حضور الاستثمارات الخليجية في المغرب العربي، تجربة رائدة وبحاجة إلى تحليل واقعها بصفة موضوعية حتى يتسنى تطويرها وتقديمها كأنموذج جيد للعمل الاقتصادي العربي المشترك، الذي هو صمام الأمان للمنطقة العربية كبديل اقتصادي حضاري يمكن أن يؤسس دعائم مستقبل عربي في عصر ما بعد التكتلات الاقتصادية العملاقة والإنتاج المعولم.
وبشكل عام، تزايدت الاستثمارات الخليجية في دول المغرب العربي من حوالي 36 مليون دولار في عام 1990م، (8% من الاستثمارات الأجنبية المباشرة) إلى حوالي 2.986 مليون دولار في عام 2012م (حوالي 40% من مجموع الاستثمارات الأجنبية المباشرة) أي تضاعفت أكثر من 82 مرة تقريبًا، ما يشير إلى زيادة حجم الاستثمارات المصنفة ضمن الاستثمارات البينية العربية – العربية.
وتُعد المملكة المغربية إحدى وأبرز واجهة للاستثمارات الخليجية في دول المغرب العربي، حيث شهدت العلاقات الاقتصادية الخليجية – المغربية نقلة نوعية خلال السنوات العشر الماضية، وتوقع اتحاد غرف دول مجلس التعاون الخليجي بناءً على دراسة في نوفمبر 2014م، أن تنمو الاستثمارات الخليجية في المغرب من 5 مليارات دولار حاليًا إلى 120 مليار دولار خلال السنوات العشر المقبلة، واستند اتحاد الغرف في توقعاته إلى أن المغرب يشكل وجهة استثمارية جاذبة للمستثمرين خاصة في قطاع العقار والسياحة، مستفيدًا من الإصلاحات الاقتصادية التي اتخذها المغرب لدعم الاستثمار في قطاعات الزراعة، والسياحة، والعقار، والبناء والتشييد، و تلعب صناديق الثروة السيادية في المغرب دورًا بالغ الأهمية.([1])
الاستثمارات الخليجية في دول المغرب العربي
لعب القطاع الخاص فيه دورًا كبيرًا في زيادة الاستثمارات الخليجية في دول المغرب العربي وجاءت الإمارات الأكثر استثمارًا في هذه الدول تليها السعودية، وقد أخذت حركة اتجاه استثمار الأموال الخليجية إلى المغرب العربي تنشط في السنوات الثلاث الأخيرة مدفوعة بالفرص المتاحة والعائد الأعلى ومناخ الاستثمار الجيد ، حيث أصبحت قيمة الاستثمار تحتل أهمية خاصة في تحليل الاقتصاد المغربي، وإذا كانت التقديرات تشير إلى أن دول الخليج في سبيلها إلى استثمار نحو 500 مليار دولار، فإن المغرب تسعى إلى جذب نحو 20 مليار دولار من هذه القيمة.([2])
في أغسطس 2006م، وبحضور الملك "محمد السادس" تم توقيع اتفاقيتين رسميتين بين "بيت التمويل الخليجي"، البنك الاستثماري الإسلامي، والحكومة المغربية لتطوير مشروع "بوابة المغرب" بقيمة إجمالية 1,4 مليار دولار، وبسبب اتساع فرص الاستثمار العقاري في المغرب، فقد تم الإعلان في ديسمبر 2006م، تأسيس صندوق خاص للاستثمار في السكن الاقتصادي الموجه لذوي الدخل المحدود باسم "ريال ماروك" بكلفة 50 مليون يورو، تشارك فيه عدة مؤسسات خليجية، بمشاركة مستثمرين من السعودية والبحرين والإمارات والكويت بنسبة مساهمة لكل شريك من 5 إلى 10%، وفي يوليو 2007م، شهد توقيع مذكرة تفاهم بين بنك "فينشر كابيتال" و"الشركة الكويتية للعقارات التجارية" بإنشاء تحالف خليجي - مغربي يشارك في مختلف مجالات الاستثمار في المملكة المغربية، ويقوم الطرف المغربي بوضع أسس التعاون والمشاركة في الاستثمار في المشروعات المشتركة.
