array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 116

التوزان الاستراتيجي في الخليج: المتغيرات والخيارات

الأربعاء، 01 شباط/فبراير 2017

دول مجلس التعاون تعي منذ زمن بعيد أهمية التوازن العسكري الاستراتيجي في منطقة الخليج، لذلك قطعت شوطًا كبيرًا في تأمين هذه المنطقة انطلاقًا من إدراك الأهمية الاستراتيجية والاقتصادية والطبيعة الجيوسياسية للمنطقة، وأيضًا لمعرفة أطماع وتوجهات الدولة المتشاطئة على  الضفة الشرقية للخليج، وطبيعة الصراع الأيدلوجي و التنافس القومي بين دول مجلس التعاون وإيران، هذا الصراع الذي ابتدعته طهران واستمرت فيه  مهما اختلفت الأنظمة في إيران، فقد كان هذا الصراع زمن الشاه يأخذ الطابع القومي بقصد الهيمنة على الخليج وبسط النفوذ وتنصيب إيران شرطيًا إقليميًا بدعم ومباركة أمريكا باعتبار طهران وكيلة لها في المنطقة ولا تمثل خطورة على مصالحها بما فيها أمن إسرائيل، وبعد سقوط الشاه ومجيء الثورة الإسلامية اتخذ الصراع  الخليجي ـ الإيراني شكلاً آخر من حيث جوهره وأدواته فقد ألبسته طهران عباءة إسلامية طائفية تحت غطاء ولاية الفقيه التي لعبت على وتر المذهبية، واستحدثت أدوات جديدة لإدارته فأنشأت أذرعًا مسلحة أو ميليشيات في الدول العربية كحزب الله في لبنان، وميليشيات الحشد الشعبي الشيعي في العراق، والحوثيين في اليمن، ثم زادت وتيرة هذا التدخل في مرحلة ما بعد اندلاع ما يسمى بثورات الربيع العربي التي خلفت فراغًا في الكثير من الدول العربية التي خاضت ويلاتها، وتجلى ذلك في الدفاع عن بشار الأسد في سوريا، ودعم الانقلاب على الشرعية في اليمن، ومحاولاتها المتكررة في الدفع بجماعات وتنظيمات سرية طائفية لزعزعة أمن دول مجلس التعاون الخليجي.

على الشاطئ الغربي للخليج العربي ترابط دول مجلس التعاون الخليجي التي تعلم جيدًا الأهداف الإيرانية، وتعلم بالقدر نفسه المزايا النسبية والمقومات ونقاط القوة والضعف للجانبين على ضفتي الخليج، وأعدت العدة  مبكرًا لتحقيق التوازن في هذه المنطقة الحساسة من العالم، وإن اختلفت الظروف أو تقدير القوى الكبرى في العالم التي تحالفت مع دول مجلس التعاون لعقود، بدأت في العصر الحديث التحالف مع بريطانيا، لكن بعد انسحاب الأخيرة من منطقة الخليج عام 1971م، ومع زيادة الأهمية الاستراتيجية للنفط إثر حرب أكتوبر عام 1973م، ثم قيام الثورة الإسلامية في إيران، والغزو السوفيتي لأفغانستان عام 1979م، بل قبل ذلك اهتمت الولايات المتحدة الأمريكية بأمن منطقة الخليج، وترجمت ذلك في مبادئ الرؤساء الأمريكيين بداية من مبدأ أيزنهاور عام 1957م، ثم مبدأ نيكسون وكارتر ونهاية بعهد الرئيس أوباما، ورغم هذه التعهدات الأمريكية، وتواجدها العسكري في الخليج، إلا أن دول مجلس التعاون ركزت على التسليح عالي التقنية والعتاد المتطور ، بل أصبحت في مقدمة الدول المستوردة للسلاح في العالم، وكان ذلك أفضل الخيارات وأكثرها فائدة وأهمية استراتيجية، وأهم وسيلة للردع وتثبيت التوازن، وهذا ما أكدته لاحقًا عاصفة الحزم التي بدأت واستمرت بإمكانيات وتخطيط خليجي بحت.

