array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 117

خمسة معوقات أمام الإعلام الخليجي .. وفض الاشتباك يتطلب تجاوزها المواجهة الإعلامية مع إيران تتطلب إستراتيجية جماعية لتنسيق السياسات ووضع الأهداف

الأحد، 05 آذار/مارس 2017

مقدمة :

            يواجه الحديث في هذا الموضوع عددًا من الملفات التي لا بد من معالجتها كمدخل لهذه الأزمة المستحكمة والشائكة، والقاعدة العريضة للاشتباك الإيراني مع دول الخليج، أنها أي إيران تعمل على اعتراض التطور الطبيعي لدول عربية في سعي شعوبها للاستقلال والتنمية.

 

أولاً :

إن هناك قطاع كبير من العرب ( ليس بالضرورة بعض الشيعة العرب فقط) يميلون إلى تبني أفكار سياسية نابعة من طهران تتمثل في فكرة "ولاية الفقيه"، لأسباب أيديولوجية أو مصلحية أو تكتيكية، ويسعون بطرق مختلفة، مباشرة أو غير مباشرة، لبث تلك الأفكار وبأشخاص عرب أو مؤسسات ناطقة بالعربية إلى الجمهور العربي، في الوقت الذي يفتقد العرب ( الخليجيون) بشكل كامل أو جزئي وجود إيرانيين (ناطقين بالفارسية) لحمل وجهة نظر العرب والخليجيين إلى الطرف الآخر، وحتى لو وجد هؤلاء القلة (الأحوازيون) فإنهم محاصرون ومتابعون، بل ويعرضوا أنفسهم إلى أشد العقوبات من سلطات طهران إن فعلوا ذلك! بجانب عدم وجود (أيديولوجية) للتصدير من الجانب الخليجي!

 

ثانيًا:

 

            هناك على الأقل ما يقارب أو يفوق عدد ثلاثون قناة تلفزيونية ناطقة بالعربية تحمل وجهة نظر النظام الإيراني، مباشرة أو مداورة، يديرها عرب، وتموَّل من جهات إيرانية، أو من جهات عربية لها علاقة أيديولوجية أو عرقية أو مصلحية مع إيران، في الوقت الذي يفتقد العرب (الخليجيون) أي نوع من البث المعاكس، إلا في الحدود الضيقة، ويعتمد ذلك البث على عناصر في الغالب إيرانيين أو أشخاص من أصول إيرانية، وحتى هؤلاء يستخدم بعضهم العمل الإعلامي العربي كمنصة للانطلاق إلى الغرب، ومن هناك يتبنى الموقف الأيديولوجي الإيراني، بل وحتى يستخدم المعلومات التي حصل عليها (عندما كان يتعاون مع مؤسسات عربية - خليجية) بشكل يضر بمصالح العرب! وكما يتبنى بعض العرب من هذه الشريحة الواسعة بث أفكار قريبة إلى الأيديولوجيا الإيرانية من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، وربما لدى بعض القوى العربية الموالية لإيران (غرف عمليات) لفعل ذلك.

 

 

ثالثاً :

يتحدث كثير مـــن متخــــــــــــذي القرار الإيراني اللغة العربية، لأن أصول ثقافتهم عربيــــــــة، حيث درســــــــوا القرآن الكريــــــــم (العربي) والفقه (العربي) الذي بدونه لا يستطيعوا أن يمارسوا الخطاب الديني، في الوقت الذي يفتقد معظم - إن لم يكن كل المسؤولين العرب (والخليجيون) أي ثقافة باللغة الفارسية - أو أية لغة أُخرى تتحدث بها الشعوب الإيرانية. كما تُدرس العربية في عدد من المعاهد الإيرانية العلمية، وهي جزء لازم لدراسة الفقه من طلاب العلوم الشرعية، أما اللغة الفارسية فهي ليست ظاهرة في التعليم العربي (ومناهج الخليج) ومحصورة في بضع مساقات لتعلم اللغة الفارسية في بضع مؤسسات تعليمية عربية وخليجية، إلا أنها لا تُدرس على نطاق معقول.

