فاقت المصروفات العسكرية الخليجية ١١٣ مليار دولار عام ٢٠١٤م، وهي كذلك مرشحة للزيادة في ظل تزايد الأخطار المحيطة بدول الخليج وعلى رأسها التهديدات الإيرانية والنمو الإيراني في المنطقة سواء من لاعبين غير حكوميين، أو حتى نمو الخبرات القيادية العسكرية الإيرانية على أرض الواقع في كل من العراق وسوريا وكذلك اليمن.
كل ذلك يحدث في ظل عدم وجود جاهزية للجيوش الخليجية من جهة، وعدم وجود الخبرات القتالية الحقيقية، خاصة خبرات حرب الشوارع الحقيقية وكذلك حروب المليشيات وحروب العصابات.
نطرح عددًا من التساؤلات حول واقع التعاون الخليجي العسكري المشترك، وأهميته من وجهة نظر استراتيجية، وكذلك التحديات التي تقبع أمامه سواء من وجهات نظر مختلفة، ونطرح العلاقة التبادلية بين دور المجتمعات الخليجية في دفع ذلك التكامل العسكري وتأثير ذلك التكامل العسكري في الاستقرار الداخلي.
تعد منطقة الخليج العربي موقع استراتيجي للقوى المعادية لاستقرار المنطقة حيث أن الدول المجاورة والرأسمالية تضع أنظارها في استغلال الموارد الطبيعية الموجودة في المنطقة فمنذ تأسيس مجلس التعاون الخليجي عام 1981م. أهتم قادة دول الخليج بوضع استراتيجية عسكرية مشتركة بين الأعضاء لحماية نفسها خاصة بعد نشوب الحرب العراقية الإيرانية عام1980-1988م، وكان لابد من إعلان وضع أسس استراتيجية، وقد تم إيجاد منظومة عسكرية مشتركة وهي (قوات درع الجزيرة) التي تأسست عام 1982م، وكانت من أهم الأهداف الاستراتيجية لإنشاء هذه القوات المحافظة على الأمن الخليجي والدفاع عن أراضيها وحماية نفسها من أي عدوان خارجي وكان عدد الجنود آنذاك 5 آلاف جندي . وبعد عقدين من الزمن شهدت المنطقة تحولات جوهرية تأثرت في استقرار دول الخليج اقليميًا ودوليًا.
حيث كان العمل على الانتقال من مرحلة التعاون العسكري المشترك إلى مرحلة الدفاع بين دول الخليج وكان ذلك في القمة الحادي والعشرين التي عقدت في مملكة البحرين عام2000م، وفي الدورة الثلاثين التي عقدت في الكويت عام 2009م.
أقر قادة دول المجلس الخليجي الاتفاق على الاستراتيجية الدفاعية لدول الخليج وكانت هذه الخطوة تعتبر خطوة أساسية لبناء منظومة الدفاع المشترك ورؤية استراتيجية واضحة تهدف الى تعزيز الترابط بين القيادات العسكرية ومواجهة التحديات والأزمات.
إن المتابع للشأن الخليجي يجد أن الحليف الاستراتيجي الأمريكي للمنطقة قد تحولت مصالحهم إلى قوى معادية للمنطقة وهي إيران وهذا يدق ناقوس الخطر على الخليج العربي مما دفع قادة مجلس التعاون الخليجي إلى التفكير في حلول سريعة وإيجاد جيش موحد في التكامل الدفاعي المشترك، حيث أن ميزان القوى بين إيران ودول الخليج اختلف بعد أزمة البرنامج النووي الإيراني الذي تحول إلى واقع حقيقي.
إن المعطيات الحقيقة على أرض الواقع تفرض على دول مجلس التعاون الخليجي التحول السريع من التعاون إلى اتحاد ولكن من المؤسف أن اتحاد الخليج العربي العسكري لم نشاهده في الساحة الخليجية حتى الآن لوجود تحديات منها مشاكل في القيادة والسيطرة واختلاف المصالح السياسية بين أعضاء مجلس التعاون.
يرى البعض أن قضية الجيش الموحد أو التكامل العسكري، غير قابلة للتحقيق، خاصة في تلك المرحلة على الرغم من خطورة المرحلة، وإذا كانت هنالك مواجهة فإن الخيار الواقعي يتجه إلى غرفة عمليات مشتركة، أما التكامل العسكري فيجب أن يتم قبله تكامل اقتصادي.
