array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 110

ثلاثة اعتبارات تضعها طهران للتقارب اللاتيني وتحقيق النفوذ العابر للحدود مساعي إيران إلى تطوير علاقاتها مع أمريكا اللاتينية: المصالح والأهداف

الأربعاء، 03 آب/أغسطس 2016

تكتسب العلاقات مع دول أمريكا اللاتينية أهمية وزخمًا خاصًا بالنسبة لإيران، لاعتبارات ثلاثة رئيسية: يتمثل الأول، في أن إيران سعت إلى استثمار العلاقات القوية مع تلك الدول من أجل تقليص حدة العزلة الدولية التي كانت مفروضة عليها بسبب أزمة برنامجها النووي قبل تسويتها بمقتضى الاتفاق النووي الذي تم التوصل إليه في 14 يوليو 2015م، فضلا عن سياستها المتشددة التي قامت على "تصدير الثورة" ودعم التشيع في المناطق البعيدة عن حدود إيران.

وقد مارست تلك الدول بالفعل دورًا بارزًا في هذا الصدد، إذ أن بعضها تبنى سياسة خارجية مناهضة للولايات المتحدة الأمريكية، على غرار فنزويلا وكوبا، فيما سعى البعض الآخر، في أحيان عديدة، إلى اتباع سياسة تتوافق مع مصالح إيران. وقد كانت البرازيل، على سبيل المثال، إحدى الدول التي دعمت موقف إيران في الأزمة النووية، حيث وقعت على الاتفاق النووي الثلاثي مع إيران وتركيا بهدف تسوية الأزمة النووية في 17 مايو 2010م، الذي كان يقضي بإرسال إيران 1200 كيلو جرام من اليورانيوم منخفض التخصيب إلى تركيا (على أن تعود ملكيته لإيران) لاستبداله من جانب الدول الكبرى بنحو 120 كيلو جرام من الوقود النووي اللازم لتشغيل مفاعل طهران للأبحاث الطبية.

 وقد اعتبرت البرازيل أنه لم تعد هناك أسباب لفرض عقوبات على إيران بعد توقيع هذا الاتفاق، بل إنها كانت إحدى الدول التي اعترضت على فرض عقوبات جديدة على إيران بمقتضى قرار مجلس الأمن رقم 1929 الذي صدر في 9 يونيو 2010م، حيث كانت عضوًا غير دائم في مجلس الأمن، وبررت قرارها بأن الخيار الدبلوماسي هو الأساس لتسوية الأزمة النووية الإيرانية، وبذلت جهودًا مع تركيا من أجل حث الدول الأعضاء في المجلس لعدم التصويت على القرار إلا أنهما لم تنجحا في ذلك.

 كما كانت فنزويلا إحدى الدول التي رفضت الالتزام بالعقوبات الدولية التي كانت مفروضة على إيران، حيث قامت عامي 2009 و2010م، بتصدير البنزين إلى إيران بشكل قلص نسبيا من حدة الضغوط التي تعرضت لها إيران بسبب تلك العقوبات. ورفضت كل من فنزويلا وكوبا تأييد قرار الوكالة الدولية للطاقة الذرية في 28 نوفمبر 2009م، الذي أدان إيران وطالبها بوقف بناء المنشأة النووية في قم، في حين امتنعت البرازيل عن التصويت، حيث اعتبرت أن هذا القرار يتعارض مع أحقية إيران في امتلاك برنامج نووي للأغراض السلمية.

وينصرف الثاني إلى الجالية العربية الكبيرة التي هاجرت إلى تلك الدول، لاسيما من لبنان وسوريا والأراضي الفلسطينية، وهو ما وفر فرصة لمؤسسات داخل إيران، على غرار الحرس الثوري وبعض المؤسسات الخيرية الاجتماعية التي تسمى بالـ"بنياد"، للعمل على نشر التشيع واستقطاب مزيد من المتعاطفين مع إيران من أصول عربية في تلك الدول، باستخدام أدوات على غرار بناء مستشفيات ومراكز ثقافية وخدمات تعليمية، لاسيما في المناطق الفقيرة.

