array(1) { [0]=> object(stdClass)#13440 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 115

خمسة مسارات مستقبلية تحمل الفرص والتحديات لمنظومة الأمن الخليجي العلاقات الخليجية مع الإدارة الأمريكية الجديدة: فرص الانفتاح .. وتحدي القومية الانعزالية

الأربعاء، 04 كانون2/يناير 2017

بتنصيب المرشح الجمهوري دونالد ترامب لمنصب الرئيس الأمريكي فييوم 20 يناير الحالي، سيظهر عهد جديد من العلاقات الأمريكية الخليجية، حيث لازالت أصداء الصدمة السياسية التي تمخضت عن انتخابات الرئاسة الأمريكية تتردد في شتى أنحاء منطقة الخليج العربي، وأعرب عدد من المحللين السياسيين والمراقبين من الدبلوماسيين والقادة العسكريين قلقهم للنهج الذي سيتبناه الرئيس المنتخب ترامب بعد وصوله للبيت الأبيض، وما قد يحدثه من تغيرً في المشهد في الشرق الأوسط  من حيث إعادة ترتيب الأوراق والتحالفات في المنطقة، وهو الذي يؤمن بمبدأ العزلة في السياسة الخارجية، وعدم التدخل في تنظيم شؤون العالم وحل مشاكله ، فضلاً عن نزعته وتمجيده للدولة القومية التي يضع مصالحها فوق كل اعتبار ، انطلاقًا من مبدأ " أمريكا أولا " كهدف عام لسياسته الخارجية، مما يستوجب على الإدارة الأمريكية عدم تأمين مصالح غيرها أو تضعها في اعتبارها بالقدر الحالي، مع ضرورة الالتزام بالمصالح الأمريكية والتعامل معها على أساس أنها الدافع الأساسي لأي تحرك على مستوى السياسة الخارجية، فأمريكا ليس عليها أن تتحمل عبء حماية أو دفاع عن دول أخرى دون مقابل .

وبتحليل المحتوى الظاهر والصريح لمضامين خطابات ترامب التي تم الاعتماد عليها في هذا التحليل حول توجهات سياسته الخارجية، وما أعلنه من توجهات وقدرته على تنفيذ هذه الالتزامات في سياق ما قد تفرضه التحولات الدولية على الولايات المتحدة، أمكننا الوقوف على عدد من المبادئ أو المنطلقات الأساسية للسياسة الخارجية للإدارة الأمريكية الجديدة، وإن كانت القسمات الأساسية لبنية القوى السياسية الأمريكية لم تتغير تغيرًا جذريًا، كما أن الصلاحيات الدستورية للرئيس لم يحدث تغيرًا ذو دلالة مهمة.

مسارات انفتاح الإدارة الأمريكية الجديدة على الخليج

سلَّط الضوء فوز ترامب رئيسًا للولايات المتحدة على العديد من العلاقات الأمريكية بشكل لم يحدث منذ فترة طويلة، وشكك في قيمة بعض التحالفات الطويلة، فهو يبدو عازمًا على تغيير ميزان القوى الإقليمي بصورة جذرية، وإنشاء واقع جديد يسوده انعدام اليقين، وربما ينطوي حتى على اضطرابات جديدة حيث تدور بالفعل رُحى حروب متعددة، وبغض النظر عن السياسات التي سيمضي إلى تبنيها سيكون من الخطأ تجاهل هذه الشكوك، إذ بينما تستعد إدارة ترامب لتولي مهامها، توجد فرصة ليس لإعادة ضبط بعض العلاقات فحسب، ولكن أيضًا لتعرف مدى قدرة إدارة ترامب على إعادة ترتيب ملفات الشرق الأوسط ذات الانعكاسات السياسية والأمنية على دول الخليج العربي، حيث تبدو تصريحات الرئيس ترامب خلال حملته الانتخابية غامضة ومتناقضة للغاية بدرجة تثير حيرة الحكومات والمحللين، وتدفعهم للتساؤل عما ينوي فعله، وكيف يخطط لتنفيذ جميع الاقتراحات التي قدمها، وإن أشارت خطابات ترامب الأكثر اتساقاً، والمحادثات التي يجريها مستشاروه مع المحللين والمسؤولين، أنه سيعمل على إحداث تغيير جوهري في أنظمة وحكومات الشرق الأوسط، كما من المتوقع أن تكون الإدارة الأمريكية الجديدة أكثر تقاربًا مع روسيا خصوصًا أن بعض أهداف ترامب المعلن عنها لا تختلف كثيرًا عن السياسات التي لجأت إدارة باراك أوباما إلى تعليقها أو تنحيتها جانبًا بسبب صعوبة تطبيقها، كمسعى التعاون مع روسيا على صد الجماعات الإرهابية في سورية الذي لم يحالفه النجاح .