 

رابعاً :

يحمل الإعلام الإيراني (أيدلوجية كثيفة) منها شعارات (تصدير الثورة، ونصرة المستضعفين) ومنها (نصرة القضية الفلسطينية) ومنها محاربة النفوذ الأجنبي (الأوروبي والأمريكي)، في حين لا يحمل الإعلام العربي أية أيديولوجية مُحددة، الإعلام الإيراني يعمل على استراتيجية (الهجوم) والإعلام العربي يعمل على أكثر تقدير على استراتيجية (الدفاع)!

 

خامساً :

يصدر الإعلام الإيراني من (غرفة عمليات واحدة) في الوقت الذي لا توجد غرفة عمليات محددة لأي من الإعلام الخليجي، إلا في حدود الأهداف الخاصة بكل بلد، وفي حدود ضيقة، وينتفي أي تنسيق أو وجود أية (غرفة عمليات إعلامية) على المستوى الخليجي، والتنسيق يتم في حدود ضيقة بين بعض المؤسسات.

 

من هذه المحاور الخمسة يمكن الوصول إلى نتيجة مؤداها، أن الإعلام الخليجي تجاه الإعلام الإيراني الموجه، هو في الوقت الحالي في حالة من (الكبح) المتصف بنقص في الرؤية وضعف في الوسائل وضبابية في الأهداف وضمور في التدريب، مما يجعل الإعلام الإيراني (باللغة العربية) يُخاطب المواطن الخليجي من فوق رأس الحكومات، ويستخدم وسائل تقليدية (منها المؤسسات المذهبية) ومنها الإعلام المباشر والحديث. كما أن فكرة (تأثير الإعلام الغامر) على العقول والنفوس لم ترسخ بعد لدى كثير من متخذي القرار في الخليج، حيث ينظر بعضهم إلى هذه الوسائل نظرة سلبية بل عدائية، وهي نظرة نابعة من حيرة أن تلك الوسائل (التقليدية والحديثة) هي مصدر شر بالغ وخير قليل.[1]

 

الاستراتيجية العامة لقواعد الاشتباك الإيرانية تجاه دول الخليج :

 

تقوم تلك الاستراتيجية على شيطنة الأنظمة في الخليج، والادعاء بأن الإصلاحات التي تتم في دول الخليج هي بسبب (الخوف) من شعارات الدولة الإسلامية، وأيضًا نتيجة تحقيق إصلاحات بنيوية في تلك الدولة (تغري) مواطني دول الخليج، من تحقيق الديمقراطية، تمكن المرأة الإيرانية وموقفها الحاسم ضد الصهيونية والاستكبار العالمي! رغم هشاشة تلك الادعاءات إلا أنها راسخة في أذهان النخبة في طهران، وتتبعها نخب عربية موالية لإيران. كما تعتمد تلك الاستراتيجية على استفزاز العناصر السلبية في الهوية الخليجية وتُشير إلى (أنتم يا من تعيشون هناك في البلاد العربية، وتشتركون معنا في المذهب يجب أن يكون انتماؤكم إلى المذهب الذي نحميه ونُدافع عنه في الدولة الإسلامية إيران)، وبالتحديد إلى "ولاية الفقيه" التي سوف تسعدكم في الدنيا (تجلب لكم المساواة وتدخل الجنة في الآخرة)!  من هنا فإن الهدف العام هو اختراق الهوية الوطنية، ويمكن التضحية بالوطن من أجل المذهب[2]، هذا الخطاب بطبيعته يستفز الهوية الأُخرى " السُنية" وتقع في حال (تصادم بين الهويات) يُعزز الهدف المطلوب الوصول إليه من قبل طهران وهو شرذمة وإضعاف المجتمع.