وقد أشارت تقديرات عديدة إلى أن عدد الجالية العربية التي توجد في منطقة "المثلث" بين البرازيل والأرجنتين وباراجواي يصل إلى نحو 50 ألف عربي ينتمي أكثر من نصفهم إلى المذهب الشيعي. كما كشفت تقديرات أخرى أن إيران قامت بتأسيس نحو 36 مركزًا ثقافيًا في 17 دولة لاتينية، وأنشأت هيأة الإذاعة والتليفزيون الإيرانية قناة "هيسبان تي في" Hispan tv الناطقة باللغة الإسبانية في عام 2001م، لمخاطبة شعوب تلك الدول وتعريفها بالثقافة الإيرانية.

بل إن بعض التقارير باتت تحذر من أن بعض حلفاء إيران، لا سيما حزب الله اللبناني، تسعى إلى استغلال وجود بعض الجاليات العربية، لاسيما في منطقة "المثلث" التي تقع على الحدود بين باراجواي والبرازيل والأرجنتين، إلى جانب منطقة "مايكاو" في كولومبيا ومنطقة "إيكويكي" في تشيلي، من أجل توسيع مصادر تمويل عملياتها العسكرية في المنطقة والعالم، وذلك من خلال المشاركة في عمليات تهريب المخدرات من أمريكا اللاتينية إلى أوروبا بالإضافة إلى عمليات غسيل أموال وغيرها.

ويتعلق الثالث، بقرب هذه الدول من الحدود مع الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تشكل أمريكا اللاتينية ما يمكن تسميته بـ"الحديقة الخلفية" للولايات المتحدة الأمريكية، بشكل ربما يسهل، في رؤية بعض المؤسسات الراديكالية الإيرانية على غرار الحرس الثوري، من مهمة استهداف المصالح الأمريكية، وربما العربية والإسرائيلية أيضًا، في حالة ما إذا اقتضت المصالح الإيرانية ذلك.

وقد دفع تصاعد النفوذ الإيراني في أمريكا اللاتينية الكونجرس الأمريكي إلى إقرار قانون "تطويق إيران في النصف الغربي من العالم" في بداية عام 2012م، والذي وقعه الرئيس باراك أوباما وقضى بتكليف وزارة الخارجية بوضع استراتيجية للتصدي للوجود والنشاط الإيراني في تلك المنطقة خلال 180 يومًا.

ومن دون شك، فإن أحد أسباب تصاعد حدة القلق تجاه نفوذ إيران في أمريكا اللاتينية يتمثل في تكرار الحوادث الإرهابية التي تورطت فيها إيران، على غرار محاولة اغتيال السفير السعودي في واشنطن (وزير الخارجية الحالي) عادل الجبير، في أكتوبر 2011م، التي ثبت أن التخطيط الأولي لها تم في المكسيك، إلى جانب تفجير مركز الجالية اليهودية "آميا" في العاصمة الأرجنتينية بيونس ايرس عام 1994م، والذي أسفر عن مقتل أكثر من 85 شخصا وجرح ما يقرب من 300 شخص آخرين، وهى العملية التي أثير الجدل حولها من جديد في يناير من عام 2015م، عقب مقتل المدعي العام السابق البرتو نيسمان، في 18 من ذلك الشهر، قبل يوم واحد من إدلائه بشهادته أمام البرلمان الأرجنتيني والتي كان من المتوقع أن يجدد فيها الاتهامات التي وجهها للرئيسة السابقة كريستينا كريشنر ووزير الخارجية هكتور تيمرمان بحماية مسؤولين إيرانيين كبار من بينهم رئيس الجمهورية الأسبق رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام حاليًا هاشمي رفسنجاني ووزير الخارجية الأسبق مستشار المرشد للعلاقات الدولية حاليًا على أكبر ولايتي، سبق أن اتهمهم بإصدار التعليمات بتنفيذ العملية بالاستعانة بحزب الله اللبناني، وذلك بعد الاتفاق الذي أبرمته الأرجنتين وإيران في عام 2013م، وكان يقضي بتشكيل لجنة مشتركة لاستجواب المشتبه فيهم، حيث اعتبر أن هذا الاتفاق كان نتيجة صفقة تجارية بين الطرفين.

