يُعد خطاب خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -أيده الله-لدى افتتاحه أعمال السنة الرابعة من الدورة السادسة لمجلس الشورى، أحد الخطابات التاريخية الهامةالتي تؤسس لمرحلة مستقبلية لازدهار المملكة، وقد استعرض فيه سياسة المملكة الداخلية والخارجية، وأبرز المستجدات والتحديات في هذا الشأن.
وقد جاء الخطاب شاملاً بمضامينه ودلالاته العميقة وأهميته التاريخية التي تمثلت في عزم المملكة على الاستمرار في مسيرة النماء، الراسخة منذ عهد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود ـ طيب الله ثراه ـ ومن بعده أبنائه البررة، ويأتي في مقدمتها التزام المملكة في خدمة الحرمين الشريفين وقاصديهما من حجاج ومعتمرين وزوار. إن الخطاب سلط الضوء على مواصلة المملكة تطوير برامج التنمية، واستمرار الجهود في تعزيز مسيرة التنمية في مختلف جوانبها السياسية، والثقافية، والاقتصادية، والاجتماعية، والخدمية، والوصول إلى تكامل الأدوار وتحديد المسؤوليات والاختصاصات ومواكبة التطورات، وتحسين بيئة العمل وتقوية أجهزة الدولة.
وفي ظل التقلبات الاقتصادية الدولية وانخفاض أسعار النفط، أكد خادم الحرمين الشريفين ـ حفظه الله ـ على السياسة الاقتصادية الحكيمة للمملكة، التي مكنتها بفضل من الله من تجاوز هذه التقلبات، مشيرًا إلى أن ارتفاع أسعار النفط خلال السنوات الماضية أسهم في تدفق إيرادات مالية كبيرة، وحرصت الدولة من خلالها على تنفيذ العديد من مشاريع التنمية الضخمة وتطوير البنية التحتية، إضافة إلى تعزيز الاحتياط العام للدولة. وفي هذا السياق، استعرض خادم الحرمين الشريفين رؤية الإصلاح الاقتصادي التي ترتكز على رفع كفاءة الإنفاق الحكومي، والاستفادة من الموارد الاقتصادية، وزيادة عوائد الاستثمارات الحكومية، من خلال وضع الخطط والسياسات والبرامج اللازمة لتنفيذ برامج تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط مصدرًا رئيسيًا للدخل. وأشارـ يحفظه الله ـ إلى خطة التنمية العاشرة التي ترمي إلى رفع مستوى الناتج المحلي، وترسيخ دعائم التنمية الاقتصادية الشاملة وتنمية القوى البشرية، ورفع معدلات توظيفها، وزيادة الإنفاق على البنية التحتية. مؤكدًا حرص المملكة على تحسين السوق التجارية السعودية، وتكوين بيئة جاذبة للعمل والاستثمار للشركات الوطنية والأجنبية، وتسهيل الاستثمار في السوق السعودية.
ومما يؤكد حرص القيادة الحكيمة على رعاية مصالح الوطن والمواطن والمقيم، وفاعلية النهج التنموي الذي ينبئ عن رؤية استراتيجية تؤسس لمرحلة مستقبلية للمملكة في مختلف المجالات، تضمن الخطاب أولويات الدولة واهتمامها على تطوير القطاعات الخدمية , الحكومية منها أو الخاصة المقدمة للمواطنين. ففي مجال الصحة، قال خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز ـ حفظه الله ـ إن الدولة واصلت توفير أوجه الدعم لهذا القطاع، مما أسهم في رفع مستوى هذه الخدمة. كما تحدث عن حرص الدولة على الاستثمار في تنمية الإنسان السعودي، وقال إن الدولة وفرت كل الإمكانات والمتطلبات اللازمة لرفع جودة التعليم، مشيرًا إلى برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي الذي يرتكز على المواءمة بين مخرجات التعليم وحاجة سوق العمل للإسهام في سد الفجوة في بعض التخصصات المطلوبة لسوق العمل.