 

الاستراتيجية العامة من قبل دول الخليج (مقترحة) :

 

الاستراتيجية المقترحة هي تأكيد أن دول الخليج تقف مع خيارات الشعوب التي يجب أن تُحدد مصيرها دون تدخل أجنبي، في العراق وسوريا واليمن ولبنان وفي غيرها من الدول، وتحديد المصير من خلال (صناديق انتخاب) حُرة وتحت مراقبة من الأُمم المتحدة، من أجل بناء دولة وطنية مدنية عادلة يتساوى فيها المواطنون قاطبة، مع رفض لوجود أية قوات أجنبية في تلك البلدان أو من مليشيات حليفة لبلدان خارجية. تلك الاستراتيجية تحول الموقف الإعلامي الخليجي من الدفاع إلى الهجوم، مع كشف عورات وادعاءات النظام الإيراني، في ملفات مثل (الديمقراطية، وهي مقيدة وتخضع لشبكة من التطهير) وتدني حقوق الإنسان والحكم القمعي، والفشل الاقتصادي.

 

المعركة الإعلامية جزء من معركة أكبر إنها حرب!

 

            العقدة الكبرى  الأساسية  في منطقة الشرق الأوسط منذ عقود، وربما تستمر هي أن إيران، ينتابها قلق شبه مُرضٍ حول بقاء واستمرار نظامها، ولتفادي ذلك وضعت استراتيجية هدفها النهائي ( حماية النظام الإسلامي الإيراني من التهديدات) وتوسلت مجموعة من التكتيكات أساسها الانتشار في الجوار لصد أي تهديدات بالاعتماد على جماعات شيعية مسلحة أو مدنية تحولها إلى شبه مليشيات عند الضرورة ،  وكذلك استمالة بعض القطاعات العربية (والخليجية) من خلال التعاطي مع مشكلاتها كمظاهر الحرمان أو الفاقة، وقد ساعد في ذلك  اختلال الدولة في الجوار ( اليمن ، سوريا ، العراق ، لبنان ) كما ترى أن ترسيخ  نفوذ لها في دول الخليج من الأهمية بمكان لإبعاد الضغوط عنها ، فهي - أي تلك الدول - صغيرة، عدا المملكة العربية السعودية، ويمكن استمالة قطاعات منها  (من الأقليات في الداخل) كما يمكن تهديد المصالح الغربية من خلالها، وخاصة الأمريكية وفي هذا الجوار القلق تهتز الرؤية وتضعف اليقينيات، وإن أمكن إشاعة عدم الاستقرار في كيانها الداخلي. وتقوم طهران في سبيل توسيع النفوذ وإبعاد الضغوط عن طريق تصديرها بعمل منظم ودؤوب، فهي تعتمد (على دبلوماسية نشيطة) وتتدخل هذه الدبلوماسية بسرعة وبوضوح في القضايا التي ترى أن لها علاقة مباشرة بها[3]، بل إن هذه الدبلوماسية تقوم بتنظيم الاجتماعات مع قوى محلية توظفها لصالح سياستها[4].

 

على الرغم من الخطاب المُعلن للنظام الإيراني تجاه العرب قاطبة أنه ( مُسالم ويرغب في تعضيد القضايا العربية) إلا أن دارس ما يقدم إلى الطلاب في المناهج الإيرانية يستطيع أن ينتهي إلى القول أن تلك المناهج تتوجه إلى إعطاء الطالب الإيراني صور سلبية عن العرب[5] ، وتحمل المملكة العربية السعودية مكان الصدارة في العداء الإيراني، لعدد من الأسباب، أنها الدولة الكبيرة في الخليج، والقادرة على مواجهة النفوذ الإيراني ، كما أن طهران في محاولتها كي تأخذ الصدارة في ( قيادة العالم الإسلامي) تجد أن المنافسة الحقيقة لها هي المملكة العربية السعودية، لأنها تحتضن الحرمين الشريفين، مكة والمدينة، وهي دون هذين المكانيين لا تستطيع الادعاء أنها تقود ( العالم الإسلامي) !

