلومات جديدة ليتم إفراغها في ورقة الامتحان وهكذا حتى لربما تصادف من حصل على درجات كاملة في مادة ما، لكنه بعد الامتحان لا يكاد يذكر أبسط مفاهيمها.

غير أن التنافسية وجودة التعليم لا يقصد بهما التعليم العالي فقط، لكن يقصد بهما التعليم بشكل عام سواء كان التعليم العالي أو التعليم العام والأخير تصبح التحديات فيه أكبر وأعظم. لكن الارتباط بين التعليم العام والتعليم الجامعي ارتباط عضوي لا يمكن تجاهله ويأتي ثالثهما سوق العمل. ويبدو من نافلة القول إن مدخلات التعليم العالي هي مخرجات التعليم العام وكذلك مدخلات التعليم العام هي مخرجات التعليم العالي، وكلا الطرفين يرمي بالكرة في مضمار الجودة والتنافسية في ملعب الآخر ليخلي مسؤوليته من الإخفاق في الولوج إلى عالمها وليبرر عدم جودة التعليم من جانبه. فعلى سبيل المثال تشتكي الجامعات من ضعف خريجي التعليم العام في رفد الجامعات بالطلبة الذين لديهم الحد الأدني من المعارف والمهارا ت والكفايات التي تعينهم على مواصلة الدراسة الجامعية من دون عقبات ومطبات تفضي إلى عدم مواصلة الطالب لدراسته الجامعية. وعلى ضوء ذلك لجأت كثير من الجامعات الخليجية إلى إلزام الطالب بسنة تأسيسية قبل دخوله الجامعة حتى تتأكد أنه اكتسب من المهارات والمعارف والكفايات ما يؤهله للدراسة الجامعية، وفي هذا إقرار واضح بأن هناك فجوة كبيرة بين التعليم العام والتعليم العالي، حيث يرى التعليم العالي أنه لن يقبل سوى طلبة دارسين بمستوى أدنى من التنافسية يتمتعون بتعليم أكسبهم على الأقل الحد الأدنى من المهارات والمعارف المطلوبة للقبول والنجاح في التعليم العالي.

ثم يأتي دور سوق العمل الذي يرى في خريجي الجامعات عدم التنافسية ولذلك تقل فرص خريجي الجامعات في العمل في القطاع الخاص كونه يتطلب مهارات ومعارف وكفايات غير متوفرة لدى الخريج، وبالتالي تتكبد الحكومات إيجاد وظائف في القطاع العام لهؤلاء الخريجين وإعادة تأهيلهم وتدريبهم لاستيفاء شروط ومتطلبات الوظيفة الحكومية التي بدورها تتطلب قدراً أدنى من المعرفة والمهارة. وفي المقابل يقف التعليم العام موقفاً أكثر خطورة في موضوع الجودة والتنافسية، حيث إنه الرافد الأساسي لكل من الجامعات وكذلك سوق العمل وموضوع الجودة والتنافسية فيه أكثر تعقيداً وأكبر تحدياً؛ حيث إن هناك عوامل كثيرة تتداخل ولا يمكن ضمان الجودة في أحدها دون آخر. على سبيل المثال لا يمكن أن يكون هناك نظام تعليمي متطور من دون أن يكون هناك معلم متميز لديه مهارات ومعارف تساعده على التعامل مع الطالب من حيث توصيل المعلومة والتشجيع على التفكير والتفاعل الصفي، وكذلك لديه القدرة على فهم المنهاج والتعامل والتعاطي معه، لا بل إثراء المنهاج بمعارف وأفكار جديدة.

لا يمكن أن يحقق أي نظام تعليمي أي مستوى من الجودة والتنافسية ما لم يكن المعلم في أول سلم اهتماماته 

فإذا كانت النظريات التربوية الحديثة كلها تنادي بأن يكون الطالب هو محور العملية التعليمية فإنني أرى أن المعلم هو جوهر أي نظام تعليمي متميز ولا يمكن أن يحقق أي نظام تعليمي أي مستوى من الجودة والتنافسية ما لم يكن المعلم في أول سلم اهتماماته ولديه قناعة بأنه الوسيلة الوحيدة لإنجاح أي نظام تعليمي. ورغم وجود هذه القناعات إلا أن المعلمين بشكل عام يتخرجون من الجامعات في الوطن العربي ولديهم ضعف واضح في المادة العلمية وكذلك المعارف والمهارات التعليمية، ناهيك عن الاتجاهات السلبية بشأن المهنة نفسها المتراكمة عبر السنين.