وبلغة شفافة،أوضح ـ حفظه الله ـ ما تقوم به الدولة من اهتمام في تطوير قطاع الإسكان، وأشار في هذا الصدد، إلى الميزانيات الضخمة المعتمدة لهذا القطاع، مع توفير كل وسائل الدعم اللازم لتوفير السكن الملائم للمستحقين. كما تطرق ـ يحفظه الله ـ إلى قطاع العمل والموارد البشرية، وقال "إن هذا الموضوع يحتل مركزًا متقدمًا في سلم أولويات الحكومة التي استمرت في تحديث ترتيباتها الإدارية والمالية وبرامجها لرفع كفاءة أداء الأجهزة الحكومية وموظفيها"، بالإضافة إلى إطلاق برنامج تنمية الموارد البشرية، وإنشاء الحكومة لهيأة توليد الوظائف لدعم التنسيق بين جميع الجهات الحكومية والخاصة ذات العلاقة بسوق العمل، وتعزيز المشاركة بينها، والعمل على تنمية القطاعات المولدة للوظائف واستثمار الميزة التنافسية في مناطق المملكة لهذا الغرض. مؤكدًا في الوقت نفسه، على توسيع مشاركة المرأة في التنمية، بما لا يتعارض مع تعاليم الدين الحنيف". مشيرًا إلى أن المرأة السعودية أثبتت كفاءتها وقدرتها على أداء دورها في مختلف المجالات، واستشهد ـ يحفظه الله ـ بمشاركتها الفاعلة في الانتخابات البلدية التي أُجريت مؤخرًا.
وفيما يتعلق بخدمات النقل، أوضح خادم الحرمين الشريفين بأن الحكومة ضخت مبالغ كبيرة في سبيل توفير بنية الطرق في المملكة، مع استمرار مشروعات النقل في التطور والتنوع، فزادت مشروعات الطرق بين مدن المملكة، واعتمدت مشروعات قطار الحرمين، ومشروعات الشركة السعودية للخطوط الحديدية، ومشروع الملك عبدالعزيز للنقل العام في مدينة الرياض.
من جهة أخرى، دعا الملك سلمان بن عبد العزيز إلى وجوب الاعتصام بحبل الله، والتمسك بكتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم عقيدة وشريعة ومنهجًا، وشدد على أهمية الوحدة الوطنية، ونبذ كل أسباب الانقسام وشق الصف، والمساس باللحمة الوطنية، والتصدي لكل دعوات الشر والفتنة أياً كان مصدرها. كما أوضح جهود الدولة الجبارة في التصدي للإرهابيين بكل حزم وقوة، مؤكدًا حرص المملكة واستمرارها على محاربة الإرهاب والتصدي له بكل صرامة وحزم.
وعلى مستوى السياسة الخارجية جاء خطاب خادم الحرمين الشريفين بلغة حازمة، ليؤكد حرص المملكة والتزامها في الدفاع عن القضايا العربية والإسلامية في المحافل الدولية وفي مقدمة ذلك حصول الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة، وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها (القدس)، ومناشدة المملكة للمجتمع الدولي الاضطلاع بمسؤولياته واتخاذ التدابير الضرورية لحماية الشعب الفلسطيني من الممارسات العدوانية الإسرائيلية.
كما تحدث خادم الحرمين الشريفين عن (عاصفة الحزم) التي شارك بها عدد من الدول العربية والإسلامية، بطلب من الحكومة الشرعية في اليمن لإنقاذه من فئة انقلبت على شرعيته، وعبثت بأمنه واستقراره، الأمر الذي أملى على دول التحالف التعامل مع هذا الخطر الملحق بأمن اليمن وشعبه وأمن المنطقة العربية بما يعيد الشرعية والاستقرار إلى اليمن الشقيق. كما أوضح ـ حفظه الله ـ جهود المملكة منذ بداية الأزمة حتى الآن إلى حل سياسي، وفقاً للمبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني الشامل، وقرار مجلس الأمن رقم 2216.