 

 

 

تطور العلاقات مع السعودية :

 

لم تكن هناك مشكلات حادة بين السعودية وإيران، فقد شهدت في الفترة ما بين 1925م-1968م[6] علاقات طيبة طويلة بين الطرفين[7]، كما شهدت الفترة ما بين 2001 و2006م في فترة حكم السيد محمد خاتمي، أي في فترة الحكم الملكي والثوري هدوء نسبي وتعايش، ويرجع المنحى التصاعدي للخلاف إلى ما قبل انتصار الثورة الإسلامية الخمينية في إيران عام 1979م. ففي عام 1968م، وتحديدًا عقب انسحاب بريطانيا من البحرين والخليج، برز الاحتقان الأول بين السعودية وإيران إلى الوجود مع بوادر سياسة ردعية متبادلة في ظل توفر توازن القوى بينهما. فإيران هددت باستعمال قوتها الصلبة؛ أي القوة العسكرية لضم البحرين إلى أراضيها، فكان الرد سريعًا من قبل المملكة العربية السعودية، حيث أوضح الملك فيصل بن عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ أن أي هجوم على البحرين هو بمثابة هجوم على السعودية، وسيرد عليه في حينه. وكادت أن تؤدي قضية البحرين إلى مواجهة عسكرية مباشرة بين الدولتين، وتحولت بعد تدخل دولي وإقليمي إلى هُدنة، فاتخذ شاه إيران محمد رضا بهلوي قرارًا لزيارة السعودية في نهاية عام 1968م، كمحاولة لرأب الصدع وتطويقه، مع إصراره في الوقت نفسه على رفض استقلال البحرين وبقاء مقاعدها في البرلمان الإيراني شاغرة. إلا أن تلك الفترة طويت بإعلان استقلال البحرين عام 1970م بعد تدخل أُممي.  [8]     

 

الاحتقان الثاني بين الدولتين؛ يعود إلى عام 1979م، والذي تزامن مع الثورة الإسلامية الإيرانية بقيادة آية الله الخميني، ومحاولة تصديرها إلى المناطق المجاورة حيث شنت  إيران عقب الثورة حربين اثنتين؛ إحداهما باردة ضد المملكة العربية السعودية، والأُخرى ساخنة ضد العراق في الفترة ما بين 1980م-1988م، لهدف واحد وهو قيادة العالم الإسلامي، فكانت هذه الحرب بالنسبة لنظام صدام فرصة سانحة لاحتواء الدور الطموح الأيديولوجي والجيوسياسي  لإيران في المنطقة العربية،وكانت خلالها السعودية، ومعها الكويت والإمارات العربية المتحدة تقدم الدعم للعراق، وما أن وضعت الحرب العراقية – الإيرانية أوزارها حتى انقطعت العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران بين عامي 1988م و1991م إثر مصرع أكثر من 400 شخص، معظمهم إيرانيون بعد محاولة هؤلاء الأشخاص اقتحام الحرم المكي الشريف واحتلاله والتظاهر في جوار أسواره في محاولة من النظام الإيراني نشر الفوضى في المشاعر المقدسة، ومنذ ذلك الحين، ظلت السلطات الإيرانية تستعمل ورقة حجاجها مطية لاختلاق الأزمات وإدارتها مع السعودية، رغبة منها في زعزعة الاستقرار الأمني في المملكة، وجعلها في مأزق أمني، سعيًا منها لقيادة قاطرة العالم الإسلامي بمفردها، مدنسة بذلك قدسية الحرم المكي. فالنظام السياسي الإيراني - حسب كاتب سعودي - معجون بماء الثورة وتربة الطائفية، وهدفـــــــه نشــــر ذلك عبر المحيــــــط لتحقيـــــــــق الحلم الكبير في إمبراطورية فارس.[9]                                       

 

ورغم حرص المملكة العربية السعودية على مدار السنوات الماضية على علاقات مستقرة مع إيران، إلا أن هذه الأخيرة لم تتوان في التطاول على السعودية بتدخلها في شؤون دول المنطقة عبر وكلائها. حيث شهد عام 2006م مع مجيء الرئيس أحمدي نجاد عودة التوتر مجددًا عقب إطلاقه فكرة تطوير البرنامج النووي الإيراني كي يتحول إلى سلاح.  

