أثار افتتاح حلف شمال الأطلسي "الناتو" مركزًا إقليميًا للحلف في دولة الكويت في الرابع والعشرين من يناير2017م، العديد من التساؤلات حول واقع ومستقبل الشراكة الخليجية – الأطلسية، فعلى الرغم من أن الكويت هي إحدى الدول الخليجية الأربع التي وقعت على مبادرة اسطنبول للتعاون التي أطلقها الحلف في قمته عام 2004م، وهي" الإمارات، الكويت، البحرين، وقطر"، إلا أن تلك الخطوة الجديدة والتي تعد مأسسة لتلك العلاقات ترتب العديد من الدلالات وفي الوقت ذاته أثارت أربعة تساؤلات أولها: ما هو حصاد مبادرة اسطنبول منذ إطلاقها عام 2004م، وحتى 2016م ؟ وثانيها: ما هي مضامين ذلك القرار وتوقيته؟ وثالثها: ما هي انعكاسات ذلك التطور على مسار الشراكة الخليجية-الأطلسية خاصة وعلى الأمن الإقليمي عمومًا؟ ورابعها: ما هي معوقات تطور الشراكة الخليجية-الأطلسية؟
أولاً: حصاد مبادرة اسطنبول (2004-2016م):
أدى الغزو الأمريكي للعراق عام 2003م، إلى تكريس الخلل في توازن القوى الإقليمي مع خروج العراق من دائرة التفاعلات الإقليمية ومن تنامي النفوذ الإقليمي لإيران، الأمر الذي حدا بدول الخليج البدء في تنويع شراكاتها الأمنية الدولية ومن بينها مبادرة اسطنبول للتعاون الاستراتيجي مع حلف الناتو عام 2004م، بهدف التعاون الأمني الثنائي العملي بين حلف الناتو كمنظمة دفاعية وبلدان منطقة الشرق الأوسط على أن تبدأ بدول مجلس التعاون وتتضمن المبادرة ستة مجالات للتعاون الأمني يمكن لدول الخليج الاختيار فيما بينها وهي:
1- تقديم الاستشارات في المجالات الدفاعية.
2- تشجيع التعاون العسكري-العسكري.
3- مكافحة الإرهاب من خلال تبادل المعلومات والتعاون البحري.
4-المساهمة فيما يقوم به الحلف من أعمال لمواجهة التهديدات التي تمثلها أسلحة الدمار الشامل ووسائل إيصالها.
5-تشجيع التعاون في مجال أمن الحدود.
6-تشجيع التعاون في مجال التخطيط لحالات الطوارئ المدنية.
وبتحليل تلك المضامين نجد أنها تعكس ثلاثة أمور الأول: أنها تتضمن مزيجًا من الجوانب الأمنية والعسكرية. والثاني: أنه على الرغم من أن حلف الناتو هو منظمة دفاعية بالأساس فإنه يقدم نوعي "الأمن الصلب" و"الأمن الناعم" في الوقت ذاته من خلال تضمن المبادرة مجالات الاستشارات والتخطيط والتدريب والتعليم. والثالث: أن المبادرة ليست مفروضة على الدول الشريكة بل أن لكل دولة اختيار ما يلائمها من مجالات للتعاون وفقاً لاحتياجاتها، وقد أعلنت أربع من دول مجلس التعاون وهي" الكويت، الإمارات، والبحرين، وقطر" الانضمام لتلك المبادرة بينما ظلت كل من المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان خارج إطارها.
