array(1) { [0]=> object(stdClass)#13440 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 112

الاستفادة من تجربة مجهود الإنسان ولم تعتمد على تصدير الموارد الاقتصادية نحو شراكة استراتيجية خليجية يابانية: الاستعداد والتخطيط والرؤية

الثلاثاء، 04 تشرين1/أكتوير 2016

يمكن لليابان أن تشكل نموذجا للتوجه الخليجي الجماعي المشترك، وذلك بالأساس نابع من تشابه المصالح الخليجية مع اليابان، وتشابه المصالح اليابانية مع دول الخليج، حيث تتركز المصالح والعلاقات على التجارة في مواد النفط تصديرًا من جانب دول الخليج واستيرادًا من جانب اليابان، كما تتشابه على جانب الصادرات اليابانية/ الواردات الخليجية أيضا، والتي تتركز على الصناعات والسيارات والآلات والتجارة في المواد التقنية والاستثمار وتوطين التكنولوجيا، وكما أشار البعض فإن الطاقة هي قلب التجارة النابض بين اليابان ودول الخليج، وهي المحرك الأساسي لعلاقات الجانبين، حيث تفتقر اليابان إلى الموارد الطبيعية اللازمة لتأمين استمرارية إنتاجها الصناعي والتكنولوجي، بينما تعتمد اقتصاديات دول مجلس التعاون بشكل كبير على الصادرات من النفط والغاز([1]). فضلًا عن ذلك فإن ما تتطلع إليه دول المجلس الست في علاقاتها المستقبلية مع اليابان هو أيضا متقارب، حيث ترغب في الاستفادة من التقدم الياباني في المجالات عالية التكنولوجيا، فضلا عن المجالات الجديدة كالبيئة والزراعة والتكنولوجيات اليابانية المتطورة في مختلف المجالات، والدخول في شراكات استراتيجية كبرى مع اليابان، وفي المساعدة في تطبيق الرؤى الاستراتيجية والخطط الوطنية، وتتعزز تلك التوجهات الخليجية بمعرفة أن اليابان هي أحد أهم الشركاء التجاريين للمجلس، حيث ارتفع حجم التبادل التجاري بين الجانبين من 46 مليار دولار في عام 2001 إلى 171 مليار دولار في العام 2013.

وعلى الرغم من الطموحات الكبيرة لدول المجلس في العلاقة مع اليابان فلا يبدو أنه من السهل تغيير هذه المعادلة في العلاقات الخليجية اليابانية كثيرًا في العقود المقبلة، فاحتياجات اليابان تتزايد على واردات النفط والغاز، كما أن احتياجات دول شرق آسيا إلى النفط سوف تتعاظم أيضًا، مما يعني أن مكانة دول الخليج سوف تزداد في الفضاء الآسيوي مع ازدياد عمليات الصناعة والتحديث والتنافس بين القوى الصاعدة في آسيا، وفي التنافس بين آسيا والعالم على الحصص من الرأسمال العالمي. ومن ثم فإنه من المهم لدول مجلس التعاون أن تعمل على تعظيم وتنويع أسباب وآليات الطلب الياباني عليها حتى لا يقتصر ذلك على مجالات النفط والغاز وكسوق للصادرات اليابانية. ويتطلب ذلك البحث فيما يمكن لدول المجلس أن تقدمه جماعة إلى اليابان وما يمكن لليابان أن تقدمه إلى دول المجلس جماعة وليس كدول منفردة. فضلا عن ذلك يربط دول الخليج باليابان ظرف دولي متشابه فكلاهما مندمج منذ عقود في علاقة خاصة مع العالم الرأسمالي ومرتبط بأشكال أمنية ودفاعية مختلفة مع الولايات المتحدة، وكلاهما يسعى الآن إلى تحرير علاقاته الخاصة الأمنية والدفاعية تلك أو على الأقل التعامل مع ضرورات البحث عن بدائل لها حاليا وفي المستقبل، سواء بدوافع داخلية خاصة أو بضغط أمريكي فعلي، وهي مرحلة جديدة يتوجه إليها الجانبان معًا.

