array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 117

مواجهة التضليل الإعلامي .. مسؤولية جماعية تتطلب حلولاً متكاملة الإعلام الأمني والشائعات عبر الشبكات الاجتماعية: رؤية للمواجهة

الأحد، 05 آذار/مارس 2017

أدت التطورات الراهنة فى مجمل الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية العالمية والإقليمية والقُطرية (المحلية) خلال السنوات الأخيرة إلى تغيرات واسعة فى مفهوم الأمن ووسائل تحقيقه، فقد اتسع المفهوم بحكم تعقد الأنشطة الإنسانية وتعدد مصادر تهديد الاستقرار والأمن فى المجتمع الواحد، بل وارتباط أمن المجتمع بغيره من المجتمعات المجاورة والأوضاع المتصاعدة فى المجتمع الدولى والتطورات التكنولوجية المتلاحقة.

ونظرًا لهذا الاتساع فى المفهوم، فلم تعد مهمة تحقيقه مسؤولية جهة أو مؤسسة ما فى المجتمع، بل أضحت مسؤولية مؤسسات عدة بشكل مباشر ومتواصل، مع الأخذ فى الحسبان أن هذا التداخل لا يعني أن تقف المؤسسات الأمنية على قدم المساواة مع غيرها من مؤسسات المجتمع الأخرى فى تعاملها أو نظرتها للأمن بمفهومه الشامل، بل تظل المؤسسة الأمنية هى الأكثر تأثرًا بأى اختلال وظيفى تكون له آثاره على استقرار الأوضاع فى المجتمع أو المساس بالأمن بأى مفهوم، كما تظل أيضًا حجر الزاوية فى الربط والتنسيق بين مختلف المؤسسات التى تؤثر وظائفها فى أمن المجتمع وفق المفهوم الشامل له، دون أن يعني ذلك احتكار المؤسسات الأمنية وحدها مهمة تحقيق الأمن وفق هذا المنظور.

على الجانب الآخر، يُعد الإعلام دعامة من دعامات الحياة وقوة أساسية فى أي مجتمع، تحافظ على تماسكه واستقراره، فقد كان للإعلام دورًا مهمًا عبر مراحل تطور وسائله المختلفة بدءًا من الندوات والمناظرات والمجالس والمنتديات والكتب والدراسات حتى المسرح كان وسيلة إعلام فاعلة، مرورًا بما شهده من تطور تمثل في ظهور الإذاعة والتليفزيون ووكالات الأنباء والفضائيات وصولاً إلى وسائط الإعلام الإلكترونى التى جاءت نتيجة ظهور مستجدين تكنولوجيين هما "الإنترنت والتليفون المحمول".

ولا شك أن هذين  المستحدثين أثرا في مجال الاتصال الشخصي بين الأفراد، تمثل فى اضافتهما لشكل جديد من الاتصال وهو الاتصال المرتبط بوجود أداة تكنولوجية تتوسط العلاقة بين طرفي العملية الاتصالية فلا تجعلها تقوم على قاعدة الاتصال الشخصي المباشر، ولا تأخذ سمة الاتصال الجماهيري، وقد أطلق على هذا النوع اسم "الاتصال الوسيط"(C.M.C Computer mediated communication) ومن أبرز سمات الإنترنت كوسيط اتصالي هي سمة التفاعلية، حيث أنها ساعدت على تحقيق التزامن والحالية في رجع الصدى من خلال بعض أدواتها الاتصالية لغرف الدردشة (Chatting)، أو من خلال المحادثات الجماعية Multi User Dungeons MUDS).

إلى جانب ذلك، تم تغيير مفهومي الزمان والمكان اللذين يعتبران أساسًا للعلاقات الاجتماعية، إذ أُتيح التواصل مع أي شخص في أي مكان من دون التواجد المادي له بأقل تكلفة مقارنة بوسائل الاتصال الأخرى.

ولا شك أن هذا التطور الذي حدث فى المجالين معًا الأمن والإعلام، تطلب البحث عن آلية جديدة تحقق التوازن المطلوب بين الطبيعة المتناقضة لكليهما، ففى الوقت الذي يتسم فيه عمل الأجهزة الأمنية بالتكتم والسرية إزاء مواقف تتطلب الصراحة والوضوح، نجد أن عمل الأجهزة الإعلامية يتسم بالانتشار والذيوع وكشف الحقائق والمعلومات كافة وتناقلها على نطاق واسع، وهو ما أدى إلى ظهور موقف متزن يعمل على النقل الصادق للحقائق والمعلومات مع مراعاة الأوضاع الحساسة التى تتطلب الحيطة والحذر.

