لا شك أن السياسات تمر بمراحل عديدة من الوصف والإجراء والاستدلال والأداء، والنتائج المتوقعة والتقييم، والمراقبة، وهي سلسلة منهجيات تبنى على مناهج عدة ضمنها السبب والنتيجة أو منهجية النظم من مدخلات وعمليات ومخرجات، وفي الوقت الحاضر، تعيش دول مجلس التعاون حالة، من سرعة التغيرات الإقليمية والدولية والمجالية، التي تؤثر عليها وتتأثر بها، وعلى رأسها مجموعة "الصراعات" المباشرة، وغير المباشرة، بشقيها الصلب والمتمثل في الأزمة اليمنية والسورية والعراقية، وظهور المنظمات الإرهابية العابرة للحدود.
وكذلك الدولية مثل زيادة التدخل الروسي في المنطقة وبروزها كقوة مهيمنة دولية، وكذلك التقهقر الأمريكي، والذي ميز الفترة السابقة، ثم الانتخابات الأمريكية والتي ستؤثر لا محالة في المستقبل العالمي والإقليمي.
ومع تلك التغيرات تلعب كذلك التغيرات المجالية، والمقصود بها التغير في أسعار النفط، والتغيرات الاقتصادية التي أثرت على مداخيل دول الخليج بشكل عام، والتي أثرت كذلك على السياسات الداخلية والخطط الوطنية لكل دول المجلس، وأيضًا سياساتها بما يتعلق بالعمالة غير الوطنية.
يبقى هاجس السياسات والاستراتيجيات العسكرية ذا بروز في المرحلة الأخيرة وفي هذا السياق يقول كلاوزفتز عند الحديث عن النظرية الاستراتيجية تصبح النظرية عندئذ دليلًا لأي شخص يريد أن يتعلم عن الحروب من خلال الكتب، فهي تنير طريقه، وتسهل تقدمه، وتدربه على الحكم السليم، وتساعده على تجنب المآزق... تكون النظرية بحيث لا يحتاج المرء إلى البدء من جديد كل مرة للتعرف على الآلة وتحليل تفاصيلها، بل يجدها جاهزة بين يديه، ووفق ترتيب جيد. والغاية منها تدريب عقل المرشح ليكون قائدًا في المستقبل.
يعيش العالم أجمع على مستوى البيئة الأمنية حالة من التوترات العابرة للحدود، وتتأثر المنطقة العربية والخليجية خصوصًا بتلك التغيرات المختلفة، ولطالما كان أمن الخليج مسألة متداخلة الأبعاد ومركبة مع كل من البيئة الداخلية والخارجية لها.
على الرغم من الأهمية الاستراتيجية لمنطقة الخليج فإن دول المجلس لم تستطع حماية أمنها بشكل مستقل عن القوى العالمية الكبرى[1]، واليوم نعيش تحولات تتميز بعنصرين هامين، الأول إنها غير قابلة للتنبؤ والثاني إنها سريعة وغامضة. وهذا كله يدفع بالمتخصص إلى طرح العديد من الأسئلة حول ماهية أمن الخليج، وتحوله، وتأثره بتلك العوامل المعقدة، سواء على المستوى الخارجي مثل تحول القوة الدولية مثلًا باتجاه روسيا، أو على مستوى التحالفات بإعادة النظر في المصالح المشتركة أو الحكم على الحلفاء ومدى تقييمهم، وكذلك مدى تقييم الأخطار الأمنية مع نظرة نقدية للمنهجيات التي حاولت تناول مسألة الخطر الأمني ذي الطبيعة المتغيرة.
الأمن كمحرك للسياسات في الوقت الراهن
يتربع الأمن حاليًا على أعالي صنع السياسات الخليجية بل والدولية، تترجم مفهوم الأمن القومي إلى سياسات وإجراءات. وفي هذا الصدد يجري التمييز بين الأمن القومي national security بهذا المعنى السابق، والأمن الإقليمي Regional security الذي يشير إلى أمن مجموعة دول جوار جغرافي، والأمن الدولي International security والذي يتعلق بالنظام الدولي ككل، والذي يشهد مخاضًا في أسسه وهيكله والدوافع المحركة له. ويتفق الباحثون أن الأمن القومي العربي يتجاوز مفهوم الأمن الإقليمي لأن العلاقات التي تربط بين البلاد العربية والتحديات المشتركة التي تواجهها، تجعل من الأمن العربي أمرًا مختلفًا عن مجرد الأمن النابع من حقيقة الجوار الجغرافي، وذلك للروابط الثقافية والهوياتية والدينية واللغوية.