بدايات التوجه الجماعي نحو اليابان:

بدأ التوجه الخليجي الجماعي نحو اليابان منذ عشرين عامًا وفي منتصف الثمانينيات من القرن العشرين، وكان الإعلان الرسمي عن ذلك مع قرار المجلس الوزاري لدول مجلس التعاون في دورته الثامنة بدخول دول المجلس في مفاوضات مع الدول والمجموعات الاقتصادية الدولية، وقراره في دورته الحادية عشرة، بإقرار مبدأ الدخول في مفاوضات مباشرة بين دول المجلس كمجموعة مع الدول والمجموعات الاقتصادية الدولية، والذي حدد من بينها اليابان. حيث قام أمين عام المجلس بزيارة إلى اليابان عام 1986م، تلاها عقد سلسلة من جولات المباحثات الخليجية اليابانية، عقدت أولاها في طوكيو 1987م، وعقدت الجولة الرابعة في الرياض 1995م، وقد ناقشت تلك الجولات مجالات التعاون الاقتصادي على نحو شامل من تجارة واستثمار وتدريب وطاقة ونقل وتكنولوجيا، ولكن لم تكن هناك مجالات محددة للبحث والخروج بنتائج وتقديم اقتراحات([2])؛ فكان تناول هذه المواضيع يتم بشكل عام دون التوصل إلى اقتراحات محددة، حيث تحاشى الجانب الياباني على الدوام الدخول في أية التزامات معينة، إلاّ أنه في جولة عام 1995م، وبإصرار من دول المجلس وافق من حيث المبدأ على تشكيل فريق عمل للتجارة والاستثمار، على أن يتفق لاحقاً على كيفية تشكيله وبرنامج عمله، ولم يتم اتخاذ أي إجراء بشأن هذا الفريق حتى الآن. وأعقب هذه الجولات جولات وحوارات متعددة، وعقدت العديد من الفعاليات المشتركة، لكن النتائج المتحققة لم تكن بالمستوى المرجو؛ كما جرى عقد مؤتمرين لرجال الأعمال من الطرفين، الأول في طوكيو في نوفمبر 1994م، والثاني في البحرين في نوفمبر 1997م ([3])، واقترحت قطر تأسيس منتدى للحوار الخليجي الياباني، وعقد المؤتمر الأول لحوار الحضارات الإسلامي - الياباني في مارس 2002.

وبلغ التنسيق الخليجي الياباني مرحلة جديدة مع توقيع مجلس التعاون واليابان في الرياض على مذكرة تعاون للحوار الاستراتيجي في يناير 2012، تحدد آلية للحوار والتعاون ضمن ثلاثة مسارات "السياسي – الاقتصادي – الثقافي"، بهدف تعزيز العلاقات في المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية والاستثمارية والطاقة والبيئة والصحة والثقافة والتعليم والبحث العلمي، وفي بداية 2013، تم الاتفاق على خطة العمل المشترك "2013-2016" بصيغتها النهائية، والتي تحدد مجالات التعاون والأهداف الرئيسية والآليات والفعاليات المقترحة خلال فترة هذه الخطة([4]) .وفي يناير 2015 عقدت اللجنة المشتركة لكبار المسؤولين والمختصين بين مجلس التعاون واليابان اجتماعها في طوكيو، وتضمنت الاجتماعات أربعة مجالات تم الاتفاق عليها في خطة العمل 2013م، ووزعت المجالات على أربع فرق عمل تشمل: الحوار السياسي، والتجارة والاستثمار، ومجال الرعاية الصحية، والزراعة([5]).