                                                        

وقد تفاقمت حدة العلاقات المتوترة بين السعودية وإيران في فترة ما اصطلح على تسميته " بالربيع العربي " عقب التدخل الإيراني المباشر في سوريا لدعم النظام السوري بقيادة بشار الأسد بالمال والعتاد العسكري، وتزويده بمستشارين عسكريين ومقاتلين من الحرس الثوري الإيراني ومن العراق ولبنان (حزب الله) و كل من باكستان وأفغانستان ( الهزارة)[10] من أجل إجهاض الثورة بذريعة حماية المراقد الدينية!. وفي اليمن، ساندت طهران ميليشيات الحوثي، مما اضطر الرياض إلى خوض عاصفة الحزم في مارس 2015م،[11] لمواجهة النفوذ الإيراني واحتوائه. وبلغ الصراع ذروته، لما أقدمت السعودية على تنفيذ حكم الإعدام في حق47 شخصًا، من بينهم كان رجل الدين الشيعي نمر باقر النمر، وقبلها حادثة التدافع للحجاج في منى عام 2015م، والتي ذهب فيها ضحايا إيرانيون. فالصراع المفتوح بين طرفي المعادلة على كافة الأصعدة لم يتوقف في الساحة السورية فحسب، وإنما امتدت إلى الساحتين اليمنية والعراقية، وتذبذب صعودًا ونزولاً، ولا سيما بعد الإعلان الصريح لحكام إيران مرارًا على أن عواصم عربية باتت مناطق نفوذ لهم كدمشق، بغداد وصنعاء، بل الأخطر من ذلك هو إعلان عن نية إيران تحرير مكة والمدينة من سيطرة آل سعود!! هذه النوايا الإيرانية المبيتة كانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، وأدت إلى اشتعال العلاقات السعودية – الإيرانية المتوترة أصلاً. فكان رد الفعل السعودي سريعًا بانتهاجها سياسة تدريجية بإعلانها عاصفة الحزم، رافعة بذلك البطاقة الحمراء في وجه الأطماع التوسعية الإيرانية في اليمن، الذي جاهر بالعداء لوطنه، ودعا إلى الفوضى. وجاء إعدام رجــــــــل الديــــــن الشيعي نمر باقر النمر في السعودية في 2 يناير2016م، بمثابة بلوغ ترمومتر العلاقات بين السعودية وإيران درجته الحرارية القصوى. وكان رد الفعل الإيراني سريعًا بإقدام متظاهرين، وبإيعاز من السلطات الإيرانية، على إضرام النار في السفارة والقنصلية السعوديتين في كل من طهران ومشهد تواليًا. وواجهت السلطات السعودية الحادثة بسحب سفيرها ودبلوماسيها من إيران، وقطع علاقاتها الدبلوماسية معها، وتبعها في ذلك عدد من الدول العربية والخليجية.

 

الأطماع في البحرين وبقية دول الخليج :

 

تُشكل مملكة البحرين أحد أهم الأطماع الإيرانية في الخليج، مستندة إلى بعض الوقائع التاريخية القديمة من جهة، وإلى القول بأن أغلبية شيعية تسكن المملكة، وتدعي إيران أنها موكله بحماية ذلك المكوّن الاجتماعي، كما تدعي أنه لوحده يُقاسي ظلم النظام، كان ذلك الإدعاء إبان عهد الملكية الإيرانية، ولكنه سُويّ بقرار من الأُمم المتحدة وباستقصاء لأبناء المملكة أنهم يرغبون بأغلبية كبيرة بالاستقلال دون أن يكون لهم علاقة بإيران، كان ذلك في سبعينيات القرن الماضي ( العشرون) وقد اعترفت إيران الملكية بأن البحرين بلد مستقل ،كما اعترفت إيران الجمهورية بذلك، وأرسلت سفراء معتمدون. بعد أحداث الربيع (نهاية العشرية الأولى من القرن الواحد والعشرين) في كل من تونس ثمّ مصر واليمن، قامت حركة في البحرين، يدعى اليوم أنها (هبة شعبية)! ليس لأي من القوى السياسية المنظمة علاقة بها! إلا أن تلك الأحداث (بدأت يوم الاثنين 11 فبراير 2011م) قد اتخذت لها مسارًا يُطالب في بعضه بإقامة (دولة إسلامية في البحرين والاعتراف بولاية الفقيه) الأمر الذي استفز قطاعات واسعة من المواطنين، قامت بعدها إيران بتعضيد تلك الاضطرابات وتبني مطالبها، بل الإيعاز إلى بعض القوى التابعة لها بتدريب وإيواء البعض ممن لهم علاقة بتلك الاضطرابات في كل من العراق ولبنان، إلى حد تدريبهم على السلاح وأيضًا، وهو ما يهمنا في هذه الدراسة، التدريب الإعلامي.  كما قامت بعض الجماعات التابعة لإيران بمحاولة خلق الاضطراب في كل من الكويت[12] ودولة الإمارات.