ورغم أن الحكومة الأرجنتينية طالبت الولايات المتحدة الأمريكية، في 18 فبراير 2015م، بإدراج قضية تفجير المركز اليهودي في المفاوضات التي تجري بين إيران ومجموعة "5+1" حول الملف النووي، إلا أن ذلك لم يكن يمثل خطوة جادة، على ما يبدو، من جانب الأولى، حيث أنها كانت تهدف فقط إلى استيعاب الضغوط المفروضة عليها بسبب الجدل الذي أثاره مقتل نيسمان والاتهامات التي وجهت إليها بإبرام صفقة مع إيران، فضلا عن أن إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما كانت متمسكة بضرورة الوصول لاتفاق مع إيران وهو ما دفعها إلى عدم التفاوض مع إيران حول أية ملفات خلافية أخرى غير الملف النووي، تجنبًا لتصعيد حدة التوتر مع الأخيرة بشكل كان من الممكن أن يؤثر على احتمالات الوصول للاتفاق النووي.

اتجاهات مختلفة

ربما يمكن القول أن الجهود التي تبذلها إيران لدعم نفوذها في أمريكا اللاتينية أثارت جدلاً واسعًا، حيث انقسمت الآراء حول أهدافها وأدواتها إلى اتجاهات رئيسية ثلاثة: الاتجاه الأول، اعتبر أن تحركات إيران في أمريكا اللاتينية ذات طابع أيديولوجي، وتهدف في الأساس إلى نشر التشيع وتوسيع قاعدة المتعاطفين مع السياسات الإيرانية في تلك الدول، لاسيما داخل الجاليات العربية المنتشرة فيها، وهو ما يستدل عليه بالدور البارز الذي قامت به إيران في بناء مراكز ثقافية وصحية ومساجد وغيرها من الآليات التي سعت إلى استخدامها من أجل تحقيق ذلك، بالتنسيق مع بعض التنظيمات على غرار "حزب الله" اللبناني وعدد من المجموعات الفرعية التابعة له مثل "مجموعة عباس الموسوي" و"مجموعة عماد مغنية".

 وقد أشار هذا الاتجاه إلى أن أحد أهداف إيران من دعم نفوذها داخل تلك الدول يتمثل في تأسيس "حزب الله لاتيني" يمكن استخدامه لتحقيق مصالح إيرانية محددة. وفي رؤيته، فإن إيران تسعى من خلال ذلك إلى تطبيق ما جاء في الدستور الإيراني، بشأن "نصرة المستضعفين" و"مقاومة المستكبرين"، فضلا عن إقامة ما يسمى بـ"الحكومة العالمية للإسلام".

وقد جاء ذكر مبدأ "نصرة المستضعفين" فى أكثر من مادة فى الدستور الإيراني، لكن المادة (154) استفاضت فى تناوله وذلك على النحو التالي: "تعتبر جمهورية إيران الإسلامية سعادة الإنسان في المجتمع البشري كله قضية مقدسة لها وتعتبر الاستقلال، والحرية، وإقامة حكومة‌ الحق والعدل حقًا لجميع الناس فى أرجاء ‌العالم كافة، وعليه فإن جمهورية إيران الإسلامية تقوم بدعم النضال المشروع للمستضعفين ضد المستكبرين فى أية نقطة من العالم، وفى الوقت نفسه لا تتدخل في الشؤون الداخلية للشعوب الأخرى".