وبين هذه الخطوات المتقدمة في مجالات العمل المشترك، شهدت العلاقات بين دول المجلس واليابان العديد من الفعاليات، من ذلك اختيار العاصمة اليابانية طوكيو المحطة العاشرة ضمن برنامج فعاليات أيام مجلس التعاون الخليجي في آسيا خلال الفترة من 22  إلى 24 أبريل 2015م، والتي أتت بناء على قرار من وزراء إعلام دول المجلس بهدف تعميق العلاقات وزيادة التواصل وتبادل الخبرات وتشجيع الحوار بين الحضارات والثقافات وتطوير التفاهم المتبادل والمساهمة في ثقافة السلام وتحقيق الرفاهية والنماء الاقتصادي بين دول وشعوب المجلس وبقية دول القارة الآسيوية وشعوبها. ومن فعاليات وجلسات الندوة المشتركة التي عقدت في طوكيو يتضح أجندة اهتمام الجانبين ومصالح كل منهما مع الآخر، حيث تضمنت الندوة جلسات حول "واقع التعاون الاقتصادي بين دول المجلس واليابان وسبل تطويره"، و"تبادل الخبرات العلمية والعملية الصناعية بين اليابان ودول المجلس"، و"الطاقة البديلة "، و"حوار الحضارات بين دول المجلس واليابان"، و"التعاون في مجال التعليم العالي والبحث العلمي ونقل التقنية" و"تعزيز العلاقات الخليجية اليابانية"، و"دور وسائل الإعلام في تعزيز التفاهم المتبادل بين دول المجلس واليابان بعيدًا عن الصورة النمطية" و"أفضل مجالات التعاون الممكنة بين دول المجلس واليابان في مجال الإعلام"، و"الإعلام ودوره في التعامل مع الأزمات الطبيعية والإنسانية"([6]).

ولكن على الرغم من التقدم في الحوار مع اليابان إلا أنه يلاحظ ملاحظتين أساسيتين:

(1)     أن الإطار الخليجي الجماعي مع اليابان (عبر أجهزة مجلس التعاون) يدور في الأغلب حتى الآن في أطر عامة وليس تنفيذية، وهو ما يتضح من طبيعة الفعاليات وموضوعاتها، وأغلبها موضوعات نظرية وفكرية، ومن الصعب معرفة ما يجري تنفيذه من التوافقات الجماعية مع الطرف الياباني، حيث أن أغلب ما يجري في الأوعية الجماعية هي بالأساس حوارات بينية، ولا تتخذ صيغًا تنفيذية. ويعني ذلك أن دول المجلس تدخل في علاقاتها الجماعية مع اليابان من دون رؤية أو استعداد أو تخطيط جماعي مسبق يعتمد على التنسيق في الأهداف والمصالح المشتركة، وأنه على الرغم من تشابه مصالحها مع الجانب الياباني إلا أنها لا تسلم لمنظمتها الجماعية بحق التفاوض باسمها، وإنما تختص بذلك وزاراتها وحكوماتها الوطنية.

(2)     أن العلاقات الخليجية اليابانية لا تزال علاقات ثنائية بين دول، وليس بين المجلس كتكوين جماعي واليابان كقطب اقتصادي كبير في آسيا والعالم؛ فليس هناك إدارة للعلاقات عبر الآلية الجماعية ولم تسفر جولات الحوار عن اتفاقيات أساسية جرى توقيعها في السياق الجماعي، ولم تدخل دول المجلس كجماعة في تكتل مصلحي تفاوضي مع اليابان، وإنما اقتصرت على علاقاتها الثنائية من خلال الرؤى الخاصة لكل منها، وهذا يعني أن المجلس كمنظمة إقليمية ليس هو الوعاء الذي يجري فيه نهر العلاقات الخليجية اليابانية، وعلى الرغم من أن ذلك هو تفضيل دول المجلس إلا أنه وافق التوجه الياباني الذي فضل أن يدخل في علاقات ثنائية وليس عبر الكيان الجماعي لمجلس التعاون، وهو الأسلوب الأمريكي نفسه الذي حرص على جعل علاقاته مع دول المجلس على المستوى الثنائي.