ورغم تباين المعطيات الجديدة حول انفتاح الإدارة الأمريكية الجديدة على الخليج العربي، تعكس الرؤية السياسة الخارجية لترامب، أن الولايات المتحدة لا تكسب الكثير من بعض التحالفات التي شكك في جدواها، وغيرها من العلاقات المعقدة وغير المدروسة في السياسة الخارجية بحسب تصوره، مما تستلزم إعادة النظر فيها تتصدرها العلاقات مع دول المنطقة والخليج التي تتعامل مع الولايات المتحدة على أنها حليف وخصم وعدو في آن واحد [1]، سيما مع اختيار مرشحيه لأهم مناصب الأمن القومي الأمريكي الذي أثار القلق والحماس بالنسبة للبعض ، كالجنرال المتقاعد - مايكل فلين - لمنصب مستشار الأمن القومي، والجنرال المتقاعد - جيمس ماتيس - وزيرًا للدفاع، والرئيس التنفيذي لشركة إكسون موبيل - ريكس دبليو تيلرسون، لمنصب وزير الخارجية، وإن كان من المتوقع أن يركز تيلرسون على عقد صفقات مع دول الخليج أكثر من التصدي لانتهاكات حقوق الإنسان ، كما تتمتع إكسون موبيل بروابط وثيقة مع شركة النفط الوطنية في قطر، وتلقى الجنرال ماتيس الثناء من الدبلوماسيين والقادة العسكريين ومسؤولي الاستخبارات في المنطقة،  إذا ما قرر أن يكون شريكًا هامًا لحلفاء أمريكا التقليدين، مما يعني إحداث نقلة قد ينتج عنها إعادة توازنات القوى في المنطقة بشكل واضح بما ينعكس على الدور الإيراني المتزايد في المنطقة لا سيما إذا تعاملت إدارة ترامب مع إيران كأحد روافد دعم الإرهاب، كما أشار ترامب مراراً في خطاباته.

وباستشراف مستقبل العلاقات الخليجية والإدارة الأمريكية الجديدة، يمكن تحديد خمسة مسارات مستقبلية ذات انعكاسات حيوية، وتحمل في طياتها الكثير من الفرص والتحديات ذات الصلة بمنظومة الأمن القومي لدول الخليج العربي على الخصوص، نوجزها على النحو التالي:

1)         الإدارة الأمريكية الجديدة كحليف مستقبلي للخليج

من المنطقي أن تعيد الولايات المتحدة تقييم بعض الشراكات التي أقامتها منذ فترة طويلة، وينطبق ذلك بشكل خاص على دول الخليج العربي، التي تشاركها الكثير من السياسات والاستراتيجيات في التصدي للإرهابوأعمال العنف التي تمارسها جماعات إسلامية متشددة إقليميًا ودوليًا، التي تمثل أولوية السياسة الخارجية الأمريكية خلال هذا القرن، وإن كان تحديد مسار هذه العلاقات توقف مؤخرًا لدى الإدارة الأمريكية عند قضية التمييز بين مَن هو حليف وخصم وعدو للولايات المتحدة، ومدى التباين في المصالح أو القيم المشتركة مع الإدارة الأمريكية الجديدة  مما دفع الرئيس ترامب إلى مطالبة دول الخليج بتقديم المزيد من مساهمتها المالية والفعلية في حماية الأمن الإقليمي، أما من حيث ووعود الرئيس المنتخب بالحد من المغامرات التي تخوضها الولايات المتحدة في الخارج، فقد أثارت تساؤلاً لدى دول الخليج حول ما إذا سيكون نهج ترامب انعزاليًا على غرار ميل أوباما لتجنب المخاطر ، أم تدخليًا على غرار الرئيس الأسبق بوش الذي أدت حربه العالمية على الإرهاب إلى تورط الولايات المتحدة في حربي أفغانستان والعراق، ويتوقع خبراء ومراقبون، إن نهج ترامب سيجمع بين النزعة الانعزالية والتدخليةعلى حد سواء بحسب المصالح الأمريكية، وإن كان على نحو مغاير لما شهده عهدي بوش وأوباما حيث ستكون أولوية ترامب الرئيسية محاربة تنظيم الدولة الإسلامية مع نقل مسؤولية الحفاظ على أمن بقية دول المنطقة إلى روسيا والدول الخليجية والعربية المعنية بتداعيات التنظيم ، كما يتوقع مراقبون أن التركيز سيكون على تغيير بعض من النظام السائد في المنطقة من أجل تمكين الدول من تولي زمام المبادرة في حل المشكلات الأمنية التي تواجهها .

من جانب آخر، أثار التقُييم الضعيف للقوات العسكرية الأمريكية المسلحة من قبل مركز " هيريتدج فاونديشن " طبقا لدليل عام 2017م، الكثير من الشكوك الإقليمية والدولية إزاء القدرة الفعلية لقوات الجيش الأمريكي البرية والبحرية والجوية التي أضحت أصغر وأضعف بكثير من أن تكسب أي معارك أو حروب كبرى، كما أثار التساؤل حول إمكانية اعتماد الخليج العربي على أمريكا، كحليف استراتيجي وشريك تجاري خلال فترة من الاضطراب لم يسبق له مثيل في الشرق الأوسط، أم أن الخليج بات أكثر حزمًا وقدرة على مجابهة المخاطر التي تحدق بالمنطقة - وفي مقدمتها الخطر الإيراني - بقدرات ذاتية، وحلفاء جدد خارج مظلة الحماية الأمريكية  حيث تؤشر بوادر سياسات الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس المنتخب الكثير من القلق لدى الحلفاء والخصوم، وكلا المعسكرين يتوقعان أنهما سيتعاملان مع ولايات أمريكية غير متحدة طيلة فترة رئاسة ترامب، ناهيك عن قدرتها في التعامل مع ما أحدثته السياسات الأمريكية من فوضى طائفية في المنطقة جراء تناقضاتها وقصور تحركاتها التي غذت الكثير من الحروب الأهلية المستمرة حتى اللحظة في سوريا والعراق ، وفاقمت من نشاط الحركات الإرهابية المتمردة والمسلحة، تاركة المنطقة أمام تحديات جمه قابلة للاتساع على نحو لا يمكن التنبؤ به، بالتزامن مع الانسحاب الاستراتيجي للقوات الأمريكية التي بدأها الرئيس أوباما، والتي ستتزايد حتمًا تحت قيادة ترامب الخلافية على نحو ينهي جهود القيادة الأمريكية والانتشار النشط في الخارج، بما فيها الخليج ، ويرشح في نفس الوقت من تزايد النفوذ الروسي والإيراني في المنطقة بما يحمله من مخاطر وتهديدات على المدى المنظور .

