جاءت القمة العربية السابعة والعشرون التي استضافتها موريتانيا ليوم واحد في 25 يوليو 2016م، وسط متغيرات كبيرة وإحباطات أكبر وترقب غير معلوم النتائج لمستقبل المنطقة وكذلك العمل العربي المشترك.
القمة، نجحت في تحقيق عدة نتائج كبقية القمم السابقة، فيما لم تحقق أهدافًا جديدة تناسب الظروف الراهنة، فهي نجحت في الحفاظ على الحد الأدنى من "مظاهر" العمل العربي المشترك ومنها دورية انعقاد القمة سنويًا، وتسمية القضايا العربية الراهنة بمسمياتها، وطرح التحديات أو المهددات التي تواجه الأمة العربية أمام زعماء الأمة وممثليها، وكذلك شرحت التدخلات الخارجية في الشؤون العربية، إضافة إلى توصيف الوضع المشين الذي تمر به بعض الدول الأعضاء تلك التي تعاني من حروب أهلية أو سيطرة الميليشيات المسلحة، أو غياب مفهوم الدولة، كما كشفت القمة عن بزوغ بوادر مرحلة جديدة لدور الجامعة العربية مدفوعة بحماس الأمين العام الجديد السيد أحمد أبو الغيط وإن كان ذلك مرهونًا بالإرادة العربية الجماعية وليس برغبة الأمانة العامة أو طموحها.
في المقابل القمة لم تقدم حلولًا ولم تحدد أطرًا أو توقيتات لمواجهة التحديات أو تفعيل العمل العربي المشترك بالشكل الجماعي، كما أنها لم تبت في شأن المؤسسات العربية المؤجلة والمطلوبة لتفعيل العمل العربي المشترك أو تطوير عمل وأداء الجامعة العربية وآلياتها القائمة، إنما اعتمد البيان الختامي للقمة على صياغة بروتوكولية مكررة وتقليدية معتادة في أدبيات مؤتمرات القمم السابقة.
السؤال الذي يطرح نفسه بعد انتهاء أعمال القمة الأخيرة هو: هل كان المواطن العربي يأمل في أكثر مما أقرته قمة موريتانيا أو ما صدر عنها؟ الإجابة الافتراضية هي أن المواطن العربي أو المتابع لتاريخ جامعة الدول العربية لم يكن ينتظر أكثر مما جاء في إعلان نواكشوط إسوة بالبيانات أو الإعلانات التي صدرت من قبل وفي ظروف مشابهة لما يحدث الآن أو قريبًا منها، لكن توقع البعض ـ على الأقل ـ ثمة جديد انطلاًقا من المخاطر الحالية التي استجدت على الساحة العربية وهي غير مسبوقة بهذا الحجم والكيف والتأثير.
ومع أمنيات البعض فإنه بالعودة إلى الوراء يتضح أن الجامعة لم تظهر إلى حيز الوجود بدافع تطوير العمل العربي المشترك، أو لتهيئة المنطقة العربية لمواجهة أخطار محتملة باستثناء القمة الأولى التي توقعت مأساة فلسطين، حيث عُقدت بدافع مواجهة التغلغل الصهيوني في فلسطين وهي قمة أنشاص بمصر عام 2000م، وكل المؤتمرات التي عُقدت بعد ذلك رد فعل لمواجهة تبعات أو تداعيات لحدث عربي جلل وليس لرسم خطط لمواجهة أخطار مستقبلية أو لبحث تفعيل التعاون العربي المشترك، فقد جاءت قمة 1956م، في لبنان لبحث مواجهة العدوان الثلاثي، ثم عُقدت قمة الخرطوم عام 1967م، لبحث تداعيات نكسة يونيو، وقمة القاهرة عام 1970م، كانت لإيجاد حلول لأزمة أيلول الأسود في الأردن، وقمة الرياض عام 1976م، بحثت تطورات الحرب الأهلية اللبنانية، وقمة بغداد 1978، كانت لرفض اتفاقيتي كامب ديفيد، وقمة 1982م،جاءت بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان ومذابح صبرا وشاتيلا، وقمة 1990م، بالقاهرة كانت لبحث تحرير الكويت من غزو صدام حسين. ما يعني أن أكثر القمم كانت رد فعل وليس فعلًا عربيًا.