وتعود الجذور لذلك المصطلح إلى عام 1684م، واتفاقية وستفاليا التي أسست لما يسمى الدولة الأمة Nation- state وشكلت حقبة الحرب الباردة الإطار والمناخ اللذين تحركت فيهما محاولات ومقاربات نظرية وأطر مؤسساتية وصولاً إلى استخدام تعبير استراتيجية الأمن القومي[2]
إن أحد التعاريف للأمن الوطني أو القومي هو ما تقوم به الدول للحفاظ على سلامتها ضد الأخطار الخارجية والداخلية التي قد تؤدي بها إلى الوقوع تحت سيطرة أجنبية نتيجة ضغوط خارجية أو انهيار داخلي.[3] ويؤدي حفظ الأمن إلى تحقيق أهداف الدولة كما يشير ظافر العجمي، والذي يؤكد أن للأمن عناصر منها كيان الدولية وفكرة قيامها وهما عنصران معنويان، أما العنصر المادي فهو سكان الدولة ومواردها الاقتصادية وهو أكثر العناصر قابلية للتهديد.[4]
بيد أنه من جهة أخرى تلعب الهوية دورًا كبيرًا في حفظ الأمن من ناحية، ومن ناحية أخرى في تحديد الخطر، أي أنه باختلاف نوع الخطر وما ينشأ من التحول الاجتماعي الداخلي والتحول في المجتمع الدولي وبنية القوة في النظام الدولي، يترجم نوع الخطر الجديد وبالتالي يعاد أو تعاد الصياغة الاستراتيجية لنوع الأمن وأسلوب حفظه اقليميًا وداخليًا.
الأمن الجماعي ودول الخليج: الثابت والمتحول
هو قيام نظام جماعي بين دول معينة بمقاومة عدوان دولة ما على إحدى الدول من منتسبي النظام. وقد أكد كارلدوتش الذي وجد أن مفهوم الأمن متطور غير جامد يعني أشياء مختلفة في أوقات مختلفة وأماكن مختلفة. فهو متجدد يواكب تطورات الأوضاع المحلية والإقليمية. ومن هنا نستطيع القول: مسألة الأمن الجماعي لدول الخليج أصبحت في تداخل بشكل كبير تتأثر بالمحيط الإقليمي وتؤثر فيه، لكنها أيضًا تتغير بتغير الزمن والمصلحة.
وقامت منظمة دول مجلس التعاون الخليجي كمنظمة أمن جماعي لتلك الدول، لتعزيز الروابط الخليجية والعمل على إيجاد صياغات عسكرية وسياسية وأمنية مشتركة من أجل المصلحة الجماعية لدولها.
فهم أمن الخليج من منظور جيوسياسي
من منطلق موقع دول الخليج والذي يحتل موقعها استراتيجيا بين آسيا وإفريقيا، وعلى مطلات بحرية هامة في الملاحة الدولية، وكذلك أهمية مكانية بوجود المقدسات الإسلامية الشريفة على أرض المملكة العربية السعودية، أوجد لها أهمية عالمية، ولا يكون للموقع الجغرافي لدول الخليج علاقة بالسياسة الدفاعية والسياسة الهجومية، ووجود المنطقة حاليًا في مناطق صراع وتوترات (العراق – سوريا – اليمن) كصراع صلب، يجعل ذلك يعزز من السياسات الأمنية الخليجية تجاه تلك الدول والتي تمت ترجمته جنوبًا بعاصفة الحزم.
تغيرات القوة الدولية وأثرها على سياسات أمن الخليج
ما بين قوة الدول ونفوذها، ومقدار أدواتها الصلبة والناعمة في التأثير على النظام الجمعي أو الإقليمي أو حتى على الدول الأخرى بشكل فردي، يتغير مفهوم توازن القوى دوليًا، ويعد مفهوم توازن القوى ذو انتشار واسع إلا أن المعنى الدقيق ما زال غامضًا في معرفة الأدوات المختلفة و المستويات التي تحدد نوع القوة من جهة وكذلك مدى تأثيرها، ويمكن وصفها توازن القوى بأنها: الحالة التي تتعادل و تتكافأ معها المقدرات البنائية والسلوكية والقيمية لدولة ما منفردة أو مجموعة من الدول المتحالفة مع غيرها من الوحدات السياسية المتنافسة معها، بحيث تضمن هذه الحالة للدولة أو لمجموعة الدول المتحالفة ردع أو مجابهة التعديات الموجهة ضدها من أي عدو، وبما يمكنها كذلك من التحريك السريع والفعال وحرية العمل في جميع المجالات للعودة لحالة الاستقرار[5].