 لكن ثمة إشكاليتين محوريتين يمكن طرحهما فى هذا السياق: الأولى، أن الدستور لم يوضح الآلية التي يمكن من خلالها أن تساعد إيران ما تسميهم بـ"المستضعفين فى الأرض" دون أن يمثل ذلك تدخلًا فى الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وهو ما يبدو جليًا في حالات عديدة في منطقة الشرق الأوسط، على غرار تدخلها فى الأزمات الداخلية لبعض الدول مثل العراق والبحرين ولبنان والأراضي الفلسطينية. والثانية، أن إيران لم تلتزم بتطبيق هذه المادة حرفيًا، ويبدو ذلك واضحًا في موقفها مع بعض القضايا الإقليمية، مثل قضية إقليم ناجورني قره باغ، إذ لم يمنع التقارب المذهبى (الشيعي) بين إيران وأذربيجان، الأولى من تأييد موقف أرمينيا، رغم التباين الدينى بين الطرفين، حيث تعتبر أرمينيا، وفقا لبعض الاتجاهات أول دولة مسيحية تأسست فى عام 301.

أما الاتجاه الثاني، فيرى أن هذا الطابع الأيديولوجي لا ينفي أن إيران في علاقاتها مع دول أمريكا اللاتينية تفكر بعقلية الدولة التي تسعى إلى تحقيق مصالحها وليس الثورة التي تلتزم بسقف أيديولوجي يقيد من حرية الحركة وهامش المناورة المتاح أمامها.

وبعبارة أخرى، فإن الجهود الحثيثة التي بذلتها إيران، خاصة خلال فترتي الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، من أجل دعم علاقاتها مع دول أمريكا اللاتينية، حيث قام أحمدي نجاد بجولات عديدة في القارة بدأها في عام 2007م، بزيارة كل من فنزويلا والإكوادور وبوليفيا كما نظمت إيران في فبراير العام نفسه مؤتمرًا بعنوان "أمريكا اللاتينية: دورها ومكانتها في النظام الدولي الجديد" حضرته وفود من سبعة دول لايتينة، يمكن تفسيرها، وفقا لهذا الاتجاه، في إطار سعي إيران إلى تحقيق أهداف براجماتية عديدة على غرار دعم النفوذ في ما يسمى بـ"الحديقة الخلفية" للولايات المتحدة الأمريكية، بشكل ربما يساعد إيران في امتلاك أدوات ضغط في مواجهة الأخيرة، فضلاً عن تقليص تداعيات العزلة والعقوبات الدولية التي فرضت على إيران في تلك الفترة.

 ويبدو الطابع البراجماتي جليًا في تطلع إيران إلى تأسيس علاقات قوية مع تلك الدول، رغم أن أحد المبررات التى كانت تقدمها لتفسير عدائها للولايات المتحدة الأمريكية يتمثل فى اتهامها بـ"عدم إيمانها بالله" و"انحطاط قيمها الاجتماعية". وبمعنى آخر، فإن إيران لم تلتزم بهذا التفسير عندما سعت إلى تطوير علاقاتها مع دول أمريكا اللاتينية، حيث اعتبرت أن مصالحها تفرض عليها تبني سياسة مختلفة معها.

 وعلى ضوء ذلك، بدأت إيران في اتخاذ خطوات عديدة من أجل رفع معدلات التبادل التجاري مع بعض تلك الدول، لاسيما الأرجنتين، التي وصل حجم التبادل التجاري معها إلى 1.3 مليار دولار، والبرازيل التي ارتفع حجم التبادل التجاري معها إلى 1.6 مليار دولار. كما بدأ العديد من دول أمريكا اللاتينية في السعي إلى رفع معدل تبادلها التجاري مع إيران، لاسيما في مرحلة ما بعد رفع العقوبات الدولية المفروضة عليها بعد الوصول للاتفاق النووي، سواء للاستفادة من المزايا التي بدأت حكومة روحاني في توفيرها لجذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية، أو لتسهيل صادراتها إلى إيران.