إذا ما تم النظر إلى الاتحاد الأوربي، فقد عجز عن إنشاء حلف عسكري خاص بالأوروبيين فقط يختلف عن حلف الناتو، هل هذا مؤشر لشيء بعينه؟ وكيف يمكن فهم التحديات التي تواجه هذا التكامل على المستوى السياسي والتنظيمي والشعبي لا سيما مع التطور العسكري في طبيعة الحرب.
إن التنوع في المضامين التي أحذ يحملها مفهوم الأمن خلال العقدين الماضيين أدى إلى بروز مصطلحات جديدة لعل من أبرزها ما يعرف بالأمن الصلب "Hard Security" والأمن الناعم " Soft Security "، إذ يشير الأول إلى أن الأمن في سياقه التقليدي أي القوة العسكرية. أما الثاني فيشير بشكل خاص إلى التحديات والتهديدات غير العسكرية العابرة للحدود كخاصية ميزت فترة انتهاء الحرب الباردة وتنامي العولمة، وتتراوح هذه التهديدات بين ما هو سياسي واقتصادي واجتماعي وأخرى تتعلق بالبيئة وغيرها من التهديدات المختلفة.
واقع التعاون العسكري الخليجي:
أولاً: اتفاقية التعاون المشترك لمجلس التعاون:
كَمَا يشير موقع منظمة مجلس التعاون حول التعاون وواقعه، فقد أكدت دول الخليج عزمها على الدفاع عن نفسها بصورة جماعية، انطلاقًا من أن أي اعتداء على أي منها هو اعتداء عليها مجتمعة، وأن أي خطر يهدد إحداها إنما يهددها جميعًا. ونصت الاتفاقية على عزم الدول الأعضاء تعزيز العمل العسكري المشترك فيما بينها، ورفع قدراتها الذاتية الجماعية لتحقيق أعلى مستوى من التنسيق لمفهوم الدفاع المشترك، والاستمرار في تطوير قوات درع الجزيرة المشتركة، ومتابعة تنفيذ التمارين المشتركة، وإعطاء أهمية لتأسيس وتطوير قاعدة للصناعة العسكرية وتشجيع القطاع الخاص للاستثمار في هذا المجال.
ثانيًا: الاستراتيجية الدفاعية لدول مجلس التعاون
اقرت في عام ٢٠٠٩م، الاستراتيجية الدفاعية لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، وهي إنجاز مهم وخطوة أساسية على طريق بناء المنظومة الدفاعية المشتركة لمجلس التعاون.
ثالثًا: قوات درع الجزيرة:
إن وجود قوات عسكرية مشتركة لدول مجلس التعاون يعتبر أحد الأسس المهمة لإنشاء منظومة دفاعية مشتركة تهدف إلى توفير الأمن لحماية دول المجلس، والدفاع عن استقلالها وحماية مقدراتها ومكتسباتها. وفي عام ١٩٨٢م، كانت أولى الخطوات المهمة لتشكيل القوات العسكرية المشتركة لدول مجلس التعاون حيث صدر قرار بإنشاء قوة درع الجزيرة، وتلى ذلك القرار صدور العديد من القرارات لتطوير هذه القوة، بما يتناسب مع المتغيرات في البيئة الأمنية، ومصادر وأنواع التحديات، والمخاطر، والتهديدات التي قد تواجه دول مجلس التعاون، لتصبح بحجم فرقة مشاة آلية بكامل إسنادها القتالي والإداري. ومن ثم جرى تطويرها في عام ٢٠٠٦م، إلى قوات درع الجزيرة المشتركة، وعززت بجهد بحري وجوي وفقاً للمفاهيم العملياتية، وذلك لرفع كفاءتها القتالية، بما يكفل تنفيذ مهام التعزيز والإسناد للقوات المسلحة الوطنية لدول مجلس التعاون بصورة كاملة. وفي عام ٢٠٠٩م، تم تعزيز قوات درع الجزيرة المشتركة بقوة تدخل سريع. وفي الدورة الرابعة والثلاثين للمجلس الأعلى (الكويت، ديسمبر ٢٠١٣م)، تم تطوير قيادة قوات درع الجزيرة المشتركة لتكون القيادة البرية الموحدة التابعة للقيادة العسكرية الموحدة لمجلس التعاون، وأن تكون بمسمى “قيادة قوات درع الجزيرة”.