يعد مشروع "فيلا رويال" بمدينة "طنجة" المغربية الذي تبلغ قيمته مليار يورو، من أبرز الاستثمارات الخليجية في المغرب، كما دخل كل من "إعمار" و"دبي العالمية للأملاك" في استثمارات بقيمة 19 مليار دولار، وأيضًا يقوم "بيت التمويل الخليجي" بالبحرين بتطوير بوابة المغرب السياحية بقيمة 1,4 مليار دولار، ويشارك "ريال كابيتا" البحريني في مشروع مع "جيب" للأصول المغربية يستثمر 400 مليون دولار في الإسكان الاجتماعي،
وإذا انتقلنا إلى تونس، نجد أنها أطلقت مشروع "بوابة المتوسط" في 11 سبتمبر 2008م، على مساحة ألف هكتار على الضفاف الجنوبية لبحيرة تونس بكلفة 25 مليار دولار، بما يجعله يشكل أضخم استثمار عقاري، ويضم هذا المشروع أكبر برج في أفريقيا، وتنفذه شركة "سما دبي" ويوفر 350 ألف فرصة عمل، ويضيف 0,6% إلى معدل النمو السنوي للناتج المحلي الإجمالي، كما وقعت تونس والسعودية في 14 يناير 2009م، اتفاقية لتطوير التعاون في الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وأيضًا يعتبر السعوديون من أهم المستثمرين العرب في تونس، حيث يوظفون أكثر من 300 مليون دولار، كما يبلغ عدد المشروعات السعودية هناك 21 مشروعًا، كما تمتلك قطر استثمارات بقيمة 38 مليون يورو في منتجع صحرازي" السياحي بمحافظة توزر، وفي المغرب تستثمر قطر في شركة حكومية للتطوير العقاري بالإضافة إلى منتجع “الهوارة” بمدينة طنجة.([3])
في الجزائر نفذت شركة "الفيصل القطرية" بناء مراكز شاهقة لمجموعة فنادق "سوفيتيل" و400 شقة في بلدية "شراركة"، وبدأت شركة "الفيصل" أعمالها في الجزائر منذ عام 1995م، حيث قامت باستثمار نحو 60 مليون دولار أكثرها في السنوات الثلاث الأخيرة، وأيضًا تقوم مجموعة "البركة" و"مصرف السلام البحريني" بإنشاء مصرف إسلامي برأس مال مدفوع 100 مليون دولار، وتقوم شركة "أبوظبي لتغطية المبادلات" ببناء وملكية وتشغيل مشروع "BOO" مع شركة كندية لإنشاء محطة طاقة غربي الجزائر، إضافة إلى قيام الشركة السعودية "AMIANTIT" لصناعة الأنابيب بمشروعات صناعية مشتركة هناك،أما في موريتانيا فقد أنجزت شركة "مجموعة الإمارات الاستثمارية" مذكرة تفاهم مع موريتانيا لإعداد مخطط شامل لمدينة "نواكشوط" حتى 2020م.
وبناءً على ذلك، نجد أن إجمالي الاستثمارات الخليجية المنفذة في دول المغرب العربي من حيث (عدد المشروعات) خلال الفترة ما بين عام 2003 وأبريل 2015م، قد بلغت حوالي 123 مشروعًا حيث تأتي الإمارات في المرتبة الأولى من حيث عدد المشروعات المنفذة خلال الفترة ما بين عام 2003 وأبريل 2015م، والتي بلغت 77 مشروعًا، ثم تأتي السعودية في المرتبة الثانية بإجمالي 25 مشروعًا، وتليها في المرتبة الثالثة قطر بإجمالي 11 مشروعًا، ثم الكويت في المرتبة الرابعة بعدد 6 مشروعات، وتليها في المرتبة الخامسة البحرين بعدد 3 مشروعات، وأخيرًا في المرتبة السادسة سلطنة عُمان بعدد مشروع واحدً.