ولذا، جاء الإعلام الأمنى ليلعب دورًا مهمًا فى مجال الأمن وتقريب المسافات وردم الهوة ما بين الإعلام والأمن، ولإيصال المعلومة الأمنية ولتزويد المتلقي بالمعارف الأمنية والمعلومات التي ظلت حكرًا على الأجهزة الأمنية والأنظمة الحاكمة فترات طويلة من حياة المجتمعات، فكان الناس عرضه للشائعات والأحاديث المتناقلة التي يعتريها الزيادة والنقصان دائمًا. ومن هنا لعب الإعلام الأمني دورًا مهمًا في خلق الوعي المجتمعي بحجم المخاطر والتحديات التي تواجه المواطنين، بما يضمن حمايتهم من الوقوع في الجريمة من ناحية، ووقوفهم على الوقائع الحقيقية لما يجري حولهم دون تهوين أو تهويل من ناحية أخرى.

ومن هذا المنطلق، يستعرض هذا التقرير لدور الإعلام الأمنى في التصدي للشائعات والاكاذيب التي تبث عبر وسائل التواصل الاجتماعى، في محاولة للخروج برؤية عملية تتعاظم من خلالها كيفية مواجهة التداعيات السلبية لانتشار الشائعات والأكاذيب على أمن المجتمع واستقراره، وذلك من خلال المحاور التالية:

أولاً-الإعلام الأمني... الدور والأهمية:

أضحى الإعلام الأمني مفهومًا إعلاميًا متخصصًا في المجتمعات الحديثة، يمتلك غايات وقائية واجتماعية ويقوم بدور مهم في ترسيخ أمن المجتمعات واستقرارها، فهو يلبي حاجات اجتماعية تسهم في التوعية والتثقيف والتوجيه والإرشاد للوقوف بوجه الظواهر والمتغيرات الاجتماعية التي تطرأ على الفكر والسلوك والقيم. إلا أنه لا يمكنه تحقيق أهدافه المرجوة ومقاصده النبيلة إلا حين تتكامل جهوده مع جهود باقي المؤسسات الاجتماعية والتربوية وغيرها.

                ولا شك أن للإعلام الأمني دورًا مهمًا في بناء الأمن الوطني للدولة ووضع استراتيجيتها، من خلال دوره المؤثر في مواجهة مشاكل وقضايا المجتمع والإسهام في مناقشتها وإيجاد الحلول المناسبة لها، بل وله رسالة مهمة في مواجهة الغزو الفكري والثقافي المعادي. ويبرز دور الإعلام الأمني بشكل واضح، وقت الحرب، من أجل مواجهة الدعاية المضادة والحرب النفسية.

فضلاً عن ذلك، يقوم الإعلام ببعض الأدوار المميزة مثل بث التوجيهات ونشر التعليمات للجماهير بهدف التعامل مع نتائج الأزمات، والحرص على مراقبة الجماهير المستهدفة وملاحظة التغيرات التي قد تحدث في أوساطها لمواجهة ما قد تثيره الأزمة، كما يعمل على ربط المعلومة بسياق الأحداث المعاصرة، وتزويد الجماهير بالمعلومات الكاملة التي تحد من انتشار الشائعات والأخبار حول الأزمات المختلفة.

فضلاً عن ذلك، يقوم الإعلام الأمنى بدور كبير في الحفاظ على مقومات الأمن الوطني، من خلال تعامله الإيجابي مع مهدداته بدءًا من تنمية الشعور بالثقة بالنفس في تحمل مسؤولية أمن الوطن والحفاظ على أمنه المجتمعي مرورًا بما يذاع من قضايا عبر وسائل الإعلام المختلفة، وصولاً إلى كل ما يُنشر من قضايا وأحداث في مجال الأمن القومي.

 ولضمان أن يؤدي الإعلام الأمني دوره الايجابى، يتطلب ذلك وضع خطط مدروسة مرتكزة على جملة من المبادئ والقيم والثوابت التي تحقق المزيد من الفهم المشترك والتعاون الوثيق بينهما، ومن ثم تشكل رؤية واحدة ولغة موحدة، تستطيع أن تتفاعل لتؤدي توعية حسنة وتوجيهًا وإرشادًا سليمًا، ما يضمن تهيئة رأي عام مستنير وواع إزاء نشاط رجل الأمن ودوره في المجتمع من ناحية، وتعزيز جهود الوقاية وإقرار الأمن من ناحية ثانية.