2)      الإدارة الأمريكية الجديدة والحرب على الإسلام " الصراع الحضاري "

أشار ترامب بوضوح إلى ضرورة الوقوف بوجه ما أسماه " الإسلام السياسي المتطرف " ويرى أن احتواء الإسلام السياسي لابد أن يكون أحد أهداف السياسة الخارجية الأمريكية والعالم أجمع، مؤكدًا أن تطورات الأحداث تحتاج لتدخل عسكري، وفي هذا الإطار يشبه ترامب التعامل مع " الإسلام السياسي المتطرف " بالكفاح الفلسفي في الحرب الباردة.

ولخص الرئيس المنتخب سياسته في التصدي للإسلام السياسي المتطرف، وتحييد انتشاره واحتوائه في آليتين أحداهما: التنسيق والتعاون مع الحلفاء في الخليج والمنطقة الذين يعانون ويلاته لمحاولة تضييق النطاق قدر الإمكان، وأن اشترط أن تتحمل الدول المعنية كلفة ذلك، والأخرى من خلال منع وتحجيم " الإرهاب " في الداخل الأمريكي، المتمثل في المهاجرين ذوي الميول المتطرفة، وارتفاع معدل تواجدهم في أمريكا، مما يستلزم إعادة النظر في سياسات الهجرة غير المقننة التي يجب أن تمنع توريد الإرهاب لمنع تكرر أحداث 11 سبتمبر أو سان برناردينو .

ومن المؤكد، أن توجهات الرئيس الأمريكي المنتخب، تسعى إلى إحداث نقلة نوعية في قيادة ومواجهة الغرب لتهديد التطرف الإسلامي، لاسيما الحرب ضد الإرهاب التي قادها بوش، لإحداث التحرر السياسي في بعض الأنظمة الاستبدادية في الشرق الأوسط، لوقف تجنيد الإرهابيين،  ثم سياسة التواصل التي تبناها أوباما، وراهن على أن الحوار القائم على أساس احترام حقوق المسلمين من شأنه أن يحد من استهداف الإرهابيين للغرب، ويرجح أن يتبنى الرئيس الأمريكي الجديد النهج الذي استبعده كل من بوش وأوباما ، ووصفاه بأنه ضار وغير أخلاقي وهو الصراع بين الحضارات،وباستخلاص الخطوط العريضة لحملة ترامب على الإسلام المتطرف من تصريحات - ستيفن بانون - مايكل فلين - جيف سيشنز - وغيرهم من المعينين في إدارة ترامب [2] ، تؤشر المعطيات المتوافرة إنهم يصفون تاريخًا طويلاً من نضال الغرب ضد الإسلام ، ويتحدثون عن حرب عالمية على غرار " حركة شعبية دينية " وإن حرص بوش وأوباما، من جانبهما، على التمييز بين الإرهابيين المنتمين إلى التنظيمات الإرهابية كالقاعدة والدولة الإسلامية والإسلام نفسه، اللذين وصفاه بأنه دين عظيم جدير بالاحترام . كما من المؤكد أن فريق ترامب المناهض للإسلام سيواصل الهجمات الحالية على تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسورية وليبيا التي قد تكون ذات تأثير كبير في ساحات القتال بالشرق الأوسط، ولن يحاول – فلين - ووزير الدفاع الجديد – ماتيس - تغيير نهج أوباما القائم على مساندة القوات المحلية بدلاً من إرسال أعداد كبيرة من القوات الأمريكية للقتال في سورية  وتؤشر  معطيات أخرى، أن الإدارة الجديدة قد تسعى إلى تحدي إيران بطرق تُكسبها اهتمامًا دوليًا، ولكن من غير المرجح أن تفعل ذلك في سورية، حيث أن الحرب الحضارية التي سيشنها ترامب لن تستهدف الميليشيات الشيعية ولا الإرهابيين السنة فحسب بل حتى المواطنين العاديين في مختلف أنحاء العالم الإسلامي، وستتجلى هذه الحرب في عمليات الفرز والفحص الدقيقة التي سيخضع إليها المسلمون الراغبون في دخول الولايات المتحدة، هذا إذا لم يقرر ترامب فرض حظر تام عليهم، كما ستظهر في تصاعد الدعم الأمريكي لبعض الحكام في المنطقة الذين يعتبرهم ترامب حلفاءً حاسمين في حربه الحضارية، مما قد يوقع دول الخليج والمنطقة في حرج من قبول إستراتيجية ترامب ذات التوجه المعادي للإسلام، وإن كانت سترحب بتزايد العداء الأمريكي لإيران وكذلك لجماعة الإخوان المسلمين .