ولما للمعلم من دور جوهري للارتقاء بالنظام التعليمي لمستويات الجودة والتنافسية فيجب ألا تترك هذه المهنة لمن لا مهنة له أو لأولئك المتعثرين دراسياً ولم يجدوا من يقبلهم سوى كليات التربية ومعاهد إعداد المعلمين. إن إعداد أي إنسان للعمل بمهنة عظيمة مثل التدريس يجب أن يكون وفق أعلى مستويات ضمان الجودة حتى نضمن بعد ذلك أن من يتخرج على يديه يكون قد تلقى تعليماً ذا جودة عالية. ولذلك فإن عملية اختيار وقبول وإعداد المعلم ومن ثم تدريبه ومتابعة نموه المهني يجب أن يكون بطريقة مختلفة عن تلك المعمول بها في بلادنا العربية، فلو عقدنا مقارنة بسيطة بين إعداد المعلم في النظم التعليمية المتميزة وبين إعداد المعلم عندنا لتبين لنا سبب جودة التعليم في تلك البلدان.

ففي بلادنا من لا يحصل على معدل يؤهله للقبول في كليات مثل الهندسة والطب والعلوم فإنه يتجه إلى كلية التربية أو معاهد إعداد المعلمين، في حين أن في تلك الدول لا يقبل في كليات التربية إلا من هم الأفضل بين الطلبة وتعقد لهم مقابلات قبل قبولهم للتأكد من أن لديهم الكفايات والرغبة في العمل في مهنة التدريس، ورغم ذلك فإن في تلك الدول لا يقبل في مهنة التدريس إلا أولئك المتميزون من خريجي كليات التربية وإعداد المعلمين وبذلك اكتسبت هذه المهنة صبغة التنافسية، وبالتالي انعكست هذه الجودة على بقية أركان وأطراف العملية التعليمية، فالمعلم المتميز لن يقبل بمنهج لا يلبي الطموحات وكذلك لن يقبل ببيئة تعليمية غير جادة، ولن يقبل بوسائل وأساليب تقويم تقليدية تخدع بنتائجها الطالب والمعلم والمجتمع.

إن للتنافسية دروباً يجب أن تمشى، ولا يمكنك الادعاء بأن لديك نظاماً تعليمياً متميزاً وأنت لم تتقدم خطوة لتعرف موقعك مقارنة بغيرك من النظم التعليمية في العالم. إن الاختبارات الدولية المختلفة تساعد على إعطاء مؤشرات عن مدى جودة نظامك التعليمي وعن جودة مخرجاته، وهي بذلك تساعدك على التعرف إلى مواضع الضعف وكذلك مواضع القوة لتعمل على تقوية الأولى وتعزيز الثانية. ورغم أن المشاركات العربية في هذه الاختبارات الدولية خجولة وقليلة إلا أن نتائج تلك المشاركات على قلتها تبين أننا أقل من المتوسط العالمي في هذه الاختبارات، وأن دولاً كثيرة نظن أننا أفضل منها على الأقل من ناحية التعليم قد فاقتنا بمراحل في درجاتها في هذه الاختبارات مما يدلل على وجود قصور كبير في نظامنا التعليمي. بيد أن الفاجعة تكمن ليس فقط في كوننا أقل من المتوسط العالمي في هذه الاختبارات التي تقيس المعارف والمهارات في العلوم والرياضيات والقراءة وغيرها، بل إن لدينا تراجعاً كبيراً أيضاً في المستوى القيمي حيث أشارت الدراسات إلى أن قيماً مثل حب العمل واحترام الوقت وغيرها من القيم التي نظن أنها من مكوناتنا الثقافية قد تراجعت لدى الشباب بشكل كبير، فأصبحت المصيبة ليست في التنافسية من حيث المعارف والمهارات فقط ولكن أيضاً من حيث القيم والاتجاهات.

إن المشاركة في الاختبارات الدولية تعد محكاً حقيقيا ً ومؤشراً مهماً يمكن استخدامه في تجويد النظام التعليمي والتعرف إلى واقعنا وتحديد أين نقف بطريقة دقيقة، ويجب ألا تخيفنا النتائج بدرجة تجعلنا نخفيها ونعتبرها سراً من الأسرار - كما تفعل النعامة برأسها- لكن يجب أن ننظر إليها في كونها أداة تشخيص ومؤشراً يساعدنا على التقدم للأمام بطريقة صحيحة، ونتلمس من خلاله مواضع أقدامنا حتى تكون الانطلاقة واثقة وسليمة وخطواتنا متزنة في دروب التنافسية.

1- بحث (المشروعات التنافسية في الجامعات المصرية بين الواقع والمأمول مع التطبيق على كليات التربية) المقدم إلى المؤتمر الدولي الثاني لتطوير التعليم العالي – اتجاهات معاصرة في تطوير الأداء الجامعي والمنعقد خلال الفترة (1 - 2نوفمبر) 2009 بجامعة المنصورة. د. محمد نصحي إبراهيم

مقالات لنفس الكاتب