وقد شهدت العلاقة بين حلف الناتو والدول الأربع تطورات مهمة منذ إطلاق المبادرة حيث أجريت مناورات بحرية بين دول المبادرة والحلف عام 2008م، فضلاً عن مساهمة بعض دول المبادرة في عمليات الحلف في أفغانستان، وكذلك في العمليات الجوية في ليبيا عام 2011م، بما يعكس دلالة مهمة وهي أن دول الخليج تعد مقدمًا للأمن وليس مستهلكًا له كما يتم الترويج له، بالإضافة إلى إعلان بعض دول المبادرة افتتاح بعثات دبلوماسية لها في مقر الحلف في بروكسيل يرأسها دبلوماسي بدرجة سفير وهو ما يعني رغبة دول الخليج في التعرف على تلك المنظمة عن قرب، وعقد العديد من المؤتمرات المشتركة بين الجانبين سواء في الدول أعضاء المبادرة أو في مقر حلف الناتو ببروكسيل،وذلك لبحث مسار الشراكة وإمكانية تطويرها،ناهيك عن برامج الشراكة الفردية التي تقوم بتنفيذها الدول أعضاء المبادرة،كان آخرها برامج الشراكة للأعوام 2016-2018م، وتتضمن التعاون السياسي وتبادل الخبرات في مجال الأمن والدفاع،وهي البرامج التي تضمنت تلبية للاحتياجات الأمنية لدول الخليج منذ إطلاق المبادرة وحتى الآن.
ثانيًا:افتتاح المقر الإقليمي للحلف في الكويت:
ضمن مسار مبادرة اسطنبول للتعاون أعلن حلف الناتو افتتاح المركز الإقليمي للحلف في 24 يناير2017م، والذي جاء وفقًا لاقتراح تقدمت به دولة الكويت خلال قمة الحلف بشيكاغو عام 2012م، ثم الإعلان عن تخصيص قطعة أرض تبلغ مساحتها 5000 متر كمقر لذلك المركز، وهو الأمر الذي أعلن الحلف قبوله،ويكتسب ذلك المركز أهمية بالنظر إلى كونه أول مركز للحلف خارج حدوده حيث سوف يضم بعض موظفي الحلف وموظفين من الدولة المضيفة وخاصة من جهاز الأمن الوطني بدولة الكويت الذي سيكون منوطًا به إدارة ذلك المركز والذي سيقدم في المرحلة الأولى من عمله دورات تدريبية في مجالات الأمن الإلكتروني وإدارة الأزمات وأمن الطاقة والحوادث والطوارئ الكيماوية والبيولوجية والإشعاعية والنووية والتخطيط للطوارئ المدنية، ويلاحظ تلك الدورات هي ذاتها بعض المجالات التي تضمنتها مبادرة اسطنبول بما يعني أن المركز يعد آلية أكثر فاعلية لتنفيذ مضامين المبادرة وبرامج الشراكة الفردية للكويت ولبقية دول المبادرة، فضلاً عن كونه يضفي بعدًا مؤسساتيًا على تلك الشراكة، الجدير بالذكر أن الكويت وقعت مع حلف الناتو اتفاقية لتبادل المعلومات السرية عام 2006م، فضلاً عن توقيع اتفاقية "تسهيل العبور" مع الحلف في فبراير2016م، والتي تتضمن"تسهيل مرور قوات الحلف إضافة إلى المعدات والتجهيزات إلى مهمة الحلف في أفغانستان" وفقما أشار إليه الأمين العام للحلف ينس شتولتنبرج، ومع أهمية تلك التطورات فإنه ينبغي تحليلها ضمن سياقها الصحيح حيث لوحظ وجود العديد من الكتابات التي حاولت الترويج لفكرة سعي الحلف للتواجد عسكريًا في منطقة الخليج العربي كبديل للولايات المتحدة وغيرها من التحليلات التي لم تخل من تفسيرات ترتبط بشكل وثيق بالصورة الذهنية السائدة عن الحلف إبان الحرب الباردة،أو ربما عدم الدراية بحلف الناتو كمنظمة وكيفية عملها وأهدافها وكيف تطورت؟ صحيح أن للحلف اهتمام بالغ بدول الخليج والتي وصفها الأمين العام للحلف خلال زيارة لدولة الإمارات العربية المتحدة بالقول" إن دولة الإمارات ودول مجلس التعاون الأخرى شركاء ذو قيمة عالية لدى الحلف" بالنظر إلى اعتبارات عديدة ليس أقلها المخاطر والتهديدات المشتركة منها الإرهاب وأمن الطاقة إلا أن ذلك لن يكون سببًا لتواجد أطلسي عسكري في منطقة الخليج العربي حيث كانت- وستظل- الاستراتيجية العسكرية للحلف ترتبط بشكل أساسي بالميثاق المنشئ له وخاصة المادة الخامسة والتي تنص علىأن "أي هجوم على أي من الدول أعضاء الحلف يعد هجومًا على كافة أعضائه بما يعني حق تلك الدولة سواء منفردة أو بمساعدة الدول الأخرى أعضاء الحلف بصد ذلك الاعتداء" بما يعني أن الحلف لن يتواجد عسكريًا خارج أراضيه إلا إذا تعرضت مصالح أعضائه لخطر مباشر يتم تقديره من قبل أعضائه الثماني والعشرين، ولايعني ذلك أن حلف الناتو ظل بعيدًا عن الأزمات الإقليمية في منطقة الخليج العربي بل تدخل مرتين لكن ليس تحت مظلة الحلف كحالة ليبيا عام 2011م، وإنما من خلال الدول الرئيسية في الحلف الأولى: خلال الحرب العراقية-الإيرانية في الثمانينيات ضمن ما عرف بحرب الناقلات لحماية ناقلات النفط الخليجية من الاعتداءات الإيرانية، والثانية: خلال حرب تحرير دولة الكويت عام 1991م، من ناحية أخرى فإن عمل الحلف لا يرتبط بالميثاق المنشئ له فحسب حيث استحدث ما يسمى المفهوم الاستراتيجي والذي يصدر كل عشر سنوات، وقد صدر الأول عام 1999م،أما الثاني فقد صدر عام 2010م، ومضمون ذلك المفهوم هو مراجعة شاملة من جانب أعضاء الحلف للتحديات الأمنية التي تواجه أعضاء الحلف وكيفية مواجهتها،بحيث يكون ذلك المفهوم مكملاً للميثاق المنشئ للحلف ولا يتعارض مع مضمونه وطبيعة الحلف،ومن القضايا المهمة التي تضمنها المفهوم الاستراتيجي عام 2010م، على سبيل المثال ما جاء فيه "أنه من شأن حالات عدم الاستقرار في مناطق ما وراء حدود الدول الأعضاء أن تشكل تهديدًا مباشرًا لأمن الحلف الأمر الذي يتطلب درء مخاطر الإرهاب العالمي من خلال التشاور مع أكبر شركاء الحلف"، بما يعكس إدراك الحلف للتهديدات التي تواجه أعضاءه وتقع خارج النطاق الجغرافي لها وتتطلب خطط واستراتيجيات للتصدي لها.
ثالثًا: انعكاسات افتتاح المقر الجديد للحلف على مسار الشراكة مع دول الخليج والأمن الإقليمي:
انطلاقًا مما سبق فإن الحلف يقدم ما يطلق عليه"القيمة المضافة للأمن" من خلال تنوع وتعدد الأنشطة التي يمكنه الاضطلاع بها، على الرغم من أن الحلف منظمة دفاعية بالأساس وفقًا للميثاق المنشئ له عام 1949م، إلا أنه يمكنه تقديم أنواع عديدة من الأمن ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر خبرة الحلف في مجال إدارة الأزمات وفي هذا السياق فقد قدم حلف الناتو تدريبًا عمليًا في عام 2013م، لحماية المدنيين أثناء الحروب استفاد منه 100 ألف فرد في عدد مدن أردنية،وهو الأمر الذي يمكن لدول الخليج الاستفادة منه حيث أن مخاوف تلك الدول لا تكمن في احتمال تخطي إيران العتبة النووية فحسب بل في إمكانية حدوث تسرب إشعاعي من إحدى المفاعلات النووية التي ربما لم تراعى فيها إجراءات السلامة النووية،وخاصة في ظل قرب تلك المفاعلات من بعض المدن الخليجية الرئيسية ووقوع كافة محطات تحلية المياه على ساحل الخليج العربي بما يعني إمكانية تلوث مياه الخليج من جراء حوادث مفاجئة قد تشهدها المفاعلات النووية الإيرانية.