 وفي هذا السياق، كانت البرازيل، وهى أكبر اقتصاد في أمريكا اللاتينية وأهم شريك تجاري لإيران في القارة، من أولى الدول التي سعت إلى رفع مستوى تعاونها الاقتصادي مع إيران، حيث أكد وزير الاقتصاد البرازيلي ارماندو مونتيرون، في فبراير 2016م، على أن البرازيل سوف تقبل تحصيل المدفوعات من إيران باليورو وبعض العملات الأخرى وذلك نظير تصدير السيارات والطائرات والمعدات لتجنب العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة الأمريكية والتي تمنع بموجبها إيران من استخدام النظام المالي الأمريكي، ويبدو أن البرازيل تسعى من خلال ذلك إلى رفع حجم التبادل التجاري ليصل إلى نحو 5 مليار دولار في عام 2019م، حيث يبلغ في الوقت الحالي نحو مليار و600 مليون دولار، وهو ما يبدو جليًا في الزيارة التي قام بها مونتيرون إلى إيران في أكتوبر 2015م، على رأس وفد اقتصادي كبير يضم 36 شركة برازيلية للتعرف على الفرص الاستثمارية التي يمكن أن تتيحها الحكومة الإيرانية لتلك الشركات.

كما قام وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بزيارة خمس دول من أمريكا اللاتينية في مايو 2016م، وهي البرازيل وكوبا وفنزويلا ونيكاراجوا وبوليفيا، وهي الزيارة التي كان من المقرر أن يقوم بها ظريف في مارس 2016م، إلا أنها تأجلت لأسباب مختلفة. وقام أيضًا مساعد وزير الخارجية مجيد تخت روانجي بزيارة إلى المكسيك وكولوميا والأكوادور في نوفمبر 2015م. وقد كان لافتًا أن اهتمام إيران بتطوير علاقاتها مع دول أمريكا الاتينية تزامن مع انعقاد القمة الرابعة للدول العربية ودول أمريكا اللاتينية الجنوبية في الرياض، في 8 نوفمبر 2015م، في إشارة إلى أن إيران تبدي قلقًا واضحًا تجاه الجهود التي تبذلها بعض الدول العربية، على غرار السعودية، من أجل رفع مستوى التعاون والتنسيق مع تلك الدول، بشكل يمكن أن يساهم، على المدى الطويل، في إضعاف نفوذها داخل تلك الدول.

فضلا عن ذلك، قام عدد من المسؤولين بتلك الدول بزيارة إيران، على غرار الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو الذي زار إيران في يناير ونوفمبر 2015م، حيث شارك في الزيارة الأخيرة في الاجتماع الثالث لمنتدى الدول المصدرة للغاز الذي استضافته طهران، وقد دعا إلى جذب المستثمرين الإيرانيين للاستثمار في صناعة الأدوية في فنزويلا، خاصة في ظل المشروعات الاقتصادية والتقنية التي قامت بها إيران في فنزويلا خلال الأعوام الخمسة عشر الأخيرة.

كما أن إيران قامت بإنشاء خط ائتماني بقيمة 500 مليون دولار إلى فنزويلا لمساعدتها في التعامل مع تداعيات الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها نتيجة انخفاض أسعار النفط الذي أدى إلى تقلص الاحتياطي النقدي الأجنبي.