إجمالي الاستثمارات الخليجية المنفذة في دول المغرب العربي
(عدد المشروعات) خلال الفترة ما بين عام 2003 وأبريل 2015
(مليون دولار)
الوجهة المصدر |
المغرب |
الجزائر |
تونس |
موريتانيا |
الإجمالي |
الإمارات |
34 |
26 |
16 |
1 |
77 |
السعودية |
9 |
13 |
3 |
-- |
25 |
قطر |
5 |
2 |
3 |
1 |
11 |
الكويت |
3 |
-- |
3 |
-- |
6 |
البحرين |
1 |
-- |
2 |
-- |
3 |
سلطنة عُمان |
-- |
1 |
-- |
-- |
1 |
الإجمالي |
52 |
42 |
27 |
2 |
123 |
FDI Intelligence from the Financial Times
ويوضح الجدول المرفق أن إجمالي عدد المشروعات الخليجية المنفذة في دول المغرب العربي 123 مشروعًا استثماريًا، تأتي المغرب في المرتبة الأولى من حيث عدد المشروعات الاستثمارية الخليجية المنفذة والتي استقطبتها من إجمالي دول المغرب العربي الذي وصل إلى 52 مشروعًا استثماريًا، تليها الجزائر في المرتبة الثانية بإجمالي 42 مشروعًا استثماريًا، ثم تونس في المرتبة الثالثة بإجمالي 27 مشروعًا استثماريًا، وأخيرًا موريتانيا في المرتبة الرابعة بإجمالي مشروعين استثماريين.
هذا في حين نجد أن إجمالي الاستثمارات الخليجية المنفذة في دول المغرب العربي من حيث (التكلفة الإجمالية للمشروعات)، قد بلغت قيمتها حوالي 53.079 مليار دولار خلال الفترة ما بين عام 2003 وأبريل 2015م، وتأتي الإمارات في المرتبة الأولى خليجيًا من حيث الاستثمارات الخليجية المنفذة في دول المغرب العربي بقيمة إجمالية بلغت نحو 41.755 مليار دولار، تليها في المرتبة الثانية البحرين بحصة بلغت قيمتها 6.197 مليار دولار، ثم قطر في المرتبة الثالثة بحصة بلغت قيمتها 2.511 مليار دولار، وتليها السعودية في المرتبة الرابعة بحصة بلغت قيمتها حوالي 1.428 مليار دولار، وتأتي الكويت في المرتبة الخامسة بحصة بلغت قيمتها الإجمالية 1.186 مليار دولار، وأخيرًا تأتي في المرتبة السادسة سلطنة عُمان بحصة بلغت قيمتها الإجمالية حوالي 2 مليون دولار.
إجمالي الاستثمارات الخليجية المنفذة في دول المغرب العربي
(التكلفة الإجمالية للمشروعات) خلال الفترة ما بين عام 2003 وأبريل 2015
(مليون دولار)
الوجهة المصدر |
تونس |
الجزائر |
المغرب |
موريتانيا |
الإجمالي |
الإمارات |
14.839 |
15.280 |
11.621 |
15 |
41.755 |
البحرين |
6.000 |
-- |
197 |
-- |
6.197 |
قطر |
245 |
2.150 |
105 |
11 |
2.511 |
السعودية |
61 |
933 |
434 |
-- |
1.428 |
الكويت |
271 |
-- |
887 |
28 |
1.186 |
سلطنة عُمان |
-- |
2 |
-- |
-- |
2 |
الإجمالي |
21.416 |
18.365 |
13.244 |
54 |
53.079 |
FDI Intelligence from the Financial Times
ويوضح الجدول السابق الثاني أن تونس تأتي في المرتبة الأولى من حيث الوجهة المفضلة للاستثمارات الخليجية المنفذة في دول المغرب العربي بحصة بلغت قيمتها حوالي 21.416 مليار دولار من إجمالي الاستثمارات الخليجية في دول المغرب العربي البالغ قيمتها نحو 53.079 مليار دولار، تليها الجزائر في المرتبة الثانية بحصة بلغت قيمتها حوالي 18.365 مليار دولار، ثم المغرب في المرتبة الثالثة بحصة بلغت قيمتها حوالي 13.244 مليار دولار، وأخيرًا موريتانيا في المرتبة الرابعة بحصة بلغت قيمتها حوالي 54 مليون دولار.