رابعًا: القيادة العسكرية
إنشاء القيادة العسكرية الموحدة لدول المجلس
خامسًا: التكامل الدفاعي:
تم وضع الاستراتيجية الدفاعية لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، وبإنشاء القيادة العسكرية الموحدة لدول المجلس، وإنشاء الأكاديمية الخليجية للدراسات الاستراتيجية والأمنية لدول المجلس في أبو ظبي، وكذلك بموافقة مجلس الدفاع المشترك في دورته الثانية عشرة (مملكة البحرين، ديسمبر ٢٠١٣م) على محاور التكامل الدفاعي لدول المجلس. ولا شك أن هذه القرارات حققت للعمل العسكري المشترك مكتسبات مهمة ودعمت وعززت الإنجازات التي تحققت خلال ثلاثة عقود، وأحدثت كذلك تقدمًا مهمًا على طريق بناء منظومة دفاعية متكاملة بين دول المجلس.
سادسًا: الأكاديمية الخليجية للدراسات الاستراتيجية والأمنية:
إنشاء الأكاديمية الخليجية للدراسات الاستراتيجية والأمنية لدول المجلس في مدينة أبو ظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة، لتؤكد دول المجلس بهذا القرار أنها تولى اهتمامًا كبيرًا لمواكبة التطور المتسارع في مجال العلوم والمعارف العسكرية والأمنية، ولتكون هذه الأكاديمية أحد الصروح العملية المهمة، التي يعتمد عليها في مجال الدراسات والبحوث والتطوير والاستدامة المعرفية.
سابعًا: الاتصالات المؤمنة:
من جهة أخرى تم تنفيذ مشروع المسار المكمل لشبكة الاتصالات المؤمنة، وكذلك قرر مجلس الدفاع المشترك في دورته الثانية عشرة (مملكة البحرين، ديسمبر ٢٠١٣م)، الموافقة على استخدام خدمة الاتصالات الفضائية كوسيلة رديفة لنقل البيانات المهمة في حالة انقطاع أو توقف الخدمة في كيبل الاتصالات المؤمنة. ويعد المشروعان الجديدان داعمان كبيران لشبكة الاتصالات المؤمنة لتلبية الطلبات المقدمة من وزارات الخارجية، ووزارات الداخلية، والجهات الأمنية بدول المجلس لربطها مع بعضها البعض من خلال هذه الشبكة، والاستفادة من الإمكانات والخدمات التي توفرها.
ثامنًاً: ربط مراكز عمليات القوات الجوية والدفاع الجوي:
في عام ١٩٩٧م، تم تنفيذ المشروع المشترك “حزام التعاون “، لربط مراكز عمليات القوات الجوية والدفاع الجوي في القوات المسلحة بدول المجلس، والذي تم تشغيل المرحلة الأولى منه في نهاية عام ٢٠٠١م. ويجري بصورة مستمرة إدامة وتحديث أجهزة التشغيل لمنظومة حزام التعاون لتواكب التطور المتسارع في مجال أنظمة القوات الجوية والدفاع الجوي، ولتكون بدرجة جاهزية عملياتية وفنية عالية.
تاسعًا: الخدمات الطبية بالقوات المسلحة بدول المجلس:
يتم في هذا الصدد علاج منتسبي القوات المسلحة لدول المجلس وعائلاتهم، المنتدبين في مهام رسمية، أو المشاركين في دورات تدريبية في الدول الأعضاء في المستشفيات العسكرية لتلك الدول. كما وافق المجلس الأعلى في دورته الخامسة والثلاثين (الدوحة، ديسمبر ٢٠١٤م)على توفير العلاج للأمراض المستعصية لمنتسبي القوات المسلحة بالدول الأعضاء في مستشفيات الخدمات العلاجية العسكرية والمراكز التخصصية في دول المجلس.
عاشرًا: التمارين المشتركة:
في هذا المجال يتم تنفيذ وتخطيط العديد من التمارين المشتركة بين القوات البرية، والجوية، والدفاع الجوي، والبحرية، ووحدات الخدمات الطبية، وقوات درع الجزيرة المشتركة.