فيما يحرص الاتجاه الثالث على وضع سقف واضح لعلاقات إيران مع دول أمريكا اللاتينية، حيث يرى أن حكومة الرئيس حسن روحاني ما زالت تمنح الأولوية لتطوير علاقاتها مع الدول الغربية، لاسيما الولايات المتحدة الأمريكية، خاصة بعد الوصول للاتفاق النووي مع مجموعة "5+1" في 14 يوليو 2015 ورفع العقوبات الدولية المفروضة على إيران في 16 يناير 2016م، وهو ما يبدو جليًا في الزيارات التي قام بها روحاني إلى بعض تلك الدول، على غرار إيطاليا وفرنسا، وتوقيع اتفاقات اقتصادية ضخمة خلال تلك الزيارات، في الوقت الذي ما زالت فيه العلاقات الاقتصادية مع دول أمريكا اللاتينية في مستواها الأدنى، وهو ما انعكس في مؤشرات عديدة.

فرغم أن فنزويلا احتلت المرتبة الثانية، بعد الصين، في عدد الاتفاقات الموقعة مع إيران، إلا أن كثيرًا من هذه الاتفاقات إما تم إلغاؤها أو تم تأجيل العمل بها. كما قلصت إيران من تعاونها مع دول أمريكا اللاتنية في مجال النفط، حيث أغلقت الشركة الوطنية الإيرانية للنفط مكاتبها التي أسستها في فنزويلا وبوليفيا وتتجه في الوقت الحالي إلى إغلاق مزيد من المكاتب في بعض الدول الأخرى.

فضلا عن ذلك، فقد بدا عدم اهتمام روحاني بتطوير العلاقات مع تلك الدول جليًا في عزوفه عن المشاركة في قمة مجموعة الـ"77" للدول النامية التي عقدت في بوليفيا في يونيو 2014م، حيث تم تكليف النائب الأول للرئيس اسحق جهانجيري برئاسة الوفد الإيراني.

ورغم ذلك، فإن هذه المؤشرات لا تعني، وفقا لهذا الاتجاه، تخلي إيران عن جهودها السابقة لدعم نفوذها داخل أمريكا اللاتينية. إذ أن الأنشطة التي تقوم بها إيران وحلفاؤها داخل تلك الدول ربما تكون من اختصاص مؤسسات أخرى داخل نظام الجمهورية الإسلامية بما يعني أنها بعيدة عن إشراف الحكومة، وهو ما يزيد من احتمالات استمرارها حتى في حالة اعتراض الحكومة عليها.

 فضلا عن أن القيادة العليا في إيران ممثلة في المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي، ما زالت متشككة حتى الآن في مدى إمكانية استمرار العمل بالاتفاق النووي في ظل العقبات الأمريكية التي ما زالت تمنع إيران من الاستفادة بمزايا رفع العقوبات الدولية التي كانت مفروضة عليها، وهو ما يعني أنها لن تتراجع عن توسيع نطاق نفوذها في تلك القارة، تحسبًا لإمكانية عودة الأزمة إلى مربعها الأول من جديد، ومن ثم تزايد احتمالات فرض عقوبات جديدة وربما غير مسبوقة على إيران أو نشوب مواجهة عسكرية بين إيران من ناحية والولايات المتحدة الأمريكية أو إسرائيل أو الاثنين معًا من ناحية أخرى. ومن دون شك، فإن الاحتفاظ بنفوذ قوي داخل تلك الدول سوف يستعيد أهميته وزخمه في تلك اللحظة، باعتبار أن هذا النفوذ يمكن أن يمنح إيران فرصة لاستهداف مصالح الدول التي يمكن أن تدخل في مواجهة معها خلال المرحلة القادمة.