ويطلق على هذا المفهوم التوازن الاستراتيجي وهو يتميز بثلاث خصائص:
1- تكافؤ مجموعة من المتغيرات فإذا استمر هذا التكافؤ عرف بالتوازن الاستراتيجي المستقر، وإذا تغيرت حالة هذا التكافؤ سلبًا أو إيجابًا سمي بالتوازن الاستراتيجي غير المستقر.
2- إمكانية تحقيق هذا التوان بدولة منفردة بصورة كاملة معتمدة على إمكانياتها الذاتية وقدراتها القومية، بحيث تتكافأ مع التهديدات الموجهة ضدها أو قد يتم ذلك من خلال تحالفات وفية تعبئ مقومات القوة القومية للدول المتحالفة ضد التهديدات الموجهة لهذا التحالف.
3- إن هذا التوازن له ثلاثة أبعاد، وهي البعد البنائي ويتمثل في القدرات السياسية الاقتصادية والعسكرية والاجتماعية لدولة أو مجموعة دول أما البعد الثاني وهو سلوكي، وينبع من مرونة وحركة القوى الفاعلة دولة أو إقليمية والبعد الثالث هو بعد يقيم من خلاله حالة القول أو الرفض للقوى الفاعلة.
إعادة تقييم سياسات التحالفات والعداوات ضرورة مستمرة
يمكن تعريف التحالف بأنه اتفاق رسمي تتعهد بموجبة مجموعة من الدول بأن تتعاون فيما بينها في مجال الاستخدام المشترك لقدراتها العسكرية ضد دولة أو دول معينة، كما تلتزم عادة بمقتضاه دولة أو أكثر من الدول الموقعة على الاتفاقيات عليه باستخدام القوة أو التشاور بشأن استخدامها في ظل ظروف معينة.
وقد تكون التحالفات رسمية أو غير رسمية، وثنائية أو أكثر في عددها، وكذلك في طبيعتها هجومية أو دفاعية، وكذلك من حيث مدة زمنها وتوقيتها، وإعلانها، والتكافؤ بين أعضائها، وبين التركيز على مسألة التكافؤ حيث تؤثر الدول القوية في الأحلاف على الدول الكبرى أو توجهات الحلف، ويمكن تحديد أربعة دوافع داعية لقيام التحالفات على سبيل الذكر لا التحديد وهي:
- تحالفات تعزيزية.
- تحالفات وقائية.
- تحالفات استراتيجية.
- تحالفات تخدم أهدافًا أيدولوجية.
عدد من الأسئلة ينبغي طرحها عند الحديث عن الحلفاء، هل نحن وهذه الدولة حلفاء أو أعداء؟ هل نبالغ في طرح دول أعداء مثل إيران مثلًا؟ أو نقلل من تلك العداوة؟ هل نعي تحالفنا مع مصر ودول عربية أكثر مما يجب أنهم حلفاء؟ هل دول كباكستان أو تركيا في الدرجة من التحالف التي ينبغي لها؟
كيف يمكن تسريع التحالف أو تبطيئه، من أجل المصلحة الوطنية، ونفس الشيء ينطبق للعداوة، هل من المهم وجود عداوة أو تحييد عداوة من أجل تحييد خطر ما والذي يصب في مصلحة وطنية كذلك؟
يمكن الحديث عن سياسة التحالفات أنها تجمع دولتين أو أكثر لمواجهة قوة أخرى، و يمكن لتلك التحالفات أن تأخذ شكلًا دبلوماسيًا أو عسكريًا أو سياسيًا أو أي مجال آخر من شأنه إحداث مصلحة متبادلة بين الطرفين وتوجيه رسالة أو وضع تدابير للحماية من قوة أخرى تهدد أمن هذه الدول مجتمعة أو إحداها، و تتسم التحالفات عند تعدد القطبية بالمرونة والتبادل، فحليف اليوم عدو الغد والعكس أيضًا، ولذا نكتشف أن من بين أسس التحالفات أن يبقي على الدول المهزومة في حالة من القوة تحسبًا لتبدل موازين القوة الدولية حين البحث عن حلفاء للغد عند الاختلاف مع حلفاء اليوم.