الحادي عشر: الإدارة والقوى البشرية:
أقر عام ٢٠١٠م النظام الموحد لمد الحماية التأمينية للعسكريين من مواطني دول مجلس التعاون. كما وافق في عام ٢٠١١م، على السماح بالاستفادة من ذوي الخبرات والكفاءات من العسكريين والمدنيين المتقاعدين من مواطني دول المجلس للعمل في المؤسسات والجهات الحكومية وشبه الحكومية ومؤسسات القطاع الخاص بدول المجلس الأخرى.
الثاني عشر: مجالات العمل العسكري الأخرى:
قامت دول الخليج بتوحيد ووضع آليات عمل مشتركة لتبادل المساندة الفنية في مجال الإمداد والتموين والصيانة والتزويد الفني بين القوات المسلحة بدول المجلس. كما تم في مجال البيئة وضع عدد من المفاهيم والأسس الخاصة بتقريب السياسات البيئية، وتوحيد الأنظمة والتشريعات وتعزيز القدرات الوطنية والإقليمية، وتنمية الموارد البشرية، ورفع مستوى الوعي البيئي للحفاظ على الموارد الطبيعية في نطاق القوات المسلحة بدول المجلس. في مجال التدريب والتعليم العسكري، تم توحيد العديد من الكراسات العسكرية، ومناهج الدورات العسكرية، بالإضافة إلى تنظيم ووضع آليات الاستفادة المتبادلة من الإمكانات التدريبية العسكرية المتوفرة في المدارس والمعاهد والكليات العسكرية بدول المجلس. أما مجال الرياضة العسكرية، فقد تمت إقامة البطولات والمسابقات، والدورات الرياضية بين منتسبي القوات المسلحة في الدول الأعضاء، وبصورة دورية
التحديات أمام التكامل العسكري الخليجي
على الرغم من الجهود المذكورة أعلاه إلا أن الواقع يشير كذلك على وجود نقص وتحديات أمام دول الخليج، حيث لا تزل دول الخليج بحاجة إلى الاتفاق حول تعريف الخطر والأمن القومي والاعتداء وكذلك توحيد العقيدة العسكرية. يكمن كذلك التحدي حول عدم وجود التجنيد الإجباري والانتقال إلى جيوش محترفة وذات عدد يمكن الاعتماد عليه وقت الحاجة، ومن ناحية أخرى لا يوجد أي تصنيع عسكري ذو بال يمكن الاعتماد عليه كذلك لمدد مواجهة طويلة، علاوة على عدم تطوير المعرفة التقنية في المجالات المساندة.
وللنظر في التحديات تم تقسيمها إلى تحديات في طبيعة الحرب وأهدافها وكذلك تحديات المستويات.
أولاً التطور في طبيعة الحروب: من حروب نظامية تقليدية إلى حروب لا نظامية
يطرح موسى نعيم في كتابه نهاية القوة مسألة انتقال القوة من الجيوش الكبيرة المنظمة إلى الجيوش الصغيرة وحروب العصابات، وهذا بالتأكيد ما يميز العصر الحالي، يتوجه العالم الآن إلى مواجهات غير مباشرة عبر قوات موجهة، بالنيابة أو من قادة جيوش تلك الدول ولكن بشكل سري وغير علني، وتقوم الدول أحيانا بتحويل جزء من جيوشها إلى ميليشيات أو بتدريب ميليشيات من أجل استخدامها لأهدافها السياسية، وتحقيق أهداف استراتيجية، وقد تستخدم أساليب الاغتيال والتفجير والاختطاف، ناهيك عن إنشاء ميليشيات أخرى تهتم بالجانب الإعلامي والإلكتروني لدعم تلك الميليشيات، وقد شهدت الساحة السورية نفوق العديد من الجنرالات الإيرانيين فيها، لكن هذا لا يمنع أنها طورت معرفة غير عادية في هذا المجال في وقت لم تقم دول الخليج بالعمل في نفس ذلك السياق.
ذلك الانتقال من الوضع التقليدي يطرح النتيجة التالية: ليس هنالك عدو تراه، انتقال المعارك من موقع معروف لديك إلى موقع يختاره العدو، العدو قد لا يهجم بالضرورة على مواقع وإنما يستهدف الأشخاص الاستراتيجيين والمؤثرين في الوطن من أجل تحقيق هدف ذَي بعد نفسي.