واقع الاستثمارات الخليجية في المغرب
تذهب الاستثمارات الخليجية لمواطن القوة في الاقتصاد المغربي وتحديدًا تلك المتعلقة بقطاعات السياحة من قبيل إنشاء وتطوير منتجعات سياحية وفنادق وشقق سكنية، وفي المقابل لا يمكن الحديث عن وجود استثمارات خليجية ضخمة في قطاع الزراعة في المغرب على الرغم من وجود الحاجة لسد الفجوة الغذائية، فحسب دراسة لوحدة الأبحاث في مؤسسة الإيكونومست البريطانية، قُدِّرت فاتورة الاستيراد الغذائي لدول الخليج الست بنحو 27 مليار دولار عام 2011م، كما نجد أن الاستثمارات الخليجية برغم حجمها تظل مترددة في الاستثمار في القطاع الصناعي بنفس وتيرة الاستثمار في قطاعات العقار والسياحة والطاقة. إذ لم يشهد المغرب مشاريع استثمارية ضخمة للرأسمال الخليجي في مجال الصناعة،
توجد مجموعة من العوامل التي تحد من تطور الاستثمارات الخليجية في المغرب، على رأسها العامل الجغرافي، ثم هناك عامل اللغة إذ أن اللغة الأجنبية الأولى المعتمدة في المغرب هي الفرنسية، في حين تعتمد الدولة الخليجية على اللغة الإنجليزية كلغة أجنبية أولى ([4])
ويشير تقرير لوزارة المالية المغربية إلى أن 89.7% من الاستثمارات الخليجية في المغرب، في قطاع العقار، مصدرها السعودية، بينما الإمارات لديها 41% من الاستثمارات في الطاقة والمعادن، كما تستحوذ شركة اتصالات إماراتية على 53% من رأسمال شركة اتصالات المغرب، في حين أن صندوق الاستثمار الكويتي "أجيال" يستثمر في مجال العقار والسياحة والبنوك، أما شركة "طاقة" التابعة لحكومة أبو ظبي فهي ضالعة في إنتاج الكهرباء، في حين السعودية من خلال شركة "أكوا" تستثمر في مشاريع الطاقة الشمسية في المغرب.
تاريخيًا حظيت الاستثمارات الكويتية بتشجيع مغربي للتوافق السياسي بين البلدين، حيث انطلقت الاستثمارات الكويتية في المغرب تأسيس أول مجموعة مغربية – كويتية عام 1976م، والتي قامت منذ ذلك التاريخ بإنجاز عدة مشاريع في مجالات مختلفة، سياحية وعقارية ومالية وقفزت الاستثمارات الكويتية بالمغرب مع الزيارة التي قام بها أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح للمغرب، عام 2010م، حيث تم التوقيع خلال الزيارة على عدد من اتفاقيات التعاون بين البلدين غطت قطاعات الزراعة والثروة السمكية والملاحة البحرية والتجارية والإسكان والتعمير والبنية التحتية والاستثمار والاتفاق على قرض لمشروع خاص بالطريق السريع "فاس وجدة"، يوافق بموجبها الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية على أن يقدم للشركة الوطنية للطرق، قرضًا يوازي 15 مليون دينار كويتي.([5])
وتم التوقيع أيضًا على مذكرة تفاهم لتأسيس شركة "الأجيال المغربية – الكويتية"، والتي عهد إليها تطوير المجمعات السكنية وعمل البنية التحتية للمشاريع العقارية في مختلف المدن المغربية، ومنذ ذلك الحين والعلاقات الاقتصادية بين الرباط والكويت تتطور بفضل مساهمة الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية في مشاريع ذات صبغة تنموية طالت المجال الزراعي والطرق السيارة وبناء السدود والبنيات التحتية، حيث بلغ مجموع هذه المشاريع حتى عام 2006م، أكثر من 31 مشروعًا بقيمة تجاوزت مليار دولار.
وكانت أظهرت دراسة لوزارة التجارة الخارجية بالإمارات عام 2011م، أن الإمارات صاحبة أكبر استثمارات بالمغرب على المستوى العربي، والثالثة عالمياً، خلال الفترة بين عامي 2000 – 2009م، وحلت بعد كل من فرنسا وإسبانيا، بنسبة مساهمة 5,6% من إجمالي الاستثمارات الأجنبية في المغرب خلال تلك الفترة، فيما بلغ عدد الشركات الإماراتية المستثمرة في المغرب أكثر من 40 شركة، وهي من أهم الشركات الإماراتية البالغ عددها 110 شركات إماراتية حسب إصدار وزارة التجارة الخارجية الأول 2011 (The Highflyers).([6])
وتشير احصاءات بعام 2013م، أن الاستثمارات الخليجية تتركز في ثلاثة قطاعات أساسية بالمغرب، هي قطاع العقار، بحجم استثمار مباشر بلغ 41.3%، وقطاع الطاقة والمعادن بنسبة 22.5%، ثم قطاع السياحة بـ 15.2%، وتحتل السعودية المرتبة الأولى في لائحة المستثمرين الخليجيين في قطاع العقار بنسبة تصل إلى 89.7%، في حين حققت الإمارات ما نسبته 41.1% من حجم الاستثمارات الخليجية في قطاع الطاقة والمعادن.