وحول الأزمة السورية، أشار خادم الحرمين الشريفين إلى موقف المملكة الواضح منذ بداية الأزمة الساعي إلى المحافظة على أن تبقى سوريا وطنًا موحدًا يجمع كل طوائف الشعب السوري، والدعوة إلى حل سياسي يخرج سوريا من أزمتها، واستضافت المملكة اجتماع المعارضة السورية بكل أطيافها ومكوناتها لإيجاد حل سياسي يضمن وحدة الأراضي السورية، وفقًا لمقررات جنيف 1.
ومن جانب آخر، أكد ـ حفظه الله ـ على حرص المملكة على تعزيز وتطوير علاقتها مع العديد من الدول الشقيقة والصديقة، بما يعزز مكانة المملكة ودورها الإقليمي والدولي..كما أشار ـ يحفظه الله ـ إلى استمرار المملكة باستقرار السوق النفطية من خلال انتهاج سياسة متوازنة تراعي مصالح المنتجين والمستهلكين، وتضمن استقرار السوق وحماية مصالح الأجيال الحاضرة والقادمة.
وأختتم خادم الحرمين الشريفين خطابه بالتأكيد على حرص الدولة على الارتقاء بأداء الأجهزة بما يلبي تطلعات وآمال مواطنيها في المجالات كافة، وتوفير الحياة الكريمة لمواطنيها، كما ثمن ـ يحفظه الله ـ جهود مجلس الشورى وما يقوم به من أعمال وما يقدمه من آراء سديدة في الشأنين الداخلي والخارجي.
على صعيد ذي صلة، ومن خلال تجربتي في مجلس الشورى السعودي، وتجربتي في العمل بالمملكة ، إنني أفخر وبكل سعادة بما حققته المرأة السعودية من إنجازات في مختلف المجالات العلمية والبحثية، والقيام بواجبها الإنساني والوطني بجهود صادقة مخلصة، والإسهام الفعال في المجالات التنموية المتعددة، وتحمل المسؤولية للنهوض بمسؤوليات الوطن، والتي لم تكن لتتحقق لولا فضل الله ثم دعم واهتمام قادة هذه البلاد ـ أعزهم الله ـ الذين أعطوا المرأة حقها حقوقيًا وسياسيًا، وفتحوا لها مسارات العلم والإبداع، ورسخوا لديهن أعلى مفاهيم الريادة والقيادة، التي عززت دورها ومكانتها، حتى اعتلت مقعدها في العديد من المناصب القيادية الحكومية والمجالس السياسية وحققت أعلى الإنجازات في سوق العمل.
إن الدولة ـ رعاها الله ـ حرصت على الاستمرار في تطوير وتحديث بعض الأنظمة والتشريعات وإعادة هيكلة بعض القطاعات الحكومية بما يتلاءم مع عصر النهضة التنموية، كما تم إعادة تشكيل مجلس الشورى السعودي لأول مرة في عام 2013م بتخصيص 20% من مقاعد المجلس للمرأة ومشاركتها في تحقيق التنمية الوطنية، تقديرًا من قادة هذه البلاد ـ أعزهم الله ـ لما وصلت إليه المرأة في بلادنا من مكانة متقدمة في العلم والمعرفة والمشاركة في التنمية الاجتماعية ودورها الفاعل في المجتمع وتأكيدًا على تكافؤ الفرص لجميع المواطنين سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا وثقافيًا.
وانطلق هذا التشكيل من خلال رؤية وطنية شاملة للاستفادة من الكوادر النسائية؛ ممن يحملن المؤهلات العملية العالية والخبرات العلمية والفكرية المتميزة، وتأكيد قادة هذه البلاد ـ رعاهم الله ـ على القضاء على جميع أشكال التمييز التي تعوق مشاركة المرأة في مسيرة النهضة التنموية.