وهنا نتساءل كذلك بالنسبة لدول الخليج وتأثرها وتأثيرها بالتحالفات التقليدية التي كانت تعتمد عليها، هل تأثرت بما يسمى تأثر المكانة وهو الخلل في الاتزان بين العوامل الجغرافية والاقتصادية والعسكرية والتقدم التكنولوجي والثقافة والحضارة، والذي أصبح غير متوازن بسبب أسعار النفط، مما أدى إلى توازن مكانة دول الخليج وإضعاف قدراتها في إحداث التأثيرات السياسية في الساحة الدولية.
نظرة مستقبلية على التطورات الدولية وقيادة العالم
إن قيادة العالم في هذا المناخ المتقلب الجديد يصعب أن يكون من قطب واحد، فلن يجد أمامه إلا خيار القوة العسكرية لاستمرار هيمنته وسيطرته، سواء كان هذا الاستخدام للأداة العسكرية تحت مظلة الشرعية الدولية، أي الأمم المتحدة أو التحالف الدولي أو يكون أيضًا وفي بعض الحالات المرتبطة بمصالح القطب الأوحد خارج الشرعية الدولية.وإن استمر ذلك لفترة فلن يستمر إلى الأبد فسوف يبحث العالم عن نظام آخر تتعدد فيه القطبية لإحداث التوازن المطلوب وإضفاء الشرعية والعدالة وتفعيل دور المنظمات الدولية.[6]
تحولات جغرافيا الصراع في الشرق الأوسط
وقد دفع ذلك صحيفة "الاتحاد" الإماراتية إلى عقد منتداها السنوي الحادي عشر تحت عنوان "العرب بعد 100 عام على سايكس بيكو"، في 20 أكتوبر 2016م، حيث خلص إلى أن السياق الدولي والإقليمي قد تغير، لكن الأطماع الخارجية لا تزال قائمة. فالحدود في الإقليم لا يتم ترسيمها جغرافيًّا بالتوافق بين دول وقوى دولية، بل هي أقرب إلى "خرائط ورقية هشة" يتم تجاوزها، قبولاً أو اضطرارًا، بحيث تتغير زمنيًّا وفقًا للقوى المسيطرة على الأرض في عدة أقاليم جغرافية، طبقًا لمنطق الأقوى.
وقد سبق أن قال مسعود بارزاني رئيس إقليم كردستان العراق في حوار مع صحيفة "الحياة" اللندنية، في 6 فبراير 2015م: "إن الحدود الموروثة من اتفاقات سايكس بيكو هي حدود مصطنعة، وإن الحدود الجديدة في المنطقة تُرسم بالدم داخل الدول أو بينها".
وعبر عن هذا المعنى أيضًا الكاتب غسان شربل في الصحيفة نفسها في 12 أكتوبر الماضي، بقوله: "لا العودة إلى الحدود السابقة مطروحة، ولا الاعتراف بالحدود الجديدة واردة". فقد يتم تشكيل دول قائمة على أسس جديدة، أو توسيع دول قديمة، بشكل يختلف عن التصورات الأمريكية السابقة التي جسدها مشروع الشرق الأوسط الجديد و"الفوضى الخلاقة" الرامية إلى التفتيت أو التقسيم.
فلم تعد هناك أهمية محورية لما يطلق عليه "ديكتاتورية الجغرافيا" أو "السيادة المطلقة" للدول في الإقليم؛ إذ أن هناك مجموعة من التحولات الرئيسية التي تبرهن على تحول جغرافيا الصراع داخل منطقة الشرق الأوسط، على نحو ما تعكسه النقاط التالية:
مركزية متلاشية:
1-استحالة عودة الدولة المركزية الموحدة إلى ما كانت عليه: إذ لم تعد الدولة هي الفاعل الرئيسي المحتكر للقوة الإكراهية في التفاعلات الإقليمية، بل برزت أدوار فواعل عنيفة من غير الدول، وخاصة خلال مراحل التحول من الثورات إلى الصراعات، مثل الميليشيات المسلحة، والتنظيمات الإرهابية، والكتائب المناطقية، والقوى المذهبية التي كونت ما يشبه "الجيوش الموازية".