 أما من حيث انعكاسات تلك الحرب على التنظيمات الإسلامية كتنظيم الدولة الإسلامية والقاعدة، اللذان روّجا طويلاً  لفكرة الحرب الحضارية مع الغرب، من المتوقع أن تدفع بالكثير من المجندين الجدد في الخليج و الشرق الأوسط والغرب على حد سواء، كما أن مجيء إدارة أمريكية معادية للإسلاميين، ستعمِّق من مخاوف العالم الإسلامي خصوصًا أن اختيارات الرئيس المنتخب ترامب لفريقه للأمن القومي، أحدثت ردود أفعال عنيفة في العالم الإسلامي، وسط استعداد حلفاء واشنطن في الشرق الأوسط، والجماعات الإسلامية الأمريكية لمواجهة مستشاري ترامب وأعضاء إدارته المحتملين المعروفين بتبنيهم لهجة قاسية معادية للمسلمين[3]  فضلا عن موجة الإدانات العامة من قبل الجماعات الحقوقية المسلمة، وكذلك مخاوف الدول العربية التي تتعاون بشكل وثيق مع الولايات المتحدة في حربها على تنظيم  الدولة الإسلامية وغيره من التنظيمات الإرهابية، ويخشى بعض المسؤولين الحكوميين من أن هذه التعيينات قد تعزز التصورات داخل أذهان المسلمين حول العالم بأن الولايات المتحدة تخوض حربًا ضد الإسلام نفسه، حتى على مستوى الجماعات الحقوقية الأمريكية والزعماء الدينيين الذين أعربوا عن انزعاجهم من تعيين ترامب للجنرال المتقاعد مايكل فلين كمستشاره للأمن القومي، إذ وصف - فلين – وهو المدير السابق للاستخبارات العسكرية ، مرارًا الإسلام بـ " السرطان " وأن الخوف من المسلمين أمر عقلاني، واصفًا إياه بأنه نتاج ثقافة متدنية، وحركة سياسية تتخفى في زي الدين، كما حذر مرارًا من انتشار الشريعة الإسلامية داخل الولايات المتحدة رغم عدم وجود أدلة على ذلك، في حين أيَّد السناتور - جيف سيشنز - مرشح ترامب لمنصب وزير العدل، دعوة الرئيس المنتخب لحظر دخول المسلمين للأراضي الأمريكية على اعتبار أن لديهم إيديولوجية سامة , تكمن في جذور الإسلام، وشارك النائب- مايك بومبيو - وهو مرشح ترامب لإدارة وكالة الاستخبارات المركزية، في صياغة مشروع قانون يحظر جماعة الإخوان المسلمين  التي يتهمها أصحاب نظريات المؤامرة من اليمينيين الأمريكيين بالتخطيط إلى اختراق صفوف الحكومة الأمريكية .

في سياق آخر، من المتوقع أن الحرب الحضارية التي يتبناها الرئيس المنتخب ستلقى دعم بعض من الحكومات الأوروبية، التي تؤيد بالفعل خطاب ترامب المعادي للمسلمين، وليس من الصعب التنبؤ بعواقب وتداعيات هذه الحرب على المجتمعات العربية والخليجية، إذ ستحدث في الحد الأدنى وقيعة بين المسلمين الذين يناهضون سلوكيات الجهاديين، ويسعون لتحديث مجتمعاتهم، عبر إقامة أسواق حرة ومؤسسات ديمقراطية، وتعزيز الشراكة مع الشركاء الغربيين المحتملين.

3)    الإدارة الأمريكية الجديدة والحرب على تنظيم الدولة الإسلامية

تقع استراتيجية محاربة تنظيم الدولة الإسلامية على رأس أولويات ترامب فور وصوله لرئاسة الولايات المتحدة، كما أشار إلى ذلك في أكثر من مناسبة، بهدف القضاء عليه وبشكل نهائي وسريع، وفي إطار سياسات ترامب لمحاربة داعش أشار كثيرًا إلى ضرورة الاستعانة بالدور العسكري لروسيا في سوريا وفي محاربة تنظيم الدولة حتى يتسنى لأمريكا القضاء على تنظيم داعش ومحاصرته بجانب استغلال دور نظام الأسد، والتعاون مع حلفاء أمريكا في الخليج والمنطقة.

الجدير بالذكر، أن إدارة ترامب لا تدرك حتى الآن قوة التنظيم حتى مع تضافر جهود الشركاء المحتملين لها، إذ بالرغم من التحالف الروسي والإيراني والسوري ضد التنظيم، أستطاع مسلحو داعش استعادة مدينة تدمر مؤخرًا، مما يعكس قوة التنظيم رغم كثافة الغارات الجوية التي شنتها عليهم القوات السورية والروسية،  مما يؤشر أنه مازال يمثل تهديدًا جوهريًا ووفقا لتصريحات وزارة الدفاع الروسية، فإن التنظيم نجح في إخضاع المدينة رغم شن 64 غارة جوية بالطائرات الروسية في هجوم أدى إلى مقتل أكثر من 300 إرهابي، وتدمير عشرات السيارات، وإن أعزت روسيا ذلك التقدم جراء انحراف وتحول الجهاديين من معركة الموصل، التي تعتبر مركزًا للحملة الموسعة التي تقودها قوات التحالف والقوات العراقية لاستعادة المدينة من داعش، ويرى آخرون أن هزيمة تدمر جاءت في الوقت الذي يستهدف فيه الجيش السوري استعادة مدينة حلب بالكامل، وأن مهمة انتزاع تدمر مجددًا ستخفف الضغط على المعارضة .