من الأهمية بمكان هنا الإشارة إلى القاعدة الاستراتيجية التالية:
Resistance = Means x Will
تساعدنا هذه القاعدة في معرفة أهداف، الهجمات من العدو التي بالتأكيد توضح أن العدو يهدف لضرب أحيانًا وسائلنا، أو تحطيم الإرادة، وهذا كذلك يعطي منحى هام وهو التداخل في الشؤون العسكرية وكذلك الأمنية في التوجه الحديث للحرب.
ثانيًا: التطور في طبيعة الأهداف العسكرية: المنظور النفسي ستيفن ميتز انموذجا
يشير ستيفن ميتز في كتاباته عن مجال الحرب غير النظامية ومكافحة الإرهاب، وأغلبها ورق سياسات في التحليل الدفاعي للشأن الأمريكي effect based operationsوهو ينطلق من قاعدة استراتيجية مستقرة من عصر كلاوزفيتس، حول التأثير النفسي في إرادة الخصم عن طريق العمل العسكري، ولذا يجب عمل خطة أهداف تأثيرات نفسية، ليست فقط على مستوى استراتيجي بل على مستوى عمليات وكذلك تكتيكي، وينبغي حساب تلك الأهداف وقياسها جنبًا إلى جنب مع الأهداف المادية أو غيرها، يهدف هذا المبدأ (العمليات التأثيرية) إلى ترجمة هذا الأثر الاستراتيجي لمُفردات ونتائج عملية ثابتة، وترتبط بها منظومة من النشاط التكتيكي يُمكن قياسها والتنبؤ بها كميًا. ويرتبط هذا المفهوم بالتطورالأمريكي بالأخص بمسألة (الثورة في الشئون العسكرية) - خصوصًا كنتاج للنجاح الساحق (العملياتي والتكتيكي) في حرب الخليج، ومايُهيء لها ويتفرع عنها مباديء ومُهيئات تقنية.
ولهذا إن أكثر المتحمسين له كانوا أنصار القوة الجوية والتي تتميز بها دول الخليج، لكن ينبغي كذلك الإشارة إلى أن تجارب الحروب التالية في العقدين السابقين قد أظهرت: أن التقدير الاستراتيجي، ومايتفاعل وينتج عنه من تطور للفن العملياتي، فضلاً عن تطوير المنظومات الدفاعية - أعقد كثيرًا من هذه الخطة والاستغناء بالتميز التقني عن الفكر الاستراتيجي وجودة القيادة، ولذا يجب ألا يكون ذلك المذهب النفسي هو الوحيد فقط ضمن المنظومة الاستراتيجية العسكرية، ويمكن النظر دائمًا محاولة تحديد عناصر الثبات والتغير في النظرية الاستراتيجية وفن العمليات - تبعًا لأنماط الحروب المتباينة من جهة، وكذلك في استخدام منظومة DIME في الاستراتيجية الكبرى لدول الخليج والتي توظف عنصر الدبلوماسية والمعلوماتية، والعسكرية والاقتصادية ضمن الأدوات التي تصاحب التطوير العسكري لتحقيق الأهداف المنشودة.
التحديات العسكرية الخليجية على المستوى الاستراتيجي
وهو الجزء المعني بالنظرية الاستراتيجية، والتقدير الاستراتيجي العام لتهديدات الأمن القومي خليجيًا، وشكل الأخطار المقبلة وترجيحاتها، وهذا يعني طرح أبسط سؤال عن تعريف الحرب والأمن المشترك ولا شك أن عدم الاتفاق على تعريف موحد لأمن الخليج عسكريًا قد يضع هنالك عددًا من العقبات، ومن ثم وضع تصورات عن أشكال الاستراتيجيات السياسية والدفاعية-العسكرية المطلوبة، وربما حينها يجب أن تتعرض للأسئلة المركزية التي تحكم الشأن الدفاعي الخليجي: التحالف والاعتماد الدفاعي على القوى التحالفية، نمط من التحالف أو التعاون العسكري العربي، ثم بالتأكيد التحالف العسكري الخليجي.
وكما ذكرنا حول المشكل الإيراني مثلا وطبيعة الخيارات الاستراتيجية الكلية المطلوبة للتعامل معه: ومنها بلاشك إعادة تعيير لكثير من السياسات الداخلية، وكذلك تعديل في المنظومة الدفاعية بأسرها.