من ناحية أخرى، فإن تنامي العلاقات بين الناتو ودول الخليج من شأنه أن يسهم في تحقيق التوازن الإقليمي انطلاقًا من المصالح الجوهرية للحلف في منطقة الخليج العربي وجوارها الجيواستراتيجي وهو ما تمثل في إرسال الحلف للمرة الأولى قطع بحرية للمساهمة في مكافحة القرصنة في خليج عدن عام 2008م، وفقاً للقرار الأممي في هذا الشأن، ولاشك أن تواجد تلك القوات لمواجهة تهديدات الأمن البحري حتى ولو بعدد محدود والتي يمكن أن تجري مناورات بحرية من آن لآخر من شأنه كبح أي مغامرات إقليمية غير محسوبة قد تقوم بها قوة إقليمية في ظل الانحسار النسبي للولايات المتحدة عن الأزمات الإقليمية، وسعي روسيا لملء "حالة الفراغ الاستراتيجي" وهو ما يمثل أيضًا تحديًا لحلف الناتو حيث أن المناطق التي تستهدفها روسيا هي ذاتها الشراكات الإقليمية للحلف.
من ناحية ثالثة، نجد أن الحلف لديه خبرة بشأن تدريب وبناء قوات الأمن في كل من دول أوروبا الشرقية وأفغانستان والعراق،وبالتالي ربما يكون لدى الحلف خطط لدعم قوات الأمن في دول الجوار وخاصة في اليمن، حيث أنه توجد ركيزة دولية لذلك الدور تتمثل في قرار مجلس الأمن رقم 2151 الصادر في 29 إبريل 2014م، بشأن ضرورة إصلاح القطاع الأمني في مناطق ما بعد الصراعات كأساس للأمن والاستقرار الإقليمي، ومع أن القرار قد أشار إلى أن ذلك منوط بالحكومات الوطنية، فإنه قد تضمن أيضًا إمكانية التعاون بين الدول الأعضاء في المنظمة الدولية والمنظمات الإقليمية ودون الإقليمية وفقًا للفصل الثامن من ميثاق منظمة الأمم المتحدة، ولدول الخليج مصلحة استراتيجية في بناء قطاع الأمن اليمني مجددًا في ظل بقاء كافة سيناريوهات الأزمة اليمنية قائمة بما في ذلك إمكانية حدوث حرب أهلية يمنية والتي سوف تكون تحديًا هائلاً لأمن دول الخليج ليس أقلها تدفق اللاجئين إلى الحدود اليمنية- العمانية والتي تبلغ 280 كم، والحدود السعودية –اليمنية والتي تبلغ 1800كم، الجدير بالذكر أن مسؤولي حلف الناتو أعلنوا في 5 فبراير 2016م، عن بدء برنامج في الأراضي العراقية لتدريب قوات الأمن على تعطيل العبوات الناسفة التي يستخدمها تنظيم داعش، حيث سوف يشارك 30 جنديًا من قوات الحلف في الدورة الأولى التي سوف تستمر خمسة أسابيع وسيجري ذلك البرنامج بالتوازي مع تدريبات يقوم بها حلف الناتو في العراق على صعيد التعاون المدني العسكري، ويذكر أن قمة الناتو في وارسو 2016م، قد وافقت على نقل تدريبات كانت تجرى في الأردن إلى العراق.
من ناحية رابعة فإنه يجب الأخذ في الاعتبار أن حلف الناتو سيكون معنيًا بشكل أكبر بالصراعات الإقليمية الراهنة لسببين الأول: هو أن التحديات الإقليمية الراهنة عمومًا ومنها الأزمة السورية على نحو خاص أدت إلى التشابك الواضح بين جبهتي التهديدات التي تواجه الحلف وهما الجبهة الشرقية والجبهة الجنوبية وهو ما أكده أحد مسؤولي الحلف بالقول" اعتدنا الحديث عن التهديد الشرقي والتهديد الجنوبي ولكن الجبهتين تشابكتا الآن"،أما السبب الثاني فهو: أن دول الخليج أعضاء مبادرة اسطنبول تعد جزءًا من التفاعلات الإقليمية تتفاعل معها تأثرًا وتأثيرًا،ومن ذلك على سبيل المثال الأزمة السورية الراهنة وإعلان بعض دول الخليج استعدادها للتدخل عسكرياً في تلك الأزمة التي تمثل تهديدًا إقليميًا لدول عديدة ومن بينها تركيا أحد أعضاء الحلف يعني أن دول الخليج بإمكانها دعم أمن الناتو على حدوده الشرقية" تركيا".