وتشير تفاعلات الصراعات الداخلية العربية المسلحة إلى عدم قدرة أي طرف على حسم الصراع لمصلحته في مواجهة الأطراف الأخرى، وبالتالي تغير خريطة الدول عما كانت عليه قبل عام 2010م.
وقد عبَّر عن هذا المعنى بوضوح جون برينان مدير الاستخبارات المركزية الأمريكية خلال مؤتمر للاستخبارات نظمته جامعة جورج واشنطن في العاصمة الأمريكية في 27 أكتوبر 2015م، قائلا: "عندما أنظر إلى الدمار في سوريا وليبيا والعراق واليمن، عليَّ أن أتخيل وجود حكومة مركزية في هذه الدول قادرة على ممارسة سلطة على هذه الحدود التي رُسمت بعد الحرب العالمية الثانية"، وأضاف: "الحل العسكري مستحيل في أيٍّ من هذه الدول، ومن الخطأ الذهاب مباشرة باتجاه البحث عن تسوية نهائية في الوقت الراهن، بل يجب اعتماد استراتيجية الخطوات الصغيرة عبر السعي إلى خفض درجة التوتر وتقليص حدة النزاع وبناء الثقة بين الأطراف الراغبة في التوصل إلى تسوية سلمية".
وهذا يشير لنا بالنسبة للسياسات الخليجية إلى أمرين:
الأول: أهمية العمل على شكل مرحلي لخفض كمية ونوعية التوتر (دفاع استراتيجي – توازن استراتيجي – هجوم استراتيجي)
الثاني: الدور التقليدي للدولة أصبح غير فاعل، والتوجه العالمي في دينميكيات التفاعلات الدولية، يشير إلى صعود الفاعلين من غير الدول وهذا ما يجب تعزيزه عبر التحالفات الدولية مع حلف الناتو والاتحاد الأوروبي، ومع دراسة الأثر للفاعلين المجالين "النفط كفاعل" الاقتصاد العالمي كفاعل" وإن تلك الموارد الاقتصادية لها تأثير كذلك في صياغة السياسات، وإن صياغة السياسات في الموارد له أثره على التحول الداخلي والإقليمي وكذلك الدولي.
التمدد الإيراني في المنطقة وأثره على السياسات الخليجية
تقوم طهران بالتمدد في عدد من العواصم العربية، سواء من خلال التقارب السياسي أو التواجد العسكري أو التعاون الاقتصادي أو التشيع الثقافي، خاصة أن هناك اتجاهًا داخل إيران يرجح سيناريو تقسيم الدول العربية خلال المرحلة المقبلة، بما يصب في صالح طهران.
تنحاز كذلك لنظام بشار الأسد ضد الشعب السوري وهذا الانحياز مع النظام الذي يقتل شعبه، وكذلك تسعى في اليمن من خلال ميليشيات طائفية مثل ما تعمل كذلك في العراق.[7]
ففي هذا السياق، قال كبير مستشاري المرشد الأعلى للجمهورية، رحيم صفوي، في ندوة "التحولات الجيوبوليتكية في العالم الإسلامي" بطهران في 18 أكتوبر 2016م، إن "بعض الدول في المنطقة كالعراق وسوريا وليبيا يتجه نحو التقسيم، بحيث ينقسم العراق إلى ثلاث دويلات، وسوريا إلى قسمين، وليبيا إلى قسمين".
وتتصدر أولويات طهران إضعاف الجماعات السنية على نحو يعكس دعمها لزيادة السيطرة الجغرافية لحلفائها، سواء قوات الجيش الوطني وميليشيا "الحشد الشعبي" في العراق، أو جماعة الحوثيين في اليمن، أو حزب الله في لبنان، أو جيش الأسد والمقاتلين الباكستانيين والأفغان في سوريا، فضلا عن حرصها على الدفاع عما تُطلق عليه "مظلومية" الشيعة في العالم، رغم أنها تنتصر لمصالحها في النهاية.
خلاصة القول، إن جغرافيا الصراع في الشرق الأوسط في نهاية عام 2016م، تشير إلى تشكل خرائط مختلفة وحدود جديدة بواسطة فاعلين قدامى وجدد تختلف عما كان سائدًا قبل عقود، بعد سقوط الحدود الفاصلة بين بؤر الصراع في سوريا والعراق، ودعم بعض القوى لميليشيات متصارعة، وعدم اعتراف الميليشيات المسلحة بخطوط الحدود، وتنامي الميول الانفصالية للفاعلين العنيفين، وتصاعد الدور الروسي الجديد في الإقليم، على نحو يعكس الإقامة في أرض لا خريطة لها.[8]
الحالة اليمنية والسياسات
لا يمكن حصر جميع السياسات الخليجية تجاه جميع القضايا الاقليمية ولكن، سنحاول في هذه الورقة الإشارة الى الموقف الخليجي تجاه الأزمة اليمنية، والوضع الدفاعي الخليجي المشترك.