المستوى الثاني معني بمسألة التحالف العسكري
ومحركاته السياسية ودينامياته وعوائقه ودرجته وآثاره؛ كحالة من التنظيم السياسي والعسكري الأعلى.
النظرية أو التطبيق أو التجارب التاريخية، وهذا يلزم توحيد للعقيدة العسكرية وتبيان تعريف الجيش لنفسه، علاوة على تعريف العدو والعدوان، وكذلك الأعمال التي تعد حربًا على دول الخليج.
العقيدة فهي تجسد الارتباط الوثيق بين موضوع النظرية والممارسة. أما التصور الأخير حول موضوع العقيدة العسكرية هو مدى المشاركة بينها وبين الاستارتيجية
تعرف العقيدة العسكرية على أنها الأسس الإيديولوجية والسياسية الموجهة لأنشطة الحرب، يقول هوللي B HOLLEY "العقيدة هي مجموعة التصورات الرسمية والأسلوب الأمثل في إدارة الشؤون العسكرية"
تتلخص أنواع العقيدة العسكرية في ثلاثة أنواع رئيسيةهي:
العقيدة الأساسية: وهي الإطار العام الذي تحدده مبادئ العقيدة العسكرية. 1-العقيدة البيئية: وهي المبادئ التي تنتهجها القوات المسلحة لتوجيه جميع نشاطاتها القتالية. 2-العقيدة التنظيمية: وهي المبادئ الأساسية المنظمة لمختلف تشكيلات القوات المسلحة.
ويشير جوفري سلوان إلى أن مصادر العقيدة العسكرية تتحد في الآتي:1- طبيعة الأسلحة المستعملة. 2- تأثير الخبرات السابقة. 3- مصالح المؤسسات والتنظيمات. 4-الأيديولوجيات. 5-طبيعة الثقافة السائدة. 6-الوضعيةالسياسية والاستراتيجية.
وبالتأكيد أن الفرضيات الاستراتيجية (المستوى الأول) هي ضرورية، ولكن ليست كافية، للتعامل مع قضايا هذا المستوى حيث أنها هي التي تشكل البوصلة التي تدفع للتحالف العسكري، وفي ذات الوقت تُحدد الأدوار الاستراتيجية والمخاطر التي ينبغي التصدي لها وبأي (خيار استراتيجي) يكون ذلك.
المستوى الثالث، ينتج بالتالي عن تقرير جوانب المستوى الأول والثاني، وهو الخيارات العملانية في بناء المنظومات الدفاعية، وكيفية توحيد أكواد الفن العملياتي وبناء القدرات وتدريبها، وحتى سياسات الاستيراد والتصنيع العسكرية.وينبغي التأكيد على أهمية التوجه التعبوي ورفع القدرات المشتركة للقوات على مستوى عملياتي وكذلك مستوى غرف العمليات.
وهذه من أهم المشكلات التي تحكم على دول الخليج مستقبلاً، كما حاضرًا وماضيًا، في بناء قدرات دفاعية فاعلة على الحقيقة ولها درجة عالية من الاستقلالية والذاتية كخيارات استراتيجية.
وهذه النقطة هي بالضبط الوصلة بين ماسبق من نظر استراتيجي وفن عملياتي وملفات إدارة الدفاع، وبين علم الاجتماع العسكري.
وكما يشير نسيم بهلول أن المعارف العسكرية – العلمية معقدة من حيث بنيتها المتداخلة فيما بينها والمرتبطة بشكل وثيقبفروع مختلفة، وتتمتع بأساس موضوعي موحد إذ أنها تعكس في مضمونها غرضًا رئيسيًا واحدًا هو الحرب كعمليات متعاقبة ومتكاملة تخضع بعلاقاتها وارتباطاتها المختلفة للقوانين العامة والخاصة للتطور واتجاهاته. وتهدف المعرفة العسكرية – العلمية، مهما كانت جوانب الحرب التي تطرق إليها التطور من حيث ارتباطاتها وتفرعاتها، إلى أن تكون لها نزعة واحدة هي الوصول وبكل الوسائل إلى زيادة القدرة الدفاعية لدول الخليج ورفع مستوى الإعداد القتالي والسياسي للقوات ومستوى النظرية والممارسة العملية في السيطرة عليها خلال العمليات والمعارك وتعزيز القدرة القتالية للجيوش الخليجية.