وقد جاءت تلك ضمن تنامى اهتمام الحلف ليس فقط بأمن الخليج العربي بل وبالأمن الإقليمي عمومًا في ظل إثارة التساؤلات لدى شركاء الحلف سواء في مبادرة اسطنبول 2004م، أوالحوار المتوسطي1994م، بشأن مدى استجابة الحلف للتهديدات التي تواجه هؤلاء الشركاء منذ عام 2011م، وحتى الآن وفى مقدمتها الإرهاب، أخذًا في الاعتبار أن الحلف انضم إلى التحالف الدولي ضد داعش من خلال إرسال طائرات إيواكس للمراقبة وتعد تلك الطائرات المزودة برادارات قوية ضمن التجهيزات النادرة التي توضع تحت تصرف الحلف بشكل مباشر، كما يمكن تحويل تلك الطائرات إلى مراكز قيادة لتنسيق عمليات القصف والعمليات الجوية الأخرى.
رابعًا: معوقات الشراكة الخليجية -الأطلسية:
على الرغم من أهمية الشراكة الخليجية – الأطلسية وخاصة في ظل ما تقدمه من مجالات أمنية ودفاعية متنوعة تتناسب واحتياجات دول مجلس التعاون فإنه لا تزال هناك عدة معوقات تواجهها وهي:
1- إطار مبادرة اسطنبول ذاته والذي يؤسس على مبدأ الكل+1 أي حلف الناتو كمنظمة دفاعية مقابل كل دولة خليجية على حدة، ومع أن تلك الصيغة تتيح قدرًا من المرونة لدول المبادرة لاختيار ما يتناسب واحتياجاتها الأمنية فإنها في الوقت ذاته تحد من وجود إطار جماعي للشراكة في ظل تجانس دول مجلس التعاون على المستويات السياسية والاقتصادية بل والاجتماعية بما يعني أهمية وجود رؤية خليجية موحدة من شأنها تعزيز الموقف التفاوضي الجماعي ضمن تلك الشراكة (صيغة 28+4).
2- مع أن قرار تأسيس الشراكات الأمنية والدفاعية للدولة هو حق سيادي لها فإن وجود كل من المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان بما لهما من ثقل إذ يمثلان حوالي 70% من النفقات الدفاعية لدول المجلس، يعني وجود أكثر من تصور أمني لمثل تلك الشراكات وبالتالي تظل الفائدة منها محدودة أو بالأحرى تكون مفيدة لكل دولة خليجية على حدة وقد لا ينعكس بالضرورة على أمن الخليج ككل.