بل إن الكثير مما تم إقراره من اتفاقيات ومعاهدات عربية في إطار هذه القمم لم يتم تطبيقها منذ إعلانها وحتى الآن ولعل أبرز هذه المعاهدات المؤجلة تأتي معاهدة الدفاع العربي المشترك التي تم التوقيع عليها في 2 فبراير عام 1951م، ولو تم تفعيلها ما كانت آلت المنطقة العربية إلى ما آلت إليه الآن من حروب أهلية وتقسيم ونزاعات وتدخلات خارجية معلنة وواضحة، وأيضًا لو تم تطبيق اتفاقية الوحدة الاقتصادية العربية التي تم توقيعها في الثالث من يونيو 1957م، ما كان الوضع الاقتصادي العربي كما نعيشه اليوم وما كانت القمة العربية السابعة والخمسين عُقدت في خيمة بنواكشوط وحتى هذه الخيمة والطرق المؤدية إليها ما كانت موجودة لولا الدعم الخليجي لموريتانيا قبل فترة وجيزة من انعقاد القمة، وللأسف يبدو أن إسرائيل سبقت القمة العربية الأولى التي استضافتها موريتانيا في تاريخها إلى نواكشوط بسنوات ليست قليلة، حيث تبادلت نواكشوط وتل أبيب العلاقات الدبلوماسية عام 1996م، وكانت موريتانيا ثالث دولة عربية تتبادل التمثيل الدبلوماسي على مستوى السفراء بعد مصر والأردن في الفترة التي كان يُطلق عليها فترة (الهرولة العربية)، وأعلنت إسرائيل في حينه أنها أنشأت الاستاد الرياضي لموريتانيا هدية.
وكل ذلك يقود إلى أن دورية القمة في حد ذاتها ليست مطلبًا أو هدفًا، بل ترجمة مخرجات هذه القمة هي الأهم، وأن تكون هناك إرادة عربية لتفعيل العمل العربي المشترك وصياغة استراتيجية عربية شاملة جامعة وفقًا لرؤية متكاملة هدفها هو الحفاظ على الأمة ومواجهة ما يُحاك لها من قوى إقليمية طامعة وطامحة، وقوى دولية لها مصالحها التي لا تتوافق مع المصالح العربية، بل تكون على حسابها.
وإذا كانت هناك صحوة على ضوء التحديات التي تستهدف الوجود العربي بالأساس يجب تعديل ميثاق جامعة الدول العربية، وإيجاد مؤسسات لمراقبة تنفيذ القرارات العربية ومتابعتها، وترجمة ما صدر من قرارات بشأن إنشاء استكمال مؤسسات العمل العربي المشترك، وتحديد أولوية المخاطر والتحديات ومن ثم كيفية التعامل معها وخلق الأدوات اللازمة لذلك، وإيجاد ذلك يتطلب مصالحة عربية شاملة ودائمة حتى توجد الإرادة العربية الفاعلة التي تقف خلف العمل العربي المشترك، وبدون تحقيق ذلك سيظل العمل العربي المشترك كما هو قائم، وستظل مقررات القمم العربية محل احتفاء يوم صدورها فقط مع نهاية كل قمة، وعلى الجامعة أن تنتظر طويلًا لتعديل أوضاعها، وعلى القضية الفلسطينية أن تحجز مقعدها الدائم في البيان الختامي لكل المؤتمرات العربية كما اعتادت منذ أول قمة عربية في منتصف أربعينيات القرن العشرين وحتى الآن مع خفض سقف المطالب كلما تقادمت القضية إلى أن يقضي الله أمرًا كان مفعولًا.