عضوية المرأة في مجلس الشورى:
وحول عضوية المرأة في مجلس الشورى، فإن المرأة في مجلس الشورى شريكة بعضويتها في صنع القرار، لا تختلف في عضويتها عن عضوية الرجل من حيث الالتزام بالواجبات والمسؤوليات ومباشرة المهام، كما لا ينحصر دورها على قضايا معينة؛ كقضايا المرأة أو الطفل أو غيرها من الموضوعات التي تختص بطبيعة المرأة، بل تتمتع في عضويتها بكامل حقوق العضوية؛ كتقديم المشورة والتوصيات، والمشاركة الفاعلة في جميع الموضوعات التي تندرج تحت صلاحيات واختصاصات المجلس عبر لجانه المتنوعة. وفيما يتعلق بخصوصية المرأة تحت قبة المجلس، لقد راعت الدولة ـ حفظها الله ـ خصوصية المرأة، والاستقلال التام عن الأماكن المخصصة للرجال.
التخصصات في مجلس الشورى:
وفيما يتعلق بالتخصصات في مجلس الشورى،إيمانًا من الدولة ـ رعاها الله ـ بأهمية تنوع التخصصات العلمية لأعضاء مجلس الشورى والوصول إلى القرارات الصائبة وتحقق الأهداف المأمولة، تم اختيار أعضاء المجلس بتخصصات مختلفة وخبرات متنوعة، لتخدم بفاعلية اللجان المتخصصة في دراسة بعض الموضوعات المطروحة على المجلس، والتي تتطلب في عضويتها تخصصات معينة قادرة على تحقيق النتائج المرجوة.
إن مجلس الشورى يتكون من أربع عشرة لجنة متخصصة؛ لكل لجنة اختصاصاتها ومهامها المناطة بها، كما ينبثق من هذه اللجان عدد من اللجان الفرعية لا يقل عدد أعضاء كل لجنة عن خمسة، مع أحقية كل لجنة تكوين لجنة فرعية أو أكثر من بين أعضائها لدراسة موضوع معين.
البعد الإنساني للمرأة الخليجية:
إن البعد الإنساني للمرأة الخليجية بصفة عامة، متأصل ونابع من تمسكها بقيمها الدينية التي انعكس إيجابًا على قيمها الإنسانية، ووفائها وانتمائها الوطني، وتنامي دورها الفاعل في المجتمع.
ومن هذا المنطلق، أتاحت الأنظمة والتشريعات الحكومية للمرأة في جميع دول مجلس التعاون الخليجي حريتها في ممارسة كامل حقوقها، واختيار التخصص العلمي المناسب لها دون تمييز عن الرجل، حتى تبوأت أعلى المناصب القيادية، وأخذت دورها الريادي في المجتمع في كافة المجالات؛ السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والتعليمية...إلخ، كما منحت الأنظمة والتشريعات الخليجية المرأة كامل حريتها لمزاولة جميع الأنشطة التجارية دون استثناء، إلى جانب مشاركتها في اللجان الوطنية العليا، وعضويتها في الغرف التجارية، وأحقيتها في التصويت أو الترشيح للانتخابات في المجالس البلدية ومجالس البرلمانات.
وقد أثبتت المرأة الخليجية قدرتها ودورها الفاعل في المشاركة في القضايا الأساسية للمجتمع، ولا أجد ـ حقيقة ـ أن هناك فروقات بين نساء الخليج علميًا أو عمليًا. كما ساعد في هذا التقارب؛ الدين الواحد والعقيدة الواحدة، وتماثل الأطر القانونية والأنظمة السياسية في تلك البلدان التي أعطت للمرأة أحقيتها في ممارسة حقوقها الاقتصادية والسياسية والمشاركة المجتمعية.
.. حفظ الله لنا ديننا وقادتنا ووطننا وأمننا في ظل قيادة سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز، وولي ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ـ حفظهم الله ـ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*عضو مجلس الشورى ـ المملكة العربية السعودية