وفي السياق ذاته، يتوقع كثير من المراقبين أن من الصعب إلحاق هزيمة تامة بتنظيم داعش بالنسبة لترامب، أو أي دولة أخرى، حيث يبدو تنظيم الدولة الإسلامية للوهلة الأولى مدحورًا مع خسارته الأخيرة لمناطق كان يسيطر عليها ومعاقل رئيسية في العراق وسورية، كما يوشك الآن على فقدان أهم مدينة استولى عليها على الإطلاق وهي مدينة الموصل، وتناقص عدد جنوده بشكل متزايد، وتقلص قدرته على استخدام شبكات التهريب غير المشروع، لكن بالتأكيد إن قدرته على تنفيذ هجمات إرهابية محكمة في جميع أنحاء العالم  واستقطاب وتجنيد المتطرفين عبر الشبكة العنكبوتية، تؤكد أن نشاطاته ستكون قائمة وأن نهايته غير وشيكة [4]  كما يروج لذلك فريق ترامب الأمني، حتى إذا ما فقد داعش السيطرة على كل أو الكثير من أراضيه، سيظل قادرًا بحكم أيديولوجيته المناهضة للصراع الحضاري على استغلال سخط السنة ، وإثارة التوتر الطائفي على المدى المنظور في العراق وسورية وليبيا، وربما خارجها، كما إن سحق التطرف والقضاء على تنظيماته المسلحة على أرض الواقع لن يغير من أيديولوجيتها ولا ظروف نشأتها التي مكَّنتها بداية من التكون والصعود، والوضع قابل للتفاقم مع تجاهل ترامب الذي يرغب في أن ينأى بنفسه عن التعقيدات الجيوسياسية للمنطقة، وأن يركز فقط على الحلول العسكرية، وغض الطرف عن ممارسات القمع السياسي والفساد وتفشي الانقسامات الطائفية في كل من العراق وسورية التي ساهمت في تأجيج لهيب التطرف .

4)         الإدارة الأمريكية الجديدة والاندفاع الروسي في سورية والمنطقة

ساعدت الأخطاء التي ارتكبتها السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، على تهيئة الأجواء أمام السياسة الروسية الجديدة لاسيما في ظل فشل الإدارة الأمريكية في إدارة العديد من ملفات وقضايا المنطقة خاصة في سورية، حيث سعت موسكو لسد الفراغ  الأمريكي وتعويضه على نحو سريع، والتحالف مع سوريا،  ومن المؤكد أن العملية العسكرية في سوريا زادت بشكل ملحوظ من وزن روسيا في المنطقة  وإن كانت مواقفها حيال تسوية هذه الأزمة مازالت محط خلاف مع الدول الخليجية  التي لا ترى أي دور للرئيس الأسد في مستقبل سوريا، في حين تسعى موسكو للبحث عن حلول وسط للإبقاء على نظام الأسد، كما يختلف الجانبان حول تصنيف قوات المعارضة والجيش الحر والمنظمات الإرهابية التي نشأت في ظل حالة الانفلات الأمني في سوريا، حيث ترغب روسيا في ضم أطياف " المعارضة المدجنة " فضلا عن غض الطرف الروسي عن الدور الإيراني الذي أسهم في إطالة أمد الحرب السورية، وتفاقم معاناة الشعب السوري، كما تعتبر العواصم الخليجية إيران جزءًا من المشكلة السورية، سيما أنها ساهمت في تسهيل دخول ميليشيات شيعية أفغانية وعراقية إضافة إلى الحرس الثوري وحزب الله اللبناني، ومما يزيد الوضع تعقيدًا رؤية الرئيس المنتخب ترامب بضرورة التحالف مع روسيا وحكومة الأسد، لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية، مما يعني ضمنيًا الإبقاء على نظام الأسد والذي يأتي بعد خمس سنوات من دعوة أوباما للأسد بالتنحي عن منصبه، كما تحدث أبان الانتخابات بقطع الدعم الأمريكي عن الثوار الذين يحاولون الإطاحة بالأسد، وعزمه الانضمام إلى التحالف القائم بين الأسد وروسيا، وثقته الكبيرة بإمكانية  العمل مع بوتين الذي لن يقبل بأي اتفاق لا ينص على بقاء الأسد في السلطة إلى أجل غير مسمى، وهو اتفاق مرفوض بالتأكيد من قبل المعارضة السورية .

كما لا يتضح حتى الآن كيف يمكن أن تختلف سياسة ترامب تجاه المنطقة بشكل جوهري عن سياسة الإدارة الحالية، بعد أن أصبحت سورية أرضًا خصبة لأنشطة تنظيم الدولة الإسلامية، بسبب الدعم الأمريكي الضعيف لجماعات الثوار السورية  وسلسلة متقطعة وغير مثمرة من المحادثات الدبلوماسية، وإن رصد البعض  اختلافًا جذريًا عن سياسات أوباما، بسبب فهم ترامب الخاطئ وغير الصحيح لبعض الأمور خلال الحملة الرئاسية، حيث أتت تصريحاته غير متسقة في تقييم الأزمة المستمرة في سورية، مما أسهم في استقواء الدور الروسي الذي شن حملة وحشية ضد قوى المعارضة في شرق حلب، وتحديدًا بعد يوم واحد من تحدث ترامب مع بوتين واتفاق الزعيمين على العمل من أجل  تسوية الأزمة في سورية، وتتلخص إستراتيجية ترامب باستمرار حيال الأزمة السورية طبقاً لتصريحاته، لا ينبغي على  أمريكا تسليح الثوار السوريين، ولا أن تضغط على الأسد للتنحي، حتى وإن كان " رئيسًا سيئًا " كما أعلن ترامب أنه لا يتفق مع نائب الرئيس المنتخب - مايك بنس - الذي يرى ضرورة قصف الولايات المتحدة لنظام الأسد ومنع ذبح المدنيين في حلب.