3- عدم وجود ضمانات أمنية محددة من جانب الحلف لدول الخليج سواء بسبب ميثاق الحلف أو توجهات الحلف الجديدة بشأن الدفاع الذكي والاعتماد على المساهمات الإقليمية في عمليات الحلف، حيث لا تزال دول الخليج تواجه مخاطر إقليمية عديدة ليس أقلها التهديدات الإيرانية سواء بالنسبة للتسلح التقليدي وطرق الملاحة أو الغموض بشأن البرامج النووية الإيرانية وهي مخاوف يجب أن يتم ترجمتها من جانب الحلف في آليات محددة لحماية أمن دول الخليج حال تعرضها لتهديدات مباشرة، أخذًا في الاعتبار أن هناك أسباب تدعو حلف الناتو للتصدي للتهديدات الإيرانية سواء ضمن مظلة دولية أو بشكل منفرد ومنها أن المناطق التي تضم مصالح جوهرية للحلف هي ذاتها المناطق التي تسعى إيران للتغلغل فيها وتهديدها سواء أكانت منطقة الخليج العربي ودول جوارها أو منطقة آسيا الوسطى، من ناحية أخرى فإن سعي إيران للسيطرة على مضيقي هرمز وباب المندب لا يمثل تهديدًا لدول الخليج فحسب بل أنه تهديد للأمن العالمي بالنظر إلى الأهمية الاستراتيجية لتلك الممرات والتي لوحظ أنها تواجه تهديدات من جانب إيران سواء بالنظر إلى محاولة بعض الزوارق الإيرانية الاقتراب من مدمرة أمريكية في مضيق هرمز، أو استهداف سفينة إغاثة إماراتية وفرقاطة سعودية لاعتداءات من جانب الميلشيات الحوثية المدعومة من إيران، وفي ظل عدم وجود آلية دولية فاعلة لردع إيران فإن حلف الناتو بإمكاناته العسكرية الهائلة والقواعد العسكرية لدوله الرئيسية والتي تحيط بإيران من جهات عديدة يتعين أن تكون عامل ردع لإيران ضد أي تهديدات محتملة لدول الخليج، صحيح أن الحلف لم يكن بعيدًا عن تطورات المفاوضات النووية التي أفضت إلى توقيع الاتفاق النووي في يوليو2015م، حيث أكد الأمين العام للحلف ينس ستولنتبرج على أهمية" التنفيذ الكامل للاتفاق النووي بين إيران ومجموعة 5+1 وأن يتم تنفيذ آليات التحقق من التزام إيران بتنفيذ بنوده كاملة" إلا أن المخاطر الإيرانية لا يمكن اختزالها في المسألة النووية التي استطاعت إيران توظيفها كمظلة لتحقيق مشروعها الإقليمي الذي يتناقض ومبادئ القانون الدولي التي نصت على احترام سيادة الدولة وعدم التدخل في شؤونها الداخلية.
4- تغير البيئة الأمنية الإقليمية، حيث أن البيئة الراهنة تختلف عن تلك التي أطلقت فيها المبادرة وخاصة ظهور الجماعات المسلحة دون الدول التي تهدد كيان الدولة الوطنية الموحدة فيما يطلق عليه" الحروب غير النظامية"، بالإضافة إلى تنامي مخاطر الإرهاب الإلكتروني ولدى الحلف خبرات متميزة في هذا المجال، ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر التساؤل حول مدى إمكانية تقديم حلف الناتو مساعدة أمنية عاجلة لإحدى دول الخليج حالة تعرضها لهجوم إلكتروني شامل على غرار استجابة الحلف لهجمات كوسوفو1999م، وإستونيا2007م، وهي الهجمات التي حدت بالحلف إلى صياغة سياسة للدفاع الإلكتروني عام 2008م، وتم تطويرها خلال القمم اللاحقة للحلف، فضلاً عن حالة التأزيم المزمنة التي تشهدها دول الجوار الإقليمي والتي أضحت ساحة لصراع إقليمي- إقليمي، وإقليمي - دولي مما يضفي المزيد من التعقيد على عمل مبادرة اسطنبول أو بالأحرى إيجاد فجوة بين ما تضمنته المبادرة ومستجدات تهديد الأمن الإقليمي الخليجي.