من هنا يتم طرح أسئلة شديدة المحورية بخصوص شكل الدولة الوطنية ومراحل نشأتها، وطبيعة العقد الاجتماعي والسياسي الحاصل، هي التي حكمت المسار الخليجي في الجوانب السياسية والعسكرية والاجتماعية والاقتصادية.
وهنا يأتي المستوى الرابع، وهو السياسات التعبوية والتجنيدية المطلوبة لأي منظومة دفاعية خليجية وفاعلة ومستقلة، ونرى المثال في الإمارات بتدريس مادة التربية العسكرية في المدارس والصفوف الأولية، ولكن هذا التوجه لا يكفي إطلاقًا، بل تحتم الحالة التوجه للتجنيد الإجباري لكل الشباب والشابات في سن ما بين ١٩- ٢٤ سنة، في مدد مختلفة وتعمل على رفع القدرة البدنية، المهارات العسكرية، والتدريب على حروب الشوارع، والتدريب كذلك على عقيدة عسكرية و وطنية , إن تلك الجيوش عبارة عن جيوش وطنية تحمي الوطن والمجتمع، قبل الحكومات.
من جهة أخرى، ينظر البعض للتجنيد الإجباري (المقصود سياسة تجنيد تعتمد الخلط بين القوات الاحترافية والتجنيد) إنه خيار غير ناجع نظرًا لقلة السكان في بعض دول الخليج وأن إيران مثلاً قادرة على "التهام" قطر والبحرين عندما نتحدث عن ستين مليون نسمة في إيران مقابل أقل من مليون في البحرين وقطر، ليس فقط لمشكلة السكان (خصوصًا الدول الخليجية الصغرى باستثناء السعودية).
لا شك أن المجتمعات الخليجية تشكل دافع هام للوحدة العسكرية وذلك للتقارب في بنية تلك المجتمعات، وكذلك للتاريخ الحربي المشترك لها بالرغم من انعدام التدريب أو المعرفة والدراية العسكرية الحديثة.
الخاتمة: التأثير التبادلي بين المجتمعات الخليجية والتكامل العسكري والاستقرار
تعتبر المجتمعات الخليجية مكون أصيل وثابت، في البنية الخاصة بقوة دول الخليج، وعلى الرغم من التباين في أعداد السكان في دول الخليج إلا أن الإنسان الخليجي كان على مر العصور إنسان قادر على تجاوز المحن التي مرت عليه باختلاف المكان والزمان.
وتصبو المجتمعات في الخليج إلى التوحد مع بعضها البعض لوجود مشتركات في اللغة والدين والعادات وكذلك التاريخ والقبيلة. وتشكل الحاجة للتكامل العسكري حاجة ملحة في الوقت الحالي.
ومن جهة أخرى يلعب التكامل العسكري دورًا بأثر رجعي في تعزيز الشعور بالأمن في كل دول الخليج وأن هنالك جيش قوي وقادر على أن يحمي مقدرات شعوبه وقت الخطر.
إن وضوح الرؤية لدى دول الخليج حول طبيعة التكامل العسكري، وحسم عنوانها السياسي، وخياراتها الاستراتيجية الكلية وتلك الدفاعية، وبعد أن يصبح لها قدرة نظامية ومؤسسية تضمن درجة معقولة من الكفاءة والمتابعة والمراجعة. حينها يمكن للمتخصصين أن يتناولوا بتعمق وتوسع مختلف المسائل التفصيلية في التفصيلات الاستراتيجية، والفن العملياتي، والسياسات الدفاعية، وحتى الخيارات والبدائل الاستراتيجية.
وختامًا نشير أنه لا يمكن تغيير العناوين السياسية، ووضع الخيارات الاستراتيجية -دون وجود (إرادة سياسية) حقيقية للإصلاح السياسي والدفاعي الشامل، كما أوضحت العديد من أدبيات الإصلاح العسكري، فالمسألة في غاية الصعوبة والتعقيد في حال أنظمة مستقرة كأمريكا وبريطانيا، وعندها إرادة سياسية، ومأسسة فاعلة، وموارد ومنظومات احترافية، ولذا المهمة صعبة أمام دول الخليج في الأخذ بالخيارات التي من شأنها تحقيق القوة العسكرية المشتركة نظرًا لامتداد ذلك إلى سياسات داخلية لا تتعلق فقط بالمجال العسكري.