ويجد كثيرون فيالخليج وحتى داخل الإدارة الأمريكية صعوبة في قبول مواقف ترامب المتناقضة، كمزاعمه بقطع الدعم الأمريكي عن الثوار السوريين، والتحالف مع حكومة الرئيس الأسد للقضاء على تنظيم الدولة الإسلامية في الوقت الذي يضغط فيه الكونغرس على إدارة ترامب، لوقف الفظائع المرتكبة في سوريا، حيث مرر مجلس النواب الأمريكي بقيادة الجمهوريين مشروع قانون ينص على فرض عقوبات على نظام الأسد، وعقوبات مالية على الأشخاص الذين يقدمون الدعم للحكومة السورية والأجهزة الاستخباراتية والعسكرية، وهو ما يُشير ضمنًا إلى روسيا والإيرانيين بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية[5]، الأمر الذي يفرض ضغوطًا على ترامب، ليثبت ما إذا كان يؤمن بإنقاذ المدنيين السوريين والوقوف في وجه الفظائع الجماعية بدلاً من الشراكة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين[6]، وإن كان تصويت مجلس النواب الأخير على تمرير قانون قيصر لحماية المدنيين في سورية مع تعليق بنوده، يبين أن هناك توافقًا بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي حول ضرورة معاقبة نظام الأسد بتهمة ارتكاب جرائم حرب، والدول المساعدة في ارتكابها، في حين تؤشر تصريحات الرئيس المنتخب عدم إيمانه بفكرة التدخل الإنساني كأساس أو دافع للتدخل في الشأن الداخلي للدول، طالما الأمر لم يمس المصالح الأمريكية، منعًا لعدم تورط القوات والسياسة الأمريكية في هذا الشأن حتى مع تأكيد الكرملين بإمكانية توسيع عملياته العسكرية مع النظام السوري وتصعيد هجماته الجوية والبحرية على المستشفيات وبنوك الدم وغيرها من المرافق في مدينة حلب مؤخرًا، بمعية النظام السوري والإيراني، ويتوقع مسؤلو الاستخبارات الأمريكية أن يستمر هذا التصعيد العسكري الروسي، ما من شأنه أن يلحق ضررًا بالغًا في قوات المعارضة السورية، كما يأتي هذا الهجوم الكثيف بعد يوم واحد من تعهد ترامب لموسكو بعمل السلطات الأمريكية والروسية معًا من أجل حل الأزمة السورية، في محادثة صرح الكرملين عنها إنها ركزت على تصميم مشترك لكلتا القيادتين في مكافحة الإرهاب الدولي والتطرف[7] .

الجدير بالذكر، أن سقوط حلب قد ينقل سورية من مستنقع الحرب إلى مستنقع التمرد  حيث سيدفع بنحو 80 ألف معارض سوري إما إلى الانضمام إلى العمليات متعددة الجنسيات للقتال ضد تنظيم داعش، أو القتال تحت راية الجماعات الجهادية المتشددة حتى مع الضغط على المعارضين السوريين من قبل تركيا والأردن والولايات المتحدة، لإيوائهم في بعض المناطق العازلة على طول الحدود التركية والأردنية  كما أن إمكانية انضمام المعارضة السورية إلى العمليات متعددة الجنسيات ضد داعش لا يمثل خيارًا مقبولاً لديهم خصوصًا مع تقاعس أمريكا وقوات التحالف الدولي عن الضغط على روسيا وإيران لوقف دعم نظام الأسد .

5)        الإدارة الأمريكية الجديدة وإيران

عكس القصف الروسي والجيش السوري والمليشيات الإيرانية على حلب، تطورًا أمنيًا غير مسبوق من حيث شدته، وانعكاساته المستقبلية على المنطقة سيما إن التداعيات الإستراتيجية لسقوط حلب تمتد إلى أبعد من ذلك، فهناك تزايدًا للنفوذ الإيراني والروسي، وتغييرًا في أدوات وديناميكية سلطة الدول المتنفذة  مع استثمار كل من روسيا وإيران القوة العسكرية، لإحداث المزيد من الفوضى، مما هيأ لإيران مد نفوذها عبر ما تسميه - محور الممانعة - ضد دول الخليج العربي وأمريكا وإسرائيل وحلفائهما، كما مثل لروسيا فرصة ثمينة تجاه إعادة نفوذها في وقت تراجع فيه الاستعداد الأمريكي للتفاعل في الشرق الأوسط [8] ، والانفتاح الأمريكي الروسي الأخير، حيث يعقد ترامب آمال كبيرة على الدور الروسي في التصدي للإرهاب، وقبل ذلك إدارة أوباما التي اختارت غض الطرف عن معظم تحركات إيران وروسيا في المنطقة، حيث تروع الميليشيات التي ترعاها إيران السنة في العراق، ويساعد وكلاؤها القوة الجوية الروسية على سحق المعارضة في سورية، ويسلح الإيرانيون المتمردين الحوثيين في اليمن، ويزودونهم بالمشورة  فضلاً عن محاولات طهران المستمرة إجراء تجارب الصواريخ الباليستية لتطويرها كحاملة لرؤوس حربية مدمرة ، ومحاولة إنشاء قوى تحرير شيعية وتجاوزاتها البحرية في الخليج العربي .