وفي عام 2014م، أحتلت استثمارات الإماراتية المرتبة الأولى من حيث إجمالي الاستثمارات العربية في المغرب، وتستثمر أكثر من 20 شركة ومؤسسة إماراتية في المغرب في قطاعات المقاولات والعقارات، والسياحة، والتصنيع، وتوليد الطاقة، والنقل الجوي للركاب والبضائع، وصيد الأسماك، والنفط والغاز الطبيعي، وصناعة الأدوية، والمستحضرات الطبية، وتشمل قائمة أهم الشركات الإماراتية المستثمرة في المغرب كلاً من شركة مبادلة، وشركة دانة غاز، وشركة إعمار العقارية، وشركة آبار، وشركة أبوظبي للاستثمار، ودبي العالمية، وشركة القدرة القابضة، وشركة الإمارات الوطنية للبترول، وشركة بيت أبوظبي للاستثمار، وشركة الاستثمارات البترولية الدولية.([7])
كما تشترك شركة أبو ظبي الوطنية للطاقة "طاقة" ومؤسسة "اينل جرين باور" الإيطالية، في تنفيذ مشروع استثماري لإقامة مزرعة لتوليد الطاقة من الرياح في المغرب، حيث تتضمن المرحلة الأولى من المشروع توليد 150 ميغاوات، في حين تتضمن المرحلة الثانية توليد 850 ميغاوات في المحطة العملاقة التي من شأنها تعويض النقص في الطاقة بالمملكة المغربية وتوفير فرص عمل جديدة للمغاربة ودعم النمو الاقتصادي والطلب على الطاقة ([8])
الاستثمارات السعودية الأكبر خليجيًا بين عامي 2016 – 2017
تشير دراسة أعدها مكتب الاستشارات المالية والاقتصادية "Mergermarket LTD" بلندن، حيث استندت الدراسة على توقعات صندوق النقد الدولي، إلى أن الاستثمارات المالية السعودية في المغرب ستعرف ارتفاعًا مهمًا خلال المرحلة القادمة، وستكون عبارة عن استثمار رؤوس أموال في شركات مغربية غير مدرجة في البورصة، وتقوم هذه النوعية من الاستثمار على توظيف صناديق مالية سعودية لرؤوس أموالها في الشركات المحتاجة لتمويل أو تعاني من نقص في السيولة عبر شراء حصة من أسهمها، بالإضافة إلى أن هناك العديد من الاستثمارات المالية ستقوم بها صناديق مالية سعودية بالمغرب "وهي الآن قيد الدراسة أو يتم التحضير لها"، حيث نجح المغرب في أن يستقطب أكثر من 15% من الاستثمارات التي وجهتها دول الخليج نحو الخارج، الأمر الذي جعل المغرب يراهن على أن تصل حجم الاستثمارات الخليجية إلى 1042 مليار درهم بحلول 2024.([9])
ومما يعزز من توقعات الاستشارات المالية والاقتصادية هو إعلان محمد بن بدر الدوسري، عضو مجلس الأعمال السعودي – المغربي والرئيس التنفيذي لشركة المشرق للتطوير، عن رغبة السعودية في وصول استثماراتها بالمغرب إلى 38 مليار درهم في نهاية عام 2016م، حيث تقدم المغرب تسهيلات كافية للمستثمرين السعوديين والخليجيين التي ترتبط معهم باتفاق للشراكة الاستراتيجية منذ عام 2012م، والتنسيق بين الحكومتــين من خلال المجلس الأعــلى ومجلس الأعمال المشترك، كما يعتبر المغرب أكثر الدول العربية استقراراً ويتمتع باقتصاد متطور ومنفتح على العالم، خصوصًا في اتجاه الأسواق الأوروبية والأميركية والأفريقية.