الحاجة إلى توجه جماعي مخطط:

إدراكًا لحقيقة صعوبة تفعيل الوعاء الجماعي لمجلس التعاون الخليجي في سياق العلاقات الخليجية اليابانية، فإنه من المهم أن يقوم المجلس بدور استكشافي رؤيوي لتعزيز أدوار القوة الناعمة في العلاقات البينية، بهدف إخراج هذه العلاقات من دوائر المصالح الاقتصادية ضيقة الأبعاد؛ فحتى الآن لا تمكن الصيغة التأسيسية القانونية والرسمية لمجلس التعاون وفقًا لنظامه الأساسي من إسناد أمر العلاقات السياسية والاستراتيجية لدوله إلى الهياكل الجماعية، وهو ما يعني أنه لأمد غير معلوم ستظل العلاقات الدولية للدولة منفردة هي الأساس في توجه دول المجلس وسياساتها الخارجية مع اليابان وغير اليابان، وهو ما يعني ضرورة فهم دور المجلس كمؤسسة في ضوء ما يمكن له القيام به في ظل وضعيته القانونية الراهنة، وفي ظل ذلك تبرز أهمية تعزيز المجلس لدوره كبيت خبرة جماعي لدوله.

ومن المهم إخراج العلاقات الخليجية - اليابانية، واليابانية - العربية بوجه عام، من دائرة التسييس، التي تهدر إمكانات الاستفادة الخليجية والعربية من طاقات وقدرات اليابان الأساسية، حين تدفعها إلى الاشتباك في مجالات وساحات وأدوار ليست أدوارها الأساسية. وعلى سبيل المثال فإنه سيكون عديم الفائدة أن تتجه جهود مجلس التعاون الخليجي نحو دفع اليابان إلى تبني مواقف فيما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي أو في المواجهة مع إيران أو في شأن الأزمات السياسية المختلفة التي يمر بها العالم العربي مثل أزمة اليمن أو سوريا أو ليبيا، حيث لن يكون ما تضيفه اليابان في هذا الخصوص من تأييد ودعم للمواقف العربية سوى تصريحات تضامنية باهتة بلا مضمون أو معنى أو فائدة سياسية على أرض الواقع، وليكن الأساس في مستقبل العلاقة الجماعية هو تحديد النمط الأمثل للاستفادة من نموذج اليابان، وهو النمط المرتكز إلى الارتقاء بالشؤون الوطنية الجماعية لدول المجلس والنهوض بتجربتها التحديثية والتنموية.

ضمن هذا السياق المؤسسي الرسمي الواضح يمكن طرح النقاط التالية في سياق تعزيز التوجه الخليجي الجماعي نحو اليابان المرتكز إلى استعداد مسبق وتخطيط ورؤية:   

أولاً: تعميق نموذج اليابان النهضوي في دول المجلس: يعني ذلك أهمية تعزيز دور الأنشطة العلمية في المجلس المختصة بالبحث في أسباب وأسرار التجربة اليابانية والنموذج الياباني،والتي تذهب أبعد من التحليلات الشائعة، والاستفادة من جوانب تلك التجربة خليجيًا، فنموذج التنمية المستدامة في اليابان القائم على القدرة البشرية والتصنيعية وقدرات الأدمغة والعقول والمعرفة والتقدم العلمي والبحثي والتعليمي، يختلف كثيرًاعن التجربة التنموية لدول المجلس التي استندت إلى الموارد النفطية والمالية بالأساس. وفي ظل اتجاه أسعار النفط إلى الانخفاض وتراجع المكانة العالمية لعصر النفط سوف تطرح تحديات على دول المجلس من جراء تبني خطوات التحول من مجتمعات الرفاه والوفرة إلى مجتمعات العمل وتوطين الوظائف واستثمار العقول، وفي ظل ذلك تزداد أهمية الاستفادة من النموذج الياباني كنموذج قائم على المجهود العقلي والعلمي للبشر. وفي الحقيقة، فإن هناك جوانب شبه وتقارب في أنماط العمل الاقتصادي بين دول الخليج واليابان يمكن توظيفها مثل التقارب في النموذج الاقتصادي الرأسمالي، ولكن هناك خطوات وحلقات مفقودة بين النموذج الياباني المكتمل ونموذج دول المجلس الذي يتضمن ثقوبًا عديدة ينبغي استكشافها من الآن حتى تكمل دول المجلس استعداداتها لعصر ما بعد النفط.