 

في اليمن والعراق :

 

اختطت إيران نفس الفلسفة التي نجحت نسبيًا في لبنان، أي الاستفادة من ضعف الدولة من أجل إنشاء مليشيات تابعة لها تعطل الدولة أو تستولي عليها ، فبعد أحداث الشارع اليمني الذي تأثر بهبوب رياح  ربيع العرب، وأظهر رفضًا لحكم علي صالح الطويل والبعيد عن التنمية، سارت أُمور اليمن إلى ضعف في مفاصل الدولة ، استفادت منها إيران عن طريق دعم جماعة الحوثي التابعة لها فاستولت مليشيات الأخيرة على معظم سلاح الجيش اليمني واجتاحت مدن وبلدات يمنية في استباحة غير مسبوقة، مما سبب صراعًا دمويًا، على أثره تدخلت دول الجوار لتعديل الكفة بقيادة المملكة العربية السعودية. وفي العراق بعد سقوط نظام صدام حسين وتفكك الدولة العراقية 2003م، وكانت إيران في الأساس قد وافقت على أن تقوم الولايات المتحدة بإسقاط نظام البعث، ثم بدأت تستفيد من سقوط النظام بتكوين خلايا (مقاومة) للأمريكان من جهة، ومتهيئة لقيام نظام في بغداد تابع لها، وعلى مدى بضع سنوات حققت ذلك، بأن جعلت الحكم في العراق يصبح تحت جناح إيران، ووضعت إما مليشيات إيرانية أو عراقية موالية لها في موضع السلطة، وصفت أي عناصر غير خاضعة لطهران، مستفيدة من المرض العراقي المزمن في الهوية العراقية، التي تعلي الطائفة والعرق والمنطقة على الهوية الجامعة .

 

الصدام الإعلامي :

 

استفادت إيران إعلاميًا من عدد من المصادر، أن الإعلام العالمي كثير ما يأخذ جانب التحيز لإيران، فهناك قنوات إعلامية ناطقة بالعربية مثل RT الروسية، تضخ برامج متعاطفة إن لم تكن مؤيدة لوجهة النظر الإيرانية، كون روسيا الاتحادية تشترك جزئيًا مع إيران في مقاومة النفوذ الأمريكي من جهة، وتوسيع نفوذ التحالف الإيراني / الروسي من جهة أُخرى في المنطقة العربية، واتخذت بقية محطات التلفاز الدولية الناطقة بالعربية مثل BBC   البريطانية و 24 الفرنسية، وتحت مظهر الحيادية بإشاعة المقولات الإيرانية في القضايا التي تتعرض لها، من جهة أُخرى فإن العاملين في عدد من تلك المحطات، هم من العرب الذين يميل بعضهم إلى نقد دول الخليج بشكل غير موضوعي انطلاقًا من موقف (الغنى والفقر) و( اليسر والعسرة) أو ( التفوق المعرفي تجاه ما يرونه من وجهة نظرهم تخلف معرفي في دول الخليج !)  بل إن بعض المعلقين مِنْ مَنْ يستضاف للتعليق على الأحداث في برامج تلك المحطات، لهم موقف مضاد من (الثروة الخليجية التي ليست في مكانها)!! من وجهة نظرهم، أو تقاعس دول (النفط) عن القيام بدورها في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، !! أو الاستفادة من مظاهر البذخ لدى بعض الخليجيين في العواصم الأوروبية! أو أية حجج أُخرى، مما كوّن رأيًا عامًا غير متوازن من جراء تلك المواقف.