التأثيرات المحتملة

وعلى ضوء ذلك، ربما يمكن القول إن سعي إيران لتأسيس علاقات قوية مع دول أمريكا اللاتينية يمكن أن يفرض تداعيات مباشرة على دول مجلس التعاون الخليجي، وهو ما يمكن تناوله على النحو التالي:

1-  محاولة استهداف مصالح دول المجلس في القارة الأمريكية، على غرار ما فعلت إيران في السابق، إذ تورطت في محاولة اغتيال السفير السعودي السابق (وزير الخارجية الحالي) عادل الجبير في واشنطن في عام 2011م، حيث اعترف المتهم الأمريكي من أصل إيراني منصور أربابسيار بأنه تواصل مع بعض المسؤولين الإيرانيين وقام بزيارات متعددة إلى المكسيك لعقد صفقة مع أحد الإرهابيين المرتبطين بعصابة مخدرات في المكسيك، والذي كان في الأساس أحد المخبرين التابعين لوكالة الاستخبارات الأمريكية.

وتشير بعض التقارير إلى أن إيران وحلفاءها قاموا بتكوين مجموعات فرعية في بعض دول القارة، على غرار المكسيك، مثل مجموعة "عباس الموسوي" ومجموعة "عماد مغنية" وهدفها رصد مصالح بعض الدول تمهيدًا لاستهدافها في مرحلة ما.

2-  توسيع الخيارات المتاحة أمام حلفاء إيران، الذين ربما يتم استخدامهم في تنفيذ عمليات إرهابية تهدد مصالح وأمن دول مجلس التعاون، على غرار حزب الله اللبناني، الذي صنفه مجلس التعاون في يناير 2016م، بأنه "منظمة إرهابية"، والذي أشارت اتجاهات عديدة إلى أنه يشارك في تجارة المخدرات وغسيل أموال لدرجة أن العائدات التي يحصل عليها من تلك العمليات ربما تفوق المصادر الأساسية للتمويل التي تأتي من إيران. وبالطبع، فإن استمرار حصول الحزب على تمويل من الأنشطة المختلفة، رغم القيود المتزايدة التي يتعرض لها وكان آخرها إصدار الكونجرس الأمريكي قانون "حظر التمويل الدولي لحزب الله"، يزيد من احتمالات اتجاهه إلى مواصلة تحركاته وأنشطته الإرهابية داخل بعض الدول، خاصة عبر فتح قنوات تواصل مع بعض الجماعات المحلية في تلك الدول لتهديد أمنها ومصالحها.

3-  تقليص الضغوط الدولية المفروضة على إيران، بسبب دعمها للإرهاب وتدخلها في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، بشكل يمكن أن يساعد إيران على الاستمرار في تبني السياسة ذاتها في المستقبل، لاسيما أن التيار المتشدد ما زال يحافظ على نفوذه داخل مؤسسات صنع القرار في النظام الإيراني، بشكل يرجح من إمكانية اتجاهه إلى اتخاذ خطوات راديكالية في بعض الأحيان على غرار استهداف مصالح بعض القوى لعرقلة الجهود التي يبذلها الرئيس حسن روحاني من أجل تحسين العلاقات مع الدول الغربية تحديدًا بعد الوصول للاتفاق النووي ورفع العقوبات المفروضة على إيران.

وفي النهاية، ربما يمكن القول أن أحد أسباب نجاح إيران في تأسيس علاقات قوية مع دول أمريكا اللاتينية خلال الفترة الماضية يتمثل في غياب الدور العربي، الذي منح الفرصة لإيران لدعم نفوذها داخل هذه الدول بشكل ربما يمكنها من استهداف مصالح الدول العربية التي تسعى في الوقت الحالي إلى مواجهة تدخلات إيران المستمرة في شؤونها الداخلية. لكن اتجاه الدول العربية مؤخرًا إلى إبداء قدر أكبر من الاهتمام برفع مستوى التعاون مع تلك الدول، وهو ما بدا جليًا في انعقاد القمة الرابعة للدول العربية ودول أمريكا اللاتينية الجنوبية في الرياض في نوفمبر 2015م، ربما يساهم في تقليص التداعيات السلبية التي تفرضها الجهود الإيرانية لدعم نفوذها في تلك الدول.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*رئيس تحرير مجلة مختارات إيرانية ــ الأهرام ــ القاهرة 

مجلة آراء حول الخليج