تعتبر اليمن في حالة من تعدد الفاعلين من البعدين الصلب والناعم، على مستوى الدفاع والهجوم، وهذا ما يزيد في فوضى المشهد اليمني، فالداخل اليمني، من القوة الصلبة يضم الحوثيين، واتباعهم وكذلك، بعض من قوات الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، ومن يواليهم.
وعلى مستوى قوات التحالف والتي تأتي على رأسها القوات السعودية، وكذلك المشاركة مع القوات الإماراتية وباقي دول التحالف والذي يشكل المكون الصلب.
على المستوى الدبلوماسي، يشكل مجلس التعاون الخليجي لا سيما المبادرة الخليجية لحل الأزمة وانتقال السلطة بشكل تدريجي وسلس في الداخل اليمني أحد الحلول التي كانت ستسهم في حل الأزمة اليمنية، لولا تعنت علي عبدالله صالح، وكذلك التدخل الإيراني الذي يزداد في الداخل اليمني.
مستقبل السياسات الخليجية
تتوجه سياسات دول مجلس التعاون الخليجي، إلى أن الخليج وحدة واحدة، يجب الحفاظ على استقراره وازدهاره، وقد مرت التجربة الخليجية، بعدد من المراحل التي أدت إلى تطور سياساتها وتبلور سياساتها في الأمور الاقتصادية والتنموية، والسياسية الداخلية والخارجية، ومع ذلك يبقى هنالك بعض التباين في سياسات دول الخليج منفردة في بعض القضايا، ولذا تكون منظمة دول المجلس في بعض القضايا الخارجية، كمنظم اجتماعات لا كصانع أو موحد سياسات مشتركة. بيد أنه في كل من قضايا اليمن وسوريا، كانت هنالك على مستوى المجلس سياسات واضحة تنبع من حفظ الأمن الخليجي المشترك، والواجب العربي والإسلامي على دول الخليج، تجاه أشقائهم في هذه الدول العربية.
الاتجاه الأول: تعزيز الوحدة الدفاعية الخليجية وهذا ما جاء تأكيدًا عليه في الاجتماع الخليجي لوزراء الدفاع الخليجيين والذي بحث مسارات العمل العسكري المشترك، بشأن تعزيز العمل الخليجي المشترك في المجالات العسكرية، كما استعرض الخطوات المتخذة لتفعيل القيادة العسكرية الموحدة، ومختلف الوحدات التابعة لها، واستكمال ما تحتاجه من متطلبات ومنشآت.
وكذلك فيما يتعلق بتعزيز الهوية الوطنية الخليجية من خلال المسارات العسكرية وبارك الجهود الإعلامية المختلفة التي تبذل في هذا المجال من ندوات ومحاضرات وتنظيم أسابيع خليجية، والحرص على التكامل الدفاعي والآليات التي تم إقرارها لتحقيق التكامل الدفاعي بين دول المجلس بهدف بناء شراكة استراتيجية قوية، وإقامة منظومة دفاعية فاعلة لمواجهة مختلف التحديات والتهديدات. وتطوير منظومة الاتصالات المؤمنة ومنظومة حزام التعاون،
وينوي كذلك المجلس إنشاء الأكاديمية الخليجية للدراسات الاستراتيجية والأمنية، وأقر بعض التوصيات المتعلقة بذلك.
كما تطرق المجلس في مناقشاته للحوار الاستراتيجي والتعاون بين دول المجلس والجانب الأمريكي في نطاق الحوار الاستراتيجي بين الجانبين انطلاقاً من مخرجات قمة كامب ديفيد الخليجية الأمريكية حيث أكد أصحاب السمو والمعالي والسعادة أعضاء المجلس على أهمية تعزيز هذا التعاون وتفعيل ومتابعة ما يصدر بشأنه من نتائج وتوصيات من الفرق واللجان المختصة.