وشكل تدريب وتسليح القوات الأمريكية لميليشيات عراقية ذات علاقة تاريخية مع إيران منحى خطيرًا، وهي التي تقود تحالفًا دوليا لمحاربة الإرهاب، واعتبرت أوساط سياسية أن هذا التعاون الأمريكي جاء لتعزيز القوى الشيعية في المجالين العسكري والسياسي، حيث وفرت قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة لهم السلاح، كما قامت بتدريب المقاتلين الشيعة في الأسابيع الأخيرة للمشاركة في عملية استعادة السيطرة على مدينة الموصل من قبضة داعش[9] ما يشير إلى مستوى جديد من التعاون بين الميليشيات الشيعية وواشنطن  ونقل عن- جون دويرن - المتحدث باسم الجيش الأمريكي في بغداد، إن عملية تدريب الميليشيات الشيعية، بدأت بعد تمرير البرلمان العراقي في الـ 26 من نوفمبر الماضي قانونًا لإضفاء الشرعية على الحشد الشعبي، بالرغم من أن بعض الميليشيات لا تزال تصنّف على إنها إرهابية من قبل الولايات المتحدة .

أما من حيث الاتفاق النووي مع إيران، الذي يعد أبرز إنجازات الرئيس المنتهية ولايته على صعيد السياسة الخارجية، تدرك الإدارة الأمريكية الجديدة أن إيران ستغدو في غضون ما يزيد عن 10 سنوات قوة نووية قادرة على صنع سلاح نووي إذا التزمت ببنود الاتفاق النووي الراهن[10]، ويدرك الرئيس الأمريكي المنتخب هذا التهديد جيدًا، وإن تعهد بتعليق الاتفاق وإعادة التفاوض عليه، إلا أنه لن يستطيع تعليق الاتفاق مع عزم شركاء الولايات المتحدة في التفاوض على الاتفاق - الاتحاد الأوروبي وروسيا وفرنسا والمملكة المتحدة مواصلة الالتزام بهذا الاتفاق -كما تدافعت للاستفادة منه عن طريق بناء علاقات تجارية مع إيران، ناهيك عن تعنت كل من روسيا والصين وإيران نفسها، وهو ما يعني أن الولايات المتحدة ستصبح معزولة للغاية إذا حاولت تعليقه بمفردها، ولا يوجد مؤشرات ما  حول ما إذا كان يستطيع ترامب إلغاء الاتفاق النووي  الذي سبق أن وصفه بـ " الكارثي " خلال حملته الانتخابية، وأن أولويته الأولى ستكون إلغاء الاتفاق النووي، وإن كان من المؤكد أن الفريق الأمني لترامب، سيبقي على الاتفاق الإيراني مع تطبيق بنوده لتضييق الخناق على إيران ، ليتداعى من تلقاء نفسه دون الحاجة إلى نقضه ، سيما أن هناك أدلة على تخطي إيران للحد المسموح بإنتاجه من الماء الثقيل، كما أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية مؤخرًا، فضلا عن مواصلة إيران دعم الجماعات الإرهابية مثل حزب الله، مما يعني وضع حد لسياسة التجاهل التي انتهجتها إدارة أوباما في التعامل مع انتهاكات إيران للاتفاق النووي في بداية تنفيذه ، ويتوقع أن تعمل إدارة ترامب على التفاوض مع الدول الخمس الأخرى الموقعة على الاتفاق لاستجابة قوية مشتركة لأي تجاوز، كإعادة فرض العقوبات على بعض الشركات الإيرانية، كما من الممكن أن تمضي الولايات المتحدة لفرض عقوبات أحاديه كما فعلت مسبقًا، مما تسبب بتزايد التذمر الإيراني من عدم تلقيها جزءًا كبيرًا من أصولها التي كانت مجمدة في البنوك الأجنبية جراء العقوبات والقواعد الأمريكية الأخرى  وبطء وتيرة الاستثمارات التي أملت إيران أن تتدفق عليها من شركات الطاقة والبنوك الأوروبية .

الجدير بالذكر، أن سياسة إدارة أوباما في السكوت على انتهاكات طهران العدوانية خشية إحباط الاتفاق النووي، وتقديم الرشاوى إلى إيران والترويج لاستئناف ممارسة الأعمال التجارية، ومحاولات جون كيري الحثيثة لتيسير عودة التجارة والاستثمارات الدولية إلى إيران، وشحنات النقود (400 مليون دولار) التي أرسلت إلى طهران كجزء من مستحقاتها في منازعات دولية، إنما تأتي في محاولة منها لإغلاق الملف النووي، وإعادة دمج إيران في المجتمع الدولي، وتطبيع العلاقات الأمريكية الإيرانية من أجل تقليص الوجود الأمريكي في المنطقة، حتى وإن كان على حساب قبول النفوذ الإيراني المتصاعد لتطويق السنة، الأمر الذي ستكون له انعكاساته السياسية والأمنية على دول الخليج العربي والمنطقة إذا ما قرر الرئيس ترامب المضي قدمًا بذات سياسة الإدارة الأمريكية الحالية فضلاً عن انفتاحه على الدور الروسي في المنطقة.