إمكانيات دول مجلس التعاون وعتادها العسكري قوة ردع أكثر من فعالة في مواجهة إيران، وقادرة على التفوق طبقًا لأرقام واحصائيات التسليح العسكري الخليجي الأكثر تطورًا وحداثة مقارنة بالتسليح الإيراني القديم، حيث أن الحرب الحديثة تعتمد على السلاح والعتاد المتطور أكثر من الاعتماد على عدد أفراد القوات العسكرية، أي الاعتماد على التكنولوجيا قبل الأفراد الأمر الذي جعل دول الخليج تتفوق أمام الجيش الإيراني وقوات الاحتياط في حال المواجهة.

يتبقى القول إنه على دول مجلس التعاون وضع سيناريوهات مستقبلية لتحقيق التوازن الاستراتيجي في المرحلة المقبلة على ضوء المتغيرات في التحالفات والمصالح بين القوى الإقليمية والدولية ذات العلاقة بمنطقة الخليج، خاصة على ضوء توجه أمريكا شرقًا، وتخفيف تواجدها العسكري، وفتور اهتمامها  بهذه المنطقة، والاتفاق النووي مع إيران، وتراجع اعتمادها على النفط الخليجي، وإعلانها عدم رغبتها في خوض أية حروب خارج أراضيها منذ ولاية أوباما وبداية عهد ترامب، مقابل ذلك ظهر التقارب الروسي ـ الإيراني، وإن كان يمثل تقارب المصالح المؤقتة لكنه يمثل توجهًا جديدًا في السياسة الروسية الخارجية خاصة على ضوء رغبة موسكو بالتواجد الدائم في سوريا المجاورة لتركيا عضو الناتو، وأيضًا بما يعكس طموحات موسكو في مواجهة واشنطن ورغبتها في إرث الزعامة السوفياتية السابقة في عهد القوتين العظميين.

في كل الأحوال، قناعتنا أن السيناريوهات الخليجية المطروحة للتعامل مع ملء الفراغ في المنطقة، وإرساء قواعد التوازن تتمثل فيما يلي:

- تعزيز القدرات العسكرية الذاتية الخليجية، مع استمرار ارتفاع فاتورة الواردات العسكرية رغم انخفاض أسعار النفط.

- التوسع في التكامل العسكري الخليجي المشترك سواء عبر تفعيل قوات درع الجزيرة، أو التوجه نحو إنشاء الجيش الخليجي الموحد الذي سيأتي كثمرة للاتحاد الخليجي المرتقب والذي يبدو أنه قابل للتحقيق في هذه المرحلة أكثر من أي وقت مضى لإدراك دول المجلس للمخاطر القائمة والمحتملة، والتغير في التحالفات الدولية والإقليمية والفراغ الاستراتيجي الذي حدث في العراق وسوريا.

- التوجه نحو توطين الصناعات العسكرية في دول مجلس التعاون.

- الدخول في تحالفات إقليمية جديدة وجادة وأن تكون الأولوية في هذه التحالفات مع القوى العربية الفاعلة، ثم الدول الإسلامية، والدول الصاعدة.

- العمل على إرساء وترسيخ مبدأ التوازن في مواجهة تنامي القوة العسكرية الإيرانية بعد رفع الحظر الاقتصادي الغربي بعد توقيع الاتفاق النووي.

- التحسب لزيادة الدعم الروسي لإيران وسوريا الأسد في رسائل للمنطقة والغرب مفادها التعبير عن التواجد الروسي في الشرق الأوسط وبقوة.

كل ذلك يتطلب إعادة النظر سريعًا في الاتجاه نحو الجيش الخليجي الموحد، وتوطين الصناعات العسكرية لكل دولة على حدة أو الصناعة الجماعية المشتركة سواء لدول مجلس التعاون أو بالشراكة مع دول عربية أخرى، وكذلك مسألة تبني نظام التجنيد الإلزامي، وتكثيف التدريبات والمناورات المشتركة، والتوسع في إنشاء المعاهد والكليات العسكرية بكل أنواعها مع زيادة الجاهزية القتالية. ويجب الإدراك أن مجلس التعاون الخليجي أمسى يشكل قوة عسكرية ذات قدرات فعالة على المستوى الإقليمي في حالة العمل بشكل مشترك وجماعي، ولكن تأثيره سيكون محدودًا في حالة عمل دول الخليج بشكل منفرد وأحادي.

مقالات لنفس الكاتب