ثانيًا: الاستفادة بتجربة اليابان في التوفيق بين الحداثة والأصالة: تمكنت اليابان من تقديم تجربة ثقافية توافقية بين الحداثة التي تمثل الغرب، والأصالة الآسيوية التي نجحت في تقديمها للعالم، بينما الإشكالية الكبيرة في العالم الإسلامي(ومنه دول الخليج) تتمثل في غياب المنهج في دمج الحداثة الغربية مع الأصالة والهوية الإسلامية، مما نتج عنه كثير من التناقضات الاجتماعية والثقافية والنفسية بين قطاعات واسعة من المجتمعات الإسلامية(([7]، وهو ما يبرز فيما تشهده الدول العربية والإسلامية من زلازل اجتماعية واضطرابات سياسية مستدامة، وفي هذا الصدد تستطيع اليابان أن تشكل جسرًا بين الحضارة الإسلامية والحضارات الآسيوية، وأن تبني الجسور بين النموذج الحضاري الياباني والإسلامي في ظل استيعاب خاص للثقافة الغربية. وفي ظل الإشكالية الراهنة التي يعاني منها العالم الإسلامي ومنه دول مجلس التعاون الخليجي والخاصة بانتشار العنف والإرهاب والنماذج السلوكية والتأويلات الفقهية غير المؤمنة بحرية الآخر، تستطيع اليابان أن تقدم تجربتها لدول المجلس التي تساعد على تجاوز التعثر في التوفيق بين الهوية الثقافية الإسلامية وقيم الحداثة، كما تستطيع أن تدير حوارًا مع دول الخليج بشأن أسباب السلام والأمان النفسي اللذين تتحلى بهما الشخصية اليابانية وعوامل ترسيخ قيم العمل والأسرة. وهنا يمكن لمجلس التعاون أن يدخل في شراكة كبرى مع اليابان كممثل للعالم الإسلامي، وبهدف الاستفادة بالقيم اليابانية في الارتقاء بثقافة العمل والإعمار والجهاد المدني بدلا عن الجهاد المسلح والعنيف، وجهاد الدنيا بدلا من تحول الجهاد إلى ظاهرة مرضية وعدمية في ظل تأويلات خاطئة.

ثالثًا: مشروع خليجي لتوطين الصناعات ونشر ثقافة العمل والتدريب: على الرغم من العلاقات الخليجية اليابانية المتشعبة، فلم تستفد دول المجلس الاستفادة الكاملة من جوانب التميز العالمي لليابان، فلم تعمل على توطين التكنولوجيا اليابانية وتدريب الكوادر البشرية لإقامة صناعة للسيارات أو الأدوات الكهربائية والطبية أو صناعات الكمبيوتر وغيرها من الصناعات اليابانية المتطورة جدًا، والاستثمار في المعرفة والخبرات الفنية([8])، وهذا النمط هو ما يجب تغييره في الفترة المقبلة، من خلال امتلاك رؤية ومشروع خليجي جماعي، يتجه إلى تكريس جوانب الاستفادة من الخبرات اليابانية، واستنساخ نماذج وبيئات ومصانع حاضنة لآلاف العمال من المدربين والمهنيين، مع تربية الكوادر المؤهلة للقيادة والتدريب والعمل. وهذا هو أهم ما يمكن لليابان أن تقدمه للدول الأخرى. فبشكل عام، من المهم أن تسعى دول المجلس في علاقاتها مع الدول المتقدمة لأن تحصل منها على ما يمكن أن تقدمه من جوانب تميزها وأسرار ازدهارها، لا أن تركز بالأساس على ما ترغب في أن تحصل عليه من مواقف إسناد تضامنية في قضاياها السياسية، في الأغلب ليس لها قيمة فعلية على أرض الواقع ويجري تبنيها من باب المجاملات، وبينما تتكلف دول المجلس أثمانًا اقتصادية كثيرة لأجل الحصول على تلك المواقف التساندية فإن الدول المتقدمة تجني الكثير من المصالح الفعلية.