خاتمة: مقترحات تطوير الشراكة الخليجية –الأطلسية:
مع التسليم بأن هناك تحديات تواجه الشراكة بين حلف الناتو ودول الخليج فإن ذلك لا يعني تعثر تلك الشراكة أو الادعاء بأنها أقل أهمية مقارنة بعلاقات دول الخليج بشكل ثنائي، ولكن تلك الشراكة تكتسب أهمية بالغة ليس وفقًا لمضامينها فحسب وإنما بالنظر إلى سياقها الإقليمي والدولي، سواء بالنسبة لحالة التأزيم المزمنة التي يشهدها الأمن الإقليمي وتتطلب تنسيقًا مستمرًا بين دول الخليج ومنظمة بحجم الناتو، أو بالنسبة لتعثر الحوار الخليجي الأوروبي، والجدل حول تأثير خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على مستقبل تلك المنظومة ككل، فضلاً عن التوجهات الأمريكية الجديدة، وجميعها مستجدات تعزز من خيار "تنويع الشراكات الدولية لدول الخليج" وفي ظل امتلاك الحلف لقدرات عسكرية هائلة تفوق تلك التي لدى الأطراف الدولية الأخرى، يمكن اقتراح عدة آليات لتطوير الشراكة الخليجية- الأطلسية، أولها: في ظل عدم إمكانية تغيير هيكل مبادرة استانبول في الوقت الراهن فربما يكون من المفيد للحلف إطلاق حوار استراتيجي مع دول مجلس التعاون ككتلة واحدة من أجل إقامة جسور من الفهم المشترك للتحديات الأمنية والتي بدورها سوف تؤدي إلى دعم مبادرة استانبول، وثانيها: إمكانية تعظيم الفائدة من الشراكة مع حلف الناتو وخاصة على صعيد الأمن البحري حيث لدى الحلف خبرات متنوعة في هذا الشأن ابتداءً بتأسيس الحلف "قوة المسعى النشط " لحماية السفن في البحر المتوسط من العمليات الإرهابية ومرورًا بمشاركة الحلف ضمن عمليات" درع المحيط" للتصدي للقرصنة في المحيط الهندي وانتهاءً بقرار الحلف تأسيس قوات تسمى رأس الحربة في قمة ويلز 2014م، والتي تتضمن قوات من كافة أفرع القوات المسلحة ومنها القوات البحرية ولديها القدرة على الانتشار والعمل خلال 24 ساعة، وفي ظل تهديدات الأمن البحري التي تواجهها دول الخليج الأمر الذي حدا بها لتأسيس "قوات الواجب البحري الموحد81" في عام 2014م، فإنه يمكن لحلف الناتو تعزيز تلك القوة بالتدريب والاستشارات حتى يمكنها ممارسة الردع ضد أي تهديدات للأمن البحري لدول المجلس في ظل استمرار الأزمات الإقليمية الراهنة، وثالثها: في ظل مقترح المملكة العربية السعودية عام 2011م، بتحول دول مجلس التعاون إلى " الاتحاد الخليجي" فإن الجوانب الدفاعية ضمن ذلك الاقتراح تكتسب أهمية بالغة لما سوف تحققه من توازن للقوى وبالتالي يمكن لدول الخليج الاستفادة من تجربة الحلف بشأن تقسيم قواته المسلحة " قوات الرد السريع -قوات الدفاع الأساسية -قوات التعزيز -قوات المهمات المتجمعة المشتركة" سواء بتطوير قوات درع الجزيرة أو تعزيز الجوانب الدفاعية عموماً، بالإضافة إلى إمكانية استحداث دول الخليج ما يسمى "المفهوم الاستراتيجي الخليجي" على غرار مفهوم الحلف ولكن ربما كل ثلاث أو خمس سنوات وذلك للاستجابة للتحديات الأمنية التي تواجهها تلك الدول وهو ما يتكامل مع الميثاق المنشئ للمجلس ولا يتعارض معه، من ناحية أخرى يمكن لدول الخليج دراسة هيكل الحلف ذاته سواء بالنسبة للجنة السياسية أو الدفاعية وإمكانية الاستفادة منها في تطوير هيكل الأمانة العامة لمجلس التعاون.
ومع أهمية ما سبق وبرغم أهمية هذه الشراكة للجانبين سواء لدول الخليج ضمن متطلبات الحفاظ على أمنها القومي، أو بالنسبة لحلف الناتو باعتبار تلك الشراكة هي جزء من الشراكات الإقليمية، وتنامي عمل الحلف خارج أراضيه فإن التساؤل الذي أثير-ولايزال-هو هل تتضمن شراكة الحلف مع دول الخليج مزايا نوعية تتناسب والثقل الاستراتيجي والدور الإقليمي لدول المجلس أم أن تلك الشراكة هي جزء من تصور أطلسي للشرق الأوسط ككل ودول الخليج هي جزء منه؟