ثانيًا-الشبكات الاجتماعية بين "مواطن النت" ومقتضيات الأمن القومى:

فى ضوء التزايد الكبير فى أعداد مستخدمى شبكة الإنترنت بصفة عامة والشبكات الاجتماعية على وجه الخصوص، فقد ظهر ما أطلق عليه "مواطن النت" Netizen والتي تشير هنا للفرد النشط في مجال استخدام الإنترنت ووسائط التواصل الاجتماعي للمشاركة والتأثير في قضايا الشأن العام.

لذلك أضحى من الأهمية بمكان رصد المؤثرات على الأمن الوطني، أخذًا في الاعتبار أن وسائل التواصل الاجتماعي لا تشكل في حد ذاتها تهديدًا لهذا الأمن وإنما المشكلة الحقيقية تتمثل في فكر مستخدميها والقائمين عليها، والأخطر في ذلك هو التوظيف الممنهج لها في استهداف أمن واستقرار الدولة، مثلما لا تشكل المنابر الدينية خطورة على الأمن الوطني وإنما ينصرف الأمر إلى فكر من يقف عليها، وهكذا الأمر بالنسبة للصحيفة وأقلام كتابها.

وإذا كان صحيحًا أن مواقع التواصل الاجتماعي باتت أداة لا غني عنها للتواصل وتبادل المعلومات بين أفراد المجتمع في عصرنا الحالي وكأي وسيلة اتصال يكون هناك مرسل للمعلومة ومتلق، إلا أن ما ميز هذه المواقع أن المتلقي هو جميع المستخدمين لتطبيقات مواقع التواصل الاجتماعي سواء من خلال أجهزة الكمبيوتر أو التليفون المحمول وهو ما يعني أن كتابات المستخدم أو صاحب الحساب يصبح بمثابة إذاعة لها علي الهواء مباشرة لكل مستخدمي هذه التطبيقات وهو الأمر الذي قد يمثل تهديدًا لبعض أصحاب المهن والوظائف الحساسة دون قصد، إلا أنه من الصحيح أيضًا أن مواقع التواصل الاجتماعي وغرف المحادثات التي غزت المجتمعات لها بعد سلبي وخطير للغاية علي المجتمع ككل وعلي العاملين في الأجهزة الحساسة كالشرطة والجيش المستخدمين لهذه التطبيقات والمواقع بشكل خاص من خلال استخدام الأطراف الأجنبية لهذه المواقع في التعرف علي آرائهم حول مختلف القضايا عبر مشاركتهم وحتي ما يكتبونه من تعليقات، ناهيك عن إمكانية استخدام هذه المواقع في التعرف علي دوائر معارفهم وأصدقائهم للوصول بشكل أو بأخر إليهم، حيث تمثل هذه المواقع منجمًا معلوماتيًا للأجهزة المخابراتية الأجنبية يمكنهم من خلال متابعة أنشطة المستخدمين من العاملين في أجهزة الدول التعرف علي الاتجاه العام للفكر التكتيكي أو الاستراتيجي لهذه الجهات والعاملين بها، بل والدولة بشكل عام.  

نخلص من ذلك إلى القول أنه إذا كانت هذه القنوات قد وجدت في الأساس لخدمة المجتمعات وزيادة التواصل، لها أيضًا مميزات عديدة في المعاملات التجارية، إلا أن لها عددًا من السلبيات التي تنجم عن سوء استخدامها من قبل الأفراد، ومن ذلك استخدامها في التحريض على إشاعة الفوضى وارتكاب جرائم متنوعة، ومن بينها الجرائم الماسة بأمن الدولة عن طريق إيصال الأخبار والصور التي من شأنها الإضرار بالمصالح الوطنية، والتحريض على كراهية نظام الحكم، ونشر الأخبار والصور المزورة المنسوبة كذبًا إلى الغير والتي من شأنها اضطراب السلم الأهلي، والتحريض على ارتكاب الجرائم الجنائية، أو على ازدراء طائفة من الناس. كما أن هناك جرائم أخرى ترتكب تحت مظلة وسائل التواصل الاجتماعي ومنها إهانة رئيس الدولة أو علمها أو شعارها الوطنى، وإهانة دولة أجنبية أو منظمة دولية أو رئيسها أو ممثلها أو علمها أو شعارها الرسمي، والمساس بإحدى الملل أو التحقير من شعائرها، وغير ذلك.