رابعًا، المساعدة اليابانية في تنفيذ الرؤى الاستراتيجية الخليجية، ففي سياق استعدادها لعصر ما بعد النفط ورؤية قياداتها لعظم التحديات، صدرت عن كل حكومات دول مجلس التعاون الخليجي (الإمارات، السعودية، عمان، البحرين، قطر، الكويت) رؤى استراتيجية وطنية بمديات زمنية تتضمن 2020 و 2030 و 2050، ولقد حملت أغلب هذه الرؤى وعودًا كبرى تستهدف بالأساس استدامة معدلات النمو وتجاوز آثار انخفاض المكون النفطي في اقتصادياتها، وطرحت هذه الرؤى أهدافًا وطنية محددة، وبعض هذه الرؤى انطلق من طموحات واعدة وأهداف يرى البعض بصعوبة تحقيقها في آجالها الزمنية القصيرة. وفي ظل هذه التوجهات والأفكار والمشروعات والرؤى الكبرى التي تتحرك نحوها دول الخليج، يمكن لليابان أن تشكل بيت خبرة لدول المجلس، حيث يستطيع الفكر الياباني والعقول اليابانية والأيدي العاملة اليابانية أن تقدم مساعدات فنية وعلمية هائلة لدول المجلس تمكنها من تجاوز الفجوة بين هذه الرؤى والواقع، وتحديد ما يمكن تنفيذه من الآن وما ينبغي تأجيله لفترة أو استبداله.   

بهذه الجوانب وغيرها يستطيع مجلس التعاون الخليجي كمنظمة إقليمية أن يعظم دوره، في سياق تكوينه السياسي وفي ظل الحدود الرسمية والقانونية الخاصة بأوضاع صناعة القرار في سياقه الجماعي. 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية ـ مدير برنامج الخليج العربي  بمركز الدراسات الاستراتيجية بالأهرام

 

 

1- د. جمال عبد الله ود. ناصر التميمي، العلاقات الخليجية-اليابانية: ماذا بعد الطاقة؟، مركز الجزيرة للدراسات، 26 أكتوبر 2015. http://studies.aljazeera.net/ar/reports/2015/10/2015102582149486182.html

[2]- د. نصرة البستكي، اليابان والخليج: استراتيجية العلاقات والمشروع النهضوي، بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 2004، ص  185 – 186.

[3]- وكالة الأنباء السعودية، مجلس التعاون و35 عاماً من الإنجاز / إضافة أولى، 2016/05/24. http://spa.gov.sa/1503613

[4]- وكالة أنباء الإمارات (وام)، فعاليات أيام مجلس التعاون تنطلق في محطتها العاشرة من اليابان، 17/4/ 2015. http://wam.ae/ar/news/arab/1395279387216.html. . أيضا: صحيفة الرياض، "أيام مجلس التعاون" تبدأ في طوكيو.. الأربعاء المقبل، 18 أبريل 2015. http://www.alriyadh.com/1040253

[5]- وكالة الأنباء السعودية، مجلس التعاون و35 عاماً من الإنجاز، مرجع سابق.

[6]- وكالة أنباء الإمارات (وام)، فعاليات أيام مجلس التعاون مرجع سابق. أيضا: صحيفة الرياض، "أيام مجلس التعاون"، مرجع سابق.

[7]- علي الطراح، الحوار الياباني الإسلامي، صحيفة الاتحاد، 7 فبراير 2015.

[8]- حسام كمال الدين، دول الخليج واليابان‏..‏ من التبادل التجاري إلي الشراكة الاستراتيجية، صحيفة الأهرام، 14 إبريل 2013. 

مجلة آراء حول الخليج