الاستنتاجات ذات المغزى السياسي والأمني

باستشراف آفاق العلاقات الخليجية الأمريكية في ظل الاعتبارات والمحاور السابقة تأتي أهمية التأكيد على أن خطابات ترامب تتسم بنوع من عدم الوضوح، وتحتوي على عدد كبير من التناقضات في المضمون في أكثر من موضع، ليس هذا وحسب بل إن هناك عددًا لا بأس به من المغالطات في خطاباته، كما أن جانبًا كبيرًا منها يتسم بالحدة والطبيعة الهجومية في عدد من قضايا الخليج والمنطقة، مع تراجع المكون الدبلوماسي بشكل خطير، مما يعني أن ترامب سيستخدم القوة العسكرية والقوة السيبرانية الأمريكية بصورة استباقية، للقضاء على التهديدات الناشئة، من الدول النووية المارقة إلى الجماعات الإرهابية، قبل أن تتمكن من إلحاق الضرر بالولايات المتحدة، كما تؤشر بعض من تصريحاته إلى إعادة القوات الأمريكية المنتشرة في مختلف أنحاء العالم إلى الأراضي الأمريكية، والاستفادة منهم كقوة دفاعية انتقامية عند تعرض البلاد لهجوم، وإن ألمح ترامب خلال حملته الانتخابية إلى أنه قد يتبع كلا النهجين في آن واحد، إذ صرح أنه سيستولي على النفط الموجود في المناطق الخاضعة لسيطرة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق ، وانتقد الرئيس أوباما على سحب القوات من هناك في وقت مبكر للغاية، وإن أعلن رفضه المشاركة في مشروعات إعادة الإعمار في الخارج، على اعتبار أن الولايات المتحدة ليست مسؤولة عن حفظ أمن العالم ، مما يعني أن تقديم الحماية للأصدقاء التقليديين أو معاقبة الكيانات الإيرانية المتورطة في أعمال إرهابية أو تهريب الأسلحة أو انتهاكات حقوق الإنسان ستكون ذات كلفة باهظة للدول المعنية بها سيما الخليج .

من جانب آخر، تدعم تصريحات الرئيس المنتخب ترامب بشكل أو بآخر سياسات ألرئيس أوباما من حيث تقليص التواجد الأمريكي في الخليج والدول العربية، مما ينبئ ضمنيًا بإمكانية تجاهل ترامب النفوذ الإيراني في المنطقة طبقًا لنهجه القومي الانعزالي إذا ما قرر نقل مسؤولية الحفاظ على أمن دول المنطقة إلى روسيا وإيران ودول الخليج بما يخدم مصالح الولايات المتحدة وقضية الاستقرار الإقليمي، ونظرًا لتباين السياسات والأهداف والمصالح الخليجية مع روسيا وإيران، من المتوقع أن تعمد الإدارة الأمريكية الجديدة للإبقاء على التوازن المرغوب في المنطقة إلى تسليح الحلفاء في الخليج العربي، وتعزيز دفاعاتهم المضادة للصواريخ على الأخص، بما يمكنهم من تأمين دولهم بقدرات ذاتية ، فضلا عن إنعاش سوق السلاح الأمريكي .

أما من حيث مغزى شعار ترامب " أمريكا أولاً " الذي سيتكشف في بعض المناطق والقضايا، منها: الاتفاق النووي الإيراني والأزمة السورية، الذي وعد بإصلاحهما إما بتعديل الاتفاق النووي أو حتى إلغائه، باعتباره اتفاق تنفيذي وليس معاهدة مصدق عليها من قبل الكونغرس، وإن كانت محاولة إعادة التفاوض على بنوده ستمنح الإيرانيين، الذين يزعمون أن الاتفاق لم يعفيهم من العقوبات كما كان متوقعًا وسيجدون في إعادة تغييره فرصة للتوسع في مطالبهم أو التهديد باستئناف سباق التسلح النووي، الأمر الذي يمثل تحديًا مبكرًا لأمن واستقرار دول الخليج والمنطقة  وإن كان من المرجح أن يكتفي الرئيس الأمريكي المنتخب بإعادة فرض العقوبات على إيران في المسائل غير النووية ، كاتساع نفوذها في سورية ، ودعمها المتواصل للإرهاب ، رغم أن الإيرانيين يؤكدون أن هذا سيشكل انتهاكًا للاتفاق وقد يدفعهم إلى إلغائه .

المفارقة السياسية، إن الرئيس المنتخب ترامب تبنى خلال الحملة الانتخابية موقفًا واضحًا حيال اثنين على الأقل من قضايا السياسة الخارجية، معارضته لخطة العمل الشاملة المشتركة للاتفاق النووي الإيراني، ورغبته في تحسين العلاقات مع روسيا  مما يعني أن ترامب لا يستطيع الاحتفاظ بصداقته مع حكومة روسيا، والتصدي في ذات الوقت لإيران، متناسيًا أن روسيا وإيران حليفتان، وكلتاهما تريد ملء الفراغ الأمريكي وتراجع نفوذها في المنطقة باعتبارها القوة الرئيسية المهيمنة في الشرق الأوسط والخليج، وإذا أرادت الإدارة الأمريكية الجديدة تضييق الخناق على إيران  فلن تنجح في محاولات تحسين علاقتها مع روسيا، إذ تعتبر روسيا موردًا رئيسيًا للأسلحة إلى إيران، وتساند جهودها لدعم الرئيس الأسد ، كما سبق أن حذرت روسيا علنًا من انتهاك خطة العمل الشاملة المشتركة التي يريد ترامب إلغاءها، كما ستعمل روسيا غالبًا إلى زيادة الدعم الاقتصادي والعسكري لإيران، مما يمنحها دور أكبر في الشرق الأوسط قد يشمل تحالفًا عسكريًا مع إيران في سورية ودول أخرى  حيث لا يدرك ترامب حتى الآن أن دعم بوتين لإيران خصم الخليج، سيتعارض حتمًا مع مصالح الحلفاء ، وحتى المصالح الأمريكية بطرق عدة .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

باحثة في العلوم السياسية والعلاقات الدولية

 

مجلة آراء حول الخليج