كما تعمل الرياض والرباط على إنشاء خط بحري لشحن السلع يربط بين موانئ جدة وطنجة والدار البيضاء لتقليص كلفة النقل ولتقريب المسافة إلى أسبوع واحد لنقل السلع في الاتجاهين بدلاً من ثلاثة أسابيع حاليًا، وزيادة قيمة المبادلات التجارية، التي يطغى عليها النفط وبعض المواد الأولية والزراعية، حيث تمر التجارة الخليجية - المغربية عبر الموانئ الأوروبية، ما يزيد كلفة الشحن ويقلص هامش التجارة، خصوصًا الزراعية منها، وتقدر التجارة البينية بنحو ثلاثة مليارات دولار في عام 2014م، وتعد السعودية خامس مصدّر للمغرب بعد إسبانيا وفرنسا والولايات المتحدة والصين، وسيساهم الخط البحري الجديد في تقليص المسافة التي تمر عبر الموانئ الأوروبية حاليًا، لزيادة المبادلات التجارية في الاتجاهين، بما يسمح برفع الصادرات المغربية إلى الأسواق السعودية خصوصًا في المجالات الغذائية والاستهلاكية المختلفة.([10])
وتنفذ شركة "اكوا باور" السعودية بالتعاون مع "سنير غروب دي انخيكا" الإسبانية، بناء محطتين للطاقة الشمسية في مدينة وارزازات المغربية بكلفة ثلاثة مليارات دولار لإنتاج نحو 550 ميغاواط من الطاقة الكهربائية بحلول عام 2018م، ضمن مشروع ضخم تقدر كلفته بنحو 11 مليار دولار لإنشاء خمس محطات تعمل بالألواح الشمسية لإنتاج ألفي ميغــاواط من الكهرباء النظيفة.
كما قررت السعودية والمغرب إنشاء شراكة صناعية وتجارية واستثمارية بينهما، بناءً على مذكرة التفاهم الموقعة مع المغرب على هامش المعرض الاقتصادي "ملتقى مملكتين"، الذي أقيم في الدار البيضاء في يونيو 2014م، لإطلاق العمل في "صندوق الاستثمار المغربي – السعودي"، الذي رُصد له رأس مال أولي بقيمة 500 مليون دولار بمشاركة القطاعين العام والخاص في البلدين، حيث يُعتبر الاتفاق إشارة إلى رغبة البلدين في تعزيز علاقاتهما المختلفة وتطوير التعاون الاقتصادي والتجاري وزيادة الاستثمارات.
وتتضمن المشاريع الاستثمارية قطاعات أخرى مثل العقار والسياحة والزراعة والطاقات المتجددة والأشغال الكبرى والبنى التحتية والخدمات المالية، وسيكون في إمكان شركات القطاع العام أو الخاص في البلدين، تحصيل عقود عمل في مجالات تخصصها. وسيتولى "مجلس رجال الأعمال السعودي – المغربي" التنسيق بين المؤسسات والإدارات المعنية في البلدين اللذين تربطهما علاقات سياسية قوية ومتينة منذ عقود طويلة.
إن الرياض والرباط تعتزمان إعطاء دفع قوي لعلاقاتهما الاقتصادية والتجارية عبـــر تـــوسيع الاستثمارات ومشاركة القطاع الخاص، والمساهمة في البرامج المشتركة ذات البعد الإقليمي، ومنها خطة التصنيع المغربية التي تمتد حتى عام 2020م، وتهدف إلى زيادة حصة الصناعة في الناتج المحلي إلى 23%، وتحويل المغرب إلى قطب صناعي لمصلحة شركات عالمية، خصوصًا في مجالات السيارات والطائرات والقطارات والملابس، والصناعات الغذائية وتكنولوجيا الاتصالات، بالاستفادة من القرب الجغرافي والكفاءة المحلية، واتفاقات المناطق التجارية الحرة مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وكندا.
الآفاق المستقبلية للاستثمارات الخليجية في المغرب
منذ مطلع الثمانينيات ومع سياسة التقويم الهيكلي التي فرضتها المؤسسات المالية الدولية على المغرب، نتيجة الأزمة الاقتصادية الخانقة التي عانى منها حينذاك، لعبت دول الخليج عبر صناديقها السيادية دورًا أساسيًا في دعم الاقتصاد المغربي، خاصة عبر توفير السيولة الكافية وضمان وفاء المغرب بالتزاماته تجاه البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، إلى جانب الاستثمار في البنيات التحتية وفي القطاعات السياحية والعقارية والخدماتية.