وفي ضوء تلك التطورات وما تولدت عنها من مخاطر، أضحى مطلوب من الأجهزة الأمنية، قدرًا أكبر من الشفافية عبر تمكين المواطن من الوصول للمعلومات الصحيحة، لمعرفة ما يحدث داخل مطابخ السياسات العامة. كما ينبغي أن تتسم عملية صناعة السياسة العامة بالروح التعاونية بحيث يصبح مواطن النت جزءًا أصيلاً من عملية صنع السياسات،عبر توسيع دائرة المشاركة في عملية صنع تلك السياسات عن طريق المساهمة في الحوار واقتراح البدائل، مما يؤدي إلى توسيع دائرة المشاركين في صنعها، إذ أن نجاح أية حكومة يتوقف على قدرتها على التواصل مع مواطنيها وإشاركهم معها فيما تضع من استراتيجيات، وإلا فتح الباب واسعًا أمام الشائعات والأكاذيب ومروجي الفتن والمزيد من الذين يسعون للمعرفة والمعلومة فلا يجدوها لدى مصادرها الموثوقة وهو ما يعزز أهمية ودور أجهزة الإعلام الأمني فيما تقوم به من دور.

ثالثا-الشائعات وتعددية المخاطر:

الشائعة ظاهرة عرفتها المجتمعات في مراحل تطورها المختلفة، إذ مرت عملية انتشار الشائعات بعدة مراحل، ففي السابق كانت الشائعة تنتشر على المستوى الأرضي من بلد لآخر ومن منطقة لأخرى ومن فرد لآخر، إلا أنها اليوم أصبحت تنتشر فضائيًا، بما يمكن القول ولادة نوع جديد من الشائعات نطلق عليه "الشائعة الفضائية/ الالكترونية cyber rumor، حيث يتم استغلال الفضاء الإلكتروني في وضع الشائعات وفي نشرها وبأشكال متعددة (بالصورة/ الصوت/ الحركة/ النص) ولفترة معينة أو إرسالها على شكل بريد (spam).

وأيا ما كان آلية نقل هذه الشائعة، تظل مصدرًا للعديد من المخاطر في النواحي الحياتية سياسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا وقيميًا، ومن أبرزها ما يلي:

1-تدمير القيم والسلم الاجتماعي، تعيش العديد من المجتمعات وبينها العربية والإسلامية نوعًا معقولاً من التجانس والاستقرار النسبي في ضوء نظمها القيمية وضوابطها الاجتماعية والتي يؤدي خرقها إلى اضطراب المجتمع، وهو هدف لا يغيب عن بال مخططي الحرب النفسية ومروجي الشائعات من خلال البرامج الموجهة في هذا المجال.

2-تعميم مشاعر الإحباط في المجتمع، إذ يؤدي انتشار الشائعات إلى انهيار الحالة المعنوية للمواطن من خلال حدوث نوعًا من البلبلة في التعرف على الحقائق وربما يصعب تصديقها، كل هذا يولد مناخًا مربكًا ويؤثر على مصداقية المسئول، بما يفسح المجال لانتشار الأكاذيب والأخبار المبنية على مقاصد سيئة مما يبث طاقات سلبية في المجتمع

3-التأثير سلبًا على الانتاج، فقد يستغل مروجى الشائعات بعض الظروف مثل انتشار البطالة وارتفاع أسعار السلع أو نقصها، ويركز مروجوالشائعات على المنشآت الاقتصادية والتجمعات العمالية وأسواق البورصة وغيرها، بقصد خلق كل ما من شأنه إعاقة سير الإنتاج والتنمية الاقتصادية.