 

في إطار وسائل الإعلام الخليجية، فإن النقص في التوجه إلى المُتلقي الإيراني هو نقص واضح، في عدم وجود من يعرف اللغة الفارسية، وإن وجد القليل فإن النقص في التدريب يبدو واضحًا. كما أن الرسائل التي يمكن أن توجه إلى المستقبِل الإيراني لا تحمل أيديولوجية ثقيلة أو وجهات نظر متسقة.

 

يقوم جناح حزب الله الإعلامي بتدريب مكثف لأعضاء في جماعات معارضة خليجية وحوثية (من الجنسين) ويدربهم على مواجهة وسائل الإعلام بأنواعها المختلفة، ويكونوا في هذا الإطار ( خلايا وغرف مراقبة وتتبع) لكل ما يقال، بل وينشط بعضهم بالاتصال بوسائل الإعلام المفتوحة ( التي تقبل المشاركة المباشرة) من خلال (سكاب) أو وسائل الاتصال الحديثة مثل الفيس بوك وتويتر ، للتدخل عندما يطرح موضوع يخص إيران في النقاش، ويعتمد الإعلام الخليجي على التطوع وبأشخاص تنقصهم الخبرة والتدريب، بل إن ذلك الإعلام في كثير من الأوقات يعتمد أن يترك ( الرأي الخليجي) يقدم ساذجًا وغير مدروس.

 

إن الملاحظ أن إيران (من خلال أذرعتها العربية) تنشط في تسويق رؤيتها وأفكارها من خلال (مندوبين) عرب، بالوسائل الإعلامية التقليدية، أو ومن خلال وسائل التواصل الاجتماعي ، فتجد أن هناك من ينشط في أُمور تبدو بعيدة عن النظام الإيراني في مظهرها، كالدفاع عن نظام الأسد، والتخويف من الإرهاب ( الذي كثيرًا ما تقرنه تلك المنصات بالمذهب الوهابي أو التكفيري) كما تستخدم القضية الفلسطينية تكرارًا لبيان الموقف الإيراني منها، ويُسوّق لدى العامة والمتلقين العرب مفهومًا كالقول ( لقد عجزت دول عربية كبيرة عن التصدي لإسرائيل ونجح حزب الله في التصدي لها )!!

 

المطلوب من الإعلام الخليجي في فترة التحول!

 

ربما نحن الآن بحاجة إلى وضع استراتيجية جماعية، أو شبه جماعية، من أجل تنسيق السياسات ووضــــــــع الأهـــــــــــــــداف المــــــــــــــــــراد تحقيقهــــــــــــا وتحديد الوسائل المتاحة والممكنة، وتعتمد تلك الاستراتيجية على: أولا : دراسة المخاطر التي يشكلها الإعلام الإيراني (بأذرعته المختلفة) الرسمية والشعبية، في الإعلام الرسمي أو الشعبي الناطق باللغة العربية . كما تحدد ثانياً :طرق التحرك والتنسيق بين المؤسسات المختلفة والمنصات الإعلامية المختلفة، بما فيها التدريب الموحد والتثقيف السياسي والثقافة العامة [13]. إن مواجهة (الحرب الإعلامية) الإيرانية تحتاج إلى جهود منظمة وجماعية وعلمية، أما تركها للمبادرات الفردية (من مؤسسات أو أفراد) فهو الطريق الأكيد لخسارة تلك الحرب.