ماذا نحتاج في سياسات دول الخليج؟
من الأهمية بمكان بحث الغايات والطرق والوسائل في كل من السياسات التي تخدم استراتيجية إعادة التوازن، وذلك عبر الدراسة المستمرة و المرنة، للسياسات الخاصة بالتحالفات في المنطقة وكذلك التغيرات، وهذا يتطلب تمكين المؤسسات الخليجية في المجالات الدبلوماسية والعسكرية والاستخبارية، ومن جهة أخرى هنالك حاجة كذلك إلى تعزيز السياسات التي تواكب استراتيجية استرداد المكانة لا سيما مع الأسعار المتدنية للنفط وذلك بالرجوع إلى أدوات القوة الخليجية و تمكينها داخليًا وبينيًا، وقد بدى ذلك واضحًا في الاجتماع الذي ضم وزراء الدفاع الخليجيين، والذي أكد على التنسيق في مجال درع الخليج وحزام الخليج، وتعزيز الهوية الخليجية المشتركة.
من جهة أخرى، يجب وبشكل دوري العمل على استراتيجية إعادة تقييم التحالفات والعداوات ففي ظل التغيرات المتسارعة والتي تحتاج إلى الاستجابة المرنة، ويستلزم توحيد السياسات الخارجية أن يتم التوصل إلى الأسس الفلسفية والمنهجية، التي تعرف بها دول الخليج، أمران مهمان من شأنهما قيادة دول الخليج نحو الأسس المنهجية لتكوين سياسات المجلس المشترك، الأول هو تعريف المصلحة والآخر هو تعريف الخطر والأمن، ولا شك أن من خلال هذين التعريفين والإجراءات والأطر المنهجية ورسم السياسات الواضحة من خلال العقيدة السياسية والأمنية المشتركة، ستسهم كثيرًا في وضع الحد الأدنى لتوحيد السياسات، وبالتالي يبنى على تلك الأسس ويسهم بعد ذلك في تنويع البدائل ومعرفة الأدوات الناعمة والصلبة التي يمكن استخدامها من أجل تعزيز المصالح وتجنب الأخطار. ومن الخطوات المتقدمة كذلك في المجلس في مجال العمل المشترك، أن يحق للمواطن الخليجي العمل في دول الخليج، وكذلك الرجوع للمجلس في حالة وجود إشكاليات تتعلق بالمواطن الخليجي في دول الخليج كمرجعية عليا.[9]
ولا شك أن الرغبات الشعبية والإرادة السياسية قادرة على تمكين تلك المؤسسات , المؤسسات والأنظمة تكتمل بشكل أفضل، وإنضاج السياسات، من أجل تحقيق مواطنة خليجية تحمي هذه الدول وتتفاعل بشكل قيمي مع التغيرات المتسارعة، وكذلك تضمن حقوق الإنسان الخليجي، وتعمل على دعم واستقرار ورفاهية المواطن، ولا شك أن التجارب التاريخية، إذا ما أخذنا مقارنة بين الاتحاد الأوروبي الذي بدأ باتفاقية الصلب والفحم عام 1952م، والتجربة الخليجية التي بدأت عام 1981م، تدل على أن الجهود الخليجية قادرة على تحقيق ما يتطلع إليه مواطنو دول المجلس.
[1]محمد عبد الغفار، الأمن الوطني والإقليمي لدول مجلس التعاون الخليجي، مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة، المنامة، 2012، ص1
[2]علاء عبدالحفيظ محمد، الموائمة بين اعتبارات الامن والممارسة الديمقراطية، مركز الامارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، ابو ظبي، 2014م، ص 23
[3]موسوعة السياسة، اسسها عبدالوهاب الكيالي، 7 ج ، ط3 ، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1990، ح1، ص 331
[4]ظافر محمد العجمي، أمن الخليج العربي تطوره وإشكالياته من منظور العلاقات الاقليمية والدولية، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2011، ص 52
[5]نسيم بهلول، عن الجيوإستراتيجية، ابن النديم للنشر والتوزيع، وهران، 2015، ص261
[6]المرجع السابق، ص304
[7]عبدالعزيز بن عثمان بن صقر، دول الخليج في مواجهة تجاوزات إيران، مجلة آراء: افتتاحية العدد، العدد 99، 2015، ص 6.
[8] تقديرات يومية تصدر عن مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، بأو ظبي، العدد 101، 23 أكتوبر 2016.
[9] https://www.aleqt.com/2016/11/15/article_1102045.html