وتمثل الشائعة الإلكترونية مصدرًا لمخاطر إضافية أكثر تهديدًا للأمن القومي، وهو ما يمكن إجماله في ثلاثة مؤشرات، هي:

1-   دورها في نشر ثقافة العنف والإرهاب:

نظرًا لما يوفره الإنترنت كأداة إعلامية متنوعة الوسائل، سهلة الاستخدام، رخيصة التكلفة، وتساعد على التخفي، كما تصل في الوقت ذاته إلى المستهدفين في كل مكان، جعلها أداة سهلة للتنظيمات الإرهابية في نقل عملياتهم إلى العوالم الافتراضية عن طريق تصميم مواقع خاصة بهم. ويذكر أن اول حضور لتنظيم القاعدة على شبكة الإنترنت كان بتدشين أول موقع لها تحت مسمى "غرف الرصاص" عام 1999م، وكان ضمن عدة مواقع أخرى لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة، وظل يعمل حتى تدميره عام 2004م. إلا أن هذا لم يمنع من تأسيس مواقع أخرى منها "شبكة أبو البخاري الإسلامية"، "منتديات المأسدة الجهادية"، "شبكة المهاجرون الإسلامية"، "شبكة الفلوجة الإسلامية"، "شبكة مداد السيوف". ورغم تدمير العديد من هذه المواقع إلا أن ثمة عدد منها ما زال موجودًا. بل وفي محاولة من جانب هذه التنظيمات لتفادي تدمير مواقعها، لجأوا إلى الشبكات الاجتماعية وغيرها من الوسائل كغرف الدردشة والمجموعات البريدية. والمتابع لعشرات الصفحات على تلك الشبكات الاجتماعية يجد مواد عديدة منشورة تحض على العنف وتروج للفكر الإرهابي، وهو الأسلوب ذاته الذي توسع في استخدامه تنظيم داعش في تجنيد آلاف الشبات من مختلف بلدان العالم.

2-   إشاعة الفوضى المجتمعية:

الشائعة كمعلومة غير معروفة المصدر وتهم قطاعًا كبيرًا وذات تأثير في حياتهم، أصبحت أكثر رواجًا باستخدام تقنيات الاتصال المعاصرة وعلى جميع المستويات، ويسرت التقنيات الإلكترونية انتشار الشائعات بسهولة خاصة مع تحصين هوية المرسل وإخفائها، وسرعة انتشارها مع سهولة الوصول إليها من أي مكان وبوسائل متعددة.

وتستخدم الوسائط الإلكترونية في إشاعة الفوضى ونشرها على نطاق واسع بما يهدد كيان الدولة واستقرار المجتمع. ولعل ما جرى في البلدان العربية مع ما أطلق عليه "الربيع العربي" في حين أن الواقع أثبت أنه ليس ربيعًا بقدر ما كان شتاءً قارصًا، حاول أن يهدم الدولة ومؤسساتها لصالح أطراف في الداخل والخارج. وكانت شبكات التواصل الاجتماعي في القلب من تلك الأحداث، فمن الصعوبة بمكان إغفال الدور الذي لعبته الوسائط الإلكترونية وخاصة الفيس بوك وتويتر في إثارة القلاقل والاضطرابات في هذه البلدان. صحيح أن أحد لا يمكنه أن يجزم بأن ما حدث كان بتدير ودعم مباشر من قوى خارجية، وصحيح كذلك أن أحد لا يمكنه أن ينكر أن بعض البلدان شهدت انتكاسات كبرى بسبب سياسات حكامها كما هو الحال في ليبيا وسوريا، إلا أنه من الصحيح أيضًا أن الشبكات الاجتماعية لعبت دورًا مهمًا فيما جرى خاصة شبكة الفيس بوك والتي من المؤكد أنها تتلقى دعمًا ماليًا من أجهزة استخباراتية تسعى للاستفادة من قاعدة البيانات الموجودة لديها، وهو ما ذهب إليه بعض الباحثين الأمريكيين الذين أثاروا فرضية احتمال تلقي الموقع دعمًا ماليًا من أجهزة الاستخبارات الأمريكية تحديدًا، وذلك من أجل بناء قاعدة بيانات ضخمة للمشتركين الشباب من مختلف دول العالم والاستفادة منها لأغراض استخباراتية.

3-   إثارة الفتنة الطائفية:

تمتلئ شبكة الإنترتب بالعديد من المواقع الهادفة إلى نشر الفتنة وإثارتها من خلال ما تبثه من معلومات تسئ إلى الطوائف الأخرى، حيث المجال متاح للنقاش غير المنضبط المشتمل على السب والقذف. وغني عن الإشارة أن مسألة الفتنة الطائفية وإثارتها من خلال الشائعات والأكاذيب ليست مقتصرة على بلد بعينه، بما يجعل هذه القضية أخطر الثغرات الأمنية التي يمكن أن تستغل لزعزعة الأمن الوطني، حيث نجد كثير من الحوادث البسيطة جدًا يتم تضخيمها وتصويرها على أنها صراع طائفي مذهبي ويحاول هؤلاء استغلالها لأغراض ومآرب تصب في صالحهم على حساب مصالح المجتمع وأفراده.

رابعًا-الإعلام الأمني ومحاربة الشائعات... رؤية مقترحة:

إذا كان الأمن يعد من أهم مقومات تقدم وازدهار الدول والمجتمعات، إذ أنه لا يمكن أن توجد تنمية في أي مجال من المجالات في ظل غياب أو عدم توافر الأمن، حيث يعد الأمن المحرك الأساسي للتنمية، فإن الشعور بالأمن كواقع لا يمكن تحقيقه وترسيخه في المجتمع إلا من خلال إعلام فاعل وقادر على الوصول لجميع أفراده لتنبيههم بالظواهر السلبية وأساليب مواجهتها، حيث يلعب الإعلام دورًا مهمًا في إيصال الحقائق لجميع أفراد المجتمع وتحصينهم ضد الشائعات والأكاذيب. وإذا كان كذلك عصر المعلوماتية هو عصر يمكن فيه صناعة الشائعات بصورة محكمة وبمهارة عالية، إلا أنه أيضًا عصر يمكن فيه محاربة الشائعة بصورة قاطعة، فبقدر ما يتيحه هذا العصر من امتلاك للمعلومات ووسائل نقلها ومصادرها وطرق معالجته بما يوسع المجال لنشر الشائعة بسرعة البرق، فإنه أيضًا يتيح الفرصة واسعة للتحكم فيها والقضاء عليها بسرعة البرق كذلك.

ومن هنا تبرز أهمية الإعلام الأمني لما يقوم به من دور في تصحيح الأفكار والمفاهيم الخاطئة، وتغيير الاتجاهات السلبية لدى أفراد المجتمع من خلال تبصيرهم بخطورة الآثار السلبية الناجمة عن انتشار الشائعات والأكاذيب التي تمس أمنهم وسلامتهم ودعوتهم للمساهمة في مواجهتها.

وفي ضوء ذلك، يمكن طرح استراتيجية متعددة الأبعاد والآليات تستهدف تعظيم دور الإعلام الأمني في مكافحة الشائعات والحد من آثارها السلبية على المجتمعات، من خلال العمل على أكثر من مستوى، وذلك على النحو التالي:

1-    توضيح مدى مخاطر هذه الظاهرة وكيفية معالجتها دينيا، من خلال إبراز مواقف الأديان السماوية من الترويج للشائعات والأكاذيب، والاستفادة من طروحاتها بشأن كيفية مواجهتها.  

2-    انتهاج الأسلوب الأكثر ملائمة للتعامل مع كل شائعة، فمن غير المنطقي أن يكون هناك إسلوبًا واحدًا تنتهجه المؤسسة الأمنية في التعامل مع هذه الشائعات، حيث يختلف الأسلوب طبقا لكل حالة، فقد يتراوح ما بين الإسراع بتكذيبها أو تجاهلها أو التشكيك في مصدرها أو تحويل الأنظار عنها أو إطلاق شائعة مضادة.

3ـ التوسع في استخدام الشبكات الاجتماعية، من خلال السماح للأجهزة والمراكز العاملة في مجال الإعلام الأمني باستخدام هذه الشبكات لنشر الحقائق ودحض المغالطات، شريطة الإلتزام بحزمة من الضوابط والإجراءات تضمن الأداء المتميز والكفء للعاملين في هذا المجال.

3-    تعزيز العلاقة بين جهاز الإعلام الأمني ووسائل الإعلام العامة والخاصة الأخرى، وذلك من خلال:

  • تقديم المعلومات الصحيحة والدقيقة والسريعة إلى أجهزة ووسائل الإعلام الأخرى.
  • تنظيم دورات أو لقاءات للإعلاميين والصحافيين العاملين لدى وسائل الإعلام المختلفة والمعنيين بتغطية الأخبار والقضايا والمسائل الأمنية لتوضيح المخاطر والمحاذير المتعلقة أو المتصلة بنشر أخبار الجرائم والتي قد تغيب عن أذهان هؤلاء الإعلاميين والصحفيين.
  • تشكيل مجلس للإعلام الأمني أو لجنة وطنية للتوعية الإعلامية في كل دولة وتضم مندوبين عن مختلف المؤسسات الإعلامية المعنية، وفي حالة وجود مجلس للإعلام يجب أن يضم ممثلين عن الإعلام الأمني للمشاركة بفعالية في هذا المجلس.
  • تقوية العلاقة مع مراسلي الصحف الخارجية ووكالات الأنباء العالمية لتزويدهم بالمعلومات والأخبار الصحيحة حتى لا يترك مجالا لنشر الشائعات التي قد تؤدي في كثير من الأحيان إلى المساس بالأمن القومي للبلد.

4-   تنمية الحس الأمني لدى المواطن لتحصينه وتقوية مناعته ضد خطر الشائعات، وذلك من خلال إدماجه وإشراكه في المنظومة الأمنية، كي يعي أهمية دوره في المشاركة في الحفاظ على أمن الوطن واستقراره، وبأنه يقف على ثغرة من ثغوره، ولا يجوز أن يسمح أو يقبل الشائعة أن تأتي من جانبه.

5-   التكامل مع المؤسسات الرسمية والمجتمعية الأخرى ذات الصلة بعمل جهاز الإعلام الأمني، فلا يمكن أن ينجح الإعلام الأمني في تحقيق أهدافه المرجوة ومقاصده النبيلة إلا حين تتكامل جهوده مع جهود باقي المؤسسات الإعلامية والاجتماعية والتربوية وغيرها.

6-   إنشاء مراكز لرصد الشائعات، تتولى رصد الشائعات وتجميعها ودراستها وتحليلها وتعقب مصادرها وإعداد الخطط والاستراتيجيات المناسبة لمواجهتها ومحاربتها.

7-   تطعيم جهاز الإعلام الأمني بالخبراء المتخصصين في مجالات عدة منها: علم الاجتماع والنفس والشريعة والاقتصاد والسياسة، وذلك لوضع الاستراتيجيات والخطط العلمية لمواجهة مثل هذه المخاطر.

8-   استخدام نظام كشف الكذب الإلكتروني الذي ظهر حديثًا، ويهدف إلى التأكد من الشائعات التي تظهر على مواقع الإنترنت، حيث تقوم آلية عمله على تحليل البيانات لمعرفة مدى صدق الرسائل المنشورة على مواقع التواصل الاجتماعي، وتشمل البيانات التي سيجري تحليلها رسائل من موقع تويتر، وتعليقات لمستخدمي المنتديات المهتمة بمناقشة موضوعات الرعاية الصحية، والتعليقات العامة على موقع فيسبوك، كما يعمل النظام على معرفة ما إذا كانت حسابات مواقع التواصل الاجتماعي المستخدمة في نشر معلومات خاطئة أنشئت خصيصًا من أجل ذلك الغرض.

9-   تعزيز العمل المشترك مع مختلف البلدان في مجال الإعلام الأمني لمكافحة الشائعات والأكاذيب.

 

نهاية القول إن الشائعات لها خطورتها في نشر البلبلة في المجتمعات بما يهدد أمنها واستقرارها ووحدتها الوطنية، بما يستوجب عمل منظم من أجل رصدها والتصدى لها والعمل على إبطال مفعولها. وإذا كان صحيحًا أن الأجهزة الأمنية بمؤسساتها المختلفة هي المعنية في المقام الأول بإعداد الاستراتيجيات ووضع الخطط للتصدي للشائعات ولكل آثارها وتداعياتها، إلا أنه من الصحيح أيضًا أن أنجح أساليب التعامل مع الشائعات أن يتصدى لها المجتمع بقواه البشرية والفكرية والمادية من خلال الأسرة والمسجد والكنيسة والمدرسة والجامعة والمؤسسات الإعلامية للقضاء على الجهل والأمية والتخلف، فضلاً عن الاهتمام بالإعلام الأمني الذي أصبح مطلبًا ملحًا وأوثق ارتباطًا بصميم العمل الأمني وأولوياته لتلافي الآثار السلبية الناتجة عن الأعمال الإجرامية وخاصة تلك المتعلقة بالشائعات وما يترتب عليها من خسائر فادحة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*مدير مركز الحوار للدراسات السياسية والإعلامية

مجلة آراء حول الخليج