وعززت جولة الملك محمد السادس الخليجية الشراكة الاستراتيجية بين الرباط ودول مجلس التعاون الخليجي في المجالات كافة، بخاصة القطاعات الاقتصادية والفرص الاستثمارية التي ينتظر أن تبلغ 12 مليار دولار، مشاريع خاصة في قطاعات مثل الزراعة والصناعة والسياحة والعقار والمعادن والخدمات المالية، إضافة إلى خمسة مليارات دولار من صناديق سيادية، في إطار تفعيل مقررات مجلس التعاون الخليجي لدعم اقتصادات المغرب والأردن خلال السنوات الأربع المقبلة، وستقدم الدول الخليجية منفردة دعمًا ماليًا للمغرب بقيمة 1.250 مليار دولار على شكل هبات مالية، لمساعدة اقتصاد الرباط الذي تضرر من تراجع العائدات من العملة الصعبة نتيجة الأزمة المالية والاقتصادية في منطقة اليورو، التي سبق أن حصل فيها على صفة الشريك المميز.([11])
كما سيمول صندوق التنمية السعودي مشاريع زراعية في المغرب في إطار المخطط الأخضر الذي تقدر استثماراته بـ20 مليار دولار على مدى 10 سنوات، ويشارك مع تمويلات عربية أخرى، في بناء ثلاثة موانئ على المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط ( الداخلة - أسفي- الناضور) لتطوير نقل الحاويات وشحن البضائع، وتقدر الرباط حاجتها في مجال الموانئ وخدمات الشحن البحري واللوجستيات بنحو سبعة مليارات دولار، وإنشاء 70 منطقة لمعالجة الحاويات في 18 مدينة ساحلية، كما ستساهم الصناديق السعودية في تمويل مشاريع في مجالات الطرق السريعة والصحة والتعليم، وستقوم لجنة تقنية مشتركة بتحديد حجم الدعم المفترض بناء على التقارير التي قدمها الوفد المغربي في جدة في عام 2012م.
وسوف تزيد الإمارات وقطر والكويت استثماراتها في المغرب عبر صندوق التنمية السياحية (وصال كابيتال) الذي رصد له سابقًا 2.5 مليار دولار، ويساهم في تمويله "صندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية"، ويحتاج المغرب إلى استثمارات عربية ودولية تقدر بـ 16 مليار دولار لمضاعفة عائداته السياحية في أفق 2020م، إذ أن السياحة تمثل 10% من الناتج الإجمالي.
وتم تأسيس "وصال كابيتال" عبر شراكة بين مؤسسات تتبع الصناديق السيادية في قطر والإمارات والكويت فضلاً عن المغرب بهدف استثمار ما بين 2.5 – 4 مليارات دولار،([12]) في المشاريع السياحية في أرجاء المملكة المغربية حيث تنتشر أماكن الجذب السياحي في مختلف مناطق البلاد وخصوصًا الساحلية منها لكن دونما إهمال للمدن غير الساحلية مثل مراكش، والمؤسسات المعنية تشمل قطر القابضة وآبار للاستثمار التابعة لصندوق (أبو ظبي) وصندوق الأجيال الكويتي والصندوق المغربي للتنمية السياحية، ومن شأن الأموال المستثمرة تحقيق بعض الأهداف الاقتصادية ضمن رؤية المغرب 2020 من قبيل تطوير المرافق العامة وبالتالي النمو الاقتصادي وإيجاد فرص عمل للمواطنين.
كما تعتبر الإمارات أكبر مستثمر في بورصة الدار البيضاء، حيث بلغت استثماراتها في نهاية عام 2014م، نحو 5.6 مليار دولار، كما يعتزم مصرف الإمارات الإسلامي الاستثمار في قطاع الصيرفة الإسلامية في المغرب خلال العام 2016م، كما ساهم صندوق أبوظبي للتنمية في تمويل بناء ميناء طنجة المتوسط بقيمة 300 مليون دولار، إضافة إلى مساهمته في تمويل إنشاء القطار فائق السرعة بين طنجة والدار البيضاء بقيمة 100 مليون دولار، وتشير الإحصائيات الرسمية إلى أن صادرات المغرب للإمارات في العام 2014م، بلغت نحو 48 مليون دولار، في حين بلغت وارداته من الإمارات نحو 283 مليون درهم.([13])
وتتركز رؤية 2020م، على استقطاب 10 ملايين سائح سنويًّا مقارنة بأكثر من 8 ملايين في الوقت الحاضر، فضلاً عن جعل القطاع السياحي ثاني أكبر قطاع اقتصادي بعد الزراعة، ويتوقع مراقبون أن يرتفع نمو الاقتصاد المغربي إلى 6% في النصف الثاني من العقد الجاري بالاستفادة من الاستثمارات العربية، ليتحول إلى أكبر مستقطب للاستثمار الدولي في جنوب البحر الأبيض المتوسط، بمعدل سنوي يبلغ خمسة إلى ثمانية مليارات دولار من الاتحاد الأوروبي والخليج العربي والولايات المتحدة ودول جنوب شرقي آسيا.