 

من المتوقع في عهد الإدارة الأمريكية الجديدة أن ينشغل العمل السياسي والإعلامي الإيراني بمناطحة ما يصدر من الولايات المتحدة، فقد دبت القشعريرة في مفاصل النظام، فقط من جراء تصريحات الرئيس الجديد دونالد ترامب تجاه إيران، دون أي عمل على الأرض! وخرجت المظاهرات في مدن إيران بإيعاز من النظام لشجب تلك التصريحات، إلا أن دول الخليج لم تسلم، فقد وضعت صور زعماء دول الخليج على الأسفلت في الشوارع، وفي نفس الوقت أظهرت بعض القوى في طهران (حُسن نوايا) تجاه دول الخليج، في محاولة تكتيكية ربما لكسب الوقت. تتوجه إلى تخفيف الضغط القادم من واشنطن. إلا أن اليقظة والتحوط هو المطلوب. ففي المنظور القريب والمتوسط سوف تظل إيران في الدعوة والعمل لمشروعها (الثوري)و (التوسعي)!

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*مدير مركز دراسات الخليج والجزيرة العربية ــ جامعة الكويت

 

[1] عدد كبير من الكتب عرضت لأهمية الإعلام في تغيير توجهات الجمهور، وآخر ما اطلع عليه الكاتب، كتاب عالم المعرفة الصادر في فبراير 2017م  عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب،دولة الكويت، بعنوان : تغيُر العقول ، كيف تترك التقنيات الرقمية بصماتها على أدمغتنا!! للكاتبة البريطانية البارونة سوزان جيرنفيلد .

[2] هذا التوجه واضح جداً في خطابات السيد حسن نصر الله ، وخطابات نمر النمر، وخطابات حسن مشيمع، يمكن مشاهداتها من خلال الشبكة العالمية.

[3] أكثر من مرة خاطبت السفارة الإيرانية في دولة الكويت الصحف الكويتية مباشرة، لأن هنا خبراً أو تحليلاً لم يعجبها.

[4] كما فعلت أكثر من مرة في مملكة البحرين.

[5] دراسة نبيل العتوم (صورة أهل السنة في الكتب المدرسية الإيرانية) دراسة موثقة منشورة. مركز العصر للدراسات الاستراتيجية 2012م(يمكن تحميله من الشبكة العنكبوتية) .

[6] معظم سنوات الدولة البهلوية الحديثة في إيران.

[7] اختلت قليلاً عند إعلان بريطانيا الانسحاب من شرق السويس، الذي قاد لاحقاً إلى استقلال دول الخليج ( البحرين، قطر، دولة الإمارات).

[8] من أجل تفاصيل أوسع فيموضوع العلاقات الإيرانية - الخليجية انظر : العلاقات الخليجية - الإيرانية منذ عام 1979م : الكويت نموذجاً ، مركز دراسات الخليج والجزيرة العربية، جامعة الكويت ، إبراهيم الهدبان ونواف المطيري  2016م.

 [9] عبد الله آل هيضة، صحفي في جريدة إيلاف مقال : “روح الثورة الإيرانية والطائفية في حقيبة رجال طهران “جريدة الشرق الأوسط ، يناير 2016م.

[10] شيعة أفغانستان .

[11] بدأت عاصفة الحزم في 26 مارس 2015م بتشكيل دول التحالف (المملكة العربية السعودية – دولة قطر – مملكة البحرين – دولة الإمارات العربية المتحدة – دولة الكويت – المملكة الأردنية الهاشمية – المملكة المغربية – جمهورية السودان – جمهورية مصر العربية) بالإضافة لجمهورية باكستان.

 

[12]  ما عرف بخلية العبدلي في الكويت التي لازال أفرادها في المحاكم .

[13]  في أحداث هروب سجناء من سجن في البحرين، قالت إحدى مذيعات تلفزيون عربي خليجي إن الهروب من (سجن جٌو) بضم الجيم والنطق الصحيح جًو) فتحة على الجيم ، أو كما تنطق محلياً ( يَو) بتغير الجيم إلى ياء ، لكن لا معد النشرة ولا المذيعة لديهم الثقافة المحلية، ذلك فقط مثال من أمثلة نقص التدريب، عدا الفقر في الثقافة العامة.!

مجلة آراء حول الخليج