كما ستزيد قطر استثماراتها في مجال العقار عبر مجموعة "الديار" لبناء منازل وشقق راقية في بعض مدن المغرب، وهي التجربة ذاتها التي تنفذها مجموعة "أجيال" الكويتية في قطاع تقدر أرباحه السنوية بـ30% من خلال بناء 120 ألف وحدة سنويًا، كما أن قطر قد تدخل للمرة الأولى قطاع المعادن في المغرب حيث تبلغ حصة المغرب فيه 70% من الاحتياط العالمي من الفوسفات، في وقت زاد الطلب الدولي على الأسمدة الكيماوية، حيث تتنافس قطر مع إندونيسيا في الاستثمار في قطاع الفوسفات المغربي لإنشاء وحدات لإنتاج الأسمدة في الجرف الأصفر (جنوب الدار البيضاء) على غرار الهند والبرازيل.
وتأكيدًا للدور القطري فيما يخص الاستثمارات الخليجية في المغرب، فقد تم التوقيع بين قطر والمملكة المغربية في عام 2011م، على أربع اتفاقيات بين الجانبين، وشملت الاتفاقيات إنشاء هيأة مشتركة للاستثمار بين المغرب وقطر ومذكرة تفاهم للتعاون الثقافي فضلاً عن مذكرة للتعاون في المجال المعدني. وللتدليل على أهمية التعاون، والذي ينصبُّ أصلاً في مصلحة الطرف المغربي، تم الاتفاق على تأسيس صندوق استثمار مشترك مناصفة بقيمة ملياري دولار. وتتضمن الأهداف الجوهرية وراء هذه الخطوة المساهمة في تمويل مشروعات تنموية كبرى في المغرب([14])
[1] - اتحاد غرف مجلس التعاون يتوقع نمو الاستثمارات الخليجية في المغرب إلى 120 مليار دولار، جريدة الشرق الأوسط، 17 نوفمبر 2017.
[2]- المال الخليجي صمام أمان الاقتصادات العربية، جريدة الخليج، 29 يناير 2011.
[3]- علاء الدين السيد، سباق الإخوة الأعداء: ماذا تعرف عن الاستثمارات القطرية والإماراتية حول العالم؟، موقع ساسة بوست، 12 فبراير 2015.
[4]- الخليجيون و"فوبيا" الاستثمار في القطاع الصناعي بالمغرب؟، جريدة المساء المغربية، 5 مارس 2015.
[5] - شريف هزاع ، تطور مطرد للاستثمارات الكويتية في المغرب، موقع إيلاف، 22 مارس 2010.
[6] - الإمارات أكبر مستثمر عربي في المغرب، جريدة الاتحاد الإماراتية، 27 أكتوبر 2011.
[7]- الإمارات الأولى في حجم الاستثمارات العربية بالمغرب، جريدة الاتحاد الإماراتية، 1 ديسمبر 2014.
[8]- "طاقة" و "اينل جرين باور" تنفذان مشروعًا لإقامة مزرعة رياح في المغرب، جريدة الاتحاد، 3 فبراير 2012.
[9] - أيوب الريمي، استثمارات السعودية تتدفق على المغرب رغم تراجع أسعار النفط، موقع هسبريس، 6 مايو 2015.
[10] - محمد الشرقي، الاستثمارات السعودية في المغرب 4 بلايين دولار هذه السنة، جريدة الحياة، 5 فبراير 2015.
[11] - 12 بليون دولار تمويل خليجي لمشاريع في المغرب، جريدة الحياة، 21 تشرين الأول 2012.
[12]- إحسان الحافظي، إطلاق أضخم الاستثمارات بالمغرب عشية الانتخابات، صحيفة الصباح المغربية، 25 نوفمبر 2011.
[13] - محمد بن محمد العلوي، ارتفاع استثمارات الإمارات في المغرب يعمّق الشراكة الاستراتيجية، جريدة العرب، 22 يوليو 2015.
[14]- عبد الواحد كنفاوي، صندوق استثمار مغربي قطري بقيمة ملياري دولار، صحيفة الصباح المغربية، 